لا أعلم أن الفلسفة تحضر الحب على أهلها، بل الذي أعلمه أن الفلسفة حب كلها. وليس اسمها الا لفظاً من ألفاظ الحب؛ ولكن هذا الحب إذا احتل قلباً شغله عن كل شيء واستأثر بكل ما فيه من قوة وعاطفة وهوى، ولم يدع من ذلك للحياة اليومية العاملة الا شيئا يسيراً جدا.
فالفلسفة حب الحكمة، وهذه الحكمة شديدة الغيرة، شديدة الاثرة، لا تحب الشركة ولا ترضاها، ولا تسمح لعشاقها بأن يصفوا بودهم شيئاً أو أحداً غيرها. فمن فعل ذلك أو شيئاً منه، فليس هو من الحكمة في شيء؛ وإنما هو رجل مثلي ومثلك يغشى الأندية، ويضطرب في الشوارع، ويعيش مع الناس، وليس له حظ من المدينة الفاضلة التي يسكنها ويسيطر عليها عشاق الحكمة وحدهم.
لذلك كان أمر هذا الفيلسوف الذي أحدثك عنه عجباً من العجب، وفنا من هذه الفنون النادرة التي لا يظفر بها المؤرخون والقصاص الا في مشقة وعسر، وإلا على أن تفرق بينها القرون الطويلة والعصور البعيدة. والذي أعرفه أن التاريخ لم يظفر قبل فيلسوفي هذا العظيم بعاشق قد دلهته الحكمة، وعبث بلبه جمال ألهتها العليا؛ ولكنه على ذلك استطاع أن يشغف بآلهة أخرى يشركها مع هذه الآلهة التي كان يصورها اليونان في صورة أثينا، تلك التي خرجت من رأس أبيها زوس، تامة الخلق، مكتملة الشباب، فيها جمال فتان؛ ولكن فتنته تخلب بقوتها لا برقتها.
لم يعرف التاريخ عاشقاً من عشاق أثينا استطاع كما استطاع فيلسوفي العظيم، أن يشرك معها امرأة من النساء في حبه وهيامه، وأن يختصها من هذا الحب والهيام بمثل ما اختص به آلهة الحكمة نفسها، وأن ينتهي به الأمر إلى أن يخلط ابنة زوس بابنة بابيس، ويتخذ منهما شخصاً واحداً يحبه ويقدسه، ويصوغ له ديناً قويا خصبا، ويحاول أن يبسط سلطان هذا الدين على الإنسانية كلها، أو على الإنسانية المسيحية على أقل تقدير.
أظنك قد عرفت هذا الفيلسوف، فهو (أغست كونت) مؤسس الفلسفة الوضعية، وواضع علم الاجتماع، وصاحب السلطان العظيم على العقل الفرنسي، ثم الأوربي، ثم الأمريكي، عصرا طويلا من القرن التاسع عشر. وأظنك قد عرفت هذه المرأة التي زاحمت الفلسفة في قلب (أغست كونت) فكادت تغلبها عليه، أو غلبتها عليه بالفعل؛ ثم أصبحت إلهة للفيلسوف يعبدها كما يعبد النصارى المسيح، وكما كان الوثنيون من اليونان يعبدون أثينا أو أرتميس. ثم أصبحت إلهة لجماعة من تلاميذ الفيلسوف المتفرقين في أطراف الأرض، ثم أقيم لها معبد لا يزال يحج إليه إلى الآن في باييس، وأقيمت لها معابد متفرقة في أمريكا الجنوبية. حيث لا يزال للفيلسوف اتباع يشايعونه في القسم المتطرف من فلسفته.
هذه المرأة هي (كلوتلد دي فو) وأظنك تطمئن الآن وقد سمعت هين الاسمين، الا أني لا اخترع ولا اتبع الخيال، ولا أضع قصة؛ وإنما أكتب فصلا من فصول التاريخ. وليس من الضروري أن يلجأ الكاتب إلى الخيال والاختراع، ليستطيع أن يمتع قراءه، وأن يؤثر في نفوسهم ويثير فيها هذه العواطف الحادة المختلفة التي تعبث بها حين تحس لذة أو الماً، وحين تجد حبا أو بغضا، وحين تشعر بحزن أو سرور. فقد تكون الحقائق الواقعة أبرع وأروع من أحسن القصص الخيالية وأبدعها. ولكني في حاجة إلى أن اقدم إليك شخص هذين العاشقين قبل أن أحدثك عن عشقهما، وأقص عليك ما كان بينهما من غرام.
