إن الاقتران الأخرق الذي يشكله ربط الحركة النسوية بما بعد الحداثة يعد بمثابة وصف لحياتنا.
جينيفر ويك ومرجريت فيرجسون Jennifer Wicke et Margaret Ferguson، «الحركة النسوية وما بعد الحداثة» (1994).
انطلاقًا من أهدافها التحررية، ومن افتراضها ظرفًا مشتركًا للنساء، تشارك الحركة النسوية من الستينيات والسبعينيات في الـ «مشروع» الحديث. وهذا لا يستبعد موقفًا نقديًا فيما يتعلق ببعض السرديات الكبرى (المعرفة، والسلطة، وموضوع "الذكورة"، وما إلى ذلك)، كما طرحتها الحداثة التي يعود أصلها إلى عصر التنوير.
في مطلع الثمانينيات، تدخل النسوية مرحلة أخرى، كما تتميز بإعادة النظر في بعض مواقفها السابقة. وتحت تأثير نظريات ما بعد الحداثة، تتحول إلى ممارسة، وإلى إيديولوجية تحترم فردانية «النساء»(1). وبالتالي يمكننا، وبخاصة انطلاقًا من التسعينيات، الحديث عن موجة ثالثة من النسوية، ستنحصر معاييرها حول أخلاقيات عدم التجانس وإيديولوجية النزعة الفردية.
تُعدّ العلاقات بين النسوية (النسويات) وما بعد الحداثة، بوصفها أشكالًا ثقافية رئيسة في نهاية الألفية الثانية وبداية الثالثة، شائكة للغاية, والجدل المحيط بها محتشد. وإذا ما تشاركتْ نفس «القلق مع الآخر»، على سبيل المثال (هارفي Harvey 1989: 47)، والممارسات المعرفية «الهائمة» (بريدوتي Braidotti 1994، 37 ومواضع أخرى)، فإنها تتباين في مواقفها حول العمل السياسي أو حول مكانة النوع الاجتماعي، الجندر genre كأداة سياسية. والأكثر من ذلك، أن الحركة النسوية لا تتوقف عن التطور، وتغيير الأشكال والوسائل.
تشكل هذه المقالة مساهمة نظرية. فهي في المقام الأول، تقدم عرضًا للموجة الثالثة من النسوية، التي نظر لها الفضاء الفرنكوفوني، إلى حد ما، وتقيّم علاقتها بالموجة الثانية من النسوية، و تبرز كذلك نطاقها الإرشادي. ثانيًا، تقترح المقالة ترسيمًأ دقيقًا لحقل ما بعد الحداثة. وهكذا يتم الكشف عن وضعيتين، يطلق عليهما هنا: ما بعد الحداثة والفراغ، وما بعد الحداثة ونقض مركزية المركز. وهما يضعان في اعتبارهما تعقد المظاهر الثقافية والاجتماعية التي جُمعت تحت مظلة ما بعد الحداثة(2). ثالثًا، في المجمل ينشغل هذا العمل بتأثيرات ما بعد الحداثة والنسوية، من خلال معانيهما المشتركة واختلافاتهما على حد سواء، ولا سيما الموجة الثالثة من الحركة النسوية.
الموجة الثالثة من الحركة النسوية(3)
«ما بعد النسوية» (1995 وِيليهان Whelehan)، و«مابعد النسوية» (بروكس Brooks 1997، وجامبل Gamble 2000)، و«ما بعد النسوية» (ريل ولافرانس Rail et Lafrance 2004). و«النسوية الجديدة» (والتر Walter 1998)، و«النسوية الجديدة» (ديسكاري Descarries 193:1998)، و«الموجة الثالثة من النسوية» أو «الميتا نسوية» (سانت مارتن Saint-Martin 1992) كلها مفاهيم تحاول، وفقًا لبعض الباحثات، تحديد ما يبدو وكأنه «نقطة تحول» (بادنتير Badinter 2003: 11-19) أو «تحول بارادايمي paradigme من سبعينيات النسوية حتى تسعينياتها» (باريت وفيليبس Barrett et Phillips 1992: 6).
في الواقع، ولا سيما بداية من النصف الثاني من الثمانينيات، سيكون بمقدورنا أن نتحدث عن تراجع (وِيليهان 1995: 126)، بل وعن نهاية ( زيريلي Zerilli 2005: 1) الموجة الثانية من الحركة النسوية؛ ولقد رُوّج للاثنين (التراجع، والنهاية)، إن لم يكونا قد ابتُكرا، من قبل وسائل الإعلام، بشكل رئيس. واعتمد على العديد من الحقائق لدعم هذه الأطروحة: في المقام الأول، أن الحركة النسوية التي تشكلت كحركة سياسية واجتماعية لتحرير المرأة، ستحقق أهدافها بشكل أو بآخر. بالنسبة للغالبية، يرى الكثير منا أن التمييز ضد المرأة قد تم القضاء عليه، وأن النساء قد حققن المساواة مع الرجل إلى حد كبير. نحن نريد أن نصدق أنهن يستثمرن في الفضاء العام على مستوى واحد، وينجحن في تحقيق الانسجام في الحياة المهنية، والعائلية، والجنسية، والغرامية. ويقال إنهن قد غيرن السياسي والحميمي بشكل أساسي، عبر إعادة تعريف المعرفة والعمل. ونوافق في النهاية على أنهن يؤكدن أنفسهن كمبدعات، فأعمالهن تتمتع بجمهور واسع.
ثانيًا، يقال إن النسوية ستدخل مرحلة من المأسسة، إلى حد ما (دومون Dumont 2005: 67). وستقوم الهيئات العامة، والدولة، وكذلك الجامعة، باستعادة بُعدها النضالي والملتزم الذي يتعزز فيه وضع الدراسات النسوية. بالإضافة إلى ذلك، فبالنسبة إلى الشابات، «عُدَّ وجود الحركة النسوية [...] أمرًا مفروغًا منه." (باومجاردنر وريتشاردز Baumgardner et Richards 2000: 17). وهو ما يتعلق، بالنسبة لهن، بالسلوكيات، والمواقف، والأماكن، والمهن، والعلاقات... إلخ، المشتركة والمحددة، وهو ما كان يوتوبيا، بالنسبة (إليهن)، قبل نحو عشرين سنة، مثلما كان موضوع البرامج السياسية، والمطالبات، والنضال. وهذا ما جعلهن يعبرن عن سخطهن، إن لم يكن نفورهن، إزاء قضية المرأة، أو يعيشن «حياتهن النسوية دون صراعات سياسية واضحة.» (باومجاردنر وريتشاردز 2000: 21). في النظرية النسوية، سيكون ذلك هو وقت «الملخصات، واستعراض الماضي، والأنطولوجيات التي تعيد طبع المقالات النسوية» (وِيليهان 1995: 126) بدلًا من الأعمال المبتكرة.
النقطة الثالثة والأخيرة، ستنكسر وحدة الموجة الثانية من الحركة النسوية ذاتها من الداخل. فالمجموعات المهمشة، أو التي امّحى اختلافها، لصالح فرضية عالمية ظرف المرأة، ستشرع في إسماع أصواتها. هؤلاء هن السوداوات، أو السحاقيات، أو نساء العالم الثالث، أو، في بعض أجزاء من العالم: النساء المهاجرات، ونساء الشعوب الأصلية. وعلى المستوى الفكري، يسير هذا، جنبًا إلى جنب، مع انفتاح النسوية على تأثير نظريات ما بعد الحداثة، وما بعد البنيوية، وما بعد الاستعمارية، المبنية على التنوع الجنسي (الكويرqueer).
وعلى هذه الخلفية لما يسمى بالانهيار المزعوم أو ركود النسوية (وِيليهان 1995، ص:128)، تبدأ، في نهاية الثمانينيات، ردة فعل مناهضة للنسوية أو (الباكلاش backlash)(4). ولقد أطلقته هيئات صنع القرار، وعززته وسائل الإعلام، بشكل خاص. هنا، «تبدو الحركة النسوية ضحية لنجاحها» (ديكر وبيبميير Dicker et Piepmeier 2003: 35). يُعتقد أن النساء قد «تجاوزن الحدود»( بورنونفيل Burnonville: 1992، صفحة الغلاف) و«ضللن الطريق» (بادنتير Badinter: 2003، صفحة الغلاف). وما ظهر، قبل عقد من الزمن، كتقدم أحرزته الحركة النسوية أصبح الآن ضدهن. لقد غيرت الحركة النسوية العلاقات بين الذكور-الإناث بشكل لا رجعة فيه: تميل الأوليات إلى تبني بلاغة «ضحوية»، في محاولة للعثور على هوية مفقودة بكل الوسائل. يتحول استقلال المرأة -الذي احتُفل به في بداية العقد- الآن إلى شعور بالوحدة. النجاح المهني سيكون على حساب الأمومة، بل، وعلى حساب رفاه الأطفال، والمساواة في العمل من شأنها أن تجبر النساء على بذل الجهود التي ستحولهن بدورها إلى الضحايا المفضلين للفشل المهني. أصبحت «النسوية تدريجيًا واحدة من كباش الفداء الرئيسة لأمراض الحياة المعاصرة» ( وِيليهان 1995: 2). ثمة إيديولوجية جديدة تُشيّد، تُشعِر النسوية بالذنب كُليًا، وتستعيد العلاقة، من خلال بناء هوية المرأة، مع المعطيات الأنثوية. ومن وجهة النظر هذه، فإن «المرأة الجديدة» هي تقريبًا متطابقة مع القديمة (وِيليهان 1995: 44).
في ظل هذه الظروف، تبدأ النساء في اتخاذ موقف ضد (الباكلاش). وعلاوة على ذلك، سرعان ما يدركن أن وراء الإيديولوجية المساواتية، وصورة القوة الأنثوية، توجد أشكال مستمرة من الظلم الفادح. في الفضاء العام، لا تزال النساء غائبات عن مراكز صنع القرار والسلطة. كما يؤكد ديكر وبيبميير (2003: 4): «على الرغم من أن النساء يمتهنّ الآن المهن التقليدية للذكور بانتظام، لدرجة أنه قد يبدو أنه لا توجد عوائق أمام نجاح المرأة، تبقى الحقيقة أن المرأة ممثلةٌ تمثيلًا ناقصًا، بشكل كبير، في مراكز صنع القرار، وسلطة الوظائف الوسيطة.» فهن لا يزلن ضحايا عدم المساواة الاقتصادية والفقر، فضلًا عن التحيز الجنسي والعنف. في المجال الخاص، عليهن أن يتعاملن مع يوم عمل مزدوج، فضلًا عن محاولتهن تلبية المتطلبات المتعلقة بأدوار الأم والزوجة والحبيبة. بالإضافة إلى ذلك، تشعر النساء الشابات بالحاجة إلى نسوية مناسبة، وبعبارة أخرى، إلى (إعادة) تعريفها بطريقتهن الخاصة.
في هذا السياق، ها نحن نشهد صعود الموجة الثالثة من الحركة النسوية(5) التي من المهم أن نُحدد، هنا، عوامل التغيير، وعلاقاتها مع الموجة الثانية على حد سواء.
الموجة الثالثة من الحركة النسوية
بحلول نهاية السبعينيات، بدأت تظهر تدريجيًا بعض التوترات داخل الموجة النسوية الثانية. اشتباكات إيديولوجية وسياسية بين النسويات الراديكاليات والاشتراكيات، والمغايرات جنسيًا والسحاقيات، والسودوات والبيضاوات، ونساء الطبقة الوسطى ونساء الطبقة العاملة، وما إلى ذلك. وتحت الضغط، تسجل الحركة النسوية «تحولًا» (شابيرو ساندرز Shapiro Sanders 2004: 50)، بل، تغييرًا في الاتجاه. بتعبير أدق، ينتقل التركيز من النضال السياسي الذي تدعمه إيديولوجية القهر المشترك(6) لجميع النساء إلى الاختلافات المادية والثقافية للمرأة. في الواقع، «لم يعد من المجدي القول إنه لمجرد امتلاك الفرد جسدًا معينًا جنسيًا، فإنه من الطبيعي، أو يجب عليه، أن يتواءم مع حركة سياسية معينة» (هاوي وتوشرت Howie et Tauchert 2004: 41). إن مقولة «المرأة»، بوصفها «المرجع الفريد والموحّد لوضع نسوي مهيمن مفترض» (نينجه مينساه Nengeh Mensah 2005: 14)، بدأت تتفكك؛ لتصبح معتمدة على الجنس، والطبقة، والإثنية، والتوجه الجنسي، والسياق الاجتماعي، والثقافي، إلخ. الأمر إذن يتعلق بأساس إيديولوجي للموجة الثالثة يستند على الاختلاف، والتعددية، والفردانية، والتشظي، والتغايرية (شابيرو ساندرز 2004: 52):
هذا المعني للنسوية الذي بُني -بل عاش- على التناقض والاختلاف بمثابة أمر أساسي لكثير من مفاهيم الموجة الثالثة، والنسويات المعاصرة. لا أحد من هؤلاء الكاتبات والناشطات قد تخيل الحركة النسوية ككيان موحد وعالمي [...]. واستنادًا إلى انتقادات العالمية والجوهرية من داخل وخارج الحركة، انتهت نسويات الموجة الثالثة إلى التأكيد على تنوع تجربة النساء، أكثر من أوجه التشابه بين النساء، في كثير من الأحيان، إلى درجة أن حركات النسوية في الحاضر والمستقبل يمكن أن تبدو مجزأة بشكل لا يمكن إصلاحه.
ستصبح روح التغايرية، هذه، مصدر الصراع بين نسويات الموجتين الثانية والثالثة. إذ إن الأولى قد نظرت إلى التشتت والتجزؤ بوصفهما يشيران إلى إعادة النظر في أساسيات الحركة ذاتها، فإن الأخيرة قد رأت في التعددية الطريقة الصحيحة والوحيدة للنظر في واقع المرأة. وهذا ما يفسر افتتان الموجة الثالثة بالتعريفات الفردية(7) للنسوية، والطابع الأوتوبيوجرافي (السيرذاتي) للنصوص التي تشير إلى بدايتها، على حد سواء. من المفروغ منه الآن استبدال خطاب «الأختية» النسوية، الخاص بالموجة الثانية الذي يتوافق مع ديناميكية الأجيال، بحسب آستريد هنري Astrid Henry، بعلاقة من نوع الأم وابنتها، ترتكز على علاقة بينهما، بل وعلى الصراع بين الأجيال. إذا ما استوعبت المرأة النسوية بوصفها «حقًا مكتسبًا» فإنها تنتقل من الأم إلى الابنة (هنري 2004: 13)، وتتمزق الفتيات بين «الهوية وفقد الهوية» (هنري 2004: 7) ويعلنَّ عن حاجتهن إلى نسوية غير نسوية الأمهات(8). هنا الطريقة التي تصف بها آنا كروزنسكي Anna Kruzynski فتيات النسويات (كروزنسكي 2004: 228):
[إنهن النساء] اللواتي بدأن ناشطات نسويات في الفصل الدراسي، غالبًا، أكثر من بدايتهن في المجموعات التوعوية(9) [...] النساء اللواتي يتولين مسئولية بناء سرديات «فردية» أكثر منها جماعية في كثير من الأحيان؛ النساء اللواتي يحاولن أن يعيشن «حقيقتهن»، بتعيين خبراتهن المعيشة، وتفكيكها، وإعادة بناء تعقدها وتناقضها [...] النساء اللواتي يشككن في نموذج «النسوية المثالية»، ويطالبن بأنثوية ونزعة نضالية تخصهن. النساء اللواتي يقبلن أنفسهن كما هن (على سبيل المثال، حب رجل، وارتداء تنورة قصيرة)، كما لم يعد يُنظر لقَصة شعر ما على إنها خيانة لقضية النسوية، أو اللواتي يقاتلن ضد صورة المانيكان المثالي[...] النساء اللواتي يحتفلن بالاختلاف، بدلًا من البحث عن التشابه و«الأختية النسوية»، النساء اللواتي اخترن النضال حول قضايا الجنسانية والجمالي الجسدي، والنساء اللواتي يتبادلن الحديث مع بعضهن بعضًا، يتناقشن، وينظمن أنفسهن من خلال مجلات «zines»(*) يكتبنها بأنفسهن [...] ويستخدمن تكنولوجيا المعلومات لهذا الغرض.
