قال لها :
-تعالي أقاسمْكِ الهموم .
فقالت:
-همومي عندما تخرج من قمقمها ..تكبُر ..وتصبح كالمارد وتستعصي على الحلّ...اتركها دفينة ..قلبي غدا بركةً راكدةَ المياه ترسّبت عوالقها إلى الأعماق ولو بدت صافية الوجه .
-يبدأ حلّ المشكلة عندما نحدّدها ..فنضع يدنا على الجرح ونوقف النزف ..وبعدها نستدعي الطبيب ..أو نلجأ إلى رب العالمين .
-أنت تصطاد في المياه العكرة ..كأيّ رجلٍ طابّ له الصيد من تلك البركة فاصطدمت صنارته برواسبها ...ورجع بخُفّي حُنين .
أجاب:
- أنتِ مخطئة..وجودكِ في القصر العدلي بشكل متكرّر... دليلٌ على وجود قضية في المحكمة ..وأنا محامٍ لذلك أعرِضُ خدماتي ..
ردّت بحزم ..ولم تزل مُطرقة في الأرض:
-ألم أقل لك ..أنت صيادٌ كأيّ رجل .
-طبعاً ..أنا أبحث عمّن يوكّلني لقضيةٍ ما ..ولا أقدم خدماتي لوجه الله.
مشتْ بتؤدة ..فسار خلفها كالظلّ يلحق بصاحبه..وقَفتْ واستدارت نحوه ..رفعَتْ رأسها ..تأمّلت وجهه بعينين مفتوحتين ..قالت بلهجة التحدّي :
-أنت؟...أنت غير مؤهّلٍ للدّفاع عني ..وغير قادر على تحصيل حقّي .
ثم سارت متسارعة الخطى ...لكن ظلّها كان أسرع منها هذه المرة ..فسبقها واستدار حتى واجهها ..قال:
-مهلاً ..لماذا ؟..هل قضيتك أكبر مني ؟
-لا ..لكنّي مللتُ المحامين أمثالك ..توكيلٌ ..ومرافعة ..وتأجيل ..وتسويف ..وآمال كاذبة بالحصول على الحقوق .
-فهمت ..أنا لن آخذ منك قرشاً حتى تنتهي قضيتك .
عادت الى لهجتها الساخرة :
-الفلوس ؟...ألم أقل لك ..المحامون صيادون مهرة ..يلتقطون الفريسة بهدف إفراغ جيوبها ..وأضافت :
المال ؟...لا مشكلة لديّ مع المال ...مشكلتي الوقت ..أريد أن أنهي القضية بأي ثمن .
-لقد أثرتِ فضولي ..وازداد إصراري على متابعةِ قضيّتك.
لم تنصِتْ إليه ..بل أسرعَتْ الخطوة كثيراً وهربت من ظلّها وضاعت بين الزّحام .
بضعة أيام مرّت ..كانت كافية له لمراقبتها خلسةً ومتابعة تحرّكاتها ..تأتي يومياً إلى القصر العدلي بكاملِ زينتها مع إظهار ما أمكن من أنوثتها ...ذهبٌ مبالغٌ به يتدلى من عنقها ..تحضُر جلساتِ محكمة الصّلح ..خلافاتٍ زوجية ..طلاق ..خلع ..بيت الطاعة ..تستمعْ ..تراقبْ ..ثم تقف خارجاً لتتابع المشاحنات والمهاترات والشتائم والتهديد والوعيد ..بين المتزوجين وحتى بين عائلاتهم ...
علاقاتُه سمحت له بالولوج إلى ملفّاتها ..ليصبحَ على بيّنة من قضيتها ..
يراقبُها عن بُعد ..تقف في الاستراحة بين الجلسات قريبةً من حزب الرّجال ...تسند ظهرها الى الحائط ..تضع سيجارة بين شفتيها وتنتظر رجلاً ما ليشعلها ..وما أكثرهم ...تسحبُ نفساً عميقاً وتزفر سحابة منها ..ثم تراقبُ حلقاتِ الدّخان وهي تتصاعد وتتشابك ..
