بداخلي كلام أكبر من الكلام. هدير لا تمتصه المسافات ولا تستوقفه حدود. هفو لا يسعه وعاء و لا تختزله العبر و العبرات. كلام كروح متمردة في اول ثورة لها انتفضت ضد ذاتها و رفضت أن تنعت باسم أو تتخذ شكلا او تستظل تحت عنوان او إشارة. فتكاثفت لتتجمع في حجم ومضة نور بعد أن سحبت من الأشياء كل المعالم و السمات، مخلفة الحياة مغرقة في الإبهام.
هو جبروت المحال حين يهزا من كمائن الممكن. المطلق حين يعبث أحلام المحدود و يتجه صعودا ليتمدد فوق أبراج الخوارق و الأساطير. لكني أبحث عنك بالرغم من ذلك، مدفوعا بكونك جزءا من الحقيقة التي أحياهاا. لقد كان لك جسد. صوت يسمع. كنت اراك. اراقبك و انت تشيد صروح كينونتك. أتتبع خطاك و أنت تصعد أدراج الأزمنة. كل هذا يدفع بي كي أعاند هذا الانضباط القاسي و ادق بقوة على هذا الجدار الأخرس محاولا أن افتح فيه ثغرة، رافضا أن اقنع نفسي كيف تصبج الحقيقة اكذوبة او مجرد صورة على صفحة بركة. اعاند و أعاند. و حين يداهمني العياء، تهمس لي المنايا في اذني بعد ان تخفف من قرع اجراسها لتبلغني أنها في اول هبة لها أجهزت على اليقين. و اني فيما احاوله لن اكون اكثر ممن يغطي هزيمة العقل حين فشل في منطقة ما يفوق طاقته.
أحتضن نفسي. أبكيك و لا ادري ما الذي يبكيني فيك.الزمن الخالي منك، ام حضورنا الذي مات فيك. العالم الذي تقلص باختفائك أم الأزهار التي ستتفتح في غيابك.
كنت تاتي و ترحل. هو كل ما استعيده الان بعد ان غصت في هذا الافق الضبابي. لعبة قديمة كنت ترهقنا بها. لكن على قدر ارهاقك كنت تسلينا، وهو ما يغريني اكثر كي الغي الازمنة و اتموقع في نفس الرقعة منتظرا انبثاقك الفجائي، لاكون اول من يرى بوابة العودة تنفتح ليطالعني وجهك، وأركض بكل قواي مسابقا النسيم الحامل لانفاسك محققا سبقا بعد ان أوقظ من ارهقهم انتظارك.
لم يكن العالم بهذه الزوايا المنفرجة. الضيق كان قد بلغ اقصى مداه. كل ما عرفته الحياة و ما راج في التاريخ لم نر له من تجل زاد عن رجال أشبه بالمجانين في أفضل حالاتهم لما حاولوا ان يقربوا لنا العالم، بدوا و كانهم كانوا في كوكب اخر. لم يكن من شئ يفعلونه سوى ممارسة القتل. و لذلك حين تواريت ذات خريف سالكا نفس الطريق الذي سلكه المقاتلون القدامي، انتابنا خوف مريع مما قد يصيبك أولئك الاشرار المتربصون في الجزء الاخر من غالم مسعور.
لكنك في كل مرة كنت تعود. أكثر حياة و اكثر رغبة في العودة للخوض مجددا في جزئيات و تفاصيل لحياة كنت تجدها نها تستحق ان تعاش. و تغرينا اكثر بالاقتراب من ذلك المجرى الذي كان يحدث تماسا و صعقات كانت تجعلنا كمتوحشين نجفل من كل ما هو غير عاد. لكنك كنت تصعد الجدارالفاصل و تنظر الى حيث لا نستطيع النظر. تنظر الى البعيد ثم تنظر الينا و كانك تطلع الحياة على خرائظ غربتنا. مراكبنا المتناثرة خارج رقعة الرصد. تيه عمر اكثر مما كان يلزم. اقامة جبرية حشر فيها قاطنوها لخطيئة ما أعيت التاريخ نفسه حين انتظر بلا جدوى من سيتقدم بطلب اعادة النظر في قضيتها.
حين كنا ننظر الى انفسنا بعد أن ننظر اليك، كنا ننتبه إلى اننا بدانا نحفظ ملامح وجوهنا. و يتقوى الاعتقاد داخلنا في كوننا غير ملزمين في الحياة أن نكون مجرد نسخة لنموذج لسنا نحن من حدد كنهه.
أذكر ان الجدة كانت تفرح كثيرا بعودتك. أساريرها كانت تبلغ اقصى امتداددها و هي تبتسم. لم يكن حضورك يدفع لإقامة وليمة. لكن حكيك كان أهم من كل ذلك. كنت تدرك أننا على مشارف زمن سيتفتت جداره الفاصل بعد حين. و اننا في ألوى اكتشافتنا القادمة سنعي ان الجدار الذي صنع غربتنا كنا نحن اللبنات المشكلة له. و اننا سنستغني عن كل الوساطات بما في ذلك وساطتك، حين سيصبح بالامكان ان ننظر للعالم باكثر من عين واحدة. و سننصرف في عدو لن تكون له نهاية. و سنبحث بكيفية ما عن مد الجزء الغارق من العمر ببعض الهواء. و سنتمنى لو امكن فتح جوف الدهور المستهلكة من اجل ان ننتشل منها اشواط العمر التي عشناها بلا الوان.
هي نفس صدمة الاجيال التي سبقتنا حين وجدت نفسها فجاة مغمورة بالضياء. ولم تجد امام هول الفارق بين الحياة الجديدة و حياة القبو سوى ان تنكر لها كل صلة بالماضي و القبو و اهله. و اندست في غربة لم يوازيها سوى حجم الفقد الذي كان هو كل نصيبها في هذه الدنيا.
كان يمكن ان نكرر الحكاية نفسها . وعندما بدانا نبحث عن مبررات انسلاخنا، سمقت فجاة كمارد في سماء الدهشة. و كما في ليالي الطفولة، جمعتنا حولك و صرت تقص علينا حلمك.
لم تكن وجها ملائكية، و لا أزهار فردوسية و لا نغام اوتار سحرية. لم يكن للرومانسية اي حضور . كنت تتحدث عن الناس العاديين. الأشقياء. الكادحين. الكائنات التي بدت و كانها اتت للعالم مكممة الأفواه. المدن المسحورة. و صفات الخصي المبثوثة في الماء و الهواء. تحدثت عن الادميين الذين لم يفكر فيهم احد. عن الذين يتطلعونه إلينا كي نكون صوتهم. عن طلق العدم الذي ينتظرهم ان لم نكن جسورهم نحو الاعتبار الذي يستحقونه و قد استكثر فيهم.
حين انهيت سرد الحلم كان الوقت قد اقترب من الصباح. كنت تنظر الينا و تنظر للخارج. و لاول مرة بدا و كانك فقدت الاحساس بالزمن على غير عادتك. لكننا كنا منشغلين بما خلفه حلمك في اذهاننا. و بهذا المسار الجديد الذي رسمته و انت تمضي بنا نحو فهم اخر لمعنى الجمال و الحياة. و احسسنا فعلا ان نسائم المدينة الكبرى التي شغلتك بدت تهب علينا نسائمها.
عبد الله البقالي
هو جبروت المحال حين يهزا من كمائن الممكن. المطلق حين يعبث أحلام المحدود و يتجه صعودا ليتمدد فوق أبراج الخوارق و الأساطير. لكني أبحث عنك بالرغم من ذلك، مدفوعا بكونك جزءا من الحقيقة التي أحياهاا. لقد كان لك جسد. صوت يسمع. كنت اراك. اراقبك و انت تشيد صروح كينونتك. أتتبع خطاك و أنت تصعد أدراج الأزمنة. كل هذا يدفع بي كي أعاند هذا الانضباط القاسي و ادق بقوة على هذا الجدار الأخرس محاولا أن افتح فيه ثغرة، رافضا أن اقنع نفسي كيف تصبج الحقيقة اكذوبة او مجرد صورة على صفحة بركة. اعاند و أعاند. و حين يداهمني العياء، تهمس لي المنايا في اذني بعد ان تخفف من قرع اجراسها لتبلغني أنها في اول هبة لها أجهزت على اليقين. و اني فيما احاوله لن اكون اكثر ممن يغطي هزيمة العقل حين فشل في منطقة ما يفوق طاقته.
أحتضن نفسي. أبكيك و لا ادري ما الذي يبكيني فيك.الزمن الخالي منك، ام حضورنا الذي مات فيك. العالم الذي تقلص باختفائك أم الأزهار التي ستتفتح في غيابك.
كنت تاتي و ترحل. هو كل ما استعيده الان بعد ان غصت في هذا الافق الضبابي. لعبة قديمة كنت ترهقنا بها. لكن على قدر ارهاقك كنت تسلينا، وهو ما يغريني اكثر كي الغي الازمنة و اتموقع في نفس الرقعة منتظرا انبثاقك الفجائي، لاكون اول من يرى بوابة العودة تنفتح ليطالعني وجهك، وأركض بكل قواي مسابقا النسيم الحامل لانفاسك محققا سبقا بعد ان أوقظ من ارهقهم انتظارك.
لم يكن العالم بهذه الزوايا المنفرجة. الضيق كان قد بلغ اقصى مداه. كل ما عرفته الحياة و ما راج في التاريخ لم نر له من تجل زاد عن رجال أشبه بالمجانين في أفضل حالاتهم لما حاولوا ان يقربوا لنا العالم، بدوا و كانهم كانوا في كوكب اخر. لم يكن من شئ يفعلونه سوى ممارسة القتل. و لذلك حين تواريت ذات خريف سالكا نفس الطريق الذي سلكه المقاتلون القدامي، انتابنا خوف مريع مما قد يصيبك أولئك الاشرار المتربصون في الجزء الاخر من غالم مسعور.
لكنك في كل مرة كنت تعود. أكثر حياة و اكثر رغبة في العودة للخوض مجددا في جزئيات و تفاصيل لحياة كنت تجدها نها تستحق ان تعاش. و تغرينا اكثر بالاقتراب من ذلك المجرى الذي كان يحدث تماسا و صعقات كانت تجعلنا كمتوحشين نجفل من كل ما هو غير عاد. لكنك كنت تصعد الجدارالفاصل و تنظر الى حيث لا نستطيع النظر. تنظر الى البعيد ثم تنظر الينا و كانك تطلع الحياة على خرائظ غربتنا. مراكبنا المتناثرة خارج رقعة الرصد. تيه عمر اكثر مما كان يلزم. اقامة جبرية حشر فيها قاطنوها لخطيئة ما أعيت التاريخ نفسه حين انتظر بلا جدوى من سيتقدم بطلب اعادة النظر في قضيتها.
حين كنا ننظر الى انفسنا بعد أن ننظر اليك، كنا ننتبه إلى اننا بدانا نحفظ ملامح وجوهنا. و يتقوى الاعتقاد داخلنا في كوننا غير ملزمين في الحياة أن نكون مجرد نسخة لنموذج لسنا نحن من حدد كنهه.
أذكر ان الجدة كانت تفرح كثيرا بعودتك. أساريرها كانت تبلغ اقصى امتداددها و هي تبتسم. لم يكن حضورك يدفع لإقامة وليمة. لكن حكيك كان أهم من كل ذلك. كنت تدرك أننا على مشارف زمن سيتفتت جداره الفاصل بعد حين. و اننا في ألوى اكتشافتنا القادمة سنعي ان الجدار الذي صنع غربتنا كنا نحن اللبنات المشكلة له. و اننا سنستغني عن كل الوساطات بما في ذلك وساطتك، حين سيصبح بالامكان ان ننظر للعالم باكثر من عين واحدة. و سننصرف في عدو لن تكون له نهاية. و سنبحث بكيفية ما عن مد الجزء الغارق من العمر ببعض الهواء. و سنتمنى لو امكن فتح جوف الدهور المستهلكة من اجل ان ننتشل منها اشواط العمر التي عشناها بلا الوان.
هي نفس صدمة الاجيال التي سبقتنا حين وجدت نفسها فجاة مغمورة بالضياء. ولم تجد امام هول الفارق بين الحياة الجديدة و حياة القبو سوى ان تنكر لها كل صلة بالماضي و القبو و اهله. و اندست في غربة لم يوازيها سوى حجم الفقد الذي كان هو كل نصيبها في هذه الدنيا.
كان يمكن ان نكرر الحكاية نفسها . وعندما بدانا نبحث عن مبررات انسلاخنا، سمقت فجاة كمارد في سماء الدهشة. و كما في ليالي الطفولة، جمعتنا حولك و صرت تقص علينا حلمك.
لم تكن وجها ملائكية، و لا أزهار فردوسية و لا نغام اوتار سحرية. لم يكن للرومانسية اي حضور . كنت تتحدث عن الناس العاديين. الأشقياء. الكادحين. الكائنات التي بدت و كانها اتت للعالم مكممة الأفواه. المدن المسحورة. و صفات الخصي المبثوثة في الماء و الهواء. تحدثت عن الادميين الذين لم يفكر فيهم احد. عن الذين يتطلعونه إلينا كي نكون صوتهم. عن طلق العدم الذي ينتظرهم ان لم نكن جسورهم نحو الاعتبار الذي يستحقونه و قد استكثر فيهم.
حين انهيت سرد الحلم كان الوقت قد اقترب من الصباح. كنت تنظر الينا و تنظر للخارج. و لاول مرة بدا و كانك فقدت الاحساس بالزمن على غير عادتك. لكننا كنا منشغلين بما خلفه حلمك في اذهاننا. و بهذا المسار الجديد الذي رسمته و انت تمضي بنا نحو فهم اخر لمعنى الجمال و الحياة. و احسسنا فعلا ان نسائم المدينة الكبرى التي شغلتك بدت تهب علينا نسائمها.
عبد الله البقالي