سحبني الى منطقته المحرمة بهدوء وصبر متعكزا على معرفتي بأخيه وضلوعي في مهنتي التي تحتاج الى سلسلة طويلة من المعارف والعلاقات, أحسست بالخطر وامتثلت إليه.. وهذا الخطر قد نمّى في أظافري العز بعد الفاقة والنفوذ بعد البساطة في عمل يدر عليّ الكثير من النعم.. خضعت بعفوية الى قوانينه وقوته وأصبحت له مدرارا مستمرا لجني الأموال بعد أن عقد معي صفقة الربح بلا خسارة، ووظيفة غير رسمية ،بسلطان يخترق كل الممنوعات بنظام قوة ( الأنا)، هذه القوة الخرافية المكانية التي تجعلك تنسى حتى حواسك وتخميناتك وتكهنات لمستقبل قلق ، وأنت على حافة هاوية ، إن سقط ، سقطت أنت أيضا ... والغريب انه لم يسقط بل سقطت أنا على حين غرة من أمري حين دخلت عليّ مجموعة مسلحة... بادئ الأمر شعرت شعور من يختطف في بلادي أمام أعين الملأ بلا غيرة أو شرف أو سلطة حكومية... يأخذون البشر كالشاة ليذبح على انتمائه العقائدي وما أكثر المذبوحين من اجل معتقد ديني واحد، باختلاف الأوصياء والقادة والرموز العقائدية الأخرى.
اقتادتني هذه المجموعة لسجن حكومي، وجدت نفسي وسط عالم غريب وعجيب جلست بموضع دخولي، وعيوني تبحلق في كم من السجناء المختلفين تماما عما اعرفهم من البشر... انه كابوس ثقيل جثم على صدري وكأنني أحلم بهذا المشهد وسأفيق في صباحي وينزاح عن صدري هذا الهم الثقيل، جاءني صوت يدل على قسوة صاحبه: يأمرني بالابتعاد عن مكان جلوسي وإلا يمسح بي الأرض طولا وعرضا . أجبته بصوت مخنوق
- اتركني قليلا. ألا ترى أن لا مكان لجلوس أو وقوف.!
- عندك مال، ساجد لك مكانا محترما حسب دفعك له.
أيقنت من فوري إن المحترم هنا المال فقط لا غير ولا قيمة للبشر فيه ،وفعلا حين شاهد إخراجي المال وأنا أقول له كم تريد ... جلس القرفصاء أمامي وغيَّر لهجة كلامه ويقيني وحدسي طمع بّي من اجل المال ، وقد يساق الي الطعام الوفير ولكن ليس باليد حيلة إزاء مكان حقير رائحته نتنة وجدرانه متسخة، وحمام يمارس فيه أحقر الممارسات.. لا يدخله احد ما لم يعط المعلوم مقابل أن يقضي حاجته... أي حقارة هذه في بلد اختلت موازينه من كل الجوانب، فليس هناك مفاجأة في سجن يضم أطرافا مختلفةً تجمعها كلمة واحدة (مجرم) ضمن المادة القانونية حسب الحالة الإجرامية... منحني شيخ المجرمين مكانا بعد أن اخذ مني مبلغا من المال عن طريق شخص أخر كي لا تثبت عليه شيئا فيما إذا كنت جاسوسا من الشرطة لكشف مجرمين لم يعترفوا رغم شدة التعذيب، وهذا تشكيك يحدث لكل من يدخل السجن للوهلة الأولى وقبل أن ينضم لمجموعة يطلق عليها تسمية غريبة (سفر داش) أظن إنها لغة فارسية أو تركية وهي شبيهة بمصطلح (كروب).
كان يومي طويلا وصعبا لم اشعر إنني نمت بصورة كاملة خوفا من السرقة التي نبهني إليها سجين له باع طويل في زوايا السجن تعاطف معي وشاركني طعامه بليلتي القاسية .... أيقنت إن حدسي كان في مكانه حين عرفت تهمتي بالرشوة جاءت عن طريق مصدر سري ومخبر وشهود ... وهذه القوانين الجديدة التي ابتدعتها الحكومة المنتخبة من قبل الشعب للحد من الفساد الإداري في دوائرها الغارقة بالفساد في زمن الفاسد يحاكم الفاسد بنظام الإزاحة والبقاء أو الامتلاء بالدولارات لزمن بعيد عن سلطة الكرسي أو عند التقاعد الإجباري ففي وطني هناك أشخاص سريعو الصعود، وسقوطهم أسرع لكثرة النفاق السياسي وتنوع الأجندات الحاكمة وغالبا ما استجيب لحواسي وهي تنبهني عن خطر آت وتلعب لعبة التخمينات والتكهنات، والتوقعات لأجد نفسي أمام حالة حقيقة ملموسة تحاول الإيقاع بي أو ابتزازي، ورغم معرفتي بكل ذلك لا أتجنبها ولا آخذ أي احتياط لحمايتي لذلك كنت دائما الخاسر، وفي نهاية كل فشل متوقع، اضحك ملء فمي... التهمة لا ضحك فيها، حقيقتها مرة وعاقبتها السجن فليس هناك مال للخسارة... الخسارة هنا السمعة والشرف وفقدان ميزات حياتية كثيرة وتهديم لقيم ومبادئ عرفتني بها عائلتي وأصدقائي وأحبائي.