في اليوم التالي ...كان جاهزاً للمواجهة ..أسرع نحوها وفاجأها بلهيب ولاعته ...قال :
-اليوم دوري في إشعال سيجارتك.
ضَحِكتْ بخُيلاء ...وسحبتْ نفَساً عميقاً واحتفظتْ به قليلاً حتى احمرّت عيناها ..ثم زفرته بقوة ...وقالت:
-أنتَ ثانية ؟...للأسف لا دور لك عندي .
-لقد عرفتُ كلّ تفاصيل قضيتكِ ..ينقُصني توكيلكِ فقط .
-رأيتك تراقبني منذ أيام كاللصّ الذي يخطّط بهدوء للسرقة ...أو كالصياد المتربّص بفريسته ..ابتعد عني يا سيدي ..لقد أصبحتُ قريبة من إنهاء المشكلة ..مسألة وقت وبعض التفاصيل .
-أنا سأصلحُ ذات البين مع زوجك ..قرأت كلّ التداعيات من الطرفين ..لا توجد تناقضات معنّدة بينكما ..ولا داعي لدعوى الطلاق المرفوعة من طرفك .
-أرجوك ..لا داعي لإعادة المُعاد وتكرار المُكرّر..واجترار الكلمات .
و في المقهى المجاور ..أشعل لها المزيد من السجائر ..تنهّدت عميقاً ..جبينها الناصع مقطّب بأخاديد الغيظ.. وعيونها الذابلة مكحّلة بحُمرة السّهر ..شفتاها تنفخان الدّخان بإصرارِ من عقد العزم على أمرٍ جلل.. ولا رجعة عنه....قالت:
-أستاذي الكريم ..مشكلتي مع زوجي لن تفهمها أنت ..ولم يتفهّمها القضاة ..ولم يستسغها غيرك من المحامين...لماذا ؟؟..لأنكم ببساطة رجال .
يسألونني عن حقوق الزوجة من الناحية الجنسية ..ثم يسألون ..هل ضربك ؟..شتمك ؟..هل تشعرين بالجوع؟ ..البرد ؟..هل ينقصك المال؟ ..اللباس ..؟؟؟
وعندما أقول ..لا ...تبقى قضيتي في محكمة الصلح ..وأنا أريدها في محكمة الجنايات ..
لا تقاطعني أرجوك ...أنا ارتضيتُ أن أجلس إليك لأشبعَ فضولك فتكفّ عن ملاحقتي ...
أنا لا ..ولم ..ولن أحبه ...نقطة انتهى .
لن أشاركه العيش ..أو المال ..أو الهواء ..
لن أحملَ اسمه ..ولا خاتمه ..ولاعقد زواجه ..
أخطأتُ الاختيار وأريد إصلاح غلطتي ...فوراً يتبادر الى ذهنكم ..رجل آخر؟؟؟!!
أيضاً أؤكّد لكم ..لا يوجد رجلٌ آخر ...وليس لديه امرأة أخرى ...
فكّرتُ بالانتحار ...لكني استشعرتُ الضعف في نفسي للقيام بذلك..
لذلك آتي يومياً إلى القصر العدلي ..أتعلّم من تجارب الآخرين ووصلتُ إلى الحل ...أنا حالياً أبحث عن قاتلٍ مأجور مثلما يحدث في الأفلام الأجنبية..ووجدته تقريباً .
قال مقاطعاً:
-أتقتلينه ؟؟؟
-لم يطاوعْني قلبي ..أحياناً أطلب من القاتل أن يقتلني أنا ...ثم أتراجع عندما أتخيّله سيعيش مع أخرى ..لذلك الحل النهائي أن يقتلنا سوية .