ومع ذلك، في الفضاء الفرنسي والفرنكوفوني، فإن مسألة وجود صراع بين الأجيال بين نسويات الموجتين الثانية والثالثة ليس لها نفس الصدى كما في الولايات المتحدة، على سبيل المثال. وكذلك، في كيبيك، فالموجة الثالثة هي «مسألة إيديولوجية أكثر منها مسألة أجيال» (باجيه Pagé 2005: 45). وتتمسك النسويات الشابات في كيبيك بـ«محور الاستمرارية مع [نسويات] الموجة الثانية» (نينجه مينساه 2005: 17)، بالالتزام «بعملية جماعية للاستشهاد ببعض النماذج النسوية من منظور نقدي» (باجيه 2005: 43). إضافة إلى ذلك، فإن الناشطات في كيبيك وفرنسا يشعرن بالإنزعاج، إلى حد ما، إزاء التفتت الفردي للحركة النسوية، ويحاولن، في أعقاب الموجة الثانية من النسوية، بناء أهداف سياسية جماعية (جديدة)(10).
بشكل عام، توسع نسوية الموجة الثالثة -سواء من الناحية الإيديولوجية أو السياسية- من إنجازات الموجة السابقة. كما يشير ريجير Reger ((2005: XXII «الكثير مما يبدو جديدًا اليوم في الحركة النسوية المعاصرة له جذوره في الماضي. إن قضايا الحقوق الإنجابية، ودور الجنسانية في تعريف الذات، وأهمية الحضور الانتخابي للمرأة، وصورة الجسد، والحق في العيش بدون عنف، يمثل عددًا قليلًا من القضايا التي تنتقل من جيل إلى جيل.» تضع النسوية -في نهاية الألفية الثانية وبداية الثالثة- في رأس أولوياتها مجالات اهتمام متنوعة؛ مثل وصول المرأة إلى التعليم، والتمييز في الأجور أو بسبب الطبقة الاجتماعية، وزيادة البطالة، وزيادة الفقر لدى النساء، والعنف المنزلي، واضطرابات التغذية، وآثار العنصرية أو الوصول غير العادل إلى الإنترنت، إلخ. وتهتم بما يسمى بالقضايا الإنسانية؛ مثل البيئة، ومكافحة العولمة أو الهجرة، بل، وأيضًا، بالإيدز وبالصحة الجنسية للمرأة، أو المشاكل التي يثيرها ظهور تقنيات الإنجاب بمساعدة طبية. وتتميز بالرغبة في إشراك الرجال في الحركة النسوية. وعلى الرغم من أن استثمارها، بصورة عامة، أقل ما يكون في أشكال العمل الجماعي، إلا أنها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع النشاط السياسي. وهي تهتم بحالات الظلم الاجتماعية التي «لا تزال تشكل جزءًا من التجربة اليومية للعديد من النساء.» (جامبل 2000: 52)
لا تتمحور سياسة الموجة الثالثة من الحركة النسوية حول برنامج وحدوي وعالمي، بل حول التضمين في سياق ما. هذا ما تشير إليه لامورو Lamoureux (1990: 135):
الأمر المهم [...] هو أنه يجب على المرأة أن تكون ذات شخصية، وأن تكتسب مكانتها الذاتية دون الحاجة إلى الرجوع باستمرار إلى مقولة اجتماعية؛ بمعنى أن الأنوثة بعيدة عن استنفاد هويتنا، كي تستطيع القيام بدور سياسي فعال. من خلال الحركة النسوية، حصلت النساء كمجموعة اجتماعية على الحق في التحدث علنًا. وهي تُعنى الآن بالإسهام في صياغة فضاء عام من النقاش التعددي، حتى يتسنى لها أن تسمى، مع الآخرين، ولكن باسمها.
بهذه الطريقة، لا يتعلق الأمر بالعودة إلى مدينة بوليس polis اليونانية العزيزة على أرندت Arendt، لأنها تفترض التجانس السياسي. بالأحرى، تتعلق المسألة بوضع التشظي ما بعد الحداثي للشأن الاجتماعي في الاعتبار، وخلق فضاءات النقاش، حتى يتسنى تشكل عوالم مشتركة باستمرار، وحتى يظل المستقبل أيضًا ممكنًا. وبالقطيعة مع الصيغة الثنائية للمواجهات النضالية، المتوافقة مع الحداثة وفلسفاتها المختلفة للتاريخ، تريد الحركة النسوية تشييد حقبة من النقاش تستند إلى التعددية والمساواة، مما يضمن عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل.
يؤدي هذا إلى نشر مفهوم الهوية السياسية، أو مفهوم الهوية بشكل عام. وبما أنها قد صممت من قبل الموجة الثانية، فإن الهوية السياسية تقيم علاقة بين تجربة الجندر والطبقة أو العرق لشخص/ جماعة، وبين مصالحها السياسية. ونادرًا ما يستخدم منظرو الموجة الثالثة مقولات الهوية السياسية للمطالبة بحقوق مجموعة معينة. في نصوصهن، هناك إجماع ضئيل على أن هذه المقولات يمكن أن توفر بنية ملتحمة تجمع الأفراد حول مشروع سياسي جماعي. وإذا كانت مقولات الهوية موجودة، فإنها لا تزال مبعثرة على مستوى فردي، كما توضح ذلك كلمات فندلين Findlen ((1995: XIV.
النساء في هذا الكتاب يسمين أنفسهن -من بين أمور أخرى- «فصيحة»، «بيضاء»، «ابنة الطبقة الوسطى»، «جامعية»، «طائشة وجامحة»، «أم عزباء»، «خنثى آسيوية»، «فاسقة»، «داهية سياسية»، «امرأة نشطة»؛ «امرأة سوداء من الطبقة المتوسطة»؛ «أم شابة»؛ «متعطلة»، «عضوة في الأمة المسكوكية»(**) تدعى أيضا بـ «الجدول»، «منضبطة للغاية»، «طالبة علم»، «مدرسة»، «كاتبة»، «فرد»، «آنسة»، «شخص لديه إعاقة مرئية»، «مخنثة»، «يهودية ساقطة»، «فتاة نسوية محترفة»، «فتاة مثلية»، «ناشطة»، «كاتبة مجلات zine»، «فتاة من برج الميزان»، «أم مسيحية أمريكية-أفريقية»، «متزوجة»، «أحادية الزواج»، «نسوية ومثقفة».
وهكذا، تميل الموجة الثالثة إلى تقديم نفسها على أنها حركة متمازجة، غير نقية، حيث كل من قبول الاختلاف، والشواغل الاجتماعية والسياسية لوضع المرأة، أو حتى الإنسانية بشكل عام، على المحك. (هيوود ودراك Heywood et Drake 1997: 8):
تَعدّ الموجة الثالثة إدراج الأشخاص في الجندر، والجنسانيات، والجنسيات، والطبقات المختلفة، أولوية قصوى، وكذلك تجميع عناصر المساواة النسوية، والنسوية، في حركة نسوية رئيسة لا تزال تناضل من أجل تكافؤ الفرص، والمساواة في الأجر مقابل العمل المتساوي، ولكنها تسعى أيضًا إلى تبديل البنى التي يعمل فيها الشباب.
إن حياة الفوضى التي تتميز بها الموجة الثالثة هي ما يحددها؛ فتيات يرغبن في أن يكن أولادًا، وأولاد يريدون أن يكونوا فتيات وأولاد وبنات يصرون على أن يكونوا الاثنين كليهما، وبيض الذين يريدون أن يكونوا سودًا أو السود الذين يريدون، أو يرفضون، أن يكونوا بيضًا، وأناس هم بيض، وسود، ومثليون، وغيريون، ذكور وإناث، أو الذين يعثرون على طرق للوجود، ولا يسمون بأي شيء مما سبق.
ومع ذلك، فإن الوعي النسوي الذي يستند على «فهم أن النساء يمكن لهن، بل يجب أن يكنّ، كائنات بشرية كاملة، ولا يقاس من خلال علاقة التفوق الذكوري، يظل روح [الموجة الثالثة] من الحركة النسوية.» (باومجاردنر وريتشاردز2000: 11).
ما بعد الحداثة
يُنظر إلى ما بعد الحداثة، هنا، بوصفها علامة عرضية لحالة العالم في نهاية الألفية، وبوصفها فضاء خطابيًّا وانعكاسيًّا، وبوصفها «مقولة تفسيرية» لحصر كل صغيرة وكبيرة في «التغيير الثقافي» (فورتييه Fortier، 1998: 23).
وعلى مستوى الممارسات الخطابية والثقافية، فإن موقفين متعارضين، تمامًا، يعكسان معالم ما بعد الحداثة. سنطلق عليهما أدناه «فراغ ما بعد الحداثة» و«نقض مركزية مركز ما بعد الحداثة».
1- الفراغ ما بعد الحداثي:
يرى هذا الموقف العالم المعاصر محكومًا بالأزمة والانحطاط الأخلاقي، وبالفوضى و«إغلاق العقل». (بلوم Bloom 1987: صفحة الغلاف). ويُنتج، فقط، ثقافة «فاضحة» (كروكر وكوك Kroker et Cook 1986: صفحة الغلاف)، يعاد تدويرها، يحكمها الكيتش le kitsch. وسوف يكون ضحية للذعر وتهيمن عليه «سرديات الانحطاط». (بينيت Bennett 2001: صفحة الغلاف).
في نهاية الألفية، تبدو الإنسانية محبطة وخائبة الأمل. العواطف واللغة مهترئة، في حين أن الطاقات والآمال مستهلكة. كل شيء قد قيل، وكل شيء قد عيش بالفعل. فقدت الأصالة قوتها الاستفزازية، وأصبحت الطليعة لاهثة النفس، بعد أن عانت من الفراغ والصمت، بوصفهما أفضل تجسيد للانفصال والتمزق. كل ما تبقى هو الغرابة الساخرة من عالم يُسمح فيه بكل شيء (بودريار Baudrillard 1990: 11):
إذا كان من الضروري وصف الحالة الراهنة للأشياء، أود أن أقول إنها حالة ما بعد العربدة. العربدة هي كل لحظة الحداثة المتفجرة، وهي لحظة التحرر في جميع المجالات [...]. اليوم، كل شيء محرر، انتهت الألعاب، ونواجه، بشكل جماعي، السؤال المهم: ماذا بعد العربدة؟
في ظل تأثير التطور غير المسبوق للتكنولوجيا ووسائل الإعلام، يتحول الواقع إلى واقع خارق، وينتشر في شكل مظاهر زائفة ومقلدة. تتكاثر الصور وتسهم في تذويب العالم والفرد. يتحدث كونديرا Kundera (1990: 140) عن «التحول التدريجي والعام والكوكبي للإيديولوجيا إلى الصورية.» في نظر جيمسون Jameson، تتوافق الصورية مع انحسار العمق بوصفه مقولة جمالية ووجودية ومع صعود السطح. يبرز هذا الأخير(السطح) بوصفه نموذجًا لذاتٍ لم تعد الذات العصرية المغتربة التي تناضل مع العالم الخارجي، بل ذاتًا مجزأة وفارغة من «أي نوع من المشاعر» (جيمسون 1984: 58-64) إن لم تكن نشوة هستيرية.
الاستقلالية وعملية الشخصنة اللذان يروج لهما مشروع الحديث تسفران من خلال ما بعد الحداثة عن «النسبية الجامحة» (ليبوفتسكي وتشارلز Lipovetsky et Charles 2005: 51) وعن الفردانية الشرسة. وتتميز هذه الأخيرة برفض أي مشروع تعبوي، وبالعزوف عن المتعة والمنفعة الاستهلاكية. في هذه الظروف ليس أمام المثُل والقيم إلا أن تتراجع. وتصبح البنى التقليدية للمعنى، والخطابات الإيديولوجية، أهدافًا للاستهلاك الجماهيري، تخضع لتقلبات الموضة، بينما «كانت تعمل دائمًا وفقًا لمنطق التعالي والديمومة ومن خلال عبادة التضحية والتفاني.» (ليبوفتسكي وتشارلز 2004: 39) ما يهم هو السعي إلى الأنا وفائدتها الخاصة، «نشوة التحرير الشخصي»، و«هوس الجسد والجنس: الاستثمار المفرط للخاص و[...] تعطيل الفضاء العام.» (ليبوفتسكي1983: 15-16). ونتيجة لذلك، يبدو عالم ما بعد الحداثة وكأنه ذُوِّب، وخاب أمله. وهذا يؤدي إلى زعزعة الأنا، والشعور بعدم الأمان الدائم. يتجول الكائن في عالم من العلامات الفارغة التي تسيطر عليها اللا أماكن. على المدى الطويل، وتنهض الاستقلالية المطلقة مرهقة، ويعاني الفرد من صراعات «التعب من كونه نفسه» (إيهرنبرج Ehrenberg 1998). بعد أن نجت من منطق التقدم الخطي إلى مستقبل أفضل بالضرورة، فإن الانسانيّة المتذرية تبتسم في حالة ضياع ذاكراتي، وغير مادي.
2- ما بعد حداثة نقض مركزية المركز(11):
على النقيض تمامًا من الموقف الأول، فإن الموقف ما بعد الحداثي الثاني يتجذر في غياب المركز، وفي غياب الرؤية الوحدوية، والمعايير المطلقة، والنهائية؛ حيث يتمخض صعود «السرديات الصغيرة» الليوتارية lyotardiens. في هذا الفضاء التأملي والتطبيقي، يتساءل المفكرون والمفكرات، وكذلك المنظّرون والمنظّرات، حول السرديات الكبرى المنصبة على الذات، والتاريخ، والحقيقة، والمعرفة، والسلطة. إنهم يدحضون فكرة سموهم وتجانسهم ويرسخون اعتمادهم من خلال سياق نوعي. وهم بذلك يرون أن «الإنسان»(12) (الذات) ليس épisujetالذات المحورية الحديثة، بل على العكس، قطعة اصطناعية، اجتماعية، وتاريخية، ولغوية. كذلك لا توجد رؤية، ولا تصور فريد ومطلق، للواقع المباشر، مثلما لا يوجد واقع إلا وفقًا للغة، وللشخص الذي يفكر فيه. في نظر ما بعد الحداثيين، فإن الواقع «وقتي»، ومتعدد، ومتجزئ، لأنه «يختلط بالتفسيرات الذاتية التي يصنعها المرء عنه» (بوافير Boisvert 1998: 184 ).
يهاجم ما بعد الحداثيون، أيضًا، رؤية الإنسان والتاريخ التي تبرز قيم الوحدة، والتجانس، والشمولية، والانغلاق، والهوية. ويتساءلون حول فكرة العقل التجريبي، أو المنطقي، من أجل تفضيل الاختلاف، وعدم التجانس، والغيرية. فما بعد الحداثيون يفككون الهوية بوصفها معطيات أحادية، ثابتة، ومستقرة، ويستبدلون بها مواضع الهوية، وبعبارة أخرى، أنطولوجيات مؤقتة، ومتطورة، واستعراضية، وعائمة، ومجزأة، ومتشظية.
إن الفلسفة الغربية، ومزاعمها بشأن الحقيقة والمعرفة المطلقة، هما، بدورهما، موضع إعادة نظر ما بعد الحداثيين. بالنسبة لما بعد الحداثيين، لا يوجد عقل متعالٍ يمكن أن يدعي معرفة إيجابية مطلقة. من المستحيل، أيضًا، أن نحصر التجربة في مقولات، أو مفاهيم كلية ومتسامية. ثم يُكشف، أيضًا، عن هذه المقولات، وهذه المفاهيم، على أنها متغيرة تاريخيًا وثقافيًا. في صورة العقل الذي لا يبدو بوصفه معطىً ثابتًا، بل بوصفه بناء اجتماعيًّا وخطابيًّا، فإن الحقيقة، هي أيضًا، أثر للخطاب. وفي نفس السياق، لا توجد معرفة شاملة، ولا أي توليف محتمل من معطيات العالم. ومن ناحية أخرى، هناك معارف خاصة، وألعاب لغوية، ومقتطفات عن المعرفة والمعنى.
من جانبه، يستند الفكر ما بعد الحداثي على الترحّل وعدم النقاء المفاهيمي والمنهجي (بريدوتي 1994). إنه يكسر «أطر الفكر» أو «الفكر المسبق» للفكر (فوكو Foucault ١٩٦٦: ومواضع 171أخرى). إنه يستغل الإمكانية الإرشادية والإبستمولوجية للانتهاكات، والعدوى، والتردد، وعدم اليقين، أو حتى الخطأ. وهو يعارض الممارسات الشاملة، والمتجانسة، للألعاب الخطابية الجزئية والمجزأة. بوصفها ممارسات تأويلية وإبستمولوجية ما بعد حداثية، يعمل التفكيك، والتبعثر، ونقض مركزية المركز، والتحليل الفصامي، وما إلى ذلك، على تحدي وحدة «النص» الظاهرة، وطابعه النسقي. وتحاول أن تستخلص منه الجوانب غير المتجانسة، وتعددية الصوت والمعنى. إنها تهتم بالصراعات والتوترات التي أزيلت لضمان الوحدة. إنهم قلقون من أي معارضة أساسية مفترضة، ومن أي مقولة «طبيعية»، وأي ادعاءات للتمثيلية.