نشأ أغست كونت مع القرن التاسع عشر، ولم يكد يتوسط العقد الثاني من عمره حتى ظهر تفوقه في العلوم الرياضية، ولم تكد تتقدم به السن قليلا حتى عرف له هذا التفوق، وإذا هو حجة في هذه العلوم، وإذا هو لا يقف عندها ولا يقتصر عليها؛ وإنما يفكر في الصلة بينها وبين بقية أنواع المعرفة الإنسانية من جهة، ويفكر من جهة أخرى في الحياة الأوربية المضطربة بعد الثورة والإمبراطورية، فيحاول أن يضع ترتيباً جديداً للعلوم، ويوفق إلى ما يريد، ويحاول أن يجد نظاماً جديداً تقوم عليه الحياة الأوربية، فيوفق أيضاً، ويصبح لهذين النوعين من التوفيق صاحب الفلسفة الوضعية ومؤسس علم الاجتماع.
ولكن فلسفته الوضعية هذه، كانت حديثة ثائرة لا تستأثر بالقلوب استئثاراً مطلقا، ولا تقطع على أهلها سبيل الحياة. فسمحت لعاشقها (أغست كونت) أن يعيش كما يعيش الناس، وأن يحب كما يحبون. فعاش وأحب. ولكن أي عيشة وأي حب؟ تركت الفلسفة قلبه حرا، وشغلت عقله كله، فاختار في الحب بحسه وقلبه، ولم يختر بعقله، فيا بئس ما اختار! اختار امرأة جشمته الأهوال، وعلمته كيف تحتمل الآلام، وكيف يتجرع الإنسان مرارة الغيظ: كانت هلوكا فاجرة. وخيل إلى (أغست كونت) أنها نقية طاهرة، فأحبها وأظهرت له الحب، وخطبها فقبلت الخطبة، وتزوجها فقبلت الزواج. وما هو الا وقت قصير حتى تبين من أمرها ما كره. فخاصمها وقاومته، وأنذرها فازدرته، وحاول أن يعاقبها فثارت به، وصبر الرجل فصابر حتى جن. وإذا هو يلقي نفسه في النار، وإذا الشرطة تستنقذه وتدفعه إلى المستشفى، فيقيم مع المجانين حينا ثم يفيق فيستأنف الفلسفة، ويستأنف التعليم، ويستأنف الحب والعذاب. ويجن مرة أخرى، ويفيق وتنقطع الصلة بينه وبين امرأته في غير طلاق، لأن القوانين الفرنسية لم تكن تبيح الطلاق يومئذ. فنشاطه إذا موقوف على الفلسفة والتعليم.
وفي سنة 1840 كان فيلسوفنا ممتحنا في مدرسة الهندسة وكان بين الشباب الذين تقدموا إليه في هذا الامتحان غلام في الخامسة عشرة من عمره، هو (مكسيمليان ماري). رآه الأستاذ الفيلسوف وسأله، فأحبه واعجب به، ورأى أن الخير في ألا يقبله هذا العام. فأجله سنة ثم قبله بعد ذلك، واتصلت بين الأستاذ وتلميذه محبة لن تلبث أن بلغت أقصاها، وإذا الفتى يميل إلى أستاذه وفلسفته وإلى الحرية خاصة، وإذا هو يستقيل من المدرسة ويتبع الأستاذ ويتتلمذ له ويعيش من التعليم في المدارس الحرة على كره من أبيه. وفي سنة 1844 يتزوج هذا الفتى ويعيش مع امرأته في بيت الأسرة، حيث يزوره الأستاذ من حين إلى حين، وهناك يلقى أخته (كلوتيلد) فلا يكاد يسمعها ويتحدث إليها، حتى تبتدئ بينه وبينها قصة الغرام.
وكانت كلوتيلد هذه في الرابعة والعشرين من عمرها ولكن حياتها كانت ممتلئة بالخطوب. كان أبوها رجلا من الطبقة الوسطى، عمل في جيش الإمبراطورية وارتقى في آخر عهد الإمبراطور إلى رتبة الكابتن، ثم سقطت الإمبراطورية فأحيل إلى الاستيداع، وعاش من مرتبه العسكري الضئيل. وكانت أم الفتاة من أسرة شريفة من أهل اللورين، فنشأت (كلوتيلد) نشأة فيها بؤس وضيق؛ ولكن فيها احتفاظا شديداً بتقاليد الطبقة الوسطى، ولم تكد تتجأوز الخامسة عشرة حتى زوجت من رجل يحمل اسما من أسماء الأشراف. ولكن حظه من الشرف كان قليلا، وهو (ميودي فو). اقترن بالفتاة وعين جابياً للضرائب، وقضى مع امرأته أعواماً لا هوبالسعيد ولا هو بالذي يمنح امرأته قسطاً من السعادة. ثم أصبح الناس ذات يوم، وإذا هو قد هب إلى سفر مجهول، وما هي الا أن يبحث عنه ويفتش عن أمره، حتى يظهر أنه قد بدد أموال الدولة، وشيئاً كثيراً من أموال الناس في اللعب، ثم هرب من فرنسا، إلى حيث لم يعرف من أمره شيء.
فظلت هذه المرأة الشابة معلقة، لا هي بالمتزوجة، ولا هي بالمطلقة، محزونة، بائسة، لا أمل لها في الحياة. عادت إلى أسرتها تعيش بينها، وعكفت على نفسها تعيد وتبدي ما يجول فيها من خواطر الألم والحزن، ثم أخذت تكتب ما تحس وتقيد ما تجد، وإذا هي كاتبة لها حظ من أدب ونصيب من خيال. وكان جمالها معتدلا لا إسراف فيه. وكانت المحنة قد أفادتها رصانة ورزانة، وأفاضت على شخصها شيئاً من الحب يعطف النفوس عليها، وأجرت في حديثها شيئاً من العذوبة الحلوة الهادئة، يحببها إلى القلوب.
فلما لقيها الفيلسوف في بعض زياراته لأخيها، نظر إليها فلم تكد تبلغ نفسه، ونظرت هي إليه فأنكرته وأكبرته. أنكرت شكله الدميم، وصورته القبيحة، وخلقه المضطرب المرتبك، وأنكرت صوته الغليظ، وحديثه المتكلف. ولكنها أعجبت بذكائه، وأكبرت عقله وفلسفته، وسكتت عنه، وسكت عنها. واتصلت الزيارات، واتصل اللقاء. وأخذت نظرات الفيلسوف تستقر على الفتاة، وأخذت أذن الفتاة تطمئن إلى حديث الفيلسوف، ولكن أحداً منهما لم يشعر بأن صاحبه قد وقع من نفسه موقعاً خاصاً.
كان الفيلسوف يزور الأسرة ثلاث مرات في الأسبوع، وكان يجد لذة ودعة في هذه الزيارة، كان يلقى ثلاثاً من النساء: أم تلميذه وكانت مشغوفة بالتصوير، تحاول دائما أن تصور الفيلسوف، وزوج تلميذه وكانت موسيقية تطربه بالتوقيع على البيانو، وكلوتيلد أخت تلميذه وكانت أديبة تحدثه عن الأدب وعن قصتها التي أنشأتها وسمتها (لوس) ورمزت فيها لحياتها الخاصة، وربما أنشدته شيئا من شعرها. ولم يكن الفيلسوف يحب الأدب ولا يحفل بالشعر، ولكنه كان يجد لذة في أدب كلوتيلد، ويذوق الجمال في شعرها وإن لم يكن هذا الشعر جميلا، وإن لم يكن مستقيم الوزن أحياناً. وكان الفيلسوف يتحدث إلى كلوتيلد عن فلسفته الوضعية، وعن مجلداته الخمسة التي ظهرت تذيع هذه الفلسفة في الناس، وعن أنصاره وخصومه، وعن دروسه في الفلك. وكانت الفتاة تعجب بهذا كله، وإن لم تكن بطبعها مشغوفة بالفلسفة. وكان الفيلسوف يلتمس إرضاءها والتقرب إليها على غير شعور منه، فيذكر لها براعة النساء في الأدب والفلسفة، وكان هذا الحديث يروقها ويتملق كبرياءها، وكانت الفتاة تكبر في نفسها حين ترى الفيلسوف قد رآها لثقته أهلا. وذات يوم سقطت على الفيلسوف من السماء سعادة لم يكن يقدرها ولا ينتظرها ولا يحسب لها حساباً. زاره تلميذه ومعه أخته، وكان الفيلسوف في جماعة من العلماء، وكان الحديث علمياً عميقاً، فابتهج الفيلسوف وأعجبت الفتاة، وجلست تسمع في إكبار وتثاؤب خفيف لحديث العلماء، ثم همت تريد أن تنصرف فجمع الفيلسوف شجاعته كلها في يديه واستأذن الفتاة في أن يزورها في بيتها الخاص، فأذنت. هنالك بدأت الخصومة بين آلهة الفلسفة وآلهة الجمال. هنالك اضطرب (أغست كونت) بين العقل والقلب، وبين التفكير والحب. هنالك أخذ الفيلسوف يسأل نفسه: ما قيمة هذا العلم الخالص الجاف؟ وما قيمة هذا التفكير العميق العقيم؟ ومتى كان الرجل رجلا بعقله دون قلبه؟ ومتى كان الإنسان أنسانا بالتفكير دون الحب؟ إن الإنسان لا يستطيع أن يفكر في كل وقت، ولكنه يستطيع أن يحب دائماً. وإذا فقد تكون آلهة الفلسفة مسرفة في الطغيان، وقد يكون من الممكن أن يتخذ (أغست كونت) رأسه معبداً لأثينا وقلبه معبداً لكلوتيلد.
وابتدأت زيارة الفيلسوف للفتاة في بيتها. وإذا الحب يعلن، وإذا الفيلسوف يلح في حبه ويسلك إلى إقناع الفتاة بهذا الحب طرقاً، منها الملتوي، ومنها المستقيم. ولكن كلوتيلد لا تحب ولا تهوى، إنما تعجب وتكبر، فهي ترده عنها في رفق، وتطلب إليه مودته دون حبه، فلا يكاد يعرف منها هذا حتى يضيق بنفسه وبالحياة، وحتى تضيق به حصته، ويعجز جسمه ورأسه عن احتمال هذا الخذلان، فهو مريض يلجأ إلى السرير أياماً، وهو مشفق أن يعاوده جنونه القديم، على أنه يبل من مرضه، ويحاول أن يجدد عهده بالفتاة، ولكنها تحظر عليه زيارتها في بيتها، وتعده باللقاء عند أمها مرتين في الأسبوع، فلا يكفيه ذلك، فتعده بلقائه مرة ثالثة، فلا يكفيه ذلك أيضاً، وتتصل بينهما كتب فيها حوار حلو ملؤه الحنان حين يصدر عن الفتاة، عنيف معوج ملؤه الفلسفة حين يصدر عن الأستاذ، ثم يستحيل هذا الحب في نفس الفيلسوف إلى شكل جديد، فليس هو حباً عادياً كهذا الذي يكون بين الناس، وإنما هو التقاء شخصين عظيمين قد خلقا ليلتقيا ثم ليتعاونا على إصلاح الإنسانية وإنهاضها.
هي إذن قد خلقت له ولن يدعها ولن يتخذ غيرها زوجاً، إذا ماتت زوجه النائية، ثم تستحيل هذه العواطف ويستحيل هذا التفكير إلى فن من الفلسفة، يضعه (أغست كونت) في رسالة، ويهدي الرسالة إلى الفتاة بهذا العنوان: (رسالة فلسفية في التذكار الاجتماعي). في هذه الرسالة يتغير رأي (أغست كونت) في المرأة ومكانتها الاجتماعية تغيراً تاماً. فقد كان منذ أشهر يكتب إلى تلميذه (ستوارت ميل) فيرى أن ليس في المرأة أمل ولا خير، أما الان فهو يرى المرأة عنصراً أساسياً في الإصلاح الاجتماعي الذي وقف نفسه عليه، وقد سرت الفتاة بهذه الهدية، وكبرت في نفسها فزارت الفيلسوف مع أمها شاكرة له.
هنالك نشط الأمل وتجددت الحياة، واعتقد الفيلسوف أنه سعيد. واستأنف إلحاحه على الفتاة، واستأنفت الفتاة مدافعته عن نفسها، واحتالت في ذلك حتى زعمت له أنها قد أحبت من قبله فتى كان لحبها أهلا، وأحبها الفتى وسعد بهذا الحب؛ ولكن لم يجدا إلى الزواج سبيلا، لأن الفتى كان معلقا مثلها يخاصم امرأته ولا يستطيع لها فراقا، فيئست من الحب والسعادة، وأزمعت أن تنصرف عن لذات الحياة أبدا. ولكن الفيلسوف مغرم، والغرام لا يعرف اليأس، وهو إذا كان صحيحاً قويا قد يتحول ويتشكل، ولكنه لا يزول. وما الذي يمنع غرام كونت أن يتخذ شكلا فلسفيا ولو إلى حين. لقد كان عود نفسه الحرمان منذ دهر طويل، فألغى القهوة منذ عشرين سنة، وترك التدخين منذ عشر سنين، ثم ألغى النبيذ ثم ألغى الفاكهة، ثم اتخذ ميزانا يزن به ما يلائم حاجة جسمه من الطعام الخشن، وكان ربما يكتفي بالكسرة من الخبز يتبلغ بها، وهو يفكر في إخوانه من الناس الذين قد لا يظفرون بمثلها. وما دام قد سيطر على نفسه إلى هذا الحد، وعودها هذا الحرمان في الطعام والشراب، فما له لا يزيد هذه السيطرة وما له لا يعود نفسه الحرمان لا في الحب بل في لذات الحب. إذا فليبق حبه قويا حارا؛ ولكن ليظل هذا الحب نقيا طاهرا مجدبا من كل لذة، ولينتظر، وليجتنب اليأس، فكل شيء يدني الفتاة منه، وكل شيء يدنيه من الفتاة. لقد أصبحت زميلة له منذ نشرت بعض الصحف السيارة لها قصتها التي وضعتها عن نفسها فأصبحت كاتبة مثله تتحدث إلى الناس في الأدب كما يتحدث هو إلى الناس في الفلسفة. هما إذا زميلان، بل هما اكثر من زميلين؛ فقد أخذت الفتاة تدنو من مذهبه في الفلسفة، وتحس ميلا إلى آرائه الاجتماعية، وتكون منه مكان التلميذ والنصير. فليحب إذا وليصبر، وفي أثناء ذلك كانت أم الفتاة تقول لها: لولا أن مسيو كونت قبيح دميم لقلت أنه يتملقك ويدور حولك كما يدور العاشقون حول من يحبون، ومع ذلك فإن من الحق عليه لك ولنفسه أن يفكر في أن هذه الزيارات المتصلة المنظمة، لا تليق بك ولا به لأنها تخالف العرف المألوف أشد الخلاف.
مجلة الرسالة - العدد 5
بتاريخ: 15 - 03 - 1933
فالفلسفة حب الحكمة، وهذه الحكمة شديدة الغيرة، شديدة الاثرة، لا تحب الشركة ولا ترضاها، ولا تسمح لعشاقها بأن يصفوا بودهم شيئاً أو أحداً غيرها. فمن فعل ذلك أو شيئاً منه، فليس هو من الحكمة في شيء؛ وإنما هو رجل مثلي ومثلك يغشى الأندية، ويضطرب في الشوارع، ويعيش مع الناس، وليس له حظ من المدينة الفاضلة التي يسكنها ويسيطر عليها عشاق الحكمة وحدهم.
لذلك كان أمر هذا الفيلسوف الذي أحدثك عنه عجباً من العجب، وفنا من هذه الفنون النادرة التي لا يظفر بها المؤرخون والقصاص الا في مشقة وعسر، وإلا على أن تفرق بينها القرون الطويلة والعصور البعيدة. والذي أعرفه أن التاريخ لم يظفر قبل فيلسوفي هذا العظيم بعاشق قد دلهته الحكمة، وعبث بلبه جمال ألهتها العليا؛ ولكنه على ذلك استطاع أن يشغف بآلهة أخرى يشركها مع هذه الآلهة التي كان يصورها اليونان في صورة أثينا، تلك التي خرجت من رأس أبيها زوس، تامة الخلق، مكتملة الشباب، فيها جمال فتان؛ ولكن فتنته تخلب بقوتها لا برقتها.
لم يعرف التاريخ عاشقاً من عشاق أثينا استطاع كما استطاع فيلسوفي العظيم، أن يشرك معها امرأة من النساء في حبه وهيامه، وأن يختصها من هذا الحب والهيام بمثل ما اختص به آلهة الحكمة نفسها، وأن ينتهي به الأمر إلى أن يخلط ابنة زوس بابنة بابيس، ويتخذ منهما شخصاً واحداً يحبه ويقدسه، ويصوغ له ديناً قويا خصبا، ويحاول أن يبسط سلطان هذا الدين على الإنسانية كلها، أو على الإنسانية المسيحية على أقل تقدير.
أظنك قد عرفت هذا الفيلسوف، فهو (أغست كونت) مؤسس الفلسفة الوضعية، وواضع علم الاجتماع، وصاحب السلطان العظيم على العقل الفرنسي، ثم الأوربي، ثم الأمريكي، عصرا طويلا من القرن التاسع عشر. وأظنك قد عرفت هذه المرأة التي زاحمت الفلسفة في قلب (أغست كونت) فكادت تغلبها عليه، أو غلبتها عليه بالفعل؛ ثم أصبحت إلهة للفيلسوف يعبدها كما يعبد النصارى المسيح، وكما كان الوثنيون من اليونان يعبدون أثينا أو أرتميس. ثم أصبحت إلهة لجماعة من تلاميذ الفيلسوف المتفرقين في أطراف الأرض، ثم أقيم لها معبد لا يزال يحج إليه إلى الآن في باييس، وأقيمت لها معابد متفرقة في أمريكا الجنوبية. حيث لا يزال للفيلسوف اتباع يشايعونه في القسم المتطرف من فلسفته.
هذه المرأة هي (كلوتلد دي فو) وأظنك تطمئن الآن وقد سمعت هين الاسمين، الا أني لا اخترع ولا اتبع الخيال، ولا أضع قصة؛ وإنما أكتب فصلا من فصول التاريخ. وليس من الضروري أن يلجأ الكاتب إلى الخيال والاختراع، ليستطيع أن يمتع قراءه، وأن يؤثر في نفوسهم ويثير فيها هذه العواطف الحادة المختلفة التي تعبث بها حين تحس لذة أو الماً، وحين تجد حبا أو بغضا، وحين تشعر بحزن أو سرور. فقد تكون الحقائق الواقعة أبرع وأروع من أحسن القصص الخيالية وأبدعها. ولكني في حاجة إلى أن اقدم إليك شخص هذين العاشقين قبل أن أحدثك عن عشقهما، وأقص عليك ما كان بينهما من غرام.
نشأ أغست كونت مع القرن التاسع عشر، ولم يكد يتوسط العقد الثاني من عمره حتى ظهر تفوقه في العلوم الرياضية، ولم تكد تتقدم به السن قليلا حتى عرف له هذا التفوق، وإذا هو حجة في هذه العلوم، وإذا هو لا يقف عندها ولا يقتصر عليها؛ وإنما يفكر في الصلة بينها وبين بقية أنواع المعرفة الإنسانية من جهة، ويفكر من جهة أخرى في الحياة الأوربية المضطربة بعد الثورة والإمبراطورية، فيحاول أن يضع ترتيباً جديداً للعلوم، ويوفق إلى ما يريد، ويحاول أن يجد نظاماً جديداً تقوم عليه الحياة الأوربية، فيوفق أيضاً، ويصبح لهذين النوعين من التوفيق صاحب الفلسفة الوضعية ومؤسس علم الاجتماع.