-هل تعرفين أين زوجك الآن ؟
-نعم ...يلحق بي كل يوم ..ويراقبني مثلك ..والآن يجلس على تلك الطاولة ويتلصّص علينا ..لو كان رجلاً..لو كان يحبّني لهجمَ الآن علينا..وأفرغ فينا طلقات مسدسه ..تخيّل أنّ زوجتك تقف كل يوم بين الرجال وأصحاب السّوابق ..تسمحُ لهم بالتحرّش بها ويشعلون لها السجائر ..وأنت تقف متفرّجاً ..وتعود الى بيتك وتكتفي بالصّمت المسيطر علينا منذ أشهر ..والبرود القاتل ..لم يعاتبني ..لا يسألني أين كنت ومع من ..لا يغار عليّ...حياتي تنقصها المشاعر والعواطف والانفعالات والحرارة .
عندما قالت (حرارة)..أخرجت سيجارة ..ووضعتها بين شفتيها وعضّت عليها ..وانتظرت كعادتها..
أخرجّتْ عيونها من النافذة ..وزادت الاهتزازات في قدمها انفعالاً وعصبية ظاهرة ..وقد طال انتظارها هذه المرة .
في هذا الوقت أومأ المحامي لزوجها أن يقتربَ مسرعاً من خلفها ..وناوله علبة الثقاب ..
كانت مُغمضة العينين ..عندما فوجئت بصوت عود الثقاب يُقدحُ من خلفها ..وأدارت وجهها لتلتقي سيجارتها المطفأة بشعلة زوجها ...أطرقتْ إلى الأرض بينما ظلّ الزوج جامداً خلفها كالتمثال ..صاغراً كنادل المطعم وينتظر أوامرَ أخرى من الزبون .
وقفَتْ فجأة وقالت:
-عفواً ..سأذهب إلى الحمام لأصلحَ زينتي ..قد تكون هذه الفرصة الأخيرة.
أشار المحامي للزوج أن يجلس ..وجلس كتلميذ المدرسة المطيع...ثم قال بحسرة:
-ذهبَتْ ولن تعود .
قال المحامي :
- هل عرفت ماذا ينقصها ؟..شعلة الحب !..أشعلها يا أخي ..فجّر مشاعرها..بعثرها ..تغزّل بها ..أضرم فيها نار العشق..أحرقها ..مزّقها ..فرّقها ..أو أعتقها .
إنها تحبّك كشمعة تنتظر من يوقدها ومستعدّة أن تذوبَ بين قدميك ..فتشعشع في بيتك ناراً ونوراً ...حدّثها حديث العشق كمراهقة ..داعبْها وتفاعل مع أوتارها فتعزف لك مقطوعة الحب ..زوجتك فرسٌ أصيلة جامحة ليست بحاجة للعشب لتأكل ..روّضها ..ثم ضع في شدقها لجاماً..امتطيها فتطير بك في مضمار السعادة الزوجية .
اقترِبْ من قلبها ..واجعلْ قلبيكما يخفقانِ معاً على نفس الإيقاع ..المرأة عبوة ناسفة معدّة للتفجير وتنقصها تلك الشعلة ..فجّر مكنونات جسدها وتمتّع بكنز حبها الذي لاينضب ...المرأة ولو كبرت في السن ولو صارت زوجة تبقى فيها روح الطفلة ...التي تثار بلعبة بسيطة أو كلمة جميلة .
سكت الاثنان عندما سمعا وقع خطواتها قوياً على البلاط ..ويقترب منهما ..فعلاً لقد أصلحت زينتها.. وزاد جبينها بياضاً ولمعاناً ..وانفرج حاجباها ..واختفت الحمرة من عيونها ..سيدة بكلّ معنى الكلمة ..تشعر بالضعف أمام جبروتها ..جوادٌ أصيلٌ لفارس ٍ ضعيف !
وضعَتْ مفتاح السيارة أمام زوجها وقالت بلهجة آمرة :
-قُدْ بنا إلى البيت .
تأبّطت ذراعه ..وخرجا سوية ...لحق بهما المحامي وأعطى الرجل علبة الثقاب كهدية .
المحامي بخبرته يعرف أنّ علبة الثقاب ستنتهي ..ولن يشتري الزوج علبة أخرى ...ويثقُ تماماً أنه سيلتقي بالزوجة لاحقاً ..لمتابعة القضية ..ويتمنى أن تبقى في محكمة الصلح ..ولا يراها في محكمة الجنايات .