وبالكشف عن هذا الفضاء يمكن، في نهاية المطاف، التفكير مرة أخرى (فوكو 1966: 353) في أن يندرج البعد التحرري، والمبتكر، والبنيوي، لما بعد الحداثي. على مستوى الممارسات الاجتماعية. يعبر عن ذلك من خلال انسحاب الدولة، ومن خلال الاعتراف بالخصوصيات والهويات المحلية، ومن خلال ظهور المبادرات المحلية والإقليمية، وكذلك من خلال اللامركزية، وانتشار السلطة. لقد تضمنت مفاهيم الوطن والمواطنة تغييرات جذرية بفضل الحركات الاجتماعية والسياسية لإنهاء الاستعمار، وبسبب تسليط الضوء على الأقليات، وحركات الهجرة الكبيرة. لتصبح التعددية الثقافية، والتمازج، شعار العديد في مجتمعات ما بعد الكولونيالية. ونتيجة لذلك، تتخلل كلمات الآخر والغيرية «نماذجنا "بارادايماتنا" النقدية: الفلسفية [...] والاجتماعية» (باترسون 2004: 20) والأنطولوجية. فالآخر هو الذات الاجتماعية التي تبرز الحركة النسوية، وما بعد الكولونيالية، والتعددية الثقافية. إنه «الكوير»، الشاذ، الغريب، الذي يزعج النظام الجنسي والجندري. هو أيضًا «غير القابل للاختزال، غير القابل للفهم» الذي يزعج نفسه، ويقسمها، ويكسرها، من خلال «دوار الغموض غير المعقول» (نوس Nouss 2001: 54 ومواضع أخرى). من ناحيتها، تصنف الإبستمولوجيا مصطلح الغيرية جنبًا إلى جنب مع مصطلحات مثل الترحل، وعدم النقاء، والتطور، والاختلاف. إنها تشير إلى الفكر الذي يظهر بوصفه «عملية قطيعة دائمة، واستجوابًا متجددًا باستمرار، وقلقًا، ويقظة تجبرنا على عدم البقاء في نفس المكان، وعدم الاستسلام لليقين أبدًا.» (نوس2001a: 53-54).
وعلى المنوال نفسه، تتجلى الممارسات الثقافية، بدورها، تحت شعار الانتقائية، والخداع، والتعددية. ففي العلوم، على سبيل المثال، نشكك في فكرة الحتمية من أجل التوجيه، كما أظهرها (ليوتار Lyotard 1979: 88)، نحو البحث عن عدم الاستقرار. بعد صعود علم السبيرنيتيكا، وعلم التصنيف، اللذين ساهما في ظهور البنيوية، يتحول العلم ما بعد الحداثي، أكثر فأكثر، نحو الظواهر التي تدمج العشوائية، وعدم القدرة على التنبؤ، والتعقيد.
وهكذا، في النهاية، فالفضاء المفتوح للطليعة التاريخية سيكون، وفقًا لـ سكاربيتا Scarpetta، متناقضًا، ومتضاربًا، وغير نقي؛ يحتفي بـ«حركة الترحل، وعدم التجانس، والجذمورية، وأصعدة كثيرة» وبـ«العودة النقية والبسيطة للتناغم التقليدي» (سكاربيتا 1985: 14-15): التشكيل في الرسم، والزخرفة في العمارة، والسرد الكلاسيكي في الأدب. وهذه العودة لا تعد تكرارًا للماضي. إنها تفترض مسبقًا الابتعاد عن ذلك، من خلال اللعب، والنكتة، والمفارقة، والاستخدام المبالغ فيه من الدرجة الثانية. علاوة على ذلك، ففي نهاية الألفية الثانية، ينحدر الفن بشكل لا رجعة فيه من البرج العاجي حيث حبسته الحداثة، وأصبح سلعة استهلاكية، تمامًا مثل «الملابس [أو] الطائرات» (جيمسون) 1984: 56).
3- النسويـ (ـة)ـات وما بعد الحداثة:
في النصف الثاني من القرن العشرين، ثمة نتائج لأزمة أنظمة المعرفة والتمثيل:
[أ] تحول القيم: العقل بوصفه هيمنة شمولية مدعيًا التفرد، والنور، والنظام، أُخضع للمحاكمة لفائدة عقلانية ولكن لصالح منطق آخر يرتبط جزئيًا بالظلام، وعدم الآلية، والتغيير. ويفتح هذا التناوب مساحة فكرية، وعلاقة بالعالم يمكن أن تظهر كتناوب من «الأنثوي» إلى «الذكوري»، أو كاستدعاء للمؤنث عبر المذكر. (كولين Collin 1992 أ: 260).
يعزز هذا، عند فلاسفة ما بعد الحداثة (وخاصة الفرنسيين)، الاهتمام بالأنثى. وفي الواقع، فإن تذبذب الأنظمة والتصنيفات الثنائية، المستندة إلى أسس التحيز الجنساني، يؤدي إلى استثمار دلالي للمصطلحات التي لا يمكن أن تُعزى إلى الإنسان. وتستخدم الآن لفظتا الأنثى والمرأة، على حد سواء، بوصفهما «استعارة للقراءة وكطبوغرافيا للكتابة، لمواجهة انهيار الاستعارة الأبوية» (جاردين Jardine 1991: 34). وهو ما يستجيب «إلى الحاجة إلى تسمية ما كان من المستحيل على الإنسان التفكير فيه، وإعادة تسميته، من خلال بداية سلسلة من القياسات التي يكون العنصر المشترك فيها هو المرأة.» (جاردين 1991: 3) إن السمات التي تشير إلى المرأة والأنوثة، بحسب التقاليد، تقيد الآن ملامح الوجود في العالم. فالاستعارات الناتجة عن ذلك، كما، عند دريدا Derrida: غشاء البكارة أو الانغلاق، محايدة وشمولية على نحو جنسي، على غرار الاستعارات الذكورية.
في الواقع، إذا كانت هذه الاستعادة للأنثوي قد خلقتْ «وهم معالجة مسألة [...] الواقع الفعلي للمرأة»، إلا أنها تترك «خارج مجالها مسألة العلاقات الفعلية بين الرجل والمرأة داخل نفس العالم.» ( كولين 1993: 210) لقد استعيدت الأنوثة كمفهوم فلسفي، ولكن على حساب المرأة. لا تتضمن عملية «الأبستمة» هذه اهتمامًا حقيقيًا بإعادة التفكير، من خلال الأسس الاجتماعية والثقافية، في وضع المرأة. من خلال أهدافه المحايدة؛ يمحو ما بعد الحداثي اختلافًا أساسيًا، وهو اختلاف الجندر -الذي لا يزال أساس دونية المرأة، كما يتردد (ما بعد الحداثي) في جعل الجندر أداة سياسية وإبستمولوجية. الأمر يتعلق هنا بحد الفكر ما بعد الحداثي، المنَدد به على هذا النحو من قبل نسويات الموجتين الماضيتين. ومع ذلك، فتحت تأثير المقاربات التي أبرزت نقض مركزية المركز ما بعد الحداثية، تحاول منظرات الحركة النسوية ما بعد الحداثية(13) تفكيك، أو حتى إعادة النظر في الجندر. بالنسبة إلى بتلر Butler، على سبيل المثال، فهذا الأخير (الجندر) ليس طبيعيًا ولا ثابتًا (كما تم تصوره من منظور جوهري)، هو ليس أكثر من اكتساب من خلال عملية التنشئة الاجتماعية (المنظور المادي/البنيوي). وكونه خاليًا من أساس ميتافيزيقي ووجودي، فقد يتشكل ويتفكك بلا توقف، من خلال الأداء والتكرار المحاكي أو الإيمائي للقواعد والقيود. بالإضافة إلى ذلك، تُشكَّل الذات نفسها من خلال الأداء الجندري. وهذا ينفتح على هويات متغيرة، وغير مستقرة، ومؤقتة، وطارئة، تفلت من جميع التصنيفات الثنائية (غير المتجانسة، ومتغايرة الجنس). كما تحددها بتلر (1990: 179-180):
يجب ألا يفسر الجندر على أنه هوية ثابتة، أو مكان تفويض، تتدفق منه أفعال مختلفة؛ بالأحرى، الجندر هو هوية تُشكَّل بطريقة هشة عبر الزمن، وتوضع في فضاء خارجي من خلال التكرار المنمق للأفعال [...] تزحزح هذه الصيغة مفهوم الجندر من نموذج هوية جوهرية، إلى مفهوم جوهري للهوية؛ يتطلب مفهومًا للجندر بوصفه مكونًا اجتماعيًا وقتيًا [...] إذا كانت سمات الجندر وأفعاله، والطرق المختلفة التي جسد بها ما يُظهر أو يُنتج دلالاته الثقافية، هي شيء أدائي، فليست هنا هوية موجودة مسبقًا يمكن من خلالها قياس الفعل أو السمة؛ لن يكون هناك أي فعل حقيقي أو كاذب أو واقعي أو مشوه للجندر، حيث قد كُشف عن فرضية هوية حقيقة للجندر بوصفها خيالًا تنظيميًا. إن واقع الجندر الاجتماعي الذي أبدعه أداء اجتماعي قوي يعني أن مفاهيم الجنس الأساسية، نفسها، والذكورة، أو الأنوثة، متغيرة أو راسخة، تشكلت أيضًا في إطار الاستراتيجية التي تُخفي الطابع الأدائي للجند،ر والإمكانيات الأدائية لتكاثر تشكيلات الجندر خارج أطر الهيمنة الذكورية، والغيرية الجنسية الإلزامية.
وهكذا تحاول بتلر تجنب الوقوع في شرك الفكر القاطع -ويلاحظ المرء أن ثمة ثباتًا في تفكيرها وأعمالها- دون أن تنزع من هذا الجندر قوته السياسية. وفي نفس السياق، تعمل على تفكيك المقابلة الثنائية بين الجنس والجندر(14) التي هي في صميم نظريات الموجة الثانية، والتي عادة ما تتناوله من حيث الطبيعة والثقافة. وهي تعتبر أنه مثل الجندر تمامًا؛ فالجنس يتغير ويتحرك. وهو يبدو في الأساس كنموذج خطابي مفروض من أجل التصنيف،على وجه التحديد، عبر اللغة والثقافة. وفي الواقع، «لا يمنح الجسد أبدًا، فهو دائمًا ما يحتاج إلى صيغة تمثيلية، يتصادف أن تكون محددة ومفصلة ثقافيًا.» (بتلر، ورد ذكره في جوس Joos 1997: 14)
تتقاسم الموجة الثالثة من الحركة النسوية، ونقض مركزية المركز ما بعد الحداثية، جوانب مشتركة أخرى. إنهما يتحديان أنظمة المقابلات الثنائية، ويخلقان مساحة للاعتراف بالثالث (المستبعَد). إنهما يشكلان من التمازج، ومن قبول الاختلاف، ممارسة معرفية، وقيمة اجتماعية على حد سواء. تقوم الحركة النسوية في بداية الألفية الثالثة بنشر مقولة المرأة، وتعطي صوتًا لموضوعات توضع ما بين قوسين من قبل الحركة النسوية للموجة الثانية، مثل النساء السوداوات، ونساء العالم الثالث، والنساء المهاجرات، والشخصيات (الكوير )، وموضوعات ما بعد الاستعمار، وما إلى ذلك. وتستعير اهتمام ما بعد الحداثة بالنظر إلى الاتجاهات الأساسية التي يمكن أن تظهر في داخلها. ومن وجهة النظر هذه، من الممكن تصور تحالف ذات طبيعة سياسية ومعرفية، معًا، بين نسوية الموجة الثالثة، وبين نقض مركزية المركز ما بعد الحداثية. وفي الواقع، وفقًا لـ فرايزر ونيكلسون Fraser et Nicholson، فإن بعض النظريات الاجتماعية للموجة الثانية من الحركة النسوية، ومنها، على سبيل المثال، تحليلات تشودوروف Chodorow حول الأمومة أو جيليجان Gilligan حول خصوصية الخطاب الأخلاقي للمرأة، تقترح، ضمنيًا، حكايات كبرى. وإن لم تكن من «السرديات الكبرى النقية»، لأنها ليست نظريات معيارية تاريخية حول الطبيعة متعددة الثقافات للعقلانية أو العدالة (فريزر ونيكلسون 1990: 27)، فإنها تفترض في المقابل أن:
المناهج والمفاهيم التي لا تتأثر بالزمنية أو التاريخية، والتي تعمل، في الواقع، كمصفوفات بحثية دائمة ومحايدة للتحقيق، تشارك إذًا هذه النظريات بعض السمات الجوهرية وغير التاريخية للسرديات الكبرى: إنها لا تهتم بدرجة كافية بالتنوع التاريخي والثقافي، وهي تعمم كذبًا ملامح العصر نفسه، والمجتمع، والثقافة، والطبقة، والتوجه الجنسي، والإثني والمجموعة العرقية. (1990: 27:نيكلسون وفرايزر)
وفقًا للباحثتين، فإن المساهمة ما بعد الحداثية ستساعد في الحفاظ على النسوية من شرك الوقوع في موقف جوهري، مع تسليط الضوء على ضرورة مقاربة وضع المرأة في سياق ما.
وهكذا، فإن نقض مركزية المركز ما بعد الحداثية، والموجة الثالثة من الحركة النسوية، يقدمان إذًا صلات على المستوى الإبستمولوجي، وعلى مستوى الممارسات النقدية. إن الفكر المترحل على أساس نقض مركزية المركز ما بعد الحداثية يتساءل عن الحدود بين التخصصات، ويتحرك من خلال تحالفات وارتباطات غير نقية بين مجالات المعرفة. إنه حذر من التصنيفات، ومن المطالبة بالحقيقة والتمثيل. ومن جانبه، فإن التفكير الأنثوي يطرح نفسه بوصفه حركة، أكثر منه إيديولوجية صارمة. فالسماح بمرور الرغبة، يجعل من الممكن للـ أنا (le je) وللعب (le jeu). أن توضع خارج المنطق الخاضع لثنائية حقيقي/ زائف (دوبريه Dupré 1990: 26). إنه يقدر الإمكانات الخلاقة للتناقض الداخلي، والتعارض، وعدم التجانس. وهو يعتقد أن «الأضداد معًا لا يلغي كل منهما الآخر، إنها تتعايش في نفس النظام» (دوبريه1996: 153). إنه ينشر الحقيقة، لصالح عدم اليقين والحقائق الجزئية، مع رفض التوحيد والتجانس والوحدة(15).
يتفق أتباع ما بعد حداثة نقض مركزية المركز، وبعض منظرات الموجة الثالثة من الحركة النسوية، أيضًا، حول مفهوم الذات والهوية. في الواقع، يعيد مابعد الحداثيون التفكير في مفهوم الذات الوحدوية، المستقلة بذاتها، والكونية ويجعلونها نتاجًا للخطاب والسياق الاجتماعيين التاريخيين. يسير هذا جنبًا إلى جنب مع مفهوم الهوية بوصفها «مترحلة»، ومؤقتة، وأدائية. تحاج بتلر بهذا المعنى بأن الذات قد شيدت بشكل أساسي في اللغة، ومن خلالها(خاصة "بتلر" 1997)؛ فبالنسبة لها، لن توجد ذات «ما قبل اجتماعية» أو «ما بعد اجتماعية» أيضًا. ومع ذلك، فإن النسويات الأخريات يعارضن هذا التذويب، بل هذا «الاختفاء» للذات، لأن ذلك من شأنه أن يشوه أسس الحركة النسوية وأهدافها. كما أشارت لذلك كولين، على نحو مثير للسخرية (1992:127b)، «النساء دائمًا متأخرات جدًا» لأنهن يزعمن أنهن «ذوات، بينما لم تعد هناك ذات. إنهن يستخدمن راية الحكم الذاتي دون أن يدركن أن التبعية هي التي تصنع حقيقة، وهي القانون [...] فهن يطالبن بالحق في الكلام؛ لأنهن لم يفهمن أنه عندما يتحدث "أنا"، فإنه لا يتحدث أحد.» وعلى نفس المنوال، بالنسبة لـ كوتنوار Cotnoir (1988: 161)، فإن الذات الأنثوية ستحافظ على وضعية حديثة، وتبقى في «سعيها بحثًا عن النزاهة.»