ولكن فلسفته الوضعية هذه، كانت حديثة ثائرة لا تستأثر بالقلوب استئثاراً مطلقا، ولا تقطع على أهلها سبيل الحياة. فسمحت لعاشقها (أغست كونت) أن يعيش كما يعيش الناس، وأن يحب كما يحبون. فعاش وأحب. ولكن أي عيشة وأي حب؟ تركت الفلسفة قلبه حرا، وشغلت عقله كله، فاختار في الحب بحسه وقلبه، ولم يختر بعقله، فيا بئس ما اختار! اختار امرأة جشمته الأهوال، وعلمته كيف تحتمل الآلام، وكيف يتجرع الإنسان مرارة الغيظ: كانت هلوكا فاجرة. وخيل إلى (أغست كونت) أنها نقية طاهرة، فأحبها وأظهرت له الحب، وخطبها فقبلت الخطبة، وتزوجها فقبلت الزواج. وما هو الا وقت قصير حتى تبين من أمرها ما كره. فخاصمها وقاومته، وأنذرها فازدرته، وحاول أن يعاقبها فثارت به، وصبر الرجل فصابر حتى جن. وإذا هو يلقي نفسه في النار، وإذا الشرطة تستنقذه وتدفعه إلى المستشفى، فيقيم مع المجانين حينا ثم يفيق فيستأنف الفلسفة، ويستأنف التعليم، ويستأنف الحب والعذاب. ويجن مرة أخرى، ويفيق وتنقطع الصلة بينه وبين امرأته في غير طلاق، لأن القوانين الفرنسية لم تكن تبيح الطلاق يومئذ. فنشاطه إذا موقوف على الفلسفة والتعليم.
وفي سنة 1840 كان فيلسوفنا ممتحنا في مدرسة الهندسة وكان بين الشباب الذين تقدموا إليه في هذا الامتحان غلام في الخامسة عشرة من عمره، هو (مكسيمليان ماري). رآه الأستاذ الفيلسوف وسأله، فأحبه واعجب به، ورأى أن الخير في ألا يقبله هذا العام. فأجله سنة ثم قبله بعد ذلك، واتصلت بين الأستاذ وتلميذه محبة لن تلبث أن بلغت أقصاها، وإذا الفتى يميل إلى أستاذه وفلسفته وإلى الحرية خاصة، وإذا هو يستقيل من المدرسة ويتبع الأستاذ ويتتلمذ له ويعيش من التعليم في المدارس الحرة على كره من أبيه. وفي سنة 1844 يتزوج هذا الفتى ويعيش مع امرأته في بيت الأسرة، حيث يزوره الأستاذ من حين إلى حين، وهناك يلقى أخته (كلوتيلد) فلا يكاد يسمعها ويتحدث إليها، حتى تبتدئ بينه وبينها قصة الغرام.
وكانت كلوتيلد هذه في الرابعة والعشرين من عمرها ولكن حياتها كانت ممتلئة بالخطوب. كان أبوها رجلا من الطبقة الوسطى، عمل في جيش الإمبراطورية وارتقى في آخر عهد الإمبراطور إلى رتبة الكابتن، ثم سقطت الإمبراطورية فأحيل إلى الاستيداع، وعاش من مرتبه العسكري الضئيل. وكانت أم الفتاة من أسرة شريفة من أهل اللورين، فنشأت (كلوتيلد) نشأة فيها بؤس وضيق؛ ولكن فيها احتفاظا شديداً بتقاليد الطبقة الوسطى، ولم تكد تتجأوز الخامسة عشرة حتى زوجت من رجل يحمل اسما من أسماء الأشراف. ولكن حظه من الشرف كان قليلا، وهو (ميودي فو). اقترن بالفتاة وعين جابياً للضرائب، وقضى مع امرأته أعواماً لا هوبالسعيد ولا هو بالذي يمنح امرأته قسطاً من السعادة. ثم أصبح الناس ذات يوم، وإذا هو قد هب إلى سفر مجهول، وما هي الا أن يبحث عنه ويفتش عن أمره، حتى يظهر أنه قد بدد أموال الدولة، وشيئاً كثيراً من أموال الناس في اللعب، ثم هرب من فرنسا، إلى حيث لم يعرف من أمره شيء.
فظلت هذه المرأة الشابة معلقة، لا هي بالمتزوجة، ولا هي بالمطلقة، محزونة، بائسة، لا أمل لها في الحياة. عادت إلى أسرتها تعيش بينها، وعكفت على نفسها تعيد وتبدي ما يجول فيها من خواطر الألم والحزن، ثم أخذت تكتب ما تحس وتقيد ما تجد، وإذا هي كاتبة لها حظ من أدب ونصيب من خيال. وكان جمالها معتدلا لا إسراف فيه. وكانت المحنة قد أفادتها رصانة ورزانة، وأفاضت على شخصها شيئاً من الحب يعطف النفوس عليها، وأجرت في حديثها شيئاً من العذوبة الحلوة الهادئة، يحببها إلى القلوب.
فلما لقيها الفيلسوف في بعض زياراته لأخيها، نظر إليها فلم تكد تبلغ نفسه، ونظرت هي إليه فأنكرته وأكبرته. أنكرت شكله الدميم، وصورته القبيحة، وخلقه المضطرب المرتبك، وأنكرت صوته الغليظ، وحديثه المتكلف. ولكنها أعجبت بذكائه، وأكبرت عقله وفلسفته، وسكتت عنه، وسكت عنها. واتصلت الزيارات، واتصل اللقاء. وأخذت نظرات الفيلسوف تستقر على الفتاة، وأخذت أذن الفتاة تطمئن إلى حديث الفيلسوف، ولكن أحداً منهما لم يشعر بأن صاحبه قد وقع من نفسه موقعاً خاصاً.
كان الفيلسوف يزور الأسرة ثلاث مرات في الأسبوع، وكان يجد لذة ودعة في هذه الزيارة، كان يلقى ثلاثاً من النساء: أم تلميذه وكانت مشغوفة بالتصوير، تحاول دائما أن تصور الفيلسوف، وزوج تلميذه وكانت موسيقية تطربه بالتوقيع على البيانو، وكلوتيلد أخت تلميذه وكانت أديبة تحدثه عن الأدب وعن قصتها التي أنشأتها وسمتها (لوس) ورمزت فيها لحياتها الخاصة، وربما أنشدته شيئا من شعرها. ولم يكن الفيلسوف يحب الأدب ولا يحفل بالشعر، ولكنه كان يجد لذة في أدب كلوتيلد، ويذوق الجمال في شعرها وإن لم يكن هذا الشعر جميلا، وإن لم يكن مستقيم الوزن أحياناً. وكان الفيلسوف يتحدث إلى كلوتيلد عن فلسفته الوضعية، وعن مجلداته الخمسة التي ظهرت تذيع هذه الفلسفة في الناس، وعن أنصاره وخصومه، وعن دروسه في الفلك. وكانت الفتاة تعجب بهذا كله، وإن لم تكن بطبعها مشغوفة بالفلسفة. وكان الفيلسوف يلتمس إرضاءها والتقرب إليها على غير شعور منه، فيذكر لها براعة النساء في الأدب والفلسفة، وكان هذا الحديث يروقها ويتملق كبرياءها، وكانت الفتاة تكبر في نفسها حين ترى الفيلسوف قد رآها لثقته أهلا. وذات يوم سقطت على الفيلسوف من السماء سعادة لم يكن يقدرها ولا ينتظرها ولا يحسب لها حساباً. زاره تلميذه ومعه أخته، وكان الفيلسوف في جماعة من العلماء، وكان الحديث علمياً عميقاً، فابتهج الفيلسوف وأعجبت الفتاة، وجلست تسمع في إكبار وتثاؤب خفيف لحديث العلماء، ثم همت تريد أن تنصرف فجمع الفيلسوف شجاعته كلها في يديه واستأذن الفتاة في أن يزورها في بيتها الخاص، فأذنت. هنالك بدأت الخصومة بين آلهة الفلسفة وآلهة الجمال. هنالك اضطرب (أغست كونت) بين العقل والقلب، وبين التفكير والحب. هنالك أخذ الفيلسوف يسأل نفسه: ما قيمة هذا العلم الخالص الجاف؟ وما قيمة هذا التفكير العميق العقيم؟ ومتى كان الرجل رجلا بعقله دون قلبه؟ ومتى كان الإنسان أنسانا بالتفكير دون الحب؟ إن الإنسان لا يستطيع أن يفكر في كل وقت، ولكنه يستطيع أن يحب دائماً. وإذا فقد تكون آلهة الفلسفة مسرفة في الطغيان، وقد يكون من الممكن أن يتخذ (أغست كونت) رأسه معبداً لأثينا وقلبه معبداً لكلوتيلد.
