ثقافة شعبية جعفر الديري - المرأة في التراث الشعبي.. شر لا بد منه.. تراث شعبي

يشير جملة من الملمين بالتراث الشعبي إلى أن المرأة كثيراً ما أغمط حقها في مفردات ذلك التراث. فهي - أي المرأة - ابتليت بنظرة قاصرة لا ترى فيها سوى متاع أو شيء يسهل تجاوزه. فالرجل المذكر الذي هو سيد البيت ورب الأسرة المحامي والمؤسس له بدعائم القوة والصلابة والذي يعيش الجحيم من أجل توفير لقمة العيش الطيبة لأبنائه هو الوحيد الجدير بالاحترام والتشريف في هذا التراث. بينما المرأة التي تقبع في بيتها مربية لأبنائها هي الجديرة بالتقليل من شأنها واعتبارها دمية يحركها الرجل كيفما يشاء وبالتالي فهي شر لابد منه تلوكه الألسن بكل قبيح.
ولكن عندما يتعلق الأمر بتراث شعبي في منطقة مطلة على البحر كالبحرين مثلا يتغير الوضع وذلك ما يؤكد ها جملة من المهتمين بهذا التراث. ويدللون على ذلك بقولهم ان هناك تنافراً واضحاً بين ما هو مكتوب وبين ما هو معاش على أرض الواقع. فالمرأة التي أغمط حقها في ذلك التراث المكتوب هي محترمة على أرض الواقع في كل مجالات الحياة. وان اعتور ذلك بعض الاستثناءات فان مرد ذلك الى عدم خلو أي مجتمع من عادات سلبية ونظرات قاصرة. ذلك ما يؤكد عليه - في بداية هذا الاستطلاع - الباحث في قضايا التراث الشاعر علي عبدالله خليفة - حين يقول : «ان أي تراث شعبي له مزية التعبير عن حكمة ورؤية هذا الشعب ونظرته الكونية. وتراثنا الشعبي أعطى المرأة دورا بارزا في جميع نواحي الحياة. فاذا نظرنا الى الموضوع من جانب الحرف سنجد أنه يعطيها جانباً كبيراً من اهتمامه فهي الفعالة بقوة في هذا الميدان. وهي من جانب آخر في مجال الغوص حيث انتظار المجهول والصبر كان لها الدور الأكبر في ادارة دفة الحياة. وفي مجال الموسيقى نجد الموروث الشعبي وبين أن لها الدور الكبير في تأسيس الفرق الشعبية التي لاتزال قائمة حتى اليوم والتي ساهمت في حفظ النصوص الشعرية عن طريق العزف. هذا الى جنب دورها كراوية للقصص الشعبية فهي في سردها تختلف اذ تقول الحكاية ومن ثم تقوم بتعديلها وفي خلق أجواء أخرى لها اذ كانت تروي القصص بأساليب مبتكرة وكذلك روايتها للقصائد وأغنيات التهويد على الطفل وترقيصه اذ كان لها دورها الخاص في ذلك. فالتراث نظر إلى المرأة على أنها عالم قائم بذاته. فكان لها دورها في محاوره الغناء والحفاظ على العادات والتقاليد وفي حفظ التراث الشعبي والحرف والصناعات». ويستدرك خليفة في هذا السياق: «ونحن لا ننكر أن لكل شعب جوانبه السلبية والايجابية فالمرأة في التراث الشعبي تصور على أنها تمارس النذور والطقوس والاعتقادات الخاطئة ولكن هذا التراث حصيلة نظرة الرجل والمرأة ولكن بنظرة فاحصة يجب أن لا نسلم بها كحال واقعة»

