وقف "السي الخمار"عند منتصف الورشة بين العمال واضعا يديه على خاصريه ،حاميا وجهه بقبعة من الحلفاء . عيناه كانت تنظر الى أبعد نقطة يمكن أن يرصدها بصره . أي شئ كان يشغل باله ؟
ربما كان يسترجع شريط الحرف التي زاولها و غادرها الواحدة تلو الأخرى. و ربما كان يستعيد حلقات المسلسل الطويل الذي انتهى به الى يصبح انسانا جديدا له مرؤوسين والذي ابتدأ بحلول ذلك اليوم.
كانت الانتخابات على الأبواب، ومثلما يحدث دوما ، فقد كانت تحول أي شخص مهما كان مغرقا في الهامش الى الواجهة ، و يصبح قبلة للخدمات ، و تقام على شرفه الولائم . و سرعان ما يعاد لهامشه وهو في حيرة من أمره، شاهدا على جنون هذا العالم.
قلة من امثال السي الخمار و بفعل تجارب و أفكار "الروبيو" المتمردة رفضت أن تتحول الى مجرد أوراق تحشر في صناديق الاقتراع .و ربما مدفوعا بهذا التاثير أشار السي الخمار الى موكب انتخابي كان يمر امامه و قال مخاطبا شخصا كان يجلس بجوراه : أكل هذه القيامة من أجل أن نختار انسانا مآسينا بالنسبة له لن تكون بالنسبة له أكثر من سؤال شفوي ؟
رد الرجل : لن تصوت ؟
ـ اذا كان لا بد أن نكون مجرد أصوات، فلتكن أصواتا مزمجرة ترعب الآذان التي لم تتعود الا على سماع الاصوات الهامسة .
لكن السي الخمار كان له رأي آخر حين قرر حزب الروبيو خوض الانتخابات. ولأنه لم يكن سوى انسانا بسيطا ، فلم يكن بمستطاعه أن يشارك في نقاش أو يدلي برأي . و كل ما كان يستطيع أن يفعل هو حمل السلم و الصاق الملصقات .
لكن وهو يقطع الشارع ، كان دائما يوحي لناظره من خلال قامته الطويلة، و كتفه الهرقلي، و خطواته العملاقة التي يشقها في ثقة أنه مصر على التحدي . و أن اصراره مستمد من مسيرته الطويلة التي لم يعرف فيها غير الاذلال. و هل هتاك ما يمكن أن يخسره ؟
لم يتنظر الجواب طويلا اذ سرعان ما اجتمع وجهاء القرية. و قرروا بالاجماع الاستغناء عن خدماته في دق الطبل أثناء ليالي رمضان . وحين تناهى اليه الخبر ، علق على ذلك بأن خاطب حماره قائلا: اسمع أيها الأبله . أسماع الوجهاء رهيفة جدا هذه الايام لحد أنها لن تحتمل صوتا لعينا كذلك النهيق المرعب الذي تصدره. ولذا أنصحك بأن تنهق بصوت منخفض. بل و يجدر بك أن لا تفعل ذلك مطلقا ، والا فسيكون اقل ما يفتي به الوجهاء في حقك ، هو صدك عن أثانهم.
قال السي الخمار ذلك وهويصعد ادراج السلم لاصلاح سقف غرفته الوحيدة الذي بات وشيك الوقوع. وهوعند منتصف السلم ، سمع صوتا يعرفه جيدا ، يأمره بالتوقف عن العمل، و التوجه فورا الى مقر القيادة. استدار نحو مصدر الصوت و قال : لأي شئ يطلبونني ؟
ـ هناك ستعرف.
نزل الأدراج. أمر زوجته بادخال المعدات . لبس معطفه الوحيد . وهو ينظر الى بقايا مرآة مثبتة على الجدار، حاول أن يتذكر آخر مرة زار فيها القيادة . لقد كان ذلك منذ زمان بعيد. عندما اكتشف ذات يوم جثة "العياشي الروخو" الذي كان قد فارق الحياة في كوخ مهجور بضواحي القرية. أثارت الذكرى نوعا من الحزن و قال مخاطبا نفسه "مسكين العياشي ، على الاقل فهو قد مات في سلام و لم يزعج أحدا " .
أدخل السي الخمار الى مقر القيادة فور وصوله. ليغادرها بعد لحظات متجهم الوجه لا يلوي على شئ. بحث على الروبيو من غير جدوى . ثم عاد لبيته . قرفص أمام الباب .
ظل السي الخمار مطرق الرأس و سأل زوجته : لم تسأليني لم تم استدعائي؟
أجابت الزوجة في ارتباك واضح : كنت سأفعل ،لكني حين رأيت تلك الظلال القاتنمة المخيمة على وجهك ، ترددت.
قال السي الخمار : خيرا فعلت. فليس في الامر ما يدعو للتهلف قصد سماعه. ثم أضاف وهو ينظر الى البعيد : إذا كان العياشي الروخو قد مات مريضا مهملا منسيا في كوخ مهجور في ضواحي القرية، فالاكيد الان أننا سنموت بكامل عافيتنا . لكن في وسط القرية هذه المرة.
ودون أن ينتظر تعقيبا أضاف : لقد أبلغت أنه لم يعد مسموحا في هذا البلد بترميم البيوت القديمة خصوصا اذا كانت مبنية بالطين.
قاطعته الزوجة: لكن جارنا كان يصلح بيته في الوقت الذي أوقفت انت ولم يمنعه أحد.
ضرب السي الخمار كفا وبكف وانفجر ضاحكا وهو يقول : هل صدقت حقا ان المسألة هي مسألة طين وبناء قديم؟
أدركت الزوجة متأخرة حجم الورطة وقالت محتجة: من البدء قلت لك أن ما يحدث خارج البيت شئ لا يعنينا .
انتفض السي الخمار واقفا كالمارد والدماء تغلي في وجهه وقال : أيتها البلهاء. أمثالك و أمثال من يحملون هذا التفكير هم أسباب كل البلاء الذي تعيشه البلاد .لك ان تفخري . هم على الأقل صاروا يعرفون أن في هذه الثرية هناك رجل يدعى السي الخمار .
قاطعته الزوجة : هل تستطيع ان تجعل من هذا الفخر سقفا يحمينا من الماء؟
انحنى السي الخمار للأرض باحثا عن أي شئ يقذف به الزوجة التي توارت هاربة تندب حظها . وفي الليل . والظلمة و السكون مطبقان على القرية. سمعت دقات خافتة على باب بيت السي الخمار الذي قام لتوه كي يفتح. و إذا به يطرح تساؤلات بنبرة استنكارية . أنت؟ ماذا تريد أيضا؟
لم يعرف احد من كان الطارق ولا لأي سبب أتى . لكن السي الخمار عاد . لبسه معطفه. وخرج .وحين بحثت عنه الزوجة في الصباح لم تجده في الفراش. ولما تفقدته في الخارج وجدته على السقف . قالت بصوت منخفض : أنزل . اي مصير سنواجه إن سجنوك؟
وضع السي الخمار يديه على خاصريه وقال محاولا ان يوصل صوته لأبعد مسافة ممكنة : من يستطيع ذلك ؟
لم تكن الزوجة الوحيدة التي وقفت فاغرة فمها . بل مجموع عمال ورش الانعاش الذين كان ينظرون ثم يفركون عيونهم وينظرون من جديد ليتأكدوا من أن القادم هو السي الخمار برفقة القائد الذي خاطب مجموع العمال قائلا : يسرني أن اقدم لكم رئيسكم الجديد الكبرال السي الخمار .
ربما كان يسترجع شريط الحرف التي زاولها و غادرها الواحدة تلو الأخرى. و ربما كان يستعيد حلقات المسلسل الطويل الذي انتهى به الى يصبح انسانا جديدا له مرؤوسين والذي ابتدأ بحلول ذلك اليوم.
كانت الانتخابات على الأبواب، ومثلما يحدث دوما ، فقد كانت تحول أي شخص مهما كان مغرقا في الهامش الى الواجهة ، و يصبح قبلة للخدمات ، و تقام على شرفه الولائم . و سرعان ما يعاد لهامشه وهو في حيرة من أمره، شاهدا على جنون هذا العالم.
قلة من امثال السي الخمار و بفعل تجارب و أفكار "الروبيو" المتمردة رفضت أن تتحول الى مجرد أوراق تحشر في صناديق الاقتراع .و ربما مدفوعا بهذا التاثير أشار السي الخمار الى موكب انتخابي كان يمر امامه و قال مخاطبا شخصا كان يجلس بجوراه : أكل هذه القيامة من أجل أن نختار انسانا مآسينا بالنسبة له لن تكون بالنسبة له أكثر من سؤال شفوي ؟
رد الرجل : لن تصوت ؟
ـ اذا كان لا بد أن نكون مجرد أصوات، فلتكن أصواتا مزمجرة ترعب الآذان التي لم تتعود الا على سماع الاصوات الهامسة .
لكن السي الخمار كان له رأي آخر حين قرر حزب الروبيو خوض الانتخابات. ولأنه لم يكن سوى انسانا بسيطا ، فلم يكن بمستطاعه أن يشارك في نقاش أو يدلي برأي . و كل ما كان يستطيع أن يفعل هو حمل السلم و الصاق الملصقات .
لكن وهو يقطع الشارع ، كان دائما يوحي لناظره من خلال قامته الطويلة، و كتفه الهرقلي، و خطواته العملاقة التي يشقها في ثقة أنه مصر على التحدي . و أن اصراره مستمد من مسيرته الطويلة التي لم يعرف فيها غير الاذلال. و هل هتاك ما يمكن أن يخسره ؟
لم يتنظر الجواب طويلا اذ سرعان ما اجتمع وجهاء القرية. و قرروا بالاجماع الاستغناء عن خدماته في دق الطبل أثناء ليالي رمضان . وحين تناهى اليه الخبر ، علق على ذلك بأن خاطب حماره قائلا: اسمع أيها الأبله . أسماع الوجهاء رهيفة جدا هذه الايام لحد أنها لن تحتمل صوتا لعينا كذلك النهيق المرعب الذي تصدره. ولذا أنصحك بأن تنهق بصوت منخفض. بل و يجدر بك أن لا تفعل ذلك مطلقا ، والا فسيكون اقل ما يفتي به الوجهاء في حقك ، هو صدك عن أثانهم.