وابتدأت زيارة الفيلسوف للفتاة في بيتها. وإذا الحب يعلن، وإذا الفيلسوف يلح في حبه ويسلك إلى إقناع الفتاة بهذا الحب طرقاً، منها الملتوي، ومنها المستقيم. ولكن كلوتيلد لا تحب ولا تهوى، إنما تعجب وتكبر، فهي ترده عنها في رفق، وتطلب إليه مودته دون حبه، فلا يكاد يعرف منها هذا حتى يضيق بنفسه وبالحياة، وحتى تضيق به حصته، ويعجز جسمه ورأسه عن احتمال هذا الخذلان، فهو مريض يلجأ إلى السرير أياماً، وهو مشفق أن يعاوده جنونه القديم، على أنه يبل من مرضه، ويحاول أن يجدد عهده بالفتاة، ولكنها تحظر عليه زيارتها في بيتها، وتعده باللقاء عند أمها مرتين في الأسبوع، فلا يكفيه ذلك، فتعده بلقائه مرة ثالثة، فلا يكفيه ذلك أيضاً، وتتصل بينهما كتب فيها حوار حلو ملؤه الحنان حين يصدر عن الفتاة، عنيف معوج ملؤه الفلسفة حين يصدر عن الأستاذ، ثم يستحيل هذا الحب في نفس الفيلسوف إلى شكل جديد، فليس هو حباً عادياً كهذا الذي يكون بين الناس، وإنما هو التقاء شخصين عظيمين قد خلقا ليلتقيا ثم ليتعاونا على إصلاح الإنسانية وإنهاضها.
هي إذن قد خلقت له ولن يدعها ولن يتخذ غيرها زوجاً، إذا ماتت زوجه النائية، ثم تستحيل هذه العواطف ويستحيل هذا التفكير إلى فن من الفلسفة، يضعه (أغست كونت) في رسالة، ويهدي الرسالة إلى الفتاة بهذا العنوان: (رسالة فلسفية في التذكار الاجتماعي). في هذه الرسالة يتغير رأي (أغست كونت) في المرأة ومكانتها الاجتماعية تغيراً تاماً. فقد كان منذ أشهر يكتب إلى تلميذه (ستوارت ميل) فيرى أن ليس في المرأة أمل ولا خير، أما الان فهو يرى المرأة عنصراً أساسياً في الإصلاح الاجتماعي الذي وقف نفسه عليه، وقد سرت الفتاة بهذه الهدية، وكبرت في نفسها فزارت الفيلسوف مع أمها شاكرة له.
هنالك نشط الأمل وتجددت الحياة، واعتقد الفيلسوف أنه سعيد. واستأنف إلحاحه على الفتاة، واستأنفت الفتاة مدافعته عن نفسها، واحتالت في ذلك حتى زعمت له أنها قد أحبت من قبله فتى كان لحبها أهلا، وأحبها الفتى وسعد بهذا الحب؛ ولكن لم يجدا إلى الزواج سبيلا، لأن الفتى كان معلقا مثلها يخاصم امرأته ولا يستطيع لها فراقا، فيئست من الحب والسعادة، وأزمعت أن تنصرف عن لذات الحياة أبدا. ولكن الفيلسوف مغرم، والغرام لا يعرف اليأس، وهو إذا كان صحيحاً قويا قد يتحول ويتشكل، ولكنه لا يزول. وما الذي يمنع غرام كونت أن يتخذ شكلا فلسفيا ولو إلى حين. لقد كان عود نفسه الحرمان منذ دهر طويل، فألغى القهوة منذ عشرين سنة، وترك التدخين منذ عشر سنين، ثم ألغى النبيذ ثم ألغى الفاكهة، ثم اتخذ ميزانا يزن به ما يلائم حاجة جسمه من الطعام الخشن، وكان ربما يكتفي بالكسرة من الخبز يتبلغ بها، وهو يفكر في إخوانه من الناس الذين قد لا يظفرون بمثلها. وما دام قد سيطر على نفسه إلى هذا الحد، وعودها هذا الحرمان في الطعام والشراب، فما له لا يزيد هذه السيطرة وما له لا يعود نفسه الحرمان لا في الحب بل في لذات الحب. إذا فليبق حبه قويا حارا؛ ولكن ليظل هذا الحب نقيا طاهرا مجدبا من كل لذة، ولينتظر، وليجتنب اليأس، فكل شيء يدني الفتاة منه، وكل شيء يدنيه من الفتاة. لقد أصبحت زميلة له منذ نشرت بعض الصحف السيارة لها قصتها التي وضعتها عن نفسها فأصبحت كاتبة مثله تتحدث إلى الناس في الأدب كما يتحدث هو إلى الناس في الفلسفة. هما إذا زميلان، بل هما اكثر من زميلين؛ فقد أخذت الفتاة تدنو من مذهبه في الفلسفة، وتحس ميلا إلى آرائه الاجتماعية، وتكون منه مكان التلميذ والنصير. فليحب إذا وليصبر، وفي أثناء ذلك كانت أم الفتاة تقول لها: لولا أن مسيو كونت قبيح دميم لقلت أنه يتملقك ويدور حولك كما يدور العاشقون حول من يحبون، ومع ذلك فإن من الحق عليه لك ولنفسه أن يفكر في أن هذه الزيارات المتصلة المنظمة، لا تليق بك ولا به لأنها تخالف العرف المألوف أشد الخلاف.
مجلة الرسالة - العدد 5
بتاريخ: 15 - 03 - 1933