لم أتوقع أن استيقظ صباحا على صوت هذا البائع وهو يروج لبضاعته، وأنا في صباحي الأول في غرفتي، وحبيبتي التي تقنع الأطفال أن لا يتحدثوا بصوت عال كي لا استيقظ وتلك ابنتي الكبرى قادمة مع أطفالها قاطعة مسير ساعات لتراني بعد فراق طويل ...ما هذا الجمال العائلي الذي أنا فيه ،نهضت أتفحص أوراقي وكتبي القديمة وبعض هوامشي اليسارية ومعتقدي الذي حلمت أن أخوض تجارب الإبداع من خلاله وأنا أناضل ذات اليمين وذات اليسار خوفا على يساريتي أن تسقط أمامي واذبح بقطنة الندم ... اسمع زوجتي تنادي ابنتي الكبرى أن تنتظر صحوتي معتقدة إنني لم انم هذه السنين التي ابتعدت فيها عن بيتي ... يأتي الى مسمعي صوت البائع من جديد كأنه يدعونني أن اشتري منه رغما عني، يذكرني إن هؤلاء الأطفال سيسألونني عن هدايا وحلويات... قدحت فكرة أن ابعث الفرح والسرور في قلوبهم إذا ما اشتريت هذا النوع الخاص من الفواكه التي كانت تتحسر عليه العوائل الفقيرة التي تكتفي بالنظر اليه وتحفظ شكله واسمه وتتمنى أن تمسكه باليد .. لعنة على ذلك النظام الفاشي الذي أرعب الفقراء وحرمهم من كل شيء، لتكن هديتي هذه الفاكهة الجميلة... خرجت من غرفتي على عجل باتجاه الباب، ولكن صغاري صرخوا بأعالي أصواتهم: استيقظ البطل الغائب... أدمعت عيناي وارتعش جسدي وكبر شجني وأنا اسمع ترددهم لكلمات البطولة التي لا يفقهون عنها شيئا... أصبحت خارج الدار وأنا في حالة من إحساس كنت احلم به طالما كنت غريبا خارج بلدي... اقتربت من بائع الفواكه لأشتري صندوقا من الموز الصومالي ... تجمدت عيني عليه وهو يجادل البائع عن السعر وبهت فور أن شاهدني وتراجع عن عروض السعر وكاد أن يهرب من أمامي فبادرته مسرعا:
- كيف وضعك يا صديق صادق؟
أجابني بتمتمة وخوف استغرب لها البائع ولكنني قررت أن أخلصه من نزاع الأسعار ودفعت له شراء صندوق من الموز ورفعته ووضعته على كتفه الأيمن وقلت انطلق فرح أطفالك يا صادق.
لكن صادقا انزل الصندوق على الأرض واخذ يبكي بشدة ويعتذر ويطلب السماح مني... المشكلة إنني نسيت الأمر تماما ولكنه ذكرني بأنه ليس له علاقة وقت أمرت الأمن وأجهزة الحزب مراقبتي على مدار أربع وعشرين ساعة ليكتب عني التقارير كل لحظة بل كل خروج ودخول الى بيتي وحينما ارجع حاملا كتبا يدخلون على بيتي ليلا إما للتفتيش وتركي أو اعتقالي وضربي وكان آخر تقرير كتبه صادق وكان له دور المخبر السري العلني وقتها حين أراد شباب من اليساريين أن يحتفلوا بسنوية تهمهم وتحدوا الوضع بوطنية عالية واجتمعنا حينها واشترينا (نفخات) بالونات جميعها حمراء ومن مختلف الأحجام ،وكتبنا عليها شعارات معتقداتنا اليسارية وارتفعت الى أعالي السماء ترفرف بالأعلام اليسارية مغطية الجو تماما مما أثار غضب الحقبة الحاكمة واعتقل الأمن جميع أصدقائي ولكنني وقتها قررت ان لا اعتقل مهما كانت الأسباب ولا أعطي فرصة لجارنا صادق أن يكون بطلا لمحلتنا وقويا على عوائلنا فغادرت مغتربا عن وطني ...وهاهو نديمي وغريمي بمنطقتي أمامي يسرد علي أمور حياتي التي اعرفها والتي لا اعرفها وحتى التي أغفلت عنها انه دقيق مع من استخدموه ...أجبته:
- اسمع يا صادق نحن الآن نعيش حياة جديدة وأنت صديقي وابن منطقتي ،الذي يصيبك يصيبني وبيتي مفتوح لك أخا وصديقا وأنسَ الماضي وعش ديمقراطية الأيام القادمة بحب واقتنع بأننا كنا وطنيين وعلى حق في طلب الحرية لشعبنا الحر كي يعيش حياة سعيدة .
سقط صادق باكيا نادما على ما فعله معي وقت التسلط والقوة والتصفية للشخصيات التي تعارض حكم الجهلاء من المتسلطين والجهلة وعابدي المال والسطوة على حساب الفقراء.تغيرت الحياة نحو صعوبات اكبر واحتلال مميت وثقافات عقيمة ووجوه ألعن من وجه صادق كاتب التقارير بل الجميع أصبحوا صادقين ويكذبون على شعبهم وعوائلهم وجميعهم بريئون ويقتلون بظل مظلات ومسميات ما انزل الخالق بها من سلطان ... بكى الشعب من الوجع اليومي في القتل المجاني ،وبكيت لكوني من الشعب لان صادقا من خجله مني ترك بيته مهاجرا أو هاربا إلى منطقة بعيدة وسمعنا نبأ موته مقتولا تاركا ماضيا مبهما ممتلئا بالخيانة والدم ... وبقيت أنا أسبح في بحر مفردتي ورغم جسدي الضخم الذي أخاف الفاشستي امتلك قلبا حنونا يسع الكون وما فيه.
* حيدر عاشور
* قصة قصيرة من مجموعة (زَهَايْمَرات)
- كيف وضعك يا صديق صادق؟
أجابني بتمتمة وخوف استغرب لها البائع ولكنني قررت أن أخلصه من نزاع الأسعار ودفعت له شراء صندوق من الموز ورفعته ووضعته على كتفه الأيمن وقلت انطلق فرح أطفالك يا صادق.
لكن صادقا انزل الصندوق على الأرض واخذ يبكي بشدة ويعتذر ويطلب السماح مني... المشكلة إنني نسيت الأمر تماما ولكنه ذكرني بأنه ليس له علاقة وقت أمرت الأمن وأجهزة الحزب مراقبتي على مدار أربع وعشرين ساعة ليكتب عني التقارير كل لحظة بل كل خروج ودخول الى بيتي وحينما ارجع حاملا كتبا يدخلون على بيتي ليلا إما للتفتيش وتركي أو اعتقالي وضربي وكان آخر تقرير كتبه صادق وكان له دور المخبر السري العلني وقتها حين أراد شباب من اليساريين أن يحتفلوا بسنوية تهمهم وتحدوا الوضع بوطنية عالية واجتمعنا حينها واشترينا (نفخات) بالونات جميعها حمراء ومن مختلف الأحجام ،وكتبنا عليها شعارات معتقداتنا اليسارية وارتفعت الى أعالي السماء ترفرف بالأعلام اليسارية مغطية الجو تماما مما أثار غضب الحقبة الحاكمة واعتقل الأمن جميع أصدقائي ولكنني وقتها قررت ان لا اعتقل مهما كانت الأسباب ولا أعطي فرصة لجارنا صادق أن يكون بطلا لمحلتنا وقويا على عوائلنا فغادرت مغتربا عن وطني ...وهاهو نديمي وغريمي بمنطقتي أمامي يسرد علي أمور حياتي التي اعرفها والتي لا اعرفها وحتى التي أغفلت عنها انه دقيق مع من استخدموه ...أجبته:
- اسمع يا صادق نحن الآن نعيش حياة جديدة وأنت صديقي وابن منطقتي ،الذي يصيبك يصيبني وبيتي مفتوح لك أخا وصديقا وأنسَ الماضي وعش ديمقراطية الأيام القادمة بحب واقتنع بأننا كنا وطنيين وعلى حق في طلب الحرية لشعبنا الحر كي يعيش حياة سعيدة .
سقط صادق باكيا نادما على ما فعله معي وقت التسلط والقوة والتصفية للشخصيات التي تعارض حكم الجهلاء من المتسلطين والجهلة وعابدي المال والسطوة على حساب الفقراء.تغيرت الحياة نحو صعوبات اكبر واحتلال مميت وثقافات عقيمة ووجوه ألعن من وجه صادق كاتب التقارير بل الجميع أصبحوا صادقين ويكذبون على شعبهم وعوائلهم وجميعهم بريئون ويقتلون بظل مظلات ومسميات ما انزل الخالق بها من سلطان ... بكى الشعب من الوجع اليومي في القتل المجاني ،وبكيت لكوني من الشعب لان صادقا من خجله مني ترك بيته مهاجرا أو هاربا إلى منطقة بعيدة وسمعنا نبأ موته مقتولا تاركا ماضيا مبهما ممتلئا بالخيانة والدم ... وبقيت أنا أسبح في بحر مفردتي ورغم جسدي الضخم الذي أخاف الفاشستي امتلك قلبا حنونا يسع الكون وما فيه.
* حيدر عاشور
* قصة قصيرة من مجموعة (زَهَايْمَرات)