[ " بالايمان .. راجعون
للأوطان .. راجعون
راجعون ، راجعون
راجعون "
" اغنية فيروزية "
لماذا أدهشكم قولي ، فما صدقتكم ، إن قطيعة عشرين عاما تنسي الإنسان نفسه ؟ وهل هي قطيعة بوعي الآن أصبح شعراؤنا ملء العين والخاطر . وأصبحوا يتدفأون بصمودهم . وصاروا ينتسبون إليهم - " أولئك آبائي .." - فكيف قابلوهم قبل مذراة الخامس من حزيران ، حين أنشد شاعرنا نشيد العودة الأول -" بلادي ترى ،أعود أرى ، ديار الحمى مهد صباي ؟- صاحوا في وجوهنا : ما لكم ولهذا يا قعداء ، ألم ترفضوا الهجرة معنا إلى يثرب ؟! ولماذا تبربرون الآن على " أم الروبابيكا " ، في شارع الوادي في حيفا ، وترفضون أن تصدقوا ما تقوله لكم من انها تشتري كل فراش منهوب من الهضبة ، وكل خزانة عتيقة وكل صندوق ، لعلها ان تجد الكنز الذي تبحث عنه ؟ .. غير معقول .
وهل هذا هو الأمر غير المعقول الوحيد الذي يجري في بلادنا ؟
تستهجنون من " أم الروبابيكا " أنها تشتري جميع دواشك القنطرة ، وتقبلون من السلطات أن ترسي مزاد القنيطرة - بكل ما بقي فيها من أثاث ، صحون قهوة وجران كبة ، فراشي أسنان ونسافات عث ، كتب الفارابي ولفائف المراحيض - على مقاول ذي مال أو ذي دالة ، وتخلي له ساحة لصق عمارة الشرطة ، ومخازن من مخازنها ، يعرض فيها بضاعته على الشارين ؟
وهل كان الأمر أصبح معقولا لو انها أخلت له ساحة في معرض الشرق في عنق تل أبيب !
أنا أعرف أن أحدا لم يقرر أن يقاطع معرض المنهوبات هذا . ولكن أحداً لا يقربهُ . فلا العرب يقربونه ولا اليهود
هذا من ورع وذاك من جزع ، وأخريات لأن موضته قديمة . والمقاول يحلف الأيمان ، بجميع اللغات المتداولة في حوض البحر الأبيض المتوسط ، من الشام لتطوان ، أن بيته خرب ، ولا شأن له بخراب البيوت في الهضبة .. إلا " أم الروبابيكا " ..
الآن أصبح هذا هو لقبها . وأصبحتم تبربرون فيما بينكم بأنها عريقة في النهـب ، وبأنها سنة 1948 نهبت سجاجيد شارع عباس ، وسكنت في القصر الذي نزح منه أبو معروف ، صاحب حانوت " العشرة بقرش " في سوق الشوام في حيفا أيام زمان .
هل رأيتم في وادي النسناس قصورا ؟ من حظ هذه الأطلال أنها تقوم في واد يحميها من رطوبة البحر المالح .. ألم تشرفوا " قصور " عكا القديمة ، فتدق جدرانها النوبة لكم ، هذه الجدران التي لم يستطه سور احمد أن يصونها ؟
ألا تخجلون ؟!
كنتم في الماضي تتلقفون كل سبب ، وتختلقون الأسباب لتقرعوا بابها ، فتقدم لكم القهوة .. وابتسامتها اللطيفة .
وكنتم تلقبونها فيما بينكم ، بملكة الوادي غير المتوّجة . وكانت منذ ذلك الوقت تبحث عن الكنز في الدواشك . فما رأيتم غضاضة في ذلك . فما بالكم تبربرون عليها قد انشقت أمامها أرض الكنوز مرة ثانية ؟ ..إني اعرفها أكثر مما تعرفونها .
لقد اصرّت على البقاء مع والدتها المقعدة حين نزح زوجها وأخذ أولادهما معه ، في سفر الخروج الأول . وحين توفيت والدتها ، بعد خمس سنين من ذلك ، سمعنا ان زوجها يرفض التعرف عليها ، ولا يرغب في أن تعود إليه .
