إهداء من الشاعر التونسي الكبيرالمنصف المزغني : قصيدة للشهيد شكري بلعيد

تُـونِسُ
لَمْ أَعْرِفْ وَجْهَكِ بَعْدَ النَّارِ
قصيدة من خمسة أقسام
« الاعتذار للمتنبي واجب:
مصائب شعبٍ عند حزبٍ مناصب»

الإهداء :
الى روح شكري الذي فتح دمه زمن الشهادة بعد الثورة فكان لطفي نقض ومحمد البراهمي والشهداء في الجيش والأمن

I- قَسَمُ الشَّاعِر

قَسَمًا
بِاللهِ الْحَكَمِ الْعَدْلِ
الْمُقْسِطِ بِالْقِسْطَاسْ
دُونَ حَسِيبٍ أَوْ حَاسُوبْ
الْمُلْهِمِ نَفْسَ الإِنْسَانْ
فُجُورَ الْكُفْرَانْ
وَتَقْوَى الإِيـمَانْ
دُونَ شَرِيكْ
الْمُحْصِي أَنْفَاسَ النَّاسْ
الْقَابِضِ
كُلَّ الأَرْوَاحْ
دُونَ سِلاَحْ
دُونَ رَصَاصٍ أَوْ قَنَّاصٍ أَوْ جَسَّاسْ
قَسَمًا
لَمْ أَعْرِفْ تُونِسْ
دُونَ حِوَارْ
مِثْل النَّعْجَةِ وَالْجَزَّارْ
دُونَ حِوَارٍغَيْر الذَّبْحْ
بِاسْمِ الدِّينِ الْحُرِّ السَّمْحْ
لَمْ أَعْرِفْ تُونِسْ
بَلَدًا مُحْتَاجًا لِلْفَتْحْ
بَعْدَ النَّارْ
لَمْ أَعْرِفْ تُونِسْ
هَلْ فِي الشَّارِعْ
شَجَرٌ أَخْضَرْ
غُصْنٌ يُخْفِي
رَشَّ رَذَاذْ
هَذَا الْفُلْفُلْ
رَشٌّ أَسْمَرْ
لاَ لاَ يُعْمِي إِلاَّ الأَعْوَرْ!
لَمْ أَعْرِفْ تُونِسْ
بَعْدَ النَّارْ
مَاذَا يُوجَدُ جَوْفَ الْجُبَّهْ؟
قَلْبُ الْحُبّْ؟
ذَيْلُ الْمَالْ؟
أَمْ رَأْسُ الْحَرْبَهْ؟
لَمْ أَعْرِفْ تُونِسْ
بَعْدَ النَّارْ
مَاذَا تُخْفِي فِي الطَّرْبُوشَةْ
رَأْسًا، مُخًّا
أَمْ خَرْطُوشَةْ؟
بَعْدَ النَّارْ
لَمْ أَعْرِفْ تُونِسْ
كَيْفَ النَّاسْ
هَلْ أَخْيَارٌ أَمْ أَشْرَارْ
كَيْفَ الدُّنْيَا ؟
مَاذَا تُخْفِي مِنْ أَلْعَابْ
جَوْفَ الْغَابْ؟
غَابَ الْقَانُونُ
فَجَاءْ
قَانُونُ الْغَابْ؟

II- شُكْرِي الشَّهِيدْ

تُونِسْ
لَمْ أَعْرِفْ وَجْهَكْ
بَعْدَ النَّارْ
فِي رَأْسِ الطِّفْلِ الْمُرِّ
الْمَاسِكِ فِي حَبْلٍ يُدْعَى
«الشَّعْبُ يُرِيدْ»
وَالطِّفْلُ عَنِيدْ
شِبْلٌ يُدْعَى: شُكْرِي بِلْعِيدْ
تُونِسْ
لَمْ أَعْرِفْ وَجْهَكْ
بَعْدَ الْخَرْطُوشِ الْعَابِرْ
حَدَّ الصَّوْتْ
الْخَارِقِ حَدَّ الْبَلَدِ الآمِنْ
الْمَارِقِ عَبْرَ الصَّوْتِ النَّاشِزْ
مِنْ حُنْجُرَةِ الأُسْتَاذِ السَيِّدِ شُكْرِي
الرَّاسِمِ بِالصَّوْتِ الْجَهْرِيّْ
لَوْنَ حَيَاةٍ حُرَّهْ
فِي الْبَلَدِ الآمِنْ

III- الْجَنَازَةُ الشَّاهِدَة

اللهُ أَكْبَرْ
مَنْ؟ مَنْ قَالْ:
الْحُزْنُ مُذَكَّرْ
فَالْحُزْنُ يُؤَنَّثْ
يَبْكِي امْرَأَةً مِنْ تُونِسْ
نَدِمَتْ دَهْرًا
لَمْ تَمْشِ بِقَلْبِ جَنَازَةْ
"الطَاهِرْ الْحَدَّادْ"
وَالْحُزْنُ هُنَا زَغْرَادْ
فِي الْجَبَّانَةِ ضِدَّ الْمَوْتْ
وَالْمَرْأَهْ
تَمْشِي أَوْ لاَ تَمْشِي
خَلْفَ جَنَازَهْ
مَنْ؟ مَنْ يُعْطِي
أَوْ لاَ يُعْطِي
لِلْحُزْنِ إِجَازَهْ؟
فَوْقَ الشَّاشَهْ
تَمْشِي عَيْنُ الْقَاتِلُ
وَتَرَى مَوْتًا آخَرْ
فَدَمُ الْمَقْتُولْ
لَمْ يَسْقِ الْخَوْفَ بِصَدْرِ النَّاسْ
مَنْ يَنْسَى
غَيْمًا مُسْتَلاً
مِنْ شِعْرِ «السَيَّابْ»
أَمْطَارًا فِي مَقْبَرَةِ «الْجَلاَّزْ»
أَبْعَدَ مِنْ
«شَطّْ جْرِيدْ»
وَ«سِيدِي بُوزِيدْ»
وَ«جْبَلْ جْلُودْ»
وَ«سِيدِي بُوسْعِيدْ»
وَأَبْعَدَ حَتَّى مِنْ «بُورْ سَعِيدْ»
تِلْكَ جَنَازَةْ:
شُكْرِي بِلْعِيدْ
وَجَنَازَتُهُ كَانَتْ دَمْعَهْ
تَنْزِلُ مِنْ عَيْنِ اللَّوْعَهْ
وَبِحَجْمِ الْقَلْعَهْ
يَحْرُسُهَا الْجَيْشُ الْعَالِي السُّمْعَهْ
وَجَنَازَتُهُ كَانَتْ زَحْمَهْ
جَاؤُوا مِنْ أَيْنْ؟
جَاؤُوا مِنْ أَحْيَاءِ التَّعْبِيرْ
جَاؤُوا مِنْ بَيْتِ الْقَصْدِيرْ
وَالْكُلُّ الْكُلّْ
لِلْحُبِّ فَقِيرْ
لَمْ يَأْتُوا لِلتَّصْوِيرْ
مَا جَاؤُوا بِالتَّأْطِيرْ
مَا جَاؤُوا بِالتَّأْجِيرْ
مَا جَاؤُوا لِلتَّكْسِيرْ
جَاؤُوا جَاؤُوا لْلتَّكْشِيرْ وَلِلتَّحْذِيرْ
بَعْضٌ جَاءَ مِنْ الْفَجْعَهْ
بَعْضٌ رَكِبَتْهُ اللَّوْعَهْ
بَعْضٌ مِنْ أَجْلِ الرَّكْعَهْ
بَعْضٌ مِنْ هَذِي النَّزْعَهْ
بَعْضٌ مِنْ أَجْلِ الْفَزْعَهْ
بَعْضٌ حَمَلَتْهُ الدَّمْعَهْ
بَعْضٌ فِي يَدِهِ شَمْعَهْ
بَعْضٌ مِنْ هَوْلِ الْخِدْعَهْ

V- جَوْلَةُ الشَّهِيد

شُكْرِي
يَخْرُجُ مِنْ قَبْرِهْ
يَتَفَقَّدُ نَارَ الأَحْزَانْ
فِي بَيْتِ الأُسْرَهْ
فِي قَلْبِ الزَّوْجَةِ وَالْبِنْتَيْنْ
فَيَرَى الْحُزْنَ بِحَجْمِ الشَّمْعَهْ
وَالْبَيْتَ بِحَجْمِ القَلْعَهْ
وَالْقَلْعَهْ
أَوْسَعُ مِنْ كُلِّ الأَحْزَانْ
دَمْعُ الْفِقْدَانِ لَهُ لُحْمَهْ
دَمْعُ الْعَيْنْ
وَدَمْعُ «اللاكريموجين»
وَدَمْعُ الْغَيْمِ عَلَى نَعْشٍ قَبْلَ الدَّفْنْ
وَلِذَا انْطَفَأَ الْحُزْنْ.
مِنْ أَيْنَ هُدُوءُكِ فِي الأَزْمَهْ
يَا «بَسْمَهْ»
وَيَجِيءُ الرَدّْ:
"مِنْ صَبْرِ النَّاسِ عَلَى الْغُمَّهْ
الْحُزْنُ يَخِفُّ مَعَ الْقِسْمَهْ".
بَعْدَ النَّارْ
هَذَا قَبْرُكْ
فَارْفَعْ رَأْسَكْ
إِنَّكَ تَحْيَا قَلْبَ النَّاسْ
أَنْتَ الآنَ بِدُنْيَا أُخْرَى
لاَ يَعْنِيهَا خَبَرٌ عَاجِلْ
فَاخْرُجْ وَاصْرُخْ فِي الأَخْبَارْ:
"إِنْ هَذَا إِعْلاَمُ الْعَارْ
فَهَذَا حَقًّا أَمْنُ النَّارْ".
أَيُّ بِلاَدٍ أَيُّ بِلاَدْ
لَمْ نَعْرِفْهَا
مَاتَ زَمَانُ الاسْـتِعْـبَادْ
فَاتَ زَمَانُ الاسْـتِبْـدَادْ
جَاءَ زَمَانُ الاسْـتِـبْلاَدْ
إِنَّكَ تَحْـيَا
فِي «حَشَّادْ»

VI – سُؤَالُ الاغْتِيَال

هَلْ إِنَّ الثَّوْرَهْ
نَهْرٌ
بِدِمَاءِ بَنِيهَا
تَجْرِي
لاَ تَدْرِي
فِي رِبْحٍ أَمْ فِي خُسْرِ؟
هَلْ
نَحْوَ الْكَهْفِ الدَّامِسْ
أَمْ نَحْوَ الْفَجْرِ الدَّامِي
أَمْ نَحْوَ الْحَلِّ السِّحْرِيّْ
أَمْ أَنَّ الثَّوْرَةَ مَخْطُوطْ
مَرْبُوطٌ بِالْحِبْرِ السِرِّي
الْمَصْنُوع
مِنْ قَطْرَةِ دَمْ
تَبْدَأْ
مِنْ شُكِرْي؟
لَسْتُ بِشُرْطِيٍّ كَيْ أَعْرِفْ
رِيحَ الْقَاتِلْ
لَسْتُ بِقَاضٍ كَيْ أَتَشَمَّمْ
رُوحَ الْقَاتِلْ
لَسْتُ بِعَرَّافٍ كَيْ أَقْرَأَ
كَفَّ الْقَاتِلْ
فَأَنَا الْقَائِلْ:
إِنَّ الْقَاتِلْ
نَائِبُ قَاتِلْ
وَأَنَا السَّائِلْ:
مَا ذَنْبُ الإِنْسَانِ الْكَائِنْ
فِي أُمَّهْ
لاَ تَقْرَأْ
وَاسْمُ الأُمَّهْ
أُمَّةُ «اقْرَأْ».

تونس 6 فيفري/ 28 مارس 2013

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...