كما تندد المنظرات النسويات بـ«الامتصاص الجمالي الذاتي» (سنجر Singer 1992: 470) للفراغ ما بعد الحداثي. وفي بعض اتجاهاتها، لا تهتم، هذه الأخيرة، بالعديد من المشاكل الحالية، مثل الإفقار، والحروب بين الأعراق، والعولمة، والأصولية الدينية أو القومية، والتمييز على أساس الجنس والعرق والطبقة. ومن ناحية أخرى، تحافظ نسويات الموجتين على علاقات وثيقة مع المجتمع، وعلى الالتزام السياسي. حيث يمكن أن تضخا مكونًا سياسيًا وأخلاقيًا في التفكير وفي الممارسة ما بعد الحداثية.
تنأى النسويات أيضًا بنفسها عن الرؤية الشفقية والتي يروج لها «أذناب» ما بعد الحداثة. وبهذا المعنى، تنكر كوتنوار أي تقارب محتمل بين ما بعد الحداثة والنسوية. فوفقًا لها، إن ما بعد الحداثة هي «التعبير النهائي عن دافع انتحاري ورضٍ مَرضي.» (كونتوار 1988: 161). على عكس رُسل الفراغ، الذين يرون أنه «ليس هناك أمل [و] لا معنى للمستقبل.» (جيمسون، نقلًا عن ستيفانسون Stephanson ديسمبر 1986/ يناير 1987: 70)، وتحاجج كونتوار النسويات والفلاسفة أو كاتبي المقالات (الرجال) المرتبطين بنقض مركزية المركز ما بعد الحداثية بأن الفضاء الانعكاسي والاجتماعي -الذي افتتح في بداية الألفية الثالثة- يقدم سلسلة كاملة من الاحتمالات الجديدة. لذلك، دائمًا ما يبدو أن الحركة النسوية هي «ممارسة بناء العالم» (زيرلي2005: 17)، مما يجعلها تساهم في «إعادة انتقاد العالم» (لامورو1990: 135).
الهوامش:
1- يمكن فهم هذا المصطلح من خلال سياق مقترحات بتلر التي ترى أن استخدامه بطريقة متجانسة لا يشكك في الفئات «الجندرية» على أساس الشذوذ الجنسي، وبنفس الطريقة، يعزز أشكال عدم المساواة (بتلر 1990). وهو يقدم مفهومًا نقديًا لفئة «المرأة» التي تستند على تنقلها المستمر وتجدد معناها (بتلر 1995: 50-51). مجلة أبحاث نسوية المجلد 21 العدد الثاني 2008: 5 – 28.
2- في هذا المقال، نختار مفهوم «ما بعد الحداثي postmoderne»، الذي يُعدّ أكثر ملاءمة لاحتياجات العرض التوضيحي عن «ما بعد الحداثة postmodernisme»، لأنه يشمل بعدًا مزدوجًا: زمانيًا واجتماعيًا-ثقافيًا. في الواقع، يميز نوس ما بعد الحداثيpostmoderne، بأنه «جميع الظواهر التي تهرب من الشبكات الحديثة للتفسير أو الشرح»، لما بعد الحداثة postmodernité، أي «بروزها (الاجتماعي، والسياسي، والتاريخي) في الحقبة المعاصرة»، وما بعد الحداثة postmodernisme، «بظهورها في شكل ممارسة جمالية وتأملية»، مما يجعل ما بعد الحداثي postmoderne «بمثابة عرضِ وليس هوية أو مقولة، عرضٍ يكشف عن التطورات في المجال الاجتماعي التاريخي، أو في المجال الجمالي التأملي، لدعم عملية الانعكاس.» (Nouss 2001b: 498).
3- ظهر مصطلح الموجة الثالثة لأول مرة في الولايات المتحدة في أوائل التسعينيات. وغالبًا تم الاستشهاد باثنتين من الأنطولوجيات التي نشرت في عام 1995 وحررها فيندلن وووكرعلى التوالي، على أنهما مهدتا الطريق. هذه هي نوعية الأعمال التي تنشرها الصحافة الشعبية وتحتوي على معظم الشهادات الأوتوبيوجرافية الخاصة بشابات «النسوية»، وهو جيل النساء اللواتي ولدن في غضون الستينات والسبعينات المتهم مبدئيًا بـ «نقص المنابع النظرية والتاريخية، أو التنظيمية» (أور 1997: 33)، ولقد بدأ التنظير للموجة الثالثة في أواخر التسعينيات، وبخاصة في بداية الألفية الثالثة، ولنشِر على وجه الخصوص إلى الكتب التالية: «هيوود ودراك»، 1997؛و«"ديكر وبيبميّر»، 2003؛ و«جيليس وهوي ومونفورد»، 2004؛ و«هنري»، 2004؛ و«ريجير»، 2005. في الفضاء الفرنسي والفرنكوفوني، ثمة تردد معين حول موجة نسوية ثالثة، بسبب عدم تبلور الحركة بشكل كاف إيديولوجيًا وسياسيًا. في مقالتها في القاموس النقدي للنسوية (2004)، تركز فوجيرولاس-شويبل فقط على الموجتين المكرس لهما تاريخيًا، أي النسوية التي ظهرت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وفي الستينيات والسبعينيات؛ فهي تتجاهل ضمنيًا وجود موجة ثالثة. و لوصف التغيير الطارئ على الموجة الثانية من الحركة النسوية، اقترحت عبارات مثل «الناشطات الشابات»، و«النسوية في القرن الحادي والعشرين» أو «الوجه الجديد للنسوية» (نينجه منساه، 2005: 19). وتتحدث باحثات أخريات (تيري، 2005: 32 ) في بداية القرن الحادي والعشرين عن «النسوية التعددية (الميتا نسوية، ما بعد الحداثة، النسوية البيئية، دعاة السلام والمناهضين للعولمة)» و يشعرن بالقلق من مفهوم «الموجة(الثالثة)» (بليس، وغيرها، في عام 2007). في كيبيك، ضُبطت الموجة الثالثة من الحركة النسوية، ونُظِّر لها في كتاب حُرّر بقلم نينجه منساه (2005)، حيث تشهد الفجوة الزمنية الواسعة بين ظهورها في الولايات المتحدة واعتمادها في كيبيك على صعوبة اختراق الموجة الثالثة للفضاء الفرنكوفوني، بالإضافة إلى علامة الاستفهام التي وضعتها نينجه مينساه تحت عنوان كتابها.
4- من أجل تحليل عناصر الباكلاش في الفضاء الأمريكي، انظر الكتاب الكلاسيكي لـ فلودي، 1991. يُدهش هذا المؤلف بانعكاس صورة المرأة القوية والمستقلة في السبعينيات لصالح إيديولوجية الشعور بالذنب وقيم «الأنوثة الخالدة». لمناقشة «الباكلاش» في الفضاء الفرنسي، سنقرأ على نحو مفيد «فريشر» (1997) و«بادنتير» (2003).
5- إذًا، بشكل عام، نتفق مع انتقادات باحثات مثل" فوجيرولاس شويبيل، (2004)، ودومون (2005)، وتوبان، (2005)، أو بليس وغيرها، (2007) على صياغة مفهوم الموجة، لحاجة عملنا، نؤكد، مع نينجه مينساه، الطابع الإرشادي للموجة الثالثة، بوصفه إطارًا معرفيًا يمكن من خلاله فهم قضايا الحركة النسوية المعاصرة (نينجه مينساه 2005: 21).
6- وفقًا للخطاب الراديكالي (1983: 124)، «جميع الحركات النسوية تواجه نفس المشكلة: ماذا يشكل اضطهاد المرأة وكيف يمكن أن يكون هذا الاضطهاد قد انتهى؟ بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التفتيت للظلم يمثل، وفقًا لـ باريت وفيليبس" (1992: 2)، أحد العناصر التي سمحت بمرورمن الموجة الثانية إلى الموجة الثالثة من الحركة النسوية.
7- أو ما يسمى نسوية DIY: بمعنى آخر، نسوية تبنى على شعارات مثل «do-it-yourself افعل ذلك بنفسك»، أو «إنسائيتك هي ما تريدين أن تكوني عليه، وما تفعلينه لها. فلتحددي أجندتك. فلتطالبي ولتستردي كلمة Féminisme الخاصة بك.» (هنري 2005: 83).
8- تجدر الإشارة هنا إلى أن خطاب الصراع، أو حتى القطيعة الجذرية بين الموجة الثانية والثالثة من الحركة النسوية، خاص بالولايات المتحدة منذ بداية الموجة الثالثة. ولقد استعادته جزئيًا ما بعد النسوية التي قد تكون، بحسب بعض الباحثات، تيارًا بحد ذاته، لتكون جزءًا من اتجاه ما بعد البنيوية، وما بعد الحداثة، وما بعد الكولونيالية (بروكس 1997: 4). كقاعدة عامة، تظهر ما بعد النسوية كرد فعل ضد النسوية من الموجة الثانية، مرادفًا إلى حد ما للباكلاش المناهض للنسوية. تبرز معظم منظرات الموجة الثالثة بوضوح ما بعد النسوية ( ديكر وبيمبير2003: 10، هيوود ودراك1997: 2). لمزيد من مناقشة ونقد واسع لمفهوم ما بعد النسوية، انظر جامبل (2000: 43-54).
(*) مجلة صغيرة غير تجارية ينتجها شخص أو مجموعة من الأشخاص وتُعنى بموضوع خاص.
9- هذه هي سمة محددة للموجة الثالثة من الحركة النسوية، والتي تظهر على أنها «مخلوق ذو جذور أكاديمية مهمة». (إيفانز1997: 1).
10- «بليس وآخريات» لفتن الانتباه إلى الخطر الذي يمثله هذا الرذاذ للحركة النسوية وفي الوقت نفسه تدعو لضرورة إدامة نهج راديكالي: «التأكيد على أن التحليل النسوي الراديكالي قد عفا عليه الزمن، لصالح الموجة الثالثة، يحول انتباه النساء عن التهديدات المشتركة التي يواجهنها.. وينصب التركيز إذن على ما يمكن أن يقسم النساء، وخاصة الجيل الذي يُزعم أنه مرتبط بالإيديولوجية، بدلًا من التركيز على القمع المشترك الذي يجمعهن.» (بليس وآخريات. 2007: 155).
(**) المسكوكي شعب من الأمريكيين الأصليين يقطنون في جنوب شرق الولايات المتحدة. يتكلم شعب المسكوكيين باللغة المسكوكية. يسمون بالإنجليزية باسم «[شعب] الجدول» نسبة إلى جدول أتشيزي وهو أحد جداول نهر أكملكي في ولاية جورجيا.
11- يميز نوس بين décentrement اللا مركزية، بوصفها ممارسة حديثة، تستند على «الابتعاد من المركز، وليس إلغائه، لإثراء، وزيادة، وتصحيح، وتوثيق وجهة نظر، أي رؤية انطلاقًا من نقطة مركزية»، وdécentrage نقض مركزية المركز، ما بعد حداثية على نحو نموذجي، تعرف بأنها «حركة دائمة، وترحل تأملي أو تفسيري أو إبداعي، بالطبع في مسار لا متناه على طول خطوط التلاشي أو الجذمور العزيز على دولوز، فيما تمثل فيه ما بعد الحداثة منهجًا على نحو صحيح، وطريقًا.» (نوس( 2001b: 49.
12- في الواقع، كما تشير العديد من المنظرات النسويات، ليس للفرد بالمعنى الجندري، بل إلى الإنسان، وحتى الذكوري، المرتفع إلى مصاف «نموذج عالمي» (فاريكاس 1995: 81) -127).
13- يُنظَر إلى حركة نسوية ما بعد الحداثة هنا بوصفها تيارًا ضمن الموجة الثالثة من الحركة النسوية، جنبًا إلى جنب مع الميتانسوية أو عبر النسوية، والنسوية المناهضة للعولمة، إلخ كقاعدة عامة، تتميز بـ«البنائية الاجتماعية، وبعض النسبية والشكوكية فيما يتعلق بأي شكل من أشكال الحقيقة، الموضوعية، العالمية» (باريل 2005: 44).تجادل النسويات ما بعد الحداثة بأن «الجنس»، والجندر، والهوية، وهوية الجنسية، وتصنيفات الهوية، وهوية الهوية كـ(ذكر/ أنثى) هي بنى اجتماعية، غالبًا ما تُطوَّر بطريقة ثنائية، وهو أمر مهم للتفكيك. إنها تعارض اختزالية النضال النسوي في حركات التحررالأخرى، والإصرار على إدراج الأبعاد القمعية المتعددة التي تشكل هوية المرأة (التشابك بين الجندر والمجموعة الإثنية و«العرق»، والطبقة، والتوجه الجنسي، وما إلى ذلك). [إنها] تنتقد التجانس غير المبرر لفئة المرأة والجانب قسري لهذا الأخير [...]، [بينما تستنكر] سياسات الهوية و[الدعوة] لممارسة سياسية نسوية ائتلافية "( باريل 2005: 44).
14- هذا، تمامًا مثل أدائية الجنس والجندر، لا يخلو من إثارة انتقادات بعض النسويات. وورد جوف (1998:10)، على سبيل المثال، يرى إنه «من دون الكثير من ما يُسمَى بـ ثنائيات، مذكر ومؤنث، ذكوري وأنثوي- لن يكون هناك شيء: لا جيل (الجذر هو نفسه بالنسبة للجندر). لا معنى ".
15- فيما يلي كيف قام ييتمان بمنهجة هذا التشابك بين إبستمولوجيا نقض مركزية المركز ما بعد الحداثية وإبستمولوجيا الموجة الثالثة من الحركة النسوية «وتلك علاقتهما التكافلية-المعارضة مع التوجهات المعرفية السائدة ستظهر من خلال: 1. التوجه التفكيكي للتقاليد النظرية الحديثة والحداثية التي نرثها. 2. الوضع ما بعد العالمي للتنظير أو بشكل أدق، التأكيد المدمر لأصوات «الأقلية» فيما يتعلق بالجوانب العالمية لحتمية للتنظير. 3. إثبات أن التركيبات الثنائية للاختلاف لا تحدد فقط الحدود التي تنقسم، بل هي في نفس الوقت حد يوحد، وبالتالي، إصرار على عدم الاستقرار والغموض في هذه الإنشاءات. 4. المنظورية، هي نظرية علائقية وليست نسبية، نظرية المعرفة [...]. 5. (نتيجة طبيعية لـ 4) مفهوم أفعال التنظير كما لو كانت مشروطة تاريخيًا، والقبول بذلك بالتبادل والتغييرات والتطورات في التنظير. 6. فرضية أهمية وضعية (المنظر/ين) فيما يتعلق بالسلطة الفكرية المؤسسية ولجماهيرها الفعلية والمستقبلية معًا. 7- فرضية تتعلق بأهمية الذاتية المجسدة (المنظر/ين)؛ 8 - مفهوم اللغة بوصفها نظام مادى ومنتج والمناقشات النظرية بوصفها سياسة لغوية. (ييتمان1994: 15).
RÉFÉRENCES:
BADINTER, Élisabeth.
• 2003, Faire fausse route. Paris, Odile Jacob.
BARIL, Audrey.
• 2007, «De la construction du genre à la construction du “sexe”: les thèses féministes postmodernes dans l’oeuvre de Judith Butler», Recherches féministes, 20, 2: 61-90.
• 2005, Judith Butler et le féminisme postmoderne: analyse théorique et conceptuelle d’un courant controversé, mémoire présenté comme exigence partielle de la maîtrise en philosophie. Sherbrooke, Faculté de théologie, d’éthique et de philosophie, Université de Sherbrooke.
BARRETT, Michele et ANNE PHILLIPS (dir.).
• 1992, Destabilizing Theory. Contemporary Feminist Debates. Stanford, Stanford University Press.
BAUDRILLARD, Jean.
• 1990, La transparence du mal. Paris, Galilée.
BAUMGARDNER, Jennifer et Amy RICHARDS.
• 2000, Manifesta. Young Women, Feminism, and the Future. New York, Farrar, Straus and Giroux.
BENNET, Oliver.
• 2001, Cultural Pessimism. Narratives of Decline in the Postmodern World. Edinburgh, Edinburgh University Press.