قال السي الخمار ذلك وهويصعد ادراج السلم لاصلاح سقف غرفته الوحيدة الذي بات وشيك الوقوع. وهوعند منتصف السلم ، سمع صوتا يعرفه جيدا ، يأمره بالتوقف عن العمل، و التوجه فورا الى مقر القيادة. استدار نحو مصدر الصوت و قال : لأي شئ يطلبونني ؟
ـ هناك ستعرف.
نزل الأدراج. أمر زوجته بادخال المعدات . لبس معطفه الوحيد . وهو ينظر الى بقايا مرآة مثبتة على الجدار، حاول أن يتذكر آخر مرة زار فيها القيادة . لقد كان ذلك منذ زمان بعيد. عندما اكتشف ذات يوم جثة "العياشي الروخو" الذي كان قد فارق الحياة في كوخ مهجور بضواحي القرية. أثارت الذكرى نوعا من الحزن و قال مخاطبا نفسه "مسكين العياشي ، على الاقل فهو قد مات في سلام و لم يزعج أحدا " .
أدخل السي الخمار الى مقر القيادة فور وصوله. ليغادرها بعد لحظات متجهم الوجه لا يلوي على شئ. بحث على الروبيو من غير جدوى . ثم عاد لبيته . قرفص أمام الباب .
ظل السي الخمار مطرق الرأس و سأل زوجته : لم تسأليني لم تم استدعائي؟
أجابت الزوجة في ارتباك واضح : كنت سأفعل ،لكني حين رأيت تلك الظلال القاتنمة المخيمة على وجهك ، ترددت.
قال السي الخمار : خيرا فعلت. فليس في الامر ما يدعو للتهلف قصد سماعه. ثم أضاف وهو ينظر الى البعيد : إذا كان العياشي الروخو قد مات مريضا مهملا منسيا في كوخ مهجور في ضواحي القرية، فالاكيد الان أننا سنموت بكامل عافيتنا . لكن في وسط القرية هذه المرة.
ودون أن ينتظر تعقيبا أضاف : لقد أبلغت أنه لم يعد مسموحا في هذا البلد بترميم البيوت القديمة خصوصا اذا كانت مبنية بالطين.
قاطعته الزوجة: لكن جارنا كان يصلح بيته في الوقت الذي أوقفت انت ولم يمنعه أحد.
ضرب السي الخمار كفا وبكف وانفجر ضاحكا وهو يقول : هل صدقت حقا ان المسألة هي مسألة طين وبناء قديم؟
أدركت الزوجة متأخرة حجم الورطة وقالت محتجة: من البدء قلت لك أن ما يحدث خارج البيت شئ لا يعنينا .
انتفض السي الخمار واقفا كالمارد والدماء تغلي في وجهه وقال : أيتها البلهاء. أمثالك و أمثال من يحملون هذا التفكير هم أسباب كل البلاء الذي تعيشه البلاد .لك ان تفخري . هم على الأقل صاروا يعرفون أن في هذه الثرية هناك رجل يدعى السي الخمار .
قاطعته الزوجة : هل تستطيع ان تجعل من هذا الفخر سقفا يحمينا من الماء؟
انحنى السي الخمار للأرض باحثا عن أي شئ يقذف به الزوجة التي توارت هاربة تندب حظها . وفي الليل . والظلمة و السكون مطبقان على القرية. سمعت دقات خافتة على باب بيت السي الخمار الذي قام لتوه كي يفتح. و إذا به يطرح تساؤلات بنبرة استنكارية . أنت؟ ماذا تريد أيضا؟
لم يعرف احد من كان الطارق ولا لأي سبب أتى . لكن السي الخمار عاد . لبسه معطفه. وخرج .وحين بحثت عنه الزوجة في الصباح لم تجده في الفراش. ولما تفقدته في الخارج وجدته على السقف . قالت بصوت منخفض : أنزل . اي مصير سنواجه إن سجنوك؟
وضع السي الخمار يديه على خاصريه وقال محاولا ان يوصل صوته لأبعد مسافة ممكنة : من يستطيع ذلك ؟
لم تكن الزوجة الوحيدة التي وقفت فاغرة فمها . بل مجموع عمال ورش الانعاش الذين كان ينظرون ثم يفركون عيونهم وينظرون من جديد ليتأكدوا من أن القادم هو السي الخمار برفقة القائد الذي خاطب مجموع العمال قائلا : يسرني أن اقدم لكم رئيسكم الجديد الكبرال السي الخمار .