وها أنا ماثل بصفة متهم أمام السلطات الخاصة بالفساد الإداري أطلق عليها (النزاهة) والتي تعاملت معي بلا نزاهة , أساليب قذرة من اجل تزويغ الأمر للإطاحة بأخ صديقي المتربع على كرسي الوزارة وهو يملك العديد من الأذرع الطويلة المتنوعة في غاياتها والمتشعبة في دهاليز العرض والطلب والقادرة على أن تضع لكل حالة قانونا وحماية وضحايا ، فكنت احد الأذرع البريئة التي لم تختلس ولم تزايد على أموال الدولة ولكن إحساسي بان هذا المتسلط لديه برنامج خاص به للسيطرة على أموال الوزارة باسم القانون وكما يقال (حرامي بهوية) وما أمثالي إلا ضحايا فساده وإصراره على الفساد وسحب الشرفاء بطرق عديدة وملتوية لتلويثهم والسيطرة عليهم إما أن تكون عبدا له أو يلصق بك التهم بسلطانه... وما جلوسي للتحقيق إلا نتائج عملي معه وإطاعته على الخطأ، واستحق ذلك لقبولي وطمعي بالعيش الرغيد ... دخل المحقق (مربوع) الجسم وكأنه طاووس قصير ينفث دخان سيكارته ليقول:
- أنت لست متهما بل جئنا بك لتوضيح أمر معين يخص الإرهابي والجاسوس وشريكه وأنت اعرف واقرب شخص لهم.
بين نفسي اعرف قضيتي ولكن تجاهلتها واسترخيت لذلك وقلت له من فوري:
- من هؤلاء؟ أنا لا اعرف أشخاصا بهذه الصفات الحقيرة وان كنت اعرفهم ولدي ما أقوله سأوفر عليك الزمن قل لي من هؤلاء؟.
- أنت تعرف من اقصد هم أصدقاؤك وحاليا هربوا الى خارج العراق بعد كشفهم ووجدنا تعاملك معهم يستند إلى وثائق وقرائن.
- أنا لم أتعامل بأشياء مخالفة للقانون عملي هو وسيط بين الدوائر الحكومية وغير الحكومية والوزارة.
- إذن اشرح لي عملك ؟
لم أتوقع أن يكتب أقوالي ويقوّلني بما لم اقله مستغلا حالتي النفسية الصعبة وعدم قدرتي على قراءة ما يكتب لفقدان نظارتي الطبية ، وأقنعني بالذهاب الى بيتي إذا ما قلت الى القاضي إن كل ما مكتوب حقيقة... وهنا بدأت المشكلة بعد أن أمر القاضي استمرار سجني من اجل إلقاء القبض على مسؤول كبير من وزارة سيادية ... ولكنه ذكي وذو باع طويل في تأمين نفسه من القانون. خرج وتركني وحدي اغرق في بحر القانون وأتلوى ألما نفسيا من شدة الخوف على مستقبلي.. امتثلت أمام القضاء، ولكن القضاء لا يتعاطف مع الاعترافات التي صاغها علي ذلك المحقق المغرض بعد أن ارتشى من جهات عليا ليكتب سيناريو اتهامي بالجرم المشهود وأنا المغفل الوحيد بين مجموعة من الوحوش الكواسر, عبدة الكرسي والدينار.. حاولت الدفاع عن نفسي بعد أن نصحني أصدقاء يخصونه أن اكذب لكي ( أنجو) و(انجي).. لان القضاء في بلدي يعشق كذب المجرمين ومراوغة المحامين فالذي ينطق صدقا ويخاف كتاب الله، يدخل السجن لا محالة حتى لو كان بريئا ويخرج المجرم بمجرد الكذب على القضاة ... ولكن كنت من الصدق ما يحكمني ووجدتني المحكمة مذنبا بجرم لم ارتكبه وأخلت سبيلي بعد غرامة مالية وأضاعت كل حقوقي وأصبحت مشبوها... أما صاحب الأذرع الطويلة علت مراتبه وكبرت اذرعه وتضخمت أكثر بسبب جشعها اليومي وتأييد السلطات لها وتزكيتها ومناصفتها... بقي يرسم الخطط لجني الأموال واكتشفت بعد غرامتي المالية قوته الخفية بان عمله وراءه سياسيون كبار ورجال أعمال من داخل وخارج البلاد وما هو وقوته الخفية إلا لعبة يدير كفتها أسياده الذين أجلسوه على كرسي السلطة ومنحوه قوة بلا قوة ونفوذا مصطنعا غايته الربح الحرام من أموال الشعب باسم الشعب... وما أكثر(الحراميه) والسلاطين في حكومة بلادي ولكن بهوية وطن!.
*حيدرعاشور
* قصة قصيرة من مجموعة (زَهَايْمَرات)
اقتادتني هذه المجموعة لسجن حكومي، وجدت نفسي وسط عالم غريب وعجيب جلست بموضع دخولي، وعيوني تبحلق في كم من السجناء المختلفين تماما عما اعرفهم من البشر... انه كابوس ثقيل جثم على صدري وكأنني أحلم بهذا المشهد وسأفيق في صباحي وينزاح عن صدري هذا الهم الثقيل، جاءني صوت يدل على قسوة صاحبه: يأمرني بالابتعاد عن مكان جلوسي وإلا يمسح بي الأرض طولا وعرضا . أجبته بصوت مخنوق
- اتركني قليلا. ألا ترى أن لا مكان لجلوس أو وقوف.!
- عندك مال، ساجد لك مكانا محترما حسب دفعك له.
أيقنت من فوري إن المحترم هنا المال فقط لا غير ولا قيمة للبشر فيه ،وفعلا حين شاهد إخراجي المال وأنا أقول له كم تريد ... جلس القرفصاء أمامي وغيَّر لهجة كلامه ويقيني وحدسي طمع بّي من اجل المال ، وقد يساق الي الطعام الوفير ولكن ليس باليد حيلة إزاء مكان حقير رائحته نتنة وجدرانه متسخة، وحمام يمارس فيه أحقر الممارسات.. لا يدخله احد ما لم يعط المعلوم مقابل أن يقضي حاجته... أي حقارة هذه في بلد اختلت موازينه من كل الجوانب، فليس هناك مفاجأة في سجن يضم أطرافا مختلفةً تجمعها كلمة واحدة (مجرم) ضمن المادة القانونية حسب الحالة الإجرامية... منحني شيخ المجرمين مكانا بعد أن اخذ مني مبلغا من المال عن طريق شخص أخر كي لا تثبت عليه شيئا فيما إذا كنت جاسوسا من الشرطة لكشف مجرمين لم يعترفوا رغم شدة التعذيب، وهذا تشكيك يحدث لكل من يدخل السجن للوهلة الأولى وقبل أن ينضم لمجموعة يطلق عليها تسمية غريبة (سفر داش) أظن إنها لغة فارسية أو تركية وهي شبيهة بمصطلح (كروب).
كان يومي طويلا وصعبا لم اشعر إنني نمت بصورة كاملة خوفا من السرقة التي نبهني إليها سجين له باع طويل في زوايا السجن تعاطف معي وشاركني طعامه بليلتي القاسية .... أيقنت إن حدسي كان في مكانه حين عرفت تهمتي بالرشوة جاءت عن طريق مصدر سري ومخبر وشهود ... وهذه القوانين الجديدة التي ابتدعتها الحكومة المنتخبة من قبل الشعب للحد من الفساد الإداري في دوائرها الغارقة بالفساد في زمن الفاسد يحاكم الفاسد بنظام الإزاحة والبقاء أو الامتلاء بالدولارات لزمن بعيد عن سلطة الكرسي أو عند التقاعد الإجباري ففي وطني هناك أشخاص سريعو الصعود، وسقوطهم أسرع لكثرة النفاق السياسي وتنوع الأجندات الحاكمة وغالبا ما استجيب لحواسي وهي تنبهني عن خطر آت وتلعب لعبة التخمينات والتكهنات، والتوقعات لأجد نفسي أمام حالة حقيقة ملموسة تحاول الإيقاع بي أو ابتزازي، ورغم معرفتي بكل ذلك لا أتجنبها ولا آخذ أي احتياط لحمايتي لذلك كنت دائما الخاسر، وفي نهاية كل فشل متوقع، اضحك ملء فمي... التهمة لا ضحك فيها، حقيقتها مرة وعاقبتها السجن فليس هناك مال للخسارة... الخسارة هنا السمعة والشرف وفقدان ميزات حياتية كثيرة وتهديم لقيم ومبادئ عرفتني بها عائلتي وأصدقائي وأحبائي.
وها أنا ماثل بصفة متهم أمام السلطات الخاصة بالفساد الإداري أطلق عليها (النزاهة) والتي تعاملت معي بلا نزاهة , أساليب قذرة من اجل تزويغ الأمر للإطاحة بأخ صديقي المتربع على كرسي الوزارة وهو يملك العديد من الأذرع الطويلة المتنوعة في غاياتها والمتشعبة في دهاليز العرض والطلب والقادرة على أن تضع لكل حالة قانونا وحماية وضحايا ، فكنت احد الأذرع البريئة التي لم تختلس ولم تزايد على أموال الدولة ولكن إحساسي بان هذا المتسلط لديه برنامج خاص به للسيطرة على أموال الوزارة باسم القانون وكما يقال (حرامي بهوية) وما أمثالي إلا ضحايا فساده وإصراره على الفساد وسحب الشرفاء بطرق عديدة وملتوية لتلويثهم والسيطرة عليهم إما أن تكون عبدا له أو يلصق بك التهم بسلطانه... وما جلوسي للتحقيق إلا نتائج عملي معه وإطاعته على الخطأ، واستحق ذلك لقبولي وطمعي بالعيش الرغيد ... دخل المحقق (مربوع) الجسم وكأنه طاووس قصير ينفث دخان سيكارته ليقول:
- أنت لست متهما بل جئنا بك لتوضيح أمر معين يخص الإرهابي والجاسوس وشريكه وأنت اعرف واقرب شخص لهم.
بين نفسي اعرف قضيتي ولكن تجاهلتها واسترخيت لذلك وقلت له من فوري:
- من هؤلاء؟ أنا لا اعرف أشخاصا بهذه الصفات الحقيرة وان كنت اعرفهم ولدي ما أقوله سأوفر عليك الزمن قل لي من هؤلاء؟.
- أنت تعرف من اقصد هم أصدقاؤك وحاليا هربوا الى خارج العراق بعد كشفهم ووجدنا تعاملك معهم يستند إلى وثائق وقرائن.
- أنا لم أتعامل بأشياء مخالفة للقانون عملي هو وسيط بين الدوائر الحكومية وغير الحكومية والوزارة.
- إذن اشرح لي عملك ؟
لم أتوقع أن يكتب أقوالي ويقوّلني بما لم اقله مستغلا حالتي النفسية الصعبة وعدم قدرتي على قراءة ما يكتب لفقدان نظارتي الطبية ، وأقنعني بالذهاب الى بيتي إذا ما قلت الى القاضي إن كل ما مكتوب حقيقة... وهنا بدأت المشكلة بعد أن أمر القاضي استمرار سجني من اجل إلقاء القبض على مسؤول كبير من وزارة سيادية ... ولكنه ذكي وذو باع طويل في تأمين نفسه من القانون. خرج وتركني وحدي اغرق في بحر القانون وأتلوى ألما نفسيا من شدة الخوف على مستقبلي.. امتثلت أمام القضاء، ولكن القضاء لا يتعاطف مع الاعترافات التي صاغها علي ذلك المحقق المغرض بعد أن ارتشى من جهات عليا ليكتب سيناريو اتهامي بالجرم المشهود وأنا المغفل الوحيد بين مجموعة من الوحوش الكواسر, عبدة الكرسي والدينار.. حاولت الدفاع عن نفسي بعد أن نصحني أصدقاء يخصونه أن اكذب لكي ( أنجو) و(انجي).. لان القضاء في بلدي يعشق كذب المجرمين ومراوغة المحامين فالذي ينطق صدقا ويخاف كتاب الله، يدخل السجن لا محالة حتى لو كان بريئا ويخرج المجرم بمجرد الكذب على القضاة ... ولكن كنت من الصدق ما يحكمني ووجدتني المحكمة مذنبا بجرم لم ارتكبه وأخلت سبيلي بعد غرامة مالية وأضاعت كل حقوقي وأصبحت مشبوها... أما صاحب الأذرع الطويلة علت مراتبه وكبرت اذرعه وتضخمت أكثر بسبب جشعها اليومي وتأييد السلطات لها وتزكيتها ومناصفتها... بقي يرسم الخطط لجني الأموال واكتشفت بعد غرامتي المالية قوته الخفية بان عمله وراءه سياسيون كبار ورجال أعمال من داخل وخارج البلاد وما هو وقوته الخفية إلا لعبة يدير كفتها أسياده الذين أجلسوه على كرسي السلطة ومنحوه قوة بلا قوة ونفوذا مصطنعا غايته الربح الحرام من أموال الشعب باسم الشعب... وما أكثر(الحراميه) والسلاطين في حكومة بلادي ولكن بهوية وطن!.
*حيدرعاشور
* قصة قصيرة من مجموعة (زَهَايْمَرات)