(1)
المدينة تغلق أبوابها، الناس يوصدون شبابيكهم ويوقدون نارهم..
الشارع خالٍ الا من كلب ينبح بين الفينة والفينة.. وقطة تموء داخل كيس قمامة..
ليس غير جسدك يملأ المكان..
تسير وعيناك تحصي النوافذ الدافئة..
الثلج يملأ منخريك، وحذاءك..
لوحة شكلها الشتاء أمامك من بياض وألم..
الجبال تحدق فيك، تترصد خطوك، ينفخ فيك (ازمر) ريحه الباردة..
السليمانية غافية.. هي هكذا، تغفو قبل أي مدينة وتصحو قبلها..
كأنك تجر سنواتك على جسد الثلج..
ربما هناك عين تراك.. من خلف تلك الشبابيك المتراصة..
ربما هناك قلب يرنو اليك، أيها الغريب.. ويهمس في أذنك (فرمو...)!
ربما هناك من يقسو عليك أيضاً في هذا الطقس القارس..
لا تنتظر أحداً، لا أحد يصيح بك، تعال..
لا أحد يدنو منك ويمنحك دفء البصرة..
لا أحد، في خيمة الثلج هذه، يمنحك موقداً..
لا أحد ابداً.
(2)
طويل ليلك ايها الغريب، بطول غربتك وحنينك لنخلة مثقلة بالعذوق..
بارد ليلك يها الغريب، برودة الموت الذي يترصدك..
بينك والفاو نبضات تثقب صدرك.. وتهدّ قواك..
هناك، تحت سوباط القصب، تخيط أحلامك، وتكتب قصيدة لا تصلح للنشر..
تخفيها بجيب دشداشتك لتلقيها مساء في نهر يحفظ أسرارك..
هناك، تعلّق الامهات سوادهنّ على حبال الفجيعة..
نبصرهن يمسحن صور الغائبين..
بيوتنا مليئة بصور الغائبين، صور بالأسود والأبيض، بوجوه تصبغها الحيرة والأرق..
كل صباح، تدندن أمي: (عدوك عليل وساكن الجول)..
غيّبهم (الجول) و نهر جاسم وبحيرة الأسماك..
غيّبهم جبل (ماوت) وساحات الاعدام..
هم غابوا، لكن صورهم ما زالت تشير الى أحلامهم المؤجلة..
(3)
منذ عامين ونيف، تغلفك الغربة..
في قعر كوردستان تتذكر أغنية ريفية..
أنت الريفي الذي أحرقتك المدينة باضوائها وخبثها..
وجلدتك ببؤسها ووجوه أناسها المتعبين..
ها أنت ذا تحتفي بالنجوم في هذا القعر البعيد عن السماء..
وتحتفي بالصقيع..
تؤنسك نغمة جنوبية، ذكرى تتعلق بأهدابك..
تؤنسك ريح دافئة، وعصافير..
تؤنسك يقظة المكان..
ايها الريفي المعطّر بالطلع..
المغرم بالترحال..
دع ايامك تمضي وانتصر لذاكرتك.
***
فرمو: كلمة كوردية بمعنى تفضل.
الجول: الأرض البور
ماوت: جبل في كوردستان قضى فيه آلاف الجنود العراقيين.
الفاو: مدينة عراقية جنوبية تقع في حافات الخليج العربي .
المدينة تغلق أبوابها، الناس يوصدون شبابيكهم ويوقدون نارهم..
الشارع خالٍ الا من كلب ينبح بين الفينة والفينة.. وقطة تموء داخل كيس قمامة..
ليس غير جسدك يملأ المكان..
تسير وعيناك تحصي النوافذ الدافئة..
الثلج يملأ منخريك، وحذاءك..
لوحة شكلها الشتاء أمامك من بياض وألم..
الجبال تحدق فيك، تترصد خطوك، ينفخ فيك (ازمر) ريحه الباردة..
السليمانية غافية.. هي هكذا، تغفو قبل أي مدينة وتصحو قبلها..
كأنك تجر سنواتك على جسد الثلج..
ربما هناك عين تراك.. من خلف تلك الشبابيك المتراصة..
ربما هناك قلب يرنو اليك، أيها الغريب.. ويهمس في أذنك (فرمو...)!
ربما هناك من يقسو عليك أيضاً في هذا الطقس القارس..
لا تنتظر أحداً، لا أحد يصيح بك، تعال..
لا أحد يدنو منك ويمنحك دفء البصرة..
لا أحد، في خيمة الثلج هذه، يمنحك موقداً..
لا أحد ابداً.
(2)
طويل ليلك ايها الغريب، بطول غربتك وحنينك لنخلة مثقلة بالعذوق..
بارد ليلك يها الغريب، برودة الموت الذي يترصدك..
بينك والفاو نبضات تثقب صدرك.. وتهدّ قواك..
هناك، تحت سوباط القصب، تخيط أحلامك، وتكتب قصيدة لا تصلح للنشر..
تخفيها بجيب دشداشتك لتلقيها مساء في نهر يحفظ أسرارك..
هناك، تعلّق الامهات سوادهنّ على حبال الفجيعة..
نبصرهن يمسحن صور الغائبين..
بيوتنا مليئة بصور الغائبين، صور بالأسود والأبيض، بوجوه تصبغها الحيرة والأرق..
كل صباح، تدندن أمي: (عدوك عليل وساكن الجول)..
غيّبهم (الجول) و نهر جاسم وبحيرة الأسماك..
غيّبهم جبل (ماوت) وساحات الاعدام..
هم غابوا، لكن صورهم ما زالت تشير الى أحلامهم المؤجلة..
(3)
منذ عامين ونيف، تغلفك الغربة..
في قعر كوردستان تتذكر أغنية ريفية..
أنت الريفي الذي أحرقتك المدينة باضوائها وخبثها..
وجلدتك ببؤسها ووجوه أناسها المتعبين..
ها أنت ذا تحتفي بالنجوم في هذا القعر البعيد عن السماء..
وتحتفي بالصقيع..
تؤنسك نغمة جنوبية، ذكرى تتعلق بأهدابك..
تؤنسك ريح دافئة، وعصافير..
تؤنسك يقظة المكان..
ايها الريفي المعطّر بالطلع..
المغرم بالترحال..
دع ايامك تمضي وانتصر لذاكرتك.
***
فرمو: كلمة كوردية بمعنى تفضل.
الجول: الأرض البور
ماوت: جبل في كوردستان قضى فيه آلاف الجنود العراقيين.
الفاو: مدينة عراقية جنوبية تقع في حافات الخليج العربي .