حال واقعية

غير أن تلك النظرة لا تلاقي هوى عند الشاعر كريم رضي. فهو يشدد على أن تلك النظرة القاصرة للمرأة في ذلك التراث الشعبي هي حال واقعية يدلل عليها ما هو خالد في النفوس حتى يوم الناس مما يظهر في فلتات اللسان. كالقول إن المرأة شر لابد منه وأن كيدهن - أي النساء - عظيم. ويوضح رضي وجهة نظرة بقوله: «كثيراً ما تلقى في التراث الشعبي العربي الكثير من الأمثال التي تنتقص من قدر المرأة كالساحرة مثلاً التي تأتي في صورة شريرة بينما يأتي الساحر دائما في صورة المنقذ. فالمرأة تأتي دائما في صورة مخيفة للأطفال والنماذج السيئة دائما امراة كـ «أم حمار» مثلاً امرأة. ووصل الحال بالخطاب الشعبي إلى تحوير الخطاب في قصة زليخة في الآية القرآنية «ان كيدكن عظيم» إلى «ان كيدهن عظيم» وتحول الخطاب هنا إلى خطاب عام. ونتيجة ذلك كانت النظرة نظرة دونية تجدها شرا لابد منه. الأمر الذي يدل على أنه لا توجد هناك ثقة بها وأنها أقل شأنا من الرجل. ذلك ما يتراءى لي في ذلك الخطاب الثقافي - للأسف - بينما هي على أرض الحياة ذات دور تاريخي في المجتمع الزراعي اذ كانت تقوم بدور كبير في الزراعة ورعاية الأطفال. كما كان لها دورها الاقتصادي الأمر الذي خولها بعد سلسلة كفاحها الطويل إلى تبوء مكانة مرموقة على رغم ما تعانيه حتى اليوم في الخطاب الثقافي من تلك النظرة الدونية».

مكتوب ومطبق

بينما يجد الباحث الاجتماعي عبدالله الحداد أن التنافر لا يكمن في تراث شعبي مكتوب يرى المرأة دمية وبين واقع لها فيه أهمية كبيرة. وانما يجد هذا التناقض يتعلق بزاوية مطبقة في المجتمع أسست هذا التراث وأشبعته بأمثال تلك النظرات القاصرة وبين زاوية مكتوبة أسسها الدين الاسلامي الحنيف حينما أعطى للمرأة حقوقا وفرض عليها واجبات تعلي من شأنها.
ويوضح الحداد: «موضوع المرأة في التراث الشعبي يمكن أن ينقسم الى قسمين وهما الزاوية الرسمية المكتوبة والزاوية المطبّقة. فمن الناحية المكتوبة فان المرأة تبدو هنا معززة مكرمة خصوصاً مع الحقوق الكبيرة التي أعطاها اياها الاسلام كحق الشورى مثلاً. ولكنها ظلت تعامل على أنها شر لا بد منه وأنه من السهل تجاوزها، وأن من حق الولي أن يفعل بها ما يشاء. مع أنها كانت عبر التاريخ تجاهد من أجل اعلاء كلمتها واثبات وجودها منذ أيام النبي (ص). ولكن بعد انتقال النبي (ص) إلى الرفيق الأعلى وبعد فترة الخلفاء الراشدين عادت مهضومة الحقوق. يسهل تجاوزها وكل ذلك له علاقة بنمط الاستغلال السائد. ففي وسط المنظومة الاسلامة وجد الرجل هو الأسد ولكنها ليست لبؤة وانما كانت فريسة».
ويضيف متحدثا بشيء من الخصوصية عن المرأة البحرينية: «في البحرين نحن هنا في مجتمع منفتح وأقل استغلالا بحكم أنه مجتمع بحريني في داخل جزيرة صغيرة وعادة يكون المجتمع الذي يطل على البحر أقبل عنفا من حياة البداوة. فعلاقة الانسان في البحرين بالمرأة ذات نواح مشتركة لأن رجل الجزيرة يتوق الى الآخر فهم مسالمون إلى حد ما. أضف إلى ذلك اتصال الإنسان في البحرين بحكم التجارة بشعوب آسيوية أخرى كالفلبين والهند مثلا. فهناك المرأة لها نصيب قوي وربما حكمت الشعب كما حدث مع أنديرا غاندي في الهند مثلاً. فهناك لا يوجد عداء مستفحل على النساء. فالبحرينيون تأثروا بكل تلك الخصائص وتلك الأنماط مما انطبع على شعب البحرين. ولقد مر المجتمع البحريني بالكثير من الحوادث والظروف الكبيرة هذا الى جانب اتصاله بالمجالات والحركة الثقافية في العالم العربي وكل ذلك ساهم بشعور المرأة بأهميتها وحسّن من موقف الرجل تجاهها».

