جعفر الديري - غمامة.. قصة قصيرة

منذ صغره وهو مشكلة تعجز عن حلّها. أمّا اليوم فمصيبة تفزعها ليل نهار. وهي المشارفة على الخمسين، دون صحة أو مال.
وكأنَّ زوجها عقد عهدا مع الشيطان، أن لا يتركها ترتاح ساعة واحدة، فسمعته تطارها، حتى بعد أن شبع موتا. وتلك ابنتها لم تأخذ منه سوى صلفه وتكبّره، فهي في شجار دائم مع زوجها، يؤذن بالطلاق. وها هو إبراهيم، نسخة من أبيه.
ورغم شخصيتها القويّة، وقدرتها على التماسك في أصعب الظروف، بدت أشبه بالغريق وسط المحيط. وقد لاحظت ذلك زميلتها سماح...
- هل من جديد بشأن إبراهيم؟
- علمت بالأمر إذن؟
- لا يوجد أحد لم يسمع بمصيبته الجديدة.
وشعرت بالعجز والعار، غولان يحاول كلّ منهما أن يقضي على البقية الباقية من صبرها. وبكت حتى نشجت، ما استدعى أن تأخذها زميلتها في أحضانها...
- تصوري. لم تعد تلق السلام حتّى. إنها تتصرّف كما لو انها مالكة البيت.
- عليك البحث عن حل.
- وماذا بيدي أفعله؟
- أنت مثلنا الأعلى. كُلّ نسوة الحي يحترمنك. لا تتركي مشكلة مثل هذه تتغلّب عليك.
- لم تعد بي طاقة على المقاومة. أخشى أن يرديني الضغط قتيلة في أيّة لحظة.
- هذا قدرك ويجب أن تواجهيه. الأفعى ستلتهمك إن لم تضعي حدّا لسلوكها.
- لكنها زوجه وأم ابنته.
- ولماذا لم يأت بابنته معه؟
- يقول إنها مريضة، والطقس الرطب لا يناسبها.
- لا أعتقد أن هناك طفلة، ولا زواج حتّى.
- أيبلغ به الطيش هذا الحد؟!
- لقد أخطات حين أرسلته للخارج، هل عاد بالشهادة؟!
قالت وجسدها يهتزّ تأثرا:
- بل عاد بخيبتي، بمرّي، بعذابي.
غادرت العمل، مزمعة أن تضع حدّا للمرأة التعسة. ورغم إحساسها بألم شديد في الرأس، وبوهن في الجسم، تحاملت على نفسها، فطلبت من خادمتها أن تستدعي زوجة ابنها.
وجاءت الآسيوية، ووقفت أمامها بلباسها غير المحتشم، واضعة يديها على وسطها. مصوّبة نظرات متحدّية. وخلفها إبراهيم، متفاجئا من الموقف...
- أريد عقد الزواج.
- سلي ولدك لا دخل لي.
قال إبراهيم بصوت متلعثم:
- لقد نسيته.
- هذه المرأة ليست زوجتك. وليس لك طفلة منها.
اقترب من أمّه كما تفعل القطط، إلاّ أنّها ردّته بإرادة صلبه:
- إذا أردت العيش معي، فأخرج هذه الأفعى قبل أن أستدعي لها الشرطة.
سارع للهرب، تتبعه امرأته، فأحستّ وكأنّ غمامة تحجب عنها الرؤية، اضطرتها للجلوس على الكنبة في الصالون.
لقد صدق حدس الزميلة العزيزة إذن. فولدها الذي ربّته على يدها، صار لا يفرّق بين الحلال والحرام، فهو يعيش مع امرأة غريبة كالأزواج تماما.
ويا لها من نتيجة رائعة، أن تكتشف بعد خمسة وعشرين عاما أنّ الأرض التي أفنيت عمرك في العناية بها، أرض بور لا تنتج سوى الحنظل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...