ولم تصدقوا ما كانت تقوله لكم من انها هي أيضا لا ترغب في أن تهجر بيتها . وكنتم تتغامزون عليها . وكنتم تبربرون في أن في الأمر حكاية حـب . ومن غير المعقول أن تبقى في الوادي لغير هذا السبب . فهلا أجبتموني إذن ، لماذا كان من المعقول بقاؤكم أنتم أنفسكم ؟.. إني اعرفها أكثر مما تعرفونها .
كانت تبيع ما سحبت يداها من سجاجيد، ومن كراسي ومن مرايا . وكانت تفتح الدوشك وتبحث فيه عن الكنز، ثم تطويه وتبيعه . وربما وجدت شيئاً . ويوماً زرتها وكانت متربعة على الأرض ، وصف دوشك مبعثر أمامها .
وكانت في يدها رسالة تقرأ فيها وتنشج .. فاستوضحتها الأمر . فقالت : تذكرت أولادي.
- وهذه الرسالة ؟
قالت : واحدة من رزمة رسائل كان شاب يرسلها ، على ما يظهر ، إلى فتاته .. فكانت تخفيها في خرق فتحته في الدوشك.
ثم مسحت دموعها وهتفت : كنوزي ، كنوزي !
وكانت تعيش على ما تجمعه من أثمان ما تبيعه من أثاث البيت ، وتقدم القهوة لكم . وترفض هداياكم .
وكانت إذا دخلتم في الشعر دخلت فيه . وكنتم تسرعون إلى إكمال بيت إذا لم يأتها سوى شطره الأول . وكنتم تهمهمون استحسانا -لؤماً - إذا روت بيتا وقد كسرته.
وإذا دخلتم في السياسة كانت أشدكم حماسا ورغبة في أداء مهمة . فإذا اعتقل أحدكم كانت أسرع من أمه إلى زيارته ، وحمل الطعام إليه وغسل قمصانه.
عشرون سنة أكلت نيرانها ما اختزنته من حطب سفينتها المبحرة نحو كنوز الملك سليمان . كل شيء باعته سوى كنوزها وهذه النيران أحرقت شعرها ، فشاب ، ولكن ابتسامتها بقيَت خضراء لم تفحمها النيران ، لو كنتم تحفلون بابتسامتها كما تحفلون الآن بالبربرة عليها .
للأوطان .. راجعون
راجعون ، راجعون
راجعون "
" اغنية فيروزية "
لماذا أدهشكم قولي ، فما صدقتكم ، إن قطيعة عشرين عاما تنسي الإنسان نفسه ؟ وهل هي قطيعة بوعي الآن أصبح شعراؤنا ملء العين والخاطر . وأصبحوا يتدفأون بصمودهم . وصاروا ينتسبون إليهم - " أولئك آبائي .." - فكيف قابلوهم قبل مذراة الخامس من حزيران ، حين أنشد شاعرنا نشيد العودة الأول -" بلادي ترى ،أعود أرى ، ديار الحمى مهد صباي ؟- صاحوا في وجوهنا : ما لكم ولهذا يا قعداء ، ألم ترفضوا الهجرة معنا إلى يثرب ؟! ولماذا تبربرون الآن على " أم الروبابيكا " ، في شارع الوادي في حيفا ، وترفضون أن تصدقوا ما تقوله لكم من انها تشتري كل فراش منهوب من الهضبة ، وكل خزانة عتيقة وكل صندوق ، لعلها ان تجد الكنز الذي تبحث عنه ؟ .. غير معقول .
وهل هذا هو الأمر غير المعقول الوحيد الذي يجري في بلادنا ؟
تستهجنون من " أم الروبابيكا " أنها تشتري جميع دواشك القنطرة ، وتقبلون من السلطات أن ترسي مزاد القنيطرة - بكل ما بقي فيها من أثاث ، صحون قهوة وجران كبة ، فراشي أسنان ونسافات عث ، كتب الفارابي ولفائف المراحيض - على مقاول ذي مال أو ذي دالة ، وتخلي له ساحة لصق عمارة الشرطة ، ومخازن من مخازنها ، يعرض فيها بضاعته على الشارين ؟
وهل كان الأمر أصبح معقولا لو انها أخلت له ساحة في معرض الشرق في عنق تل أبيب !