مكتشفات أثرية

هذا الموروث الشعبي كما يرى باحث الآثار عبدالعزيز صويلح مخطىء في الكثير مما نقله مما يجافي الواقع. فهو يرى أن هذا التراث أغفل الكثير من الاكتشافات الأثرية التي تدل على أن المرأة في عصر دلمون كانت صنو الرجل في حياته العملية والبيتية.
يقول صويلح: «في التراث الدلموني لعبت المرأة دوراً كبيراً إلى جانب الرجل فعندما نقبنا في القبور التي دفنت فيها أولئك النسوة وجدنا أنها تحتوي على أدوات لا تقل عن الأدوات التي في قبور الرجال الى جانب الرموز والنقوش. ومعنى ذلك أن المرأة الدلمونية كانت تحتل مكانها كزوجة وتقوم ببعض المهمات الدينية هذا إلى مشاركتها في العمل التجاري. وذلك معناه أنها لم تكن حبيسة الدار وانما كانت مشاركة في نشاطات تجارية. ومنها مشاركتها في نشاطات تجارية مع بلاد الرافدين خلال الفترة البابلية بحسب المكتشفات التي تحدثت عن نساء قاموا أو ساهموا بمبالغ في حملات تجارية. فقد شكلت المرأة القيادة العليا للبيت فترة ذهاب الزوج الى الغوص. فكانت تقوم بدور الأب والأم. وكانت تدير الأسرة. وفي الفترة التي كان فيها انبساط في العيش مع وجود الزوج الى جانب الزوجة كانت المرأة تستشار في الزراعة وتشارك في الحصاد. فأنا ضد الفكرة التي تقول ان المرأة أيامها لم تكن تعرف سكك الطريق بل أنها كانت تخرج وتتنقل لادارة شئون البيت».

[SIZE=4]صورة المرأة في الدراما البحرينية[/SIZE]

الرفاع - المجلس الأعلى للمرأة

أصدرت الأمانة العامة للمجلس الأعلى للمرأة بالتعاون مع جامعة البحرين دراسة بعنوان: «صورة المرأة في الدراما البحرينية» وذلك لما يشهده المجتمع البحريني في الوقت الراهن من مرحلة اجتماعية - ثقافية يمكن وصفها بالمرحلة الانتقالية يجتاز فيها المجتمع عملية التحول من النمط الاجتماعي التقليدي إلى النمط الحداثي المتطور.
وتتضمن الدراسة ثلاثة أجزاء تتصل بالإطار المنهجي للدراسة والمتمثل في ملامح ومؤشرات الصورة الايجابية المقدمة عن المرأة، في مقابل الصورة السلبية المقدمة عنها في المادة الدرامية موضوع الدراسة. وملامح ومؤشرات صورة المرأة في علاقتها بالرجل كما تعكسها الأعمال الدرامية. ومؤشرات الصورة العصرية المقدمة درامياً عن المرأة في مقابل الصورة التقليدية المقدمة عنها.
وخلصت هذه الدراسة إلى عدد من التوصيات، أهمها إن الأعمال الدرامية بوصفها أداة من أدوات التأثير على المجتمع قد ساهمت من حيث لا تدري في ذبذبة أنماط الصورة الذهبية المتكونة عن المرأة من خلال النماذج التي قدمتها عنها والتي تأرجحت بين العصرية والتقليدية وبين الصورة الايجابية والسلبية ومن حيث رسم علاقتها بالرجل إذ إن الواقع ان قضية المرأة درامياً لا يمكن فصلها بحال من الأحوال عن قضايا المجتمع بأسره وبالتالي فإن معالجة أبعاد هذه الصورة بغية تعديلها أو تغييرها لابد ان تتم من خلال نظرة شاملة للمجتمع.
وأكدت ضرورة التثقيف الحقوقي للمرأة من خلال مؤسسات المجتمع الرسمية منها والأهلية، ووسائل الإعلام، بما يكفل إزالة التمييز بين الجنسين، إذ لا تزال الاتجاهات الوالدية تميز الذكور على الإناث، وإلى تأكيد اتخاذ الخطوات اللازمة لتطوير المناهج والكتب المدرسية بهدف تنشئة الأجيال على مبادىء التكافؤ والمساواة بين الجنسين من خلال تغيير الصور النمطية التقليدية والمتحيزة التي تقدمها المناهج المدرسية عن المرأة صوراً ودوراً، والعمل على إبراز نماذج نسائية إيجابية من خلالها.
كما بينت الدراسة أن المرأة بحاجة ملحة إلى تغيير نفسها من الداخل، وإن تصقل دورها في المجتمع
صورة المرأة في التراث الشعبي شر لا بد منه

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى