عبدالله البقالي - قبل الرواح.. قصة قصيرة

الأبواب تغلق بتبريرات شنى.. تارة بلطف مع ابتسا مة تختفي الفظاعة تحت رقتها . و أخرى مصحوبة بزمجرة و دوي كقصف الرعد . يستدير. يهيم على أرصفة الأمنيات الجميلة المصادرة و الأحلام الطفولية البعيدة . يمد خطى مثقلة بالياس قافلا في اتجاه الشارع .حفرة عميقة لم يتبين وجودها الا حين صار داخلها. بدأ يتسلق حوافيها . كل مرة كان يقترب وجهه من ملامسة النسيم. كانت يد مبتورة من جسد غير مرئي تضغطه، فيتقوقع داخلها . يستسلم . يتمدد. يغمض عينيه . تمر بخياله لافتات مكتوبة بشتى الألوان , يتناهى لسمعه خطب مرصعة بأبهى الكلام . يتذكر المواكب القديمة التي صممت الأدراج التي تسلقتها أحلام خياله. يفتح عينيه ليرى أن الحياة ما هي الا رحلة موت بطيئة. والخواتم و الالواح السحرية تفقد مفعولها. و عصا موسى نفسها و التي لا يعرف من اي شجرة اجتثت، لم يعد لها الآن الا معنى واحدا. اغتصاب جزء من الحياة.
يتناهى اليه صوت الفقيه صارخا مزمجرا: ابحث عن نفسك قبل أن يدركك الرواح .
أي وقت يتحدث عنه الفقيه و أي رواح ؟ ثم ماذا يعتبره ؟ خروفا ؟ بغلا ؟...كرهه للفقيه دفعه الى هناك لينغمس بعمق في الحياة لمعاكسا الرواح . تناسى الفقيه مدة، لكنه لم يستطع استئصال صوته من ذاكرته . الصراخ كان دائما يذكره به . لكن يوم التقى الأبله، وجد لذة كبرى في استفزازه . وحين تمادى في ذلك ولم يعد الأبله يحتمل. توسل اليه . رجاه بجرارة أن يفتح و لو مرة نافذة على ذاته. وحين فعل. صعق. لم يصدق .عاود البحث . اكتشف انه هو الأبله، بل وبغلا أيضا . انذاك تذكر الفقيه .سأل عنه . علم أنه مات . ذهب الى قبره. بكى بمرارة . ليس على موته، وانما لأن الوقت اقترب من الرواح وهو لم يبحث بعد عن نفسه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...