أنا أعرف أن أحدا لم يقرر أن يقاطع معرض المنهوبات هذا . ولكن أحداً لا يقربهُ . فلا العرب يقربونه ولا اليهود
هذا من ورع وذاك من جزع ، وأخريات لأن موضته قديمة . والمقاول يحلف الأيمان ، بجميع اللغات المتداولة في حوض البحر الأبيض المتوسط ، من الشام لتطوان ، أن بيته خرب ، ولا شأن له بخراب البيوت في الهضبة .. إلا " أم الروبابيكا " ..
الآن أصبح هذا هو لقبها . وأصبحتم تبربرون فيما بينكم بأنها عريقة في النهـب ، وبأنها سنة 1948 نهبت سجاجيد شارع عباس ، وسكنت في القصر الذي نزح منه أبو معروف ، صاحب حانوت " العشرة بقرش " في سوق الشوام في حيفا أيام زمان .
هل رأيتم في وادي النسناس قصورا ؟ من حظ هذه الأطلال أنها تقوم في واد يحميها من رطوبة البحر المالح .. ألم تشرفوا " قصور " عكا القديمة ، فتدق جدرانها النوبة لكم ، هذه الجدران التي لم يستطه سور احمد أن يصونها ؟
ألا تخجلون ؟!
كنتم في الماضي تتلقفون كل سبب ، وتختلقون الأسباب لتقرعوا بابها ، فتقدم لكم القهوة .. وابتسامتها اللطيفة .
وكنتم تلقبونها فيما بينكم ، بملكة الوادي غير المتوّجة . وكانت منذ ذلك الوقت تبحث عن الكنز في الدواشك . فما رأيتم غضاضة في ذلك . فما بالكم تبربرون عليها قد انشقت أمامها أرض الكنوز مرة ثانية ؟ ..إني اعرفها أكثر مما تعرفونها .
لقد اصرّت على البقاء مع والدتها المقعدة حين نزح زوجها وأخذ أولادهما معه ، في سفر الخروج الأول . وحين توفيت والدتها ، بعد خمس سنين من ذلك ، سمعنا ان زوجها يرفض التعرف عليها ، ولا يرغب في أن تعود إليه .
ولم تصدقوا ما كانت تقوله لكم من انها هي أيضا لا ترغب في أن تهجر بيتها . وكنتم تتغامزون عليها . وكنتم تبربرون في أن في الأمر حكاية حـب . ومن غير المعقول أن تبقى في الوادي لغير هذا السبب . فهلا أجبتموني إذن ، لماذا كان من المعقول بقاؤكم أنتم أنفسكم ؟.. إني اعرفها أكثر مما تعرفونها .
كانت تبيع ما سحبت يداها من سجاجيد، ومن كراسي ومن مرايا . وكانت تفتح الدوشك وتبحث فيه عن الكنز، ثم تطويه وتبيعه . وربما وجدت شيئاً . ويوماً زرتها وكانت متربعة على الأرض ، وصف دوشك مبعثر أمامها .
وكانت في يدها رسالة تقرأ فيها وتنشج .. فاستوضحتها الأمر . فقالت : تذكرت أولادي.
- وهذه الرسالة ؟
قالت : واحدة من رزمة رسائل كان شاب يرسلها ، على ما يظهر ، إلى فتاته .. فكانت تخفيها في خرق فتحته في الدوشك.
ثم مسحت دموعها وهتفت : كنوزي ، كنوزي !
وكانت تعيش على ما تجمعه من أثمان ما تبيعه من أثاث البيت ، وتقدم القهوة لكم . وترفض هداياكم .
وكانت إذا دخلتم في الشعر دخلت فيه . وكنتم تسرعون إلى إكمال بيت إذا لم يأتها سوى شطره الأول . وكنتم تهمهمون استحسانا -لؤماً - إذا روت بيتا وقد كسرته.
وإذا دخلتم في السياسة كانت أشدكم حماسا ورغبة في أداء مهمة . فإذا اعتقل أحدكم كانت أسرع من أمه إلى زيارته ، وحمل الطعام إليه وغسل قمصانه.
عشرون سنة أكلت نيرانها ما اختزنته من حطب سفينتها المبحرة نحو كنوز الملك سليمان . كل شيء باعته سوى كنوزها وهذه النيران أحرقت شعرها ، فشاب ، ولكن ابتسامتها بقيَت خضراء لم تفحمها النيران ، لو كنتم تحفلون بابتسامتها كما تحفلون الآن بالبربرة عليها .