هنالك أحلامٌ تتخطى الأمنيات ويتحقق فيها كل شيء .. تتجاوز المعجزات وتصل إلى حدود المستحيل .. فهل هي ممنوعة يا ترى؟
كأنْ تحلُم بأنك فتحت مغارة علي بابا .. أو حصلت على فانوس علاء الدين السحريّ .. وبالتالي أصبح لديك ماردٌ يأتمر بأمرك !
ولكن من منا يستطيع التحكّم بأحلامه ؟..
فالحلم مهما طال .. هو مجرّد ثوان ..سيالاتٌ عصبية شاذة ضلّت طريقها في عقلك الباطن .. فتجسّدت صوراً متداخلة بين أمنياتك ومخاوفك .
من هو مؤلف تلك الأفلام التي تشاهدها في نومك ؟... وهل هي مقدّمة مشوّقة لعرضٍ سينمائي حقيقي قادم؟
مستحيلٌ أن تصبحَ ملكة جمال الكون .. ولو حلُمَتْ بذلك مراراً وتكراراً.. ولو خضَعتْ لكلّ عمليات التجميل المعروفة..
مستحيلٌ فيما تبقّى لها من العمر أن تصبحَ زوجة الرئيس !.. ويسمّونها السيدة الأولى ..هذا مستحيل يا سندريلا .. حتى ولو أضعتِ فردة حذائك في القصر الملكي.
تلك الأحلام المستحيلة يتوجّب حذفها أثناء النوم .. بسبب استحالة متابعتها في أحلام اليقظة .. ويجب عدم التفوّه بمكنوناتها لأن المفسّرين يفسّرونها عكسياً.. فثوب العرس في المنام هو الكفن القادم .. ومن يحلم أنه ملكٌ على العرش وحوله كبار القوم سيبشره المفسرون بأنه سيُسجن انفرادياً .
ولكنْ ..هل تعتبر هذه الأحلام ممنوعة ؟
فليحلُم كل واحد منكم على مقاسه .. لا تتطاول .. أنت طولك معروف وهو طول الحفرة التي ستسكنها أخيراً.. لماذا تتقافز هنا وهناك في كلامك ومنامك؟ .. عادة تنام بدون عشاء فلماذا تتخبّط في أحلامك ؟...
والمعذبون في الأرض هم الذين يحلمون وتصطدم أحلامهم بالواقع .. دونهم أسوارٌ وحواجز وجدران .. ووظيفتهم فقط الرّكوع إزاءها .. ليمتطيهم المحظيون ويرتقون فوقهم .. هذا هو الدور المُسند لهم ..
هنالك من سيعتلي الحصان وهناك من سيشبك يديه كركاب للفارس الصنديد .. ويجب أن تكون الأيدي نظيفة حتى لا تتسخ الأحذية اللماعة ...والحصان أيضاً يعرف ذلك ويهزُّ رأسه موافقاً!
لماذا وزّع رب العالمين الأدوار بهذه الطريقة في عربة الحياة ؟
وضع البعض داخلها حيث الدفء ووسادات الحرير .. وأمر البعض أن يجرّوها ويجرّونها فقط .. وعندما يتعبون يخرج من في العربة ويلهب ظهرهم بالسياط ..ويخطب فيهم قائلاً.. لا تتوقفوا أهم شيء عندنا الوتيرة التي تسير وفقها المسيرة.
هم لا يعرفون الوتيرة .. قد تكون أنثى الوتير ..ولا يعرفون المسيرة ولا إلى أين تسير!
ويسير إلى جانب العربة ما يسمونهم بالحداة أو الحوادير.. تعرفهم من ذقونهم الكبيرة .. ويجب أن يكونوا رجالاً فقط ..هم رجال الدين والفقهاء والفلاسفة ..يبررون تلك المسرحية باعتبارها من المسلّمات .. مكتوبة في الكتب المقدسة .. ويجب الإيمان بها هكذا
ويوجهون صلواتهم إلى الجوارير فقط .. يدعونهم للتوبة إذا ملّوا من الجرّ .. ويذكرونهم بالفرائض..الصيام والصلاة والزكاة .. ويطلبون منه مبايعة المجرور تكراراً..
والجارّ نصيبه الجنة حتماً ..فطوبى له
والمجرور مشكوكٌ بمستقبله ..
فطوبى لكم أيها المساكين لأنّ لكم ملكوت السموات !
والجارّ يلد جريراً له .. ويعلّمه الجرّ .. ويسمونه جرّير .
والمجرور يلد مجروراً لأجله .. ويقمّطونه بالحرير ..
وهكذا دواليك ..
وتسير العربة بفعل الجار والمجرور .. وعلامة جرّه السكون (أي لا تفتح فمك )..وإلا ستعود علامة الجرّ المعروفة .. (الكسرة الظاهرة على جبينك وعيونك وأنفك أيضاً .. إلى آخره ).. وليس على آخره
بدأت أحلامها تقضّ مضجعها عندما نظرت الى الخلف في حمأة الجر والحر والقر التي ترزح تحتها ... فوجدت إحداهن تلوّح من نافذة العربة بالمناديل الحريرية للجماهير المحتشدة على الرصيف ..ثم أفلت منديل من يدها .. فتهافتت إليه الجموع .. فهو يحمل رائحة المجرور!
قالت :
- دعوني أتزيّن به قليلاً .. ألفّه على عنقي كوشاح عندما أسهر مع النبلاء في أحلامي ..أريه لأولادي ليعرفوا ملمس الحرير .. ولو تلوّث بعرقهم.. عندها سأغسله وأعيده إليكم نظيفاً.. والله سأفعل ذلك .. فأنا أحسن الغسيل بالماء البارد على ضفة النهر .. سأنشفه بالشمس .. وأطيّبه بزهر الياسمين البرّي .. وأعيده إليكم طاهراً
أجابوا :
-كل ذلك العذاب مصدره أنك تسترقين النظرات الى الخلف .. فتوافرت لديك المادة الحلمية المؤرّقة لك والمُقلقة لغيرك ... أنت من فئة الجوارير .. فلماذا تبصبصين على المجارير؟
-فعلاً ..أسترق النظرات لتكون مادة لأحلامي .. أعرف أنها مستحيلة .. لكنها تخدّرني وتسعدني .. كأي فنان يريد أن يرسم وردة أو امرأة جميلة لأنه يعيش في عالمٍ من القبح .. فيتلصّص على جارته .. يحلم بها ثم يرسمها .. يصنع منها نسخة أخرى خاصة به
-لكنه سينتهي في المحكمة إن ظهرت الصورة إلى العلن .. إنها من المحرمات والمحصنات .. ويدخلون اليه ويحطمون اللوحة على رأسه
-عندها سيضطر أن يقفز من فوق السور .. ويختلي بجارته وجهاً لوجه فصورتها لاتفارق مخيلته..
-وسيضطرون أيضاً .. أن يفقؤوا عينيه كي لا يراها .. أو يكسروا رجله كي لا يتنطّط فوق الأسوار!
قالت وقد بلغ التخيّل منها مبلغاً:
-والله أنا أحلم أحياناً بأن أصعد إلى العربة .. مهلاً.. مهلاً لا.. لا تغضبوا مني ..أنا أحلم بأن أنظف أرضيتها المتسخة فقط .. قد أسرق منديلا حريرياً .. أو ورقياً مستعملاً .. (ففيهما رائحة المجارير )..أضعه على وسادتي..
فأحلم بأنني أعيش فوق خط الفقر .. ولا أنتظر نهاية الشهر .. (حلمٌ عاديٌّ مسموح).. أليس كذلك ؟
وأحلم أنني أقود إحدى العربات أوأمتلكها .. (حلمٌ مستحيل .. بل وممنوعٌ من الصرف) والصّرف هنا مصدره تصريف على وزن تخريف..
كالعملة الصعبة ..صعبة التصريف ..
وكطعامٍ غنيٍّ بالدسم .. أيضاً صعب التصريف .. لذلك لا أتناوله .. أحلم به فقط.
قال لي أحد الجوارير .. وكان جارَاً لي .. وجارّاً مشهوداً له بالقوة والحكمة ..لكنْ جارَ عليه الزمان جوراً .. قال:
-فرصتكِ الوحيدة بالدخول إلى العربة .. هي أن تتنازلي عن حرف الراء الأخير منك .. فترتقي من الجوارير إلى الجواري!
-حتى هذا الأمر صعبٌ عليّ .. ليسَ ادعاءً للشرف .. بل لأني لا أملك المؤهلات المطلوبة .. ما رأيك لو تعطلت تلك العربة ؟.. سنقوم بإصلاحها ونرى ما فيها من الداخل
-لن تتعطل إلا إذا وضعنا العِصيّ في الدواليب .. أو نقلب العربة بطريقة قلب المائدة بما فيها وما عليها .. هذه أفكارٌ صعبة عليك .. هم يطبقون علينا سياسة العصا والجزرة .. وهي تجعلنا نسير دوماً للأمام كجيش جرّار .. ونجرُّ جريرتنا معنا .. ونجترُّ أحلامنا المستحيلة .. لا نرويها لأنها ممنوعة من الصرف ... بل نقول فقط .. رفقاً بالجوارير!..
د. جورج سلوم
******************
كأنْ تحلُم بأنك فتحت مغارة علي بابا .. أو حصلت على فانوس علاء الدين السحريّ .. وبالتالي أصبح لديك ماردٌ يأتمر بأمرك !
ولكن من منا يستطيع التحكّم بأحلامه ؟..
فالحلم مهما طال .. هو مجرّد ثوان ..سيالاتٌ عصبية شاذة ضلّت طريقها في عقلك الباطن .. فتجسّدت صوراً متداخلة بين أمنياتك ومخاوفك .
من هو مؤلف تلك الأفلام التي تشاهدها في نومك ؟... وهل هي مقدّمة مشوّقة لعرضٍ سينمائي حقيقي قادم؟
مستحيلٌ أن تصبحَ ملكة جمال الكون .. ولو حلُمَتْ بذلك مراراً وتكراراً.. ولو خضَعتْ لكلّ عمليات التجميل المعروفة..
مستحيلٌ فيما تبقّى لها من العمر أن تصبحَ زوجة الرئيس !.. ويسمّونها السيدة الأولى ..هذا مستحيل يا سندريلا .. حتى ولو أضعتِ فردة حذائك في القصر الملكي.
تلك الأحلام المستحيلة يتوجّب حذفها أثناء النوم .. بسبب استحالة متابعتها في أحلام اليقظة .. ويجب عدم التفوّه بمكنوناتها لأن المفسّرين يفسّرونها عكسياً.. فثوب العرس في المنام هو الكفن القادم .. ومن يحلم أنه ملكٌ على العرش وحوله كبار القوم سيبشره المفسرون بأنه سيُسجن انفرادياً .
ولكنْ ..هل تعتبر هذه الأحلام ممنوعة ؟
فليحلُم كل واحد منكم على مقاسه .. لا تتطاول .. أنت طولك معروف وهو طول الحفرة التي ستسكنها أخيراً.. لماذا تتقافز هنا وهناك في كلامك ومنامك؟ .. عادة تنام بدون عشاء فلماذا تتخبّط في أحلامك ؟...
والمعذبون في الأرض هم الذين يحلمون وتصطدم أحلامهم بالواقع .. دونهم أسوارٌ وحواجز وجدران .. ووظيفتهم فقط الرّكوع إزاءها .. ليمتطيهم المحظيون ويرتقون فوقهم .. هذا هو الدور المُسند لهم ..
هنالك من سيعتلي الحصان وهناك من سيشبك يديه كركاب للفارس الصنديد .. ويجب أن تكون الأيدي نظيفة حتى لا تتسخ الأحذية اللماعة ...والحصان أيضاً يعرف ذلك ويهزُّ رأسه موافقاً!
لماذا وزّع رب العالمين الأدوار بهذه الطريقة في عربة الحياة ؟
وضع البعض داخلها حيث الدفء ووسادات الحرير .. وأمر البعض أن يجرّوها ويجرّونها فقط .. وعندما يتعبون يخرج من في العربة ويلهب ظهرهم بالسياط ..ويخطب فيهم قائلاً.. لا تتوقفوا أهم شيء عندنا الوتيرة التي تسير وفقها المسيرة.
هم لا يعرفون الوتيرة .. قد تكون أنثى الوتير ..ولا يعرفون المسيرة ولا إلى أين تسير!
ويسير إلى جانب العربة ما يسمونهم بالحداة أو الحوادير.. تعرفهم من ذقونهم الكبيرة .. ويجب أن يكونوا رجالاً فقط ..هم رجال الدين والفقهاء والفلاسفة ..يبررون تلك المسرحية باعتبارها من المسلّمات .. مكتوبة في الكتب المقدسة .. ويجب الإيمان بها هكذا
ويوجهون صلواتهم إلى الجوارير فقط .. يدعونهم للتوبة إذا ملّوا من الجرّ .. ويذكرونهم بالفرائض..الصيام والصلاة والزكاة .. ويطلبون منه مبايعة المجرور تكراراً..
والجارّ نصيبه الجنة حتماً ..فطوبى له
والمجرور مشكوكٌ بمستقبله ..
فطوبى لكم أيها المساكين لأنّ لكم ملكوت السموات !
والجارّ يلد جريراً له .. ويعلّمه الجرّ .. ويسمونه جرّير .
والمجرور يلد مجروراً لأجله .. ويقمّطونه بالحرير ..
وهكذا دواليك ..
وتسير العربة بفعل الجار والمجرور .. وعلامة جرّه السكون (أي لا تفتح فمك )..وإلا ستعود علامة الجرّ المعروفة .. (الكسرة الظاهرة على جبينك وعيونك وأنفك أيضاً .. إلى آخره ).. وليس على آخره
بدأت أحلامها تقضّ مضجعها عندما نظرت الى الخلف في حمأة الجر والحر والقر التي ترزح تحتها ... فوجدت إحداهن تلوّح من نافذة العربة بالمناديل الحريرية للجماهير المحتشدة على الرصيف ..ثم أفلت منديل من يدها .. فتهافتت إليه الجموع .. فهو يحمل رائحة المجرور!
قالت :
- دعوني أتزيّن به قليلاً .. ألفّه على عنقي كوشاح عندما أسهر مع النبلاء في أحلامي ..أريه لأولادي ليعرفوا ملمس الحرير .. ولو تلوّث بعرقهم.. عندها سأغسله وأعيده إليكم نظيفاً.. والله سأفعل ذلك .. فأنا أحسن الغسيل بالماء البارد على ضفة النهر .. سأنشفه بالشمس .. وأطيّبه بزهر الياسمين البرّي .. وأعيده إليكم طاهراً
أجابوا :
-كل ذلك العذاب مصدره أنك تسترقين النظرات الى الخلف .. فتوافرت لديك المادة الحلمية المؤرّقة لك والمُقلقة لغيرك ... أنت من فئة الجوارير .. فلماذا تبصبصين على المجارير؟
-فعلاً ..أسترق النظرات لتكون مادة لأحلامي .. أعرف أنها مستحيلة .. لكنها تخدّرني وتسعدني .. كأي فنان يريد أن يرسم وردة أو امرأة جميلة لأنه يعيش في عالمٍ من القبح .. فيتلصّص على جارته .. يحلم بها ثم يرسمها .. يصنع منها نسخة أخرى خاصة به
-لكنه سينتهي في المحكمة إن ظهرت الصورة إلى العلن .. إنها من المحرمات والمحصنات .. ويدخلون اليه ويحطمون اللوحة على رأسه
-عندها سيضطر أن يقفز من فوق السور .. ويختلي بجارته وجهاً لوجه فصورتها لاتفارق مخيلته..
-وسيضطرون أيضاً .. أن يفقؤوا عينيه كي لا يراها .. أو يكسروا رجله كي لا يتنطّط فوق الأسوار!
قالت وقد بلغ التخيّل منها مبلغاً:
-والله أنا أحلم أحياناً بأن أصعد إلى العربة .. مهلاً.. مهلاً لا.. لا تغضبوا مني ..أنا أحلم بأن أنظف أرضيتها المتسخة فقط .. قد أسرق منديلا حريرياً .. أو ورقياً مستعملاً .. (ففيهما رائحة المجارير )..أضعه على وسادتي..
فأحلم بأنني أعيش فوق خط الفقر .. ولا أنتظر نهاية الشهر .. (حلمٌ عاديٌّ مسموح).. أليس كذلك ؟
وأحلم أنني أقود إحدى العربات أوأمتلكها .. (حلمٌ مستحيل .. بل وممنوعٌ من الصرف) والصّرف هنا مصدره تصريف على وزن تخريف..
كالعملة الصعبة ..صعبة التصريف ..
وكطعامٍ غنيٍّ بالدسم .. أيضاً صعب التصريف .. لذلك لا أتناوله .. أحلم به فقط.
قال لي أحد الجوارير .. وكان جارَاً لي .. وجارّاً مشهوداً له بالقوة والحكمة ..لكنْ جارَ عليه الزمان جوراً .. قال:
-فرصتكِ الوحيدة بالدخول إلى العربة .. هي أن تتنازلي عن حرف الراء الأخير منك .. فترتقي من الجوارير إلى الجواري!
-حتى هذا الأمر صعبٌ عليّ .. ليسَ ادعاءً للشرف .. بل لأني لا أملك المؤهلات المطلوبة .. ما رأيك لو تعطلت تلك العربة ؟.. سنقوم بإصلاحها ونرى ما فيها من الداخل
-لن تتعطل إلا إذا وضعنا العِصيّ في الدواليب .. أو نقلب العربة بطريقة قلب المائدة بما فيها وما عليها .. هذه أفكارٌ صعبة عليك .. هم يطبقون علينا سياسة العصا والجزرة .. وهي تجعلنا نسير دوماً للأمام كجيش جرّار .. ونجرُّ جريرتنا معنا .. ونجترُّ أحلامنا المستحيلة .. لا نرويها لأنها ممنوعة من الصرف ... بل نقول فقط .. رفقاً بالجوارير!..
د. جورج سلوم
******************