*****************************
-تعالي أقاسمْكِ الهموم .
فقالت:
-همومي عندما تخرج من قمقمها ..تكبُر ..وتصبح كالمارد وتستعصي على الحلّ...اتركها دفينة ..قلبي غدا بركةً راكدةَ المياه ترسّبت عوالقها إلى الأعماق ولو بدت صافية الوجه .
-يبدأ حلّ المشكلة عندما نحدّدها ..فنضع يدنا على الجرح ونوقف النزف ..وبعدها نستدعي الطبيب ..أو نلجأ إلى رب العالمين .
-أنت تصطاد في المياه العكرة ..كأيّ رجلٍ طابّ له الصيد من تلك البركة فاصطدمت صنارته برواسبها ...ورجع بخُفّي حُنين .
أجاب:
- أنتِ مخطئة..وجودكِ في القصر العدلي بشكل متكرّر... دليلٌ على وجود قضية في المحكمة ..وأنا محامٍ لذلك أعرِضُ خدماتي ..
ردّت بحزم ..ولم تزل مُطرقة في الأرض:
-ألم أقل لك ..أنت صيادٌ كأيّ رجل .
-طبعاً ..أنا أبحث عمّن يوكّلني لقضيةٍ ما ..ولا أقدم خدماتي لوجه الله.
مشتْ بتؤدة ..فسار خلفها كالظلّ يلحق بصاحبه..وقَفتْ واستدارت نحوه ..رفعَتْ رأسها ..تأمّلت وجهه بعينين مفتوحتين ..قالت بلهجة التحدّي :
-أنت؟...أنت غير مؤهّلٍ للدّفاع عني ..وغير قادر على تحصيل حقّي .
ثم سارت متسارعة الخطى ...لكن ظلّها كان أسرع منها هذه المرة ..فسبقها واستدار حتى واجهها ..قال:
-مهلاً ..لماذا ؟..هل قضيتك أكبر مني ؟
-لا ..لكنّي مللتُ المحامين أمثالك ..توكيلٌ ..ومرافعة ..وتأجيل ..وتسويف ..وآمال كاذبة بالحصول على الحقوق .
-فهمت ..أنا لن آخذ منك قرشاً حتى تنتهي قضيتك .
عادت الى لهجتها الساخرة :
-الفلوس ؟...ألم أقل لك ..المحامون صيادون مهرة ..يلتقطون الفريسة بهدف إفراغ جيوبها ..وأضافت :
المال ؟...لا مشكلة لديّ مع المال ...مشكلتي الوقت ..أريد أن أنهي القضية بأي ثمن .
-لقد أثرتِ فضولي ..وازداد إصراري على متابعةِ قضيّتك.
لم تنصِتْ إليه ..بل أسرعَتْ الخطوة كثيراً وهربت من ظلّها وضاعت بين الزّحام .
بضعة أيام مرّت ..كانت كافية له لمراقبتها خلسةً ومتابعة تحرّكاتها ..تأتي يومياً إلى القصر العدلي بكاملِ زينتها مع إظهار ما أمكن من أنوثتها ...ذهبٌ مبالغٌ به يتدلى من عنقها ..تحضُر جلساتِ محكمة الصّلح ..خلافاتٍ زوجية ..طلاق ..خلع ..بيت الطاعة ..تستمعْ ..تراقبْ ..ثم تقف خارجاً لتتابع المشاحنات والمهاترات والشتائم والتهديد والوعيد ..بين المتزوجين وحتى بين عائلاتهم ...
علاقاتُه سمحت له بالولوج إلى ملفّاتها ..ليصبحَ على بيّنة من قضيتها ..
يراقبُها عن بُعد ..تقف في الاستراحة بين الجلسات قريبةً من حزب الرّجال ...تسند ظهرها الى الحائط ..تضع سيجارة بين شفتيها وتنتظر رجلاً ما ليشعلها ..وما أكثرهم ...تسحبُ نفساً عميقاً وتزفر سحابة منها ..ثم تراقبُ حلقاتِ الدّخان وهي تتصاعد وتتشابك ..
في اليوم التالي ...كان جاهزاً للمواجهة ..أسرع نحوها وفاجأها بلهيب ولاعته ...قال :
-اليوم دوري في إشعال سيجارتك.
ضَحِكتْ بخُيلاء ...وسحبتْ نفَساً عميقاً واحتفظتْ به قليلاً حتى احمرّت عيناها ..ثم زفرته بقوة ...وقالت:
-أنتَ ثانية ؟...للأسف لا دور لك عندي .
-لقد عرفتُ كلّ تفاصيل قضيتكِ ..ينقُصني توكيلكِ فقط .
-رأيتك تراقبني منذ أيام كاللصّ الذي يخطّط بهدوء للسرقة ...أو كالصياد المتربّص بفريسته ..ابتعد عني يا سيدي ..لقد أصبحتُ قريبة من إنهاء المشكلة ..مسألة وقت وبعض التفاصيل .
-أنا سأصلحُ ذات البين مع زوجك ..قرأت كلّ التداعيات من الطرفين ..لا توجد تناقضات معنّدة بينكما ..ولا داعي لدعوى الطلاق المرفوعة من طرفك .
-أرجوك ..لا داعي لإعادة المُعاد وتكرار المُكرّر..واجترار الكلمات .
و في المقهى المجاور ..أشعل لها المزيد من السجائر ..تنهّدت عميقاً ..جبينها الناصع مقطّب بأخاديد الغيظ.. وعيونها الذابلة مكحّلة بحُمرة السّهر ..شفتاها تنفخان الدّخان بإصرارِ من عقد العزم على أمرٍ جلل.. ولا رجعة عنه....قالت:
-أستاذي الكريم ..مشكلتي مع زوجي لن تفهمها أنت ..ولم يتفهّمها القضاة ..ولم يستسغها غيرك من المحامين...لماذا ؟؟..لأنكم ببساطة رجال .
يسألونني عن حقوق الزوجة من الناحية الجنسية ..ثم يسألون ..هل ضربك ؟..شتمك ؟..هل تشعرين بالجوع؟ ..البرد ؟..هل ينقصك المال؟ ..اللباس ..؟؟؟
وعندما أقول ..لا ...تبقى قضيتي في محكمة الصلح ..وأنا أريدها في محكمة الجنايات ..
لا تقاطعني أرجوك ...أنا ارتضيتُ أن أجلس إليك لأشبعَ فضولك فتكفّ عن ملاحقتي ...
أنا لا ..ولم ..ولن أحبه ...نقطة انتهى .
لن أشاركه العيش ..أو المال ..أو الهواء ..
لن أحملَ اسمه ..ولا خاتمه ..ولاعقد زواجه ..
أخطأتُ الاختيار وأريد إصلاح غلطتي ...فوراً يتبادر الى ذهنكم ..رجل آخر؟؟؟!!
أيضاً أؤكّد لكم ..لا يوجد رجلٌ آخر ...وليس لديه امرأة أخرى ...
فكّرتُ بالانتحار ...لكني استشعرتُ الضعف في نفسي للقيام بذلك..
لذلك آتي يومياً إلى القصر العدلي ..أتعلّم من تجارب الآخرين ووصلتُ إلى الحل ...أنا حالياً أبحث عن قاتلٍ مأجور مثلما يحدث في الأفلام الأجنبية..ووجدته تقريباً .
قال مقاطعاً:
-أتقتلينه ؟؟؟
-لم يطاوعْني قلبي ..أحياناً أطلب من القاتل أن يقتلني أنا ...ثم أتراجع عندما أتخيّله سيعيش مع أخرى ..لذلك الحل النهائي أن يقتلنا سوية .
-هل تعرفين أين زوجك الآن ؟
-نعم ...يلحق بي كل يوم ..ويراقبني مثلك ..والآن يجلس على تلك الطاولة ويتلصّص علينا ..لو كان رجلاً..لو كان يحبّني لهجمَ الآن علينا..وأفرغ فينا طلقات مسدسه ..تخيّل أنّ زوجتك تقف كل يوم بين الرجال وأصحاب السّوابق ..تسمحُ لهم بالتحرّش بها ويشعلون لها السجائر ..وأنت تقف متفرّجاً ..وتعود الى بيتك وتكتفي بالصّمت المسيطر علينا منذ أشهر ..والبرود القاتل ..لم يعاتبني ..لا يسألني أين كنت ومع من ..لا يغار عليّ...حياتي تنقصها المشاعر والعواطف والانفعالات والحرارة .
عندما قالت (حرارة)..أخرجت سيجارة ..ووضعتها بين شفتيها وعضّت عليها ..وانتظرت كعادتها..
أخرجّتْ عيونها من النافذة ..وزادت الاهتزازات في قدمها انفعالاً وعصبية ظاهرة ..وقد طال انتظارها هذه المرة .
في هذا الوقت أومأ المحامي لزوجها أن يقتربَ مسرعاً من خلفها ..وناوله علبة الثقاب ..
كانت مُغمضة العينين ..عندما فوجئت بصوت عود الثقاب يُقدحُ من خلفها ..وأدارت وجهها لتلتقي سيجارتها المطفأة بشعلة زوجها ...أطرقتْ إلى الأرض بينما ظلّ الزوج جامداً خلفها كالتمثال ..صاغراً كنادل المطعم وينتظر أوامرَ أخرى من الزبون .
وقفَتْ فجأة وقالت:
-عفواً ..سأذهب إلى الحمام لأصلحَ زينتي ..قد تكون هذه الفرصة الأخيرة.
أشار المحامي للزوج أن يجلس ..وجلس كتلميذ المدرسة المطيع...ثم قال بحسرة:
-ذهبَتْ ولن تعود .
قال المحامي :
- هل عرفت ماذا ينقصها ؟..شعلة الحب !..أشعلها يا أخي ..فجّر مشاعرها..بعثرها ..تغزّل بها ..أضرم فيها نار العشق..أحرقها ..مزّقها ..فرّقها ..أو أعتقها .
إنها تحبّك كشمعة تنتظر من يوقدها ومستعدّة أن تذوبَ بين قدميك ..فتشعشع في بيتك ناراً ونوراً ...حدّثها حديث العشق كمراهقة ..داعبْها وتفاعل مع أوتارها فتعزف لك مقطوعة الحب ..زوجتك فرسٌ أصيلة جامحة ليست بحاجة للعشب لتأكل ..روّضها ..ثم ضع في شدقها لجاماً..امتطيها فتطير بك في مضمار السعادة الزوجية .
اقترِبْ من قلبها ..واجعلْ قلبيكما يخفقانِ معاً على نفس الإيقاع ..المرأة عبوة ناسفة معدّة للتفجير وتنقصها تلك الشعلة ..فجّر مكنونات جسدها وتمتّع بكنز حبها الذي لاينضب ...المرأة ولو كبرت في السن ولو صارت زوجة تبقى فيها روح الطفلة ...التي تثار بلعبة بسيطة أو كلمة جميلة .
سكت الاثنان عندما سمعا وقع خطواتها قوياً على البلاط ..ويقترب منهما ..فعلاً لقد أصلحت زينتها.. وزاد جبينها بياضاً ولمعاناً ..وانفرج حاجباها ..واختفت الحمرة من عيونها ..سيدة بكلّ معنى الكلمة ..تشعر بالضعف أمام جبروتها ..جوادٌ أصيلٌ لفارس ٍ ضعيف !
وضعَتْ مفتاح السيارة أمام زوجها وقالت بلهجة آمرة :
-قُدْ بنا إلى البيت .
تأبّطت ذراعه ..وخرجا سوية ...لحق بهما المحامي وأعطى الرجل علبة الثقاب كهدية .
المحامي بخبرته يعرف أنّ علبة الثقاب ستنتهي ..ولن يشتري الزوج علبة أخرى ...ويثقُ تماماً أنه سيلتقي بالزوجة لاحقاً ..لمتابعة القضية ..ويتمنى أن تبقى في محكمة الصلح ..ولا يراها في محكمة الجنايات .
*****************************