مقتطف حيدر عاشور - نذور الشياطين.. قصة قصيرة

أيَّ باب بعد أطرق؟ ،وأي جهة استعين بها ؟، ها هم الأطباء يعجزون عن تثبيت ابني في رحم أمه، وعجز الطب الروحاني عنه أيضا ،من يساعدني لحل أزمتي ،كل الأشياء قبلتها وكل الأمور ذهبت إليها حتى النذور أقمتها ولم يعش لي بنت أو ولد ، احلم أن أكون أبا ... وقد مرَّ على زواجي عشر سنين وكل سنة ادفن فيها ابني الذي لم يخرج للحياة إلا وهو متوفى في رحم أمه ، هناك من يقول : فيها مرض (خناق البزازين ) وأخر يقول ضعف جسدي عام وأخر.. وأخر... وكثرت الأقاويل ولم يعد لي صبر عليها إنني مؤمن بان ليس هناك مستحيل لابد من حل ويقيني سأصل إليه مهما كان...لملمت أشيائي ورحلت أطرق من جديد أبواب الأطباء ومحلات طب الإعشاب حتى أرشدني شخص يبدو عليه علامات البداوة من طريقة كلامه أن اذهب الى شخص يتمتع بصفات خارقة في الوصفات السحرية وهو عارف معروف على مستوى النساء ويقطن في أقاصي المدينة خوفا من السلطات، ومن فوري ذهبت إلى المكان حسب ما وصفه لي البدوي.. مباشرة عرفته لكثرة الحناء على الباب والجدران المحيطة بها وهو بيت متواضع خالٍ تماما من الأثاث مكتفي صاحبه بمفروشات متواضعة من جريد النخيل جلست انتظر دوري ودخلت عليه وهو فارع الطلعة مغطى الرأس ذو لحية مرسومة على وجهه المستنير الأبيض خلفه رايات ملونة بيض وخضر وحمر ... نظر إليه مبتسما وقال : تفضل ماذا تريد؟.... شرحت له ألم مصيبتي وكل ما فعلته من اجل الفوز بطفل يحمل اسمي فضحك عليّ وقال : عندي الحل .
- أرجوك قل ما هو،وكل ما املك لك ..!
- قد لا تستوعب ما سأقوله لك ،وماذا عليك أن تفعل كي يعيش في رحم زوجتك طفلك .
- سأتحمل كل ما تريده مني .
ولكن لم أتوقع ما قاله ولم يخطر ببالي أبدا ما هذا الطلب الغريب وما علاقة الشيطان بابني وأين أجده وهذا غير معقول ولم اسمع به أبدا ماذا سيقول عني الناس إن وافقته ،عليّ أن اعرف هدفه بوضوح .
- لماذا انذر نذري للشيطان وأنا الذي طرقت كل أبواب الصالحين ورقبتي التوت من رفع راسي إلى السماء متوسلا من الباري المعطي .
- قلت لك لا تفهمني وان جادلتك كفرتني بالخالق.
- أنا لست داعية لكي احكم عليك.
- إذن ماذا يمثل الشيطان بالنسبة لك؟
- الشيطان عدو مبين للإسلام والمسلمين.
- وماذا تعرف عنه بعد ؟
- انه مخلوق اسمه إبليس لعنه الله في كتبه المنزلة جمعاء
- أليس هو ملاكا من الملائكة وكان يخدم الرب قبل ادم وحواء.
- إسرائيل كانت مفضلة أيضا عند الرب ويعتبرون أنفسهم أفضل الناس وكل الدسائس والمؤامرات تخرج من بطونهم المريضة وتعلم منهم بعض العرب وأصبحوا تابعين لهم ومقلدين في الإرهاب والقتل ،ودائما يطلق على اكبر دولة في العالم قوةً، بالشيطان وهي الدولة الوحيدة التي تصدر الشياطين الى العالم العربي وغيره حفاظا على مستقبلها .
- أتريد أن يكون نذري لهم كدولة .
ضحك ملء فمه ونهض وهو يشير اليّ بإبهامه ...
- ما أكثر الشياطين في بلادي....أتعلم في داخل كل منا شيطان نقاومه بدرجات دون أن نشعر به فقد نتحسسه من خلال أعمالنا اليومية بشتى أنواعها وأشكالها ونادرا من لا تجد الشيطان في داخله، حتى من يدعون المثالية في المعتقدات الدينية يناورون في متطلباتهم ورغباتهم ويشرعون الفتاوى حسب احتياجاتهم الآنية أي يضعون لأنفسهم حيلا شرعية يراوغون بها على القانون السماوي المنزل بثوابت الموجودات بمتغيرات الأحكام والكل يفسر الدين لرغباته ويصدقها البسطاء من الناس ويجعلون منهم أولياء صالحين وأُلي الأمر يسيرون خلفهم بعمى البصيرة والقلب وهؤلاء نواة الشيطان على الأرض...وطبيعة الشيطان تنم عن ذكاء مفرط فيضيع الحابل والنابل على الموحدين الصادقين والعارفين الخالق حق المعرفة...هذه هي حياتك المثالية الوجودية الحالية. انه يقربني من الشيطان وأقنعني بلحظات إن الشيطان هو الإنسان نفسه...فمن يصنع الشر هو شيطان ومن يقتل هو شيطان،خراب بلدي وقتل شعبي نتيجة غزو الشيطان له.
إذن ما أكثر الشياطين فعلا في بلادي كل يوم يقتلون وينهبون ويفجرون ويتآمرون على تحطيمها وتأخير تقدمها غزوها في كل أشيائها ونفوسها فأصبح المعلم يرتشي فهو شيطان والطبيب جعل من مهنته الإنسانية تجارة رابحة يقتل بها الضعفاء من الشعب فهو شيطان التجار يستوردون ارخص البضائع من مناشئ رخيصة هم شياطين, كذب السياسيين اليومي شيطنة سياسية وفتاوى قاسية تحول المرء الى شيطان ديني ظاهره شيء وباطنه شيء أخر ... لم أعط نذري لتتحقق رغبتي ... نظرت اليه وقلت في سري هو اقرب الشياطين لي فليأخذ النذر الذي يطلبه مني ... فنطقت.
- إذن قل ماذا افعل وأنا ألبي ما تطلب.
- هل لديك سيف وحصان.
- كلا ... ولكن ممكن أن اقتنيها من السوق.
- افعل ذلك ... واذهب الى مدينة يكثر فيها القتل وهناك ستجد الشيطان ينتظرك.
- أي مدينة هذه وأي شيطان سأعرف ... وضح لي الأمر ودعني أصدقك.
- هناك في جنوب البلاد عشيرتان كانتا تعيشان بسلام حتى دخل الشيطان بينهما وأصبحتا تتقاتلان بين فينة وأخرى, اذهب هناك وراقب الأمر وستسير وحدك خلف الشيطان وأعطه السيف والحصان.
حزمت أمري وذهبت فوجدت العشيرتين تستعدان للقتال ففي كل ليلة تغير الواحدة على الأخرى وعند الوصول الى نقطة البدء ترفع الرايات وترجع العشيرتان دون قتال،لكون تربطهما صلة نسب وعمومة...وهكذا الحال منذ سنين تستعرض العشيرتان قوتهما دون قتال،وفي تلك الليلة التي توسطها ذلك الغراب الذي توشح ملبسه بلون الليل،وغارت إحدى العشيرتين بقوة،وتنسحب ببطء،ليقول عند رجوعها كلمة هزت في نفوس الرجال الغيرة والحقد وتقلب المواجع وهو يكررها بعلو صوته : جبناء نسوان
علت أصوات الرجال والتحمت العشيرتان في قتال شرس،ضروس ليس له بداية وتحده نهاية...ومن فوري وبلا شعور سرت وراء الغراب وقدمت نذري له ورجعت أحدث نفسي كالمجنون عن أشباه الشياطين من الإنس ونسيت ما احلم به حتى شعرت زوجتي بمتغيرات نفسية توحي بأنها حامل وعرفت ان نذري تحقق،واكتشفت ان خراب بلادي أيضا بدأ بالشيطان وانتهى بكم من الشياطين بمختلف الأشكال والألوان يجمعهما تصرف واحد هو تحطيم كل ما هو جميل ولد وسيولد في بلادي....

*حيدر عاشور
*قصة قصيرة من مجموعة (زَهَايْمَرات)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...