BLAIS, Mélissa et autres.
• 2007, «Pour éviter de se noyer dans la (troisième) vague: réflexions sur l’histoire et l’actualité du féminisme radical», Recherches féministes, 20, 2: 141-162.
BLOOM, Allan.
• 1987, The Closing of the American Mind. New York, Simon and Schuster.
BOISVERT, Yves.
• 1998, «L’analyse postmoderniste au-delà de l’esthétisme discursif», dans Yves
Boisvert (dir.)
• Postmodernité et sciences humaines. Une notion pour comprendre notre temps. Montréal, Liber: 177-190.
BRAIDOTTI, Rosi.
• 1994, Nomadic Subjects. Embodiment and Sexual Difference in Contemporary Feminist Theory. New York, Columbia University Press.
BROOKS, Ann
• 1997, Postfeminisms. Feminism, Cultural Theory and Cultural Forms. Londres et
New York, Routledge.
BROSSARD, Nicole
• 1988a, «L’angle tramé du désir», dans Louky Bersianik et autres, La théorie, un
dimanche. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 13-26.
• 1988b, «Les pas juxtaposés du désir», Tessera (dialogue, conversation, une
écriture à deux), 5: 29-30.
BURNONVILLE, Francine
• 1992, Les femmes sont-elles allées trop loin? Montréal, Le Jour, éditeur.
BUTLER, Judith
• 2004, Undoing Gender. New York/Londres, Routledge.
• 1997, Excitable Speech: A Politics of the Performative. New York/Londres, Routledge.
• 1995, «For a Careful Reading», dans Seyla Benhabib et autres, Feminist Contentions. A Philosophical Exchange. New York/Londres, Routledge: 35-57.
• 1993, Bodies That Matter: On the Discursive Limits of “Sex”. New York/Londres, Routledge.
• 1990, Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity. New York/Londres, Routledge.
COLLIN, Françoise
• 1993, «Le philosophe travesti ou le féminin sans les femmes», Futur antérieur, supplément: «Féminismes au présent»: 205-218.
• 1992a, «Différence et différend. La question des femmes en philosophie», dans Georges Duby et Michelle Perrot (dir.), Histoire des femmes en Occident, t. 5: «Le XXe siècle» (sous la direction de Françoise Thébaud). Paris, Plon: 243-273.
• 1992b, «Praxis de la différence. Notes sur le tragique du sujet», Les Cahiers du GRIF, Provenances de la pensée. Femmes/Philosophie, 46: 125-141.
• 1986, «Le féminisme et la crise du moderne», dans Diane Lamoureux, Fragments et collages. Essais sur le féminisme québécois des années 70. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 7-16.
COTNOIR, Louise
• 1988, «La sujète d’intérêt», dans Louky Bersianik et autres, La théorie, un dimanche. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 149-163.
DESCARRIES, Francine
• 1998, «Le projet féministe à l’aube du XXIe siècle: un projet de libération et de solidarité qui fait toujours sens», Cahiers de recherche sociologique, 30:179-209.
DICKER, Rory et Alison PIEPMEIER (dir.)
• 2003, Catching a Wave. Reclaiming Feminism for the 21st Century. Boston, Northeastern University Press.
DUMONT, Micheline
• 2005, «Réfléchir sur le féminisme du troisième millénaire», dans Maria Nengeh
Mensah (dir.),
• Dialogues sur la troisième vague féministe. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 59-73.
DUPRÉ, Louise
• 1996, «Quelques notes sur la critique-femme», Tangence (Paradigmes critiques), 51: 144-156.
• 1992, «La critique-femme. Esquisse d’un parcours», dans Annette Hayward et Agnès Whitfield (dir.), Critique et littérature québécoise. Montréal, Triptyque: 397-405.
• 1990, «Une pensée vivante», Cahiers internationaux de symbolisme (Penser au féminin), 65-66-67: 21-27.
• 1988, «Une conscience posthistorique», Tessera (dialogue, conversation, une écriture à deux), 5: 35-36.
EHRENBERG, Alain
• 1998, La fatigue d’être soi. Paris, Odile Jacob (Collection Poches). EVANS, Mary
• 1997, Introducing Contemporary Feminist Thought. Cambridge, Polity Press.
FALUDI, Susan
• 1991, Backlash. The Undeclared War Against American Women. New York, Crown Publishers, Inc.
FINDLEN, Barbara (dir.)
• 1995, Listen up: Voices from the Next Feminist Generation. Seattle (WA), Seal Press.
FOUCAULT, Michel
• 1978, L’ordre du discours. Paris, Gallimard.
• 1975, Histoire de la sexualité. Paris, Gallimard (Collection Bibliothèque des histoires).
• 1966, Les mots et les choses. Une archéologie des sciences humaines. Paris, Gallimard (Collection NRF).
FORTIER, Frances
• 1998, «Le récit de la postmodernité», dans Yves Boisvert (dir.), Postmodernité et sciences humaines. Une notion pour comprendre notre temps. Montréal, Liber: 23-46.
• 1992, «L’écriture “énigmatique” de Nicole Brossard», Nuit blanche, 46: 36-41.
FOUGEYROLLAS-SCHWEBEL, Dominique
• 2004, «Mouvements féministes», dans Helena Hirata et autres (dir.), Dictionnaire critique du féminisme. Paris, PUF (Collection Politique d’aujourd’hui): 138-144.
FRASER, Nancy et Linda J. NICHOLSON
• 1990, «Social Criticism without Philosophy: An Encounter between Feminism and Postmodernism», dans Linda J. Nicholson (dir.), Feminism/ Postmodernism. New York et Londres, Routledge: 19-38.
FRISCHER, Dominique
• 1997, La revanche des misogynes. Où en sont les femmes après trente ans de
féminisme? Paris, Albin Michel.
GAMBLE, Sarah (dir.)
• 2000, The Routledge Critical Dictionary of Feminism and Postfeminism. Routledge, New York.
GILLIS, Stacy Gillian HOWIE et Rebecca MUNFORD
• 2004, Third Wave Feminism. A Critical Exploration. Palgrave Macmillan.
HARVEY, David
• 1989, The Condition of Postmodernity. An Enquiry into the Origins of Cultural Change. Cambridge (MA) et Oxford (UK), Blackwell.
HENRY, Astrid
• 2005, «Solitary Sisterhood: Individualism Meets Collectivity in Feminism’s Third Wave», dans Jo Reger (dir.), Different Wavelength. Studies of the Contemporary Women’s Movement. New York et Londres, Routledge: 81-96.
• 2004, Not my Mother’s Sister. Generational Conflict and Third-Wave Feminism. Bloomington et Indianapolis, Indiana University Press.
HEYWOOD, Leslie et Jennifer DRAKE (dir.)
• 1997, Third Wave Agenda. Being Feminist, Doing Feminist. Minneapolis, London, University of Minnesota Press.
HOWIE, Gillian et Ashley TAUCHERT
• 2004, «Feminist Dissonance: The Logic of Late Feminism», dans Stacy Gillis,
Gillian Howie et Rebecca Munford (dir.)
• Third Wave Feminism. A Critical Exploration. Palgrave, Macmillan: 37-48.
JAGGAR, Alison
• 1983, Feminist Politics and Human Nature. Totowa, Rowman et Allanheld, Brighton, Harverster Press.
JAMESON, Fredric
• 1984, «Postmodernism, or the Cultural Logic of Late Capitalism», New Left Review, 146: 53-92.
JARDINE, Alice
• 1991, Gynésis. Configurations de la femme et de la modernité, traduit de l’anglais par Patricia Baudoin. Paris, PUF [1re éd.: 1985].
JOOS, Jean-Ernest
• 1997, «“Le corps décentré”. Entrevue sur Internet avec Judith Butler», Spirale, 154: 14.
KROKER, Arthur et David COOK
• 1986, The Postmodern Scene: Excremental Culture and Hyper-Aesthetic. New York, St. Martin’s Press.
KRUZYNSKI, Anna
• 2004, «De l’opération SalAMI à Némésis: le cheminement d’un groupe de femmes du mouvement altermondialiste québécois», Recherches féministes, 17, 2: 227-261.
KUNDERA, Milan
• 1990, L’immortalité. Paris, Gallimard.
LAMOUREUX, Diane
• 1990, «Le mouvement des femmes: entre l’intégration et l’autonomie», dans Alan F.J. Artibise et Simon Langlois (dir.), Canada: Traditions and Revolutions/Canada: Traditions et révolutions. Montréal, Association for Canadian Studies/Association des études canadiennes (Collection Canadian Issues), 12: 125-136.
LIPOVETSKY, Gilles
• 1983, L’ère du vide. Essais sur l’individualisme contemporain. Paris, Minuit.
LIPOVETSKY, Gilles et Sébastien CHARLES
• 2004, Les temps hypermodernes. Paris, Grasset.
LYOTARD, Jean-François
• 1979, La condition postmoderne. Rapport sur le savoir. Paris, Minuit.
NENGEH MENSAH, Maria
• 2005, «Une troisième vague féministe au Québec?», dans Maria Nengeh Mensah (dir.), Dialogues sur la troisième vague féministe. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 11-27.
NOUSS, Alexis
• 2001a, «Altérité», dans Alexis Nouss et François Laplantine, Métissages. Paris, Pauvert: 54-60.
• 2001b, «Postmoderne», dans Alexis Nouss et François Laplantine, Métissages. Paris, Pauvert: 492-498.
ORR, Catherine M.
• 1997, «Charting the Currents of the Third Wave», Hypatia, XII, 3: 29-45. PAGÉ, Geneviève
• 2005, «Variations sur une vague», dans Maria Nengeh Mensah (dir.), Dialogues sur la troisième vague féministe. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 42-48.
PATERSON, Janet M.
• 2004, Figures de l’autre dans le roman québécois. Québec, Éditions Nota bene (Collection Littérature(s)).
• 1993, «Postmodernisme et féminisme: où sont les jonctions?», dans Raïja Koski, Kathleen Kelles et Louise Forsyth (dir.), Les discours féministes dans la littérature postmoderne au Québec. New York, Edwin Mellen Press: 27-44.
RAIL, Geneviève et Mélisse LAFRANCE
• 2004, «Émancipation ou colonisation? Nike et ses messages publicitaires à l’ère postféministe», Recherches féministes, 17, 1: 173-201.
REGER, Jo (dir.)
• 2005, Different Wavelength. Studies of the Contemporary Women’s Movement. New York et Londres, Routledge.
SAINT-MARTIN, Lori
• 1992, «Le métaféminisme et la nouvelle prose féminine au Québec», Voix et images, XVIII, 1: 78-88.
SCARPETTA, Guy
• 1985, L’impureté. Paris, Grasset (Collection Figures).
SHAPIRO SANDERS, Lise
• 2004, «“Feminists Love a Utopia”: Collaboration, Conflict, and the Futures of Feminism», dans Stacy Gillis, Gillian Howie et Rebecca Munford (dir.), Third Wave Feminism. A Critical Exploration, Palgrave, Macmillan: 49-59.
SINGER, Linda
• 1992, «Feminism and Postmodernism», dans Judith Butler et Joan Scott (dir.), Feminists Theorize the Political. New York/Londres, Routledge: 464-475.
STEPHANSON, Anders déc.
• 1986/janv. 1987 «An Interview with Fredric Jameson», Flash Art, 131: 69-73. THÉRY, Chantal
• 2005, «Le dialogue des sexes. Sisyphe heureuse?», Québec français (Dossier Féminisme et littérature), 137: 32-34.
TOUPIN, Louise
• 2005, «Voir les nouvelles figures du féminisme et entendre leurs voix», dans Maria Nengeh Mensah (dir.), Dialogues sur la troisième vague féministe. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 74-87.
VARIKAS, Eleni
• 1995, «Une représentation en tant que femme? Réflexions critiques sur la demande de la parité des sexes», Nouvelles Questions féministes, XVI, 2: 81-127.
WALKER, Rebecca (dir.)
• 1995, To be Read: Telling the Truth and Changing the Face of Feminism. New York, Anchor Books.
WALTER, Natasha
• 1998, The New Feminism. Boston, Little, Brown and Company.
WARD-JOUVE, Nicole
• 1998, Female Genesis: Creativity, Self and Gender. Cambridge, Polity Press.
WICKE, Jennifer et Margaret FERGUSON
• 1994, Feminism and Postmodernism. Durham, Duke University Press, 1994.
WHELEHAN, Imelda
• 1995, Modern Feminist Thought. From the Second Wave to ‘Post-Feminism’. New York, New York University Press.
YEATMAN, Anna
• 1994, Postmodern Revisionings of the Political. New York/Londres, Routledge
(Collection Thinking Gender).
ZERILLI, Linda M.G.
• 2005, Feminism and the Abyss of Freedom. Chicago et London, The University of
Chicago Press
- دنيز أدريانا أوبريا*
* دكتوراه الأدب الفرنسي والأدب النسوي، جامعة لافال، كيبيك، كندا.
- لطفي السيد منصور**
** مترجم مصري.
* المصدر
- مجلة فصول العدد 103
جينيفر ويك ومرجريت فيرجسون Jennifer Wicke et Margaret Ferguson، «الحركة النسوية وما بعد الحداثة» (1994).
انطلاقًا من أهدافها التحررية، ومن افتراضها ظرفًا مشتركًا للنساء، تشارك الحركة النسوية من الستينيات والسبعينيات في الـ «مشروع» الحديث. وهذا لا يستبعد موقفًا نقديًا فيما يتعلق ببعض السرديات الكبرى (المعرفة، والسلطة، وموضوع "الذكورة"، وما إلى ذلك)، كما طرحتها الحداثة التي يعود أصلها إلى عصر التنوير.
في مطلع الثمانينيات، تدخل النسوية مرحلة أخرى، كما تتميز بإعادة النظر في بعض مواقفها السابقة. وتحت تأثير نظريات ما بعد الحداثة، تتحول إلى ممارسة، وإلى إيديولوجية تحترم فردانية «النساء»(1). وبالتالي يمكننا، وبخاصة انطلاقًا من التسعينيات، الحديث عن موجة ثالثة من النسوية، ستنحصر معاييرها حول أخلاقيات عدم التجانس وإيديولوجية النزعة الفردية.
تُعدّ العلاقات بين النسوية (النسويات) وما بعد الحداثة، بوصفها أشكالًا ثقافية رئيسة في نهاية الألفية الثانية وبداية الثالثة، شائكة للغاية, والجدل المحيط بها محتشد. وإذا ما تشاركتْ نفس «القلق مع الآخر»، على سبيل المثال (هارفي Harvey 1989: 47)، والممارسات المعرفية «الهائمة» (بريدوتي Braidotti 1994، 37 ومواضع أخرى)، فإنها تتباين في مواقفها حول العمل السياسي أو حول مكانة النوع الاجتماعي، الجندر genre كأداة سياسية. والأكثر من ذلك، أن الحركة النسوية لا تتوقف عن التطور، وتغيير الأشكال والوسائل.
تشكل هذه المقالة مساهمة نظرية. فهي في المقام الأول، تقدم عرضًا للموجة الثالثة من النسوية، التي نظر لها الفضاء الفرنكوفوني، إلى حد ما، وتقيّم علاقتها بالموجة الثانية من النسوية، و تبرز كذلك نطاقها الإرشادي. ثانيًا، تقترح المقالة ترسيمًأ دقيقًا لحقل ما بعد الحداثة. وهكذا يتم الكشف عن وضعيتين، يطلق عليهما هنا: ما بعد الحداثة والفراغ، وما بعد الحداثة ونقض مركزية المركز. وهما يضعان في اعتبارهما تعقد المظاهر الثقافية والاجتماعية التي جُمعت تحت مظلة ما بعد الحداثة(2). ثالثًا، في المجمل ينشغل هذا العمل بتأثيرات ما بعد الحداثة والنسوية، من خلال معانيهما المشتركة واختلافاتهما على حد سواء، ولا سيما الموجة الثالثة من الحركة النسوية.
الموجة الثالثة من الحركة النسوية(3)
«ما بعد النسوية» (1995 وِيليهان Whelehan)، و«مابعد النسوية» (بروكس Brooks 1997، وجامبل Gamble 2000)، و«ما بعد النسوية» (ريل ولافرانس Rail et Lafrance 2004). و«النسوية الجديدة» (والتر Walter 1998)، و«النسوية الجديدة» (ديسكاري Descarries 193:1998)، و«الموجة الثالثة من النسوية» أو «الميتا نسوية» (سانت مارتن Saint-Martin 1992) كلها مفاهيم تحاول، وفقًا لبعض الباحثات، تحديد ما يبدو وكأنه «نقطة تحول» (بادنتير Badinter 2003: 11-19) أو «تحول بارادايمي paradigme من سبعينيات النسوية حتى تسعينياتها» (باريت وفيليبس Barrett et Phillips 1992: 6).
في الواقع، ولا سيما بداية من النصف الثاني من الثمانينيات، سيكون بمقدورنا أن نتحدث عن تراجع (وِيليهان 1995: 126)، بل وعن نهاية ( زيريلي Zerilli 2005: 1) الموجة الثانية من الحركة النسوية؛ ولقد رُوّج للاثنين (التراجع، والنهاية)، إن لم يكونا قد ابتُكرا، من قبل وسائل الإعلام، بشكل رئيس. واعتمد على العديد من الحقائق لدعم هذه الأطروحة: في المقام الأول، أن الحركة النسوية التي تشكلت كحركة سياسية واجتماعية لتحرير المرأة، ستحقق أهدافها بشكل أو بآخر. بالنسبة للغالبية، يرى الكثير منا أن التمييز ضد المرأة قد تم القضاء عليه، وأن النساء قد حققن المساواة مع الرجل إلى حد كبير. نحن نريد أن نصدق أنهن يستثمرن في الفضاء العام على مستوى واحد، وينجحن في تحقيق الانسجام في الحياة المهنية، والعائلية، والجنسية، والغرامية. ويقال إنهن قد غيرن السياسي والحميمي بشكل أساسي، عبر إعادة تعريف المعرفة والعمل. ونوافق في النهاية على أنهن يؤكدن أنفسهن كمبدعات، فأعمالهن تتمتع بجمهور واسع.
ثانيًا، يقال إن النسوية ستدخل مرحلة من المأسسة، إلى حد ما (دومون Dumont 2005: 67). وستقوم الهيئات العامة، والدولة، وكذلك الجامعة، باستعادة بُعدها النضالي والملتزم الذي يتعزز فيه وضع الدراسات النسوية. بالإضافة إلى ذلك، فبالنسبة إلى الشابات، «عُدَّ وجود الحركة النسوية [...] أمرًا مفروغًا منه." (باومجاردنر وريتشاردز Baumgardner et Richards 2000: 17). وهو ما يتعلق، بالنسبة لهن، بالسلوكيات، والمواقف، والأماكن، والمهن، والعلاقات... إلخ، المشتركة والمحددة، وهو ما كان يوتوبيا، بالنسبة (إليهن)، قبل نحو عشرين سنة، مثلما كان موضوع البرامج السياسية، والمطالبات، والنضال. وهذا ما جعلهن يعبرن عن سخطهن، إن لم يكن نفورهن، إزاء قضية المرأة، أو يعيشن «حياتهن النسوية دون صراعات سياسية واضحة.» (باومجاردنر وريتشاردز 2000: 21). في النظرية النسوية، سيكون ذلك هو وقت «الملخصات، واستعراض الماضي، والأنطولوجيات التي تعيد طبع المقالات النسوية» (وِيليهان 1995: 126) بدلًا من الأعمال المبتكرة.
النقطة الثالثة والأخيرة، ستنكسر وحدة الموجة الثانية من الحركة النسوية ذاتها من الداخل. فالمجموعات المهمشة، أو التي امّحى اختلافها، لصالح فرضية عالمية ظرف المرأة، ستشرع في إسماع أصواتها. هؤلاء هن السوداوات، أو السحاقيات، أو نساء العالم الثالث، أو، في بعض أجزاء من العالم: النساء المهاجرات، ونساء الشعوب الأصلية. وعلى المستوى الفكري، يسير هذا، جنبًا إلى جنب، مع انفتاح النسوية على تأثير نظريات ما بعد الحداثة، وما بعد البنيوية، وما بعد الاستعمارية، المبنية على التنوع الجنسي (الكويرqueer).
وعلى هذه الخلفية لما يسمى بالانهيار المزعوم أو ركود النسوية (وِيليهان 1995، ص:128)، تبدأ، في نهاية الثمانينيات، ردة فعل مناهضة للنسوية أو (الباكلاش backlash)(4). ولقد أطلقته هيئات صنع القرار، وعززته وسائل الإعلام، بشكل خاص. هنا، «تبدو الحركة النسوية ضحية لنجاحها» (ديكر وبيبميير Dicker et Piepmeier 2003: 35). يُعتقد أن النساء قد «تجاوزن الحدود»( بورنونفيل Burnonville: 1992، صفحة الغلاف) و«ضللن الطريق» (بادنتير Badinter: 2003، صفحة الغلاف). وما ظهر، قبل عقد من الزمن، كتقدم أحرزته الحركة النسوية أصبح الآن ضدهن. لقد غيرت الحركة النسوية العلاقات بين الذكور-الإناث بشكل لا رجعة فيه: تميل الأوليات إلى تبني بلاغة «ضحوية»، في محاولة للعثور على هوية مفقودة بكل الوسائل. يتحول استقلال المرأة -الذي احتُفل به في بداية العقد- الآن إلى شعور بالوحدة. النجاح المهني سيكون على حساب الأمومة، بل، وعلى حساب رفاه الأطفال، والمساواة في العمل من شأنها أن تجبر النساء على بذل الجهود التي ستحولهن بدورها إلى الضحايا المفضلين للفشل المهني. أصبحت «النسوية تدريجيًا واحدة من كباش الفداء الرئيسة لأمراض الحياة المعاصرة» ( وِيليهان 1995: 2). ثمة إيديولوجية جديدة تُشيّد، تُشعِر النسوية بالذنب كُليًا، وتستعيد العلاقة، من خلال بناء هوية المرأة، مع المعطيات الأنثوية. ومن وجهة النظر هذه، فإن «المرأة الجديدة» هي تقريبًا متطابقة مع القديمة (وِيليهان 1995: 44).
في ظل هذه الظروف، تبدأ النساء في اتخاذ موقف ضد (الباكلاش). وعلاوة على ذلك، سرعان ما يدركن أن وراء الإيديولوجية المساواتية، وصورة القوة الأنثوية، توجد أشكال مستمرة من الظلم الفادح. في الفضاء العام، لا تزال النساء غائبات عن مراكز صنع القرار والسلطة. كما يؤكد ديكر وبيبميير (2003: 4): «على الرغم من أن النساء يمتهنّ الآن المهن التقليدية للذكور بانتظام، لدرجة أنه قد يبدو أنه لا توجد عوائق أمام نجاح المرأة، تبقى الحقيقة أن المرأة ممثلةٌ تمثيلًا ناقصًا، بشكل كبير، في مراكز صنع القرار، وسلطة الوظائف الوسيطة.» فهن لا يزلن ضحايا عدم المساواة الاقتصادية والفقر، فضلًا عن التحيز الجنسي والعنف. في المجال الخاص، عليهن أن يتعاملن مع يوم عمل مزدوج، فضلًا عن محاولتهن تلبية المتطلبات المتعلقة بأدوار الأم والزوجة والحبيبة. بالإضافة إلى ذلك، تشعر النساء الشابات بالحاجة إلى نسوية مناسبة، وبعبارة أخرى، إلى (إعادة) تعريفها بطريقتهن الخاصة.
في هذا السياق، ها نحن نشهد صعود الموجة الثالثة من الحركة النسوية(5) التي من المهم أن نُحدد، هنا، عوامل التغيير، وعلاقاتها مع الموجة الثانية على حد سواء.
الموجة الثالثة من الحركة النسوية
بحلول نهاية السبعينيات، بدأت تظهر تدريجيًا بعض التوترات داخل الموجة النسوية الثانية. اشتباكات إيديولوجية وسياسية بين النسويات الراديكاليات والاشتراكيات، والمغايرات جنسيًا والسحاقيات، والسودوات والبيضاوات، ونساء الطبقة الوسطى ونساء الطبقة العاملة، وما إلى ذلك. وتحت الضغط، تسجل الحركة النسوية «تحولًا» (شابيرو ساندرز Shapiro Sanders 2004: 50)، بل، تغييرًا في الاتجاه. بتعبير أدق، ينتقل التركيز من النضال السياسي الذي تدعمه إيديولوجية القهر المشترك(6) لجميع النساء إلى الاختلافات المادية والثقافية للمرأة. في الواقع، «لم يعد من المجدي القول إنه لمجرد امتلاك الفرد جسدًا معينًا جنسيًا، فإنه من الطبيعي، أو يجب عليه، أن يتواءم مع حركة سياسية معينة» (هاوي وتوشرت Howie et Tauchert 2004: 41). إن مقولة «المرأة»، بوصفها «المرجع الفريد والموحّد لوضع نسوي مهيمن مفترض» (نينجه مينساه Nengeh Mensah 2005: 14)، بدأت تتفكك؛ لتصبح معتمدة على الجنس، والطبقة، والإثنية، والتوجه الجنسي، والسياق الاجتماعي، والثقافي، إلخ. الأمر إذن يتعلق بأساس إيديولوجي للموجة الثالثة يستند على الاختلاف، والتعددية، والفردانية، والتشظي، والتغايرية (شابيرو ساندرز 2004: 52):
هذا المعني للنسوية الذي بُني -بل عاش- على التناقض والاختلاف بمثابة أمر أساسي لكثير من مفاهيم الموجة الثالثة، والنسويات المعاصرة. لا أحد من هؤلاء الكاتبات والناشطات قد تخيل الحركة النسوية ككيان موحد وعالمي [...]. واستنادًا إلى انتقادات العالمية والجوهرية من داخل وخارج الحركة، انتهت نسويات الموجة الثالثة إلى التأكيد على تنوع تجربة النساء، أكثر من أوجه التشابه بين النساء، في كثير من الأحيان، إلى درجة أن حركات النسوية في الحاضر والمستقبل يمكن أن تبدو مجزأة بشكل لا يمكن إصلاحه.
ستصبح روح التغايرية، هذه، مصدر الصراع بين نسويات الموجتين الثانية والثالثة. إذ إن الأولى قد نظرت إلى التشتت والتجزؤ بوصفهما يشيران إلى إعادة النظر في أساسيات الحركة ذاتها، فإن الأخيرة قد رأت في التعددية الطريقة الصحيحة والوحيدة للنظر في واقع المرأة. وهذا ما يفسر افتتان الموجة الثالثة بالتعريفات الفردية(7) للنسوية، والطابع الأوتوبيوجرافي (السيرذاتي) للنصوص التي تشير إلى بدايتها، على حد سواء. من المفروغ منه الآن استبدال خطاب «الأختية» النسوية، الخاص بالموجة الثانية الذي يتوافق مع ديناميكية الأجيال، بحسب آستريد هنري Astrid Henry، بعلاقة من نوع الأم وابنتها، ترتكز على علاقة بينهما، بل وعلى الصراع بين الأجيال. إذا ما استوعبت المرأة النسوية بوصفها «حقًا مكتسبًا» فإنها تنتقل من الأم إلى الابنة (هنري 2004: 13)، وتتمزق الفتيات بين «الهوية وفقد الهوية» (هنري 2004: 7) ويعلنَّ عن حاجتهن إلى نسوية غير نسوية الأمهات(8). هنا الطريقة التي تصف بها آنا كروزنسكي Anna Kruzynski فتيات النسويات (كروزنسكي 2004: 228):
[إنهن النساء] اللواتي بدأن ناشطات نسويات في الفصل الدراسي، غالبًا، أكثر من بدايتهن في المجموعات التوعوية(9) [...] النساء اللواتي يتولين مسئولية بناء سرديات «فردية» أكثر منها جماعية في كثير من الأحيان؛ النساء اللواتي يحاولن أن يعيشن «حقيقتهن»، بتعيين خبراتهن المعيشة، وتفكيكها، وإعادة بناء تعقدها وتناقضها [...] النساء اللواتي يشككن في نموذج «النسوية المثالية»، ويطالبن بأنثوية ونزعة نضالية تخصهن. النساء اللواتي يقبلن أنفسهن كما هن (على سبيل المثال، حب رجل، وارتداء تنورة قصيرة)، كما لم يعد يُنظر لقَصة شعر ما على إنها خيانة لقضية النسوية، أو اللواتي يقاتلن ضد صورة المانيكان المثالي[...] النساء اللواتي يحتفلن بالاختلاف، بدلًا من البحث عن التشابه و«الأختية النسوية»، النساء اللواتي اخترن النضال حول قضايا الجنسانية والجمالي الجسدي، والنساء اللواتي يتبادلن الحديث مع بعضهن بعضًا، يتناقشن، وينظمن أنفسهن من خلال مجلات «zines»(*) يكتبنها بأنفسهن [...] ويستخدمن تكنولوجيا المعلومات لهذا الغرض.
ومع ذلك، في الفضاء الفرنسي والفرنكوفوني، فإن مسألة وجود صراع بين الأجيال بين نسويات الموجتين الثانية والثالثة ليس لها نفس الصدى كما في الولايات المتحدة، على سبيل المثال. وكذلك، في كيبيك، فالموجة الثالثة هي «مسألة إيديولوجية أكثر منها مسألة أجيال» (باجيه Pagé 2005: 45). وتتمسك النسويات الشابات في كيبيك بـ«محور الاستمرارية مع [نسويات] الموجة الثانية» (نينجه مينساه 2005: 17)، بالالتزام «بعملية جماعية للاستشهاد ببعض النماذج النسوية من منظور نقدي» (باجيه 2005: 43). إضافة إلى ذلك، فإن الناشطات في كيبيك وفرنسا يشعرن بالإنزعاج، إلى حد ما، إزاء التفتت الفردي للحركة النسوية، ويحاولن، في أعقاب الموجة الثانية من النسوية، بناء أهداف سياسية جماعية (جديدة)(10).
بشكل عام، توسع نسوية الموجة الثالثة -سواء من الناحية الإيديولوجية أو السياسية- من إنجازات الموجة السابقة. كما يشير ريجير Reger ((2005: XXII «الكثير مما يبدو جديدًا اليوم في الحركة النسوية المعاصرة له جذوره في الماضي. إن قضايا الحقوق الإنجابية، ودور الجنسانية في تعريف الذات، وأهمية الحضور الانتخابي للمرأة، وصورة الجسد، والحق في العيش بدون عنف، يمثل عددًا قليلًا من القضايا التي تنتقل من جيل إلى جيل.» تضع النسوية -في نهاية الألفية الثانية وبداية الثالثة- في رأس أولوياتها مجالات اهتمام متنوعة؛ مثل وصول المرأة إلى التعليم، والتمييز في الأجور أو بسبب الطبقة الاجتماعية، وزيادة البطالة، وزيادة الفقر لدى النساء، والعنف المنزلي، واضطرابات التغذية، وآثار العنصرية أو الوصول غير العادل إلى الإنترنت، إلخ. وتهتم بما يسمى بالقضايا الإنسانية؛ مثل البيئة، ومكافحة العولمة أو الهجرة، بل، وأيضًا، بالإيدز وبالصحة الجنسية للمرأة، أو المشاكل التي يثيرها ظهور تقنيات الإنجاب بمساعدة طبية. وتتميز بالرغبة في إشراك الرجال في الحركة النسوية. وعلى الرغم من أن استثمارها، بصورة عامة، أقل ما يكون في أشكال العمل الجماعي، إلا أنها تحتفظ بعلاقات وثيقة مع النشاط السياسي. وهي تهتم بحالات الظلم الاجتماعية التي «لا تزال تشكل جزءًا من التجربة اليومية للعديد من النساء.» (جامبل 2000: 52)
لا تتمحور سياسة الموجة الثالثة من الحركة النسوية حول برنامج وحدوي وعالمي، بل حول التضمين في سياق ما. هذا ما تشير إليه لامورو Lamoureux (1990: 135):
الأمر المهم [...] هو أنه يجب على المرأة أن تكون ذات شخصية، وأن تكتسب مكانتها الذاتية دون الحاجة إلى الرجوع باستمرار إلى مقولة اجتماعية؛ بمعنى أن الأنوثة بعيدة عن استنفاد هويتنا، كي تستطيع القيام بدور سياسي فعال. من خلال الحركة النسوية، حصلت النساء كمجموعة اجتماعية على الحق في التحدث علنًا. وهي تُعنى الآن بالإسهام في صياغة فضاء عام من النقاش التعددي، حتى يتسنى لها أن تسمى، مع الآخرين، ولكن باسمها.
بهذه الطريقة، لا يتعلق الأمر بالعودة إلى مدينة بوليس polis اليونانية العزيزة على أرندت Arendt، لأنها تفترض التجانس السياسي. بالأحرى، تتعلق المسألة بوضع التشظي ما بعد الحداثي للشأن الاجتماعي في الاعتبار، وخلق فضاءات النقاش، حتى يتسنى تشكل عوالم مشتركة باستمرار، وحتى يظل المستقبل أيضًا ممكنًا. وبالقطيعة مع الصيغة الثنائية للمواجهات النضالية، المتوافقة مع الحداثة وفلسفاتها المختلفة للتاريخ، تريد الحركة النسوية تشييد حقبة من النقاش تستند إلى التعددية والمساواة، مما يضمن عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل.
يؤدي هذا إلى نشر مفهوم الهوية السياسية، أو مفهوم الهوية بشكل عام. وبما أنها قد صممت من قبل الموجة الثانية، فإن الهوية السياسية تقيم علاقة بين تجربة الجندر والطبقة أو العرق لشخص/ جماعة، وبين مصالحها السياسية. ونادرًا ما يستخدم منظرو الموجة الثالثة مقولات الهوية السياسية للمطالبة بحقوق مجموعة معينة. في نصوصهن، هناك إجماع ضئيل على أن هذه المقولات يمكن أن توفر بنية ملتحمة تجمع الأفراد حول مشروع سياسي جماعي. وإذا كانت مقولات الهوية موجودة، فإنها لا تزال مبعثرة على مستوى فردي، كما توضح ذلك كلمات فندلين Findlen ((1995: XIV.
النساء في هذا الكتاب يسمين أنفسهن -من بين أمور أخرى- «فصيحة»، «بيضاء»، «ابنة الطبقة الوسطى»، «جامعية»، «طائشة وجامحة»، «أم عزباء»، «خنثى آسيوية»، «فاسقة»، «داهية سياسية»، «امرأة نشطة»؛ «امرأة سوداء من الطبقة المتوسطة»؛ «أم شابة»؛ «متعطلة»، «عضوة في الأمة المسكوكية»(**) تدعى أيضا بـ «الجدول»، «منضبطة للغاية»، «طالبة علم»، «مدرسة»، «كاتبة»، «فرد»، «آنسة»، «شخص لديه إعاقة مرئية»، «مخنثة»، «يهودية ساقطة»، «فتاة نسوية محترفة»، «فتاة مثلية»، «ناشطة»، «كاتبة مجلات zine»، «فتاة من برج الميزان»، «أم مسيحية أمريكية-أفريقية»، «متزوجة»، «أحادية الزواج»، «نسوية ومثقفة».
وهكذا، تميل الموجة الثالثة إلى تقديم نفسها على أنها حركة متمازجة، غير نقية، حيث كل من قبول الاختلاف، والشواغل الاجتماعية والسياسية لوضع المرأة، أو حتى الإنسانية بشكل عام، على المحك. (هيوود ودراك Heywood et Drake 1997: 8):
تَعدّ الموجة الثالثة إدراج الأشخاص في الجندر، والجنسانيات، والجنسيات، والطبقات المختلفة، أولوية قصوى، وكذلك تجميع عناصر المساواة النسوية، والنسوية، في حركة نسوية رئيسة لا تزال تناضل من أجل تكافؤ الفرص، والمساواة في الأجر مقابل العمل المتساوي، ولكنها تسعى أيضًا إلى تبديل البنى التي يعمل فيها الشباب.
إن حياة الفوضى التي تتميز بها الموجة الثالثة هي ما يحددها؛ فتيات يرغبن في أن يكن أولادًا، وأولاد يريدون أن يكونوا فتيات وأولاد وبنات يصرون على أن يكونوا الاثنين كليهما، وبيض الذين يريدون أن يكونوا سودًا أو السود الذين يريدون، أو يرفضون، أن يكونوا بيضًا، وأناس هم بيض، وسود، ومثليون، وغيريون، ذكور وإناث، أو الذين يعثرون على طرق للوجود، ولا يسمون بأي شيء مما سبق.
ومع ذلك، فإن الوعي النسوي الذي يستند على «فهم أن النساء يمكن لهن، بل يجب أن يكنّ، كائنات بشرية كاملة، ولا يقاس من خلال علاقة التفوق الذكوري، يظل روح [الموجة الثالثة] من الحركة النسوية.» (باومجاردنر وريتشاردز2000: 11).
ما بعد الحداثة
يُنظر إلى ما بعد الحداثة، هنا، بوصفها علامة عرضية لحالة العالم في نهاية الألفية، وبوصفها فضاء خطابيًّا وانعكاسيًّا، وبوصفها «مقولة تفسيرية» لحصر كل صغيرة وكبيرة في «التغيير الثقافي» (فورتييه Fortier، 1998: 23).
وعلى مستوى الممارسات الخطابية والثقافية، فإن موقفين متعارضين، تمامًا، يعكسان معالم ما بعد الحداثة. سنطلق عليهما أدناه «فراغ ما بعد الحداثة» و«نقض مركزية مركز ما بعد الحداثة».
1- الفراغ ما بعد الحداثي:
يرى هذا الموقف العالم المعاصر محكومًا بالأزمة والانحطاط الأخلاقي، وبالفوضى و«إغلاق العقل». (بلوم Bloom 1987: صفحة الغلاف). ويُنتج، فقط، ثقافة «فاضحة» (كروكر وكوك Kroker et Cook 1986: صفحة الغلاف)، يعاد تدويرها، يحكمها الكيتش le kitsch. وسوف يكون ضحية للذعر وتهيمن عليه «سرديات الانحطاط». (بينيت Bennett 2001: صفحة الغلاف).
في نهاية الألفية، تبدو الإنسانية محبطة وخائبة الأمل. العواطف واللغة مهترئة، في حين أن الطاقات والآمال مستهلكة. كل شيء قد قيل، وكل شيء قد عيش بالفعل. فقدت الأصالة قوتها الاستفزازية، وأصبحت الطليعة لاهثة النفس، بعد أن عانت من الفراغ والصمت، بوصفهما أفضل تجسيد للانفصال والتمزق. كل ما تبقى هو الغرابة الساخرة من عالم يُسمح فيه بكل شيء (بودريار Baudrillard 1990: 11):
إذا كان من الضروري وصف الحالة الراهنة للأشياء، أود أن أقول إنها حالة ما بعد العربدة. العربدة هي كل لحظة الحداثة المتفجرة، وهي لحظة التحرر في جميع المجالات [...]. اليوم، كل شيء محرر، انتهت الألعاب، ونواجه، بشكل جماعي، السؤال المهم: ماذا بعد العربدة؟
في ظل تأثير التطور غير المسبوق للتكنولوجيا ووسائل الإعلام، يتحول الواقع إلى واقع خارق، وينتشر في شكل مظاهر زائفة ومقلدة. تتكاثر الصور وتسهم في تذويب العالم والفرد. يتحدث كونديرا Kundera (1990: 140) عن «التحول التدريجي والعام والكوكبي للإيديولوجيا إلى الصورية.» في نظر جيمسون Jameson، تتوافق الصورية مع انحسار العمق بوصفه مقولة جمالية ووجودية ومع صعود السطح. يبرز هذا الأخير(السطح) بوصفه نموذجًا لذاتٍ لم تعد الذات العصرية المغتربة التي تناضل مع العالم الخارجي، بل ذاتًا مجزأة وفارغة من «أي نوع من المشاعر» (جيمسون 1984: 58-64) إن لم تكن نشوة هستيرية.
الاستقلالية وعملية الشخصنة اللذان يروج لهما مشروع الحديث تسفران من خلال ما بعد الحداثة عن «النسبية الجامحة» (ليبوفتسكي وتشارلز Lipovetsky et Charles 2005: 51) وعن الفردانية الشرسة. وتتميز هذه الأخيرة برفض أي مشروع تعبوي، وبالعزوف عن المتعة والمنفعة الاستهلاكية. في هذه الظروف ليس أمام المثُل والقيم إلا أن تتراجع. وتصبح البنى التقليدية للمعنى، والخطابات الإيديولوجية، أهدافًا للاستهلاك الجماهيري، تخضع لتقلبات الموضة، بينما «كانت تعمل دائمًا وفقًا لمنطق التعالي والديمومة ومن خلال عبادة التضحية والتفاني.» (ليبوفتسكي وتشارلز 2004: 39) ما يهم هو السعي إلى الأنا وفائدتها الخاصة، «نشوة التحرير الشخصي»، و«هوس الجسد والجنس: الاستثمار المفرط للخاص و[...] تعطيل الفضاء العام.» (ليبوفتسكي1983: 15-16). ونتيجة لذلك، يبدو عالم ما بعد الحداثة وكأنه ذُوِّب، وخاب أمله. وهذا يؤدي إلى زعزعة الأنا، والشعور بعدم الأمان الدائم. يتجول الكائن في عالم من العلامات الفارغة التي تسيطر عليها اللا أماكن. على المدى الطويل، وتنهض الاستقلالية المطلقة مرهقة، ويعاني الفرد من صراعات «التعب من كونه نفسه» (إيهرنبرج Ehrenberg 1998). بعد أن نجت من منطق التقدم الخطي إلى مستقبل أفضل بالضرورة، فإن الانسانيّة المتذرية تبتسم في حالة ضياع ذاكراتي، وغير مادي.
2- ما بعد حداثة نقض مركزية المركز(11):
على النقيض تمامًا من الموقف الأول، فإن الموقف ما بعد الحداثي الثاني يتجذر في غياب المركز، وفي غياب الرؤية الوحدوية، والمعايير المطلقة، والنهائية؛ حيث يتمخض صعود «السرديات الصغيرة» الليوتارية lyotardiens. في هذا الفضاء التأملي والتطبيقي، يتساءل المفكرون والمفكرات، وكذلك المنظّرون والمنظّرات، حول السرديات الكبرى المنصبة على الذات، والتاريخ، والحقيقة، والمعرفة، والسلطة. إنهم يدحضون فكرة سموهم وتجانسهم ويرسخون اعتمادهم من خلال سياق نوعي. وهم بذلك يرون أن «الإنسان»(12) (الذات) ليس épisujetالذات المحورية الحديثة، بل على العكس، قطعة اصطناعية، اجتماعية، وتاريخية، ولغوية. كذلك لا توجد رؤية، ولا تصور فريد ومطلق، للواقع المباشر، مثلما لا يوجد واقع إلا وفقًا للغة، وللشخص الذي يفكر فيه. في نظر ما بعد الحداثيين، فإن الواقع «وقتي»، ومتعدد، ومتجزئ، لأنه «يختلط بالتفسيرات الذاتية التي يصنعها المرء عنه» (بوافير Boisvert 1998: 184 ).
يهاجم ما بعد الحداثيون، أيضًا، رؤية الإنسان والتاريخ التي تبرز قيم الوحدة، والتجانس، والشمولية، والانغلاق، والهوية. ويتساءلون حول فكرة العقل التجريبي، أو المنطقي، من أجل تفضيل الاختلاف، وعدم التجانس، والغيرية. فما بعد الحداثيون يفككون الهوية بوصفها معطيات أحادية، ثابتة، ومستقرة، ويستبدلون بها مواضع الهوية، وبعبارة أخرى، أنطولوجيات مؤقتة، ومتطورة، واستعراضية، وعائمة، ومجزأة، ومتشظية.
إن الفلسفة الغربية، ومزاعمها بشأن الحقيقة والمعرفة المطلقة، هما، بدورهما، موضع إعادة نظر ما بعد الحداثيين. بالنسبة لما بعد الحداثيين، لا يوجد عقل متعالٍ يمكن أن يدعي معرفة إيجابية مطلقة. من المستحيل، أيضًا، أن نحصر التجربة في مقولات، أو مفاهيم كلية ومتسامية. ثم يُكشف، أيضًا، عن هذه المقولات، وهذه المفاهيم، على أنها متغيرة تاريخيًا وثقافيًا. في صورة العقل الذي لا يبدو بوصفه معطىً ثابتًا، بل بوصفه بناء اجتماعيًّا وخطابيًّا، فإن الحقيقة، هي أيضًا، أثر للخطاب. وفي نفس السياق، لا توجد معرفة شاملة، ولا أي توليف محتمل من معطيات العالم. ومن ناحية أخرى، هناك معارف خاصة، وألعاب لغوية، ومقتطفات عن المعرفة والمعنى.
من جانبه، يستند الفكر ما بعد الحداثي على الترحّل وعدم النقاء المفاهيمي والمنهجي (بريدوتي 1994). إنه يكسر «أطر الفكر» أو «الفكر المسبق» للفكر (فوكو Foucault ١٩٦٦: ومواضع 171أخرى). إنه يستغل الإمكانية الإرشادية والإبستمولوجية للانتهاكات، والعدوى، والتردد، وعدم اليقين، أو حتى الخطأ. وهو يعارض الممارسات الشاملة، والمتجانسة، للألعاب الخطابية الجزئية والمجزأة. بوصفها ممارسات تأويلية وإبستمولوجية ما بعد حداثية، يعمل التفكيك، والتبعثر، ونقض مركزية المركز، والتحليل الفصامي، وما إلى ذلك، على تحدي وحدة «النص» الظاهرة، وطابعه النسقي. وتحاول أن تستخلص منه الجوانب غير المتجانسة، وتعددية الصوت والمعنى. إنها تهتم بالصراعات والتوترات التي أزيلت لضمان الوحدة. إنهم قلقون من أي معارضة أساسية مفترضة، ومن أي مقولة «طبيعية»، وأي ادعاءات للتمثيلية.
وبالكشف عن هذا الفضاء يمكن، في نهاية المطاف، التفكير مرة أخرى (فوكو 1966: 353) في أن يندرج البعد التحرري، والمبتكر، والبنيوي، لما بعد الحداثي. على مستوى الممارسات الاجتماعية. يعبر عن ذلك من خلال انسحاب الدولة، ومن خلال الاعتراف بالخصوصيات والهويات المحلية، ومن خلال ظهور المبادرات المحلية والإقليمية، وكذلك من خلال اللامركزية، وانتشار السلطة. لقد تضمنت مفاهيم الوطن والمواطنة تغييرات جذرية بفضل الحركات الاجتماعية والسياسية لإنهاء الاستعمار، وبسبب تسليط الضوء على الأقليات، وحركات الهجرة الكبيرة. لتصبح التعددية الثقافية، والتمازج، شعار العديد في مجتمعات ما بعد الكولونيالية. ونتيجة لذلك، تتخلل كلمات الآخر والغيرية «نماذجنا "بارادايماتنا" النقدية: الفلسفية [...] والاجتماعية» (باترسون 2004: 20) والأنطولوجية. فالآخر هو الذات الاجتماعية التي تبرز الحركة النسوية، وما بعد الكولونيالية، والتعددية الثقافية. إنه «الكوير»، الشاذ، الغريب، الذي يزعج النظام الجنسي والجندري. هو أيضًا «غير القابل للاختزال، غير القابل للفهم» الذي يزعج نفسه، ويقسمها، ويكسرها، من خلال «دوار الغموض غير المعقول» (نوس Nouss 2001: 54 ومواضع أخرى). من ناحيتها، تصنف الإبستمولوجيا مصطلح الغيرية جنبًا إلى جنب مع مصطلحات مثل الترحل، وعدم النقاء، والتطور، والاختلاف. إنها تشير إلى الفكر الذي يظهر بوصفه «عملية قطيعة دائمة، واستجوابًا متجددًا باستمرار، وقلقًا، ويقظة تجبرنا على عدم البقاء في نفس المكان، وعدم الاستسلام لليقين أبدًا.» (نوس2001a: 53-54).
وعلى المنوال نفسه، تتجلى الممارسات الثقافية، بدورها، تحت شعار الانتقائية، والخداع، والتعددية. ففي العلوم، على سبيل المثال، نشكك في فكرة الحتمية من أجل التوجيه، كما أظهرها (ليوتار Lyotard 1979: 88)، نحو البحث عن عدم الاستقرار. بعد صعود علم السبيرنيتيكا، وعلم التصنيف، اللذين ساهما في ظهور البنيوية، يتحول العلم ما بعد الحداثي، أكثر فأكثر، نحو الظواهر التي تدمج العشوائية، وعدم القدرة على التنبؤ، والتعقيد.
وهكذا، في النهاية، فالفضاء المفتوح للطليعة التاريخية سيكون، وفقًا لـ سكاربيتا Scarpetta، متناقضًا، ومتضاربًا، وغير نقي؛ يحتفي بـ«حركة الترحل، وعدم التجانس، والجذمورية، وأصعدة كثيرة» وبـ«العودة النقية والبسيطة للتناغم التقليدي» (سكاربيتا 1985: 14-15): التشكيل في الرسم، والزخرفة في العمارة، والسرد الكلاسيكي في الأدب. وهذه العودة لا تعد تكرارًا للماضي. إنها تفترض مسبقًا الابتعاد عن ذلك، من خلال اللعب، والنكتة، والمفارقة، والاستخدام المبالغ فيه من الدرجة الثانية. علاوة على ذلك، ففي نهاية الألفية الثانية، ينحدر الفن بشكل لا رجعة فيه من البرج العاجي حيث حبسته الحداثة، وأصبح سلعة استهلاكية، تمامًا مثل «الملابس [أو] الطائرات» (جيمسون) 1984: 56).
3- النسويـ (ـة)ـات وما بعد الحداثة:
في النصف الثاني من القرن العشرين، ثمة نتائج لأزمة أنظمة المعرفة والتمثيل:
[أ] تحول القيم: العقل بوصفه هيمنة شمولية مدعيًا التفرد، والنور، والنظام، أُخضع للمحاكمة لفائدة عقلانية ولكن لصالح منطق آخر يرتبط جزئيًا بالظلام، وعدم الآلية، والتغيير. ويفتح هذا التناوب مساحة فكرية، وعلاقة بالعالم يمكن أن تظهر كتناوب من «الأنثوي» إلى «الذكوري»، أو كاستدعاء للمؤنث عبر المذكر. (كولين Collin 1992 أ: 260).
يعزز هذا، عند فلاسفة ما بعد الحداثة (وخاصة الفرنسيين)، الاهتمام بالأنثى. وفي الواقع، فإن تذبذب الأنظمة والتصنيفات الثنائية، المستندة إلى أسس التحيز الجنساني، يؤدي إلى استثمار دلالي للمصطلحات التي لا يمكن أن تُعزى إلى الإنسان. وتستخدم الآن لفظتا الأنثى والمرأة، على حد سواء، بوصفهما «استعارة للقراءة وكطبوغرافيا للكتابة، لمواجهة انهيار الاستعارة الأبوية» (جاردين Jardine 1991: 34). وهو ما يستجيب «إلى الحاجة إلى تسمية ما كان من المستحيل على الإنسان التفكير فيه، وإعادة تسميته، من خلال بداية سلسلة من القياسات التي يكون العنصر المشترك فيها هو المرأة.» (جاردين 1991: 3) إن السمات التي تشير إلى المرأة والأنوثة، بحسب التقاليد، تقيد الآن ملامح الوجود في العالم. فالاستعارات الناتجة عن ذلك، كما، عند دريدا Derrida: غشاء البكارة أو الانغلاق، محايدة وشمولية على نحو جنسي، على غرار الاستعارات الذكورية.
في الواقع، إذا كانت هذه الاستعادة للأنثوي قد خلقتْ «وهم معالجة مسألة [...] الواقع الفعلي للمرأة»، إلا أنها تترك «خارج مجالها مسألة العلاقات الفعلية بين الرجل والمرأة داخل نفس العالم.» ( كولين 1993: 210) لقد استعيدت الأنوثة كمفهوم فلسفي، ولكن على حساب المرأة. لا تتضمن عملية «الأبستمة» هذه اهتمامًا حقيقيًا بإعادة التفكير، من خلال الأسس الاجتماعية والثقافية، في وضع المرأة. من خلال أهدافه المحايدة؛ يمحو ما بعد الحداثي اختلافًا أساسيًا، وهو اختلاف الجندر -الذي لا يزال أساس دونية المرأة، كما يتردد (ما بعد الحداثي) في جعل الجندر أداة سياسية وإبستمولوجية. الأمر يتعلق هنا بحد الفكر ما بعد الحداثي، المنَدد به على هذا النحو من قبل نسويات الموجتين الماضيتين. ومع ذلك، فتحت تأثير المقاربات التي أبرزت نقض مركزية المركز ما بعد الحداثية، تحاول منظرات الحركة النسوية ما بعد الحداثية(13) تفكيك، أو حتى إعادة النظر في الجندر. بالنسبة إلى بتلر Butler، على سبيل المثال، فهذا الأخير (الجندر) ليس طبيعيًا ولا ثابتًا (كما تم تصوره من منظور جوهري)، هو ليس أكثر من اكتساب من خلال عملية التنشئة الاجتماعية (المنظور المادي/البنيوي). وكونه خاليًا من أساس ميتافيزيقي ووجودي، فقد يتشكل ويتفكك بلا توقف، من خلال الأداء والتكرار المحاكي أو الإيمائي للقواعد والقيود. بالإضافة إلى ذلك، تُشكَّل الذات نفسها من خلال الأداء الجندري. وهذا ينفتح على هويات متغيرة، وغير مستقرة، ومؤقتة، وطارئة، تفلت من جميع التصنيفات الثنائية (غير المتجانسة، ومتغايرة الجنس). كما تحددها بتلر (1990: 179-180):
يجب ألا يفسر الجندر على أنه هوية ثابتة، أو مكان تفويض، تتدفق منه أفعال مختلفة؛ بالأحرى، الجندر هو هوية تُشكَّل بطريقة هشة عبر الزمن، وتوضع في فضاء خارجي من خلال التكرار المنمق للأفعال [...] تزحزح هذه الصيغة مفهوم الجندر من نموذج هوية جوهرية، إلى مفهوم جوهري للهوية؛ يتطلب مفهومًا للجندر بوصفه مكونًا اجتماعيًا وقتيًا [...] إذا كانت سمات الجندر وأفعاله، والطرق المختلفة التي جسد بها ما يُظهر أو يُنتج دلالاته الثقافية، هي شيء أدائي، فليست هنا هوية موجودة مسبقًا يمكن من خلالها قياس الفعل أو السمة؛ لن يكون هناك أي فعل حقيقي أو كاذب أو واقعي أو مشوه للجندر، حيث قد كُشف عن فرضية هوية حقيقة للجندر بوصفها خيالًا تنظيميًا. إن واقع الجندر الاجتماعي الذي أبدعه أداء اجتماعي قوي يعني أن مفاهيم الجنس الأساسية، نفسها، والذكورة، أو الأنوثة، متغيرة أو راسخة، تشكلت أيضًا في إطار الاستراتيجية التي تُخفي الطابع الأدائي للجند،ر والإمكانيات الأدائية لتكاثر تشكيلات الجندر خارج أطر الهيمنة الذكورية، والغيرية الجنسية الإلزامية.
وهكذا تحاول بتلر تجنب الوقوع في شرك الفكر القاطع -ويلاحظ المرء أن ثمة ثباتًا في تفكيرها وأعمالها- دون أن تنزع من هذا الجندر قوته السياسية. وفي نفس السياق، تعمل على تفكيك المقابلة الثنائية بين الجنس والجندر(14) التي هي في صميم نظريات الموجة الثانية، والتي عادة ما تتناوله من حيث الطبيعة والثقافة. وهي تعتبر أنه مثل الجندر تمامًا؛ فالجنس يتغير ويتحرك. وهو يبدو في الأساس كنموذج خطابي مفروض من أجل التصنيف،على وجه التحديد، عبر اللغة والثقافة. وفي الواقع، «لا يمنح الجسد أبدًا، فهو دائمًا ما يحتاج إلى صيغة تمثيلية، يتصادف أن تكون محددة ومفصلة ثقافيًا.» (بتلر، ورد ذكره في جوس Joos 1997: 14)
تتقاسم الموجة الثالثة من الحركة النسوية، ونقض مركزية المركز ما بعد الحداثية، جوانب مشتركة أخرى. إنهما يتحديان أنظمة المقابلات الثنائية، ويخلقان مساحة للاعتراف بالثالث (المستبعَد). إنهما يشكلان من التمازج، ومن قبول الاختلاف، ممارسة معرفية، وقيمة اجتماعية على حد سواء. تقوم الحركة النسوية في بداية الألفية الثالثة بنشر مقولة المرأة، وتعطي صوتًا لموضوعات توضع ما بين قوسين من قبل الحركة النسوية للموجة الثانية، مثل النساء السوداوات، ونساء العالم الثالث، والنساء المهاجرات، والشخصيات (الكوير )، وموضوعات ما بعد الاستعمار، وما إلى ذلك. وتستعير اهتمام ما بعد الحداثة بالنظر إلى الاتجاهات الأساسية التي يمكن أن تظهر في داخلها. ومن وجهة النظر هذه، من الممكن تصور تحالف ذات طبيعة سياسية ومعرفية، معًا، بين نسوية الموجة الثالثة، وبين نقض مركزية المركز ما بعد الحداثية. وفي الواقع، وفقًا لـ فرايزر ونيكلسون Fraser et Nicholson، فإن بعض النظريات الاجتماعية للموجة الثانية من الحركة النسوية، ومنها، على سبيل المثال، تحليلات تشودوروف Chodorow حول الأمومة أو جيليجان Gilligan حول خصوصية الخطاب الأخلاقي للمرأة، تقترح، ضمنيًا، حكايات كبرى. وإن لم تكن من «السرديات الكبرى النقية»، لأنها ليست نظريات معيارية تاريخية حول الطبيعة متعددة الثقافات للعقلانية أو العدالة (فريزر ونيكلسون 1990: 27)، فإنها تفترض في المقابل أن:
المناهج والمفاهيم التي لا تتأثر بالزمنية أو التاريخية، والتي تعمل، في الواقع، كمصفوفات بحثية دائمة ومحايدة للتحقيق، تشارك إذًا هذه النظريات بعض السمات الجوهرية وغير التاريخية للسرديات الكبرى: إنها لا تهتم بدرجة كافية بالتنوع التاريخي والثقافي، وهي تعمم كذبًا ملامح العصر نفسه، والمجتمع، والثقافة، والطبقة، والتوجه الجنسي، والإثني والمجموعة العرقية. (1990: 27:نيكلسون وفرايزر)
وفقًا للباحثتين، فإن المساهمة ما بعد الحداثية ستساعد في الحفاظ على النسوية من شرك الوقوع في موقف جوهري، مع تسليط الضوء على ضرورة مقاربة وضع المرأة في سياق ما.
وهكذا، فإن نقض مركزية المركز ما بعد الحداثية، والموجة الثالثة من الحركة النسوية، يقدمان إذًا صلات على المستوى الإبستمولوجي، وعلى مستوى الممارسات النقدية. إن الفكر المترحل على أساس نقض مركزية المركز ما بعد الحداثية يتساءل عن الحدود بين التخصصات، ويتحرك من خلال تحالفات وارتباطات غير نقية بين مجالات المعرفة. إنه حذر من التصنيفات، ومن المطالبة بالحقيقة والتمثيل. ومن جانبه، فإن التفكير الأنثوي يطرح نفسه بوصفه حركة، أكثر منه إيديولوجية صارمة. فالسماح بمرور الرغبة، يجعل من الممكن للـ أنا (le je) وللعب (le jeu). أن توضع خارج المنطق الخاضع لثنائية حقيقي/ زائف (دوبريه Dupré 1990: 26). إنه يقدر الإمكانات الخلاقة للتناقض الداخلي، والتعارض، وعدم التجانس. وهو يعتقد أن «الأضداد معًا لا يلغي كل منهما الآخر، إنها تتعايش في نفس النظام» (دوبريه1996: 153). إنه ينشر الحقيقة، لصالح عدم اليقين والحقائق الجزئية، مع رفض التوحيد والتجانس والوحدة(15).
يتفق أتباع ما بعد حداثة نقض مركزية المركز، وبعض منظرات الموجة الثالثة من الحركة النسوية، أيضًا، حول مفهوم الذات والهوية. في الواقع، يعيد مابعد الحداثيون التفكير في مفهوم الذات الوحدوية، المستقلة بذاتها، والكونية ويجعلونها نتاجًا للخطاب والسياق الاجتماعيين التاريخيين. يسير هذا جنبًا إلى جنب مع مفهوم الهوية بوصفها «مترحلة»، ومؤقتة، وأدائية. تحاج بتلر بهذا المعنى بأن الذات قد شيدت بشكل أساسي في اللغة، ومن خلالها(خاصة "بتلر" 1997)؛ فبالنسبة لها، لن توجد ذات «ما قبل اجتماعية» أو «ما بعد اجتماعية» أيضًا. ومع ذلك، فإن النسويات الأخريات يعارضن هذا التذويب، بل هذا «الاختفاء» للذات، لأن ذلك من شأنه أن يشوه أسس الحركة النسوية وأهدافها. كما أشارت لذلك كولين، على نحو مثير للسخرية (1992:127b)، «النساء دائمًا متأخرات جدًا» لأنهن يزعمن أنهن «ذوات، بينما لم تعد هناك ذات. إنهن يستخدمن راية الحكم الذاتي دون أن يدركن أن التبعية هي التي تصنع حقيقة، وهي القانون [...] فهن يطالبن بالحق في الكلام؛ لأنهن لم يفهمن أنه عندما يتحدث "أنا"، فإنه لا يتحدث أحد.» وعلى نفس المنوال، بالنسبة لـ كوتنوار Cotnoir (1988: 161)، فإن الذات الأنثوية ستحافظ على وضعية حديثة، وتبقى في «سعيها بحثًا عن النزاهة.»
كما تندد المنظرات النسويات بـ«الامتصاص الجمالي الذاتي» (سنجر Singer 1992: 470) للفراغ ما بعد الحداثي. وفي بعض اتجاهاتها، لا تهتم، هذه الأخيرة، بالعديد من المشاكل الحالية، مثل الإفقار، والحروب بين الأعراق، والعولمة، والأصولية الدينية أو القومية، والتمييز على أساس الجنس والعرق والطبقة. ومن ناحية أخرى، تحافظ نسويات الموجتين على علاقات وثيقة مع المجتمع، وعلى الالتزام السياسي. حيث يمكن أن تضخا مكونًا سياسيًا وأخلاقيًا في التفكير وفي الممارسة ما بعد الحداثية.
تنأى النسويات أيضًا بنفسها عن الرؤية الشفقية والتي يروج لها «أذناب» ما بعد الحداثة. وبهذا المعنى، تنكر كوتنوار أي تقارب محتمل بين ما بعد الحداثة والنسوية. فوفقًا لها، إن ما بعد الحداثة هي «التعبير النهائي عن دافع انتحاري ورضٍ مَرضي.» (كونتوار 1988: 161). على عكس رُسل الفراغ، الذين يرون أنه «ليس هناك أمل [و] لا معنى للمستقبل.» (جيمسون، نقلًا عن ستيفانسون Stephanson ديسمبر 1986/ يناير 1987: 70)، وتحاجج كونتوار النسويات والفلاسفة أو كاتبي المقالات (الرجال) المرتبطين بنقض مركزية المركز ما بعد الحداثية بأن الفضاء الانعكاسي والاجتماعي -الذي افتتح في بداية الألفية الثالثة- يقدم سلسلة كاملة من الاحتمالات الجديدة. لذلك، دائمًا ما يبدو أن الحركة النسوية هي «ممارسة بناء العالم» (زيرلي2005: 17)، مما يجعلها تساهم في «إعادة انتقاد العالم» (لامورو1990: 135).
الهوامش:
1- يمكن فهم هذا المصطلح من خلال سياق مقترحات بتلر التي ترى أن استخدامه بطريقة متجانسة لا يشكك في الفئات «الجندرية» على أساس الشذوذ الجنسي، وبنفس الطريقة، يعزز أشكال عدم المساواة (بتلر 1990). وهو يقدم مفهومًا نقديًا لفئة «المرأة» التي تستند على تنقلها المستمر وتجدد معناها (بتلر 1995: 50-51). مجلة أبحاث نسوية المجلد 21 العدد الثاني 2008: 5 – 28.
2- في هذا المقال، نختار مفهوم «ما بعد الحداثي postmoderne»، الذي يُعدّ أكثر ملاءمة لاحتياجات العرض التوضيحي عن «ما بعد الحداثة postmodernisme»، لأنه يشمل بعدًا مزدوجًا: زمانيًا واجتماعيًا-ثقافيًا. في الواقع، يميز نوس ما بعد الحداثيpostmoderne، بأنه «جميع الظواهر التي تهرب من الشبكات الحديثة للتفسير أو الشرح»، لما بعد الحداثة postmodernité، أي «بروزها (الاجتماعي، والسياسي، والتاريخي) في الحقبة المعاصرة»، وما بعد الحداثة postmodernisme، «بظهورها في شكل ممارسة جمالية وتأملية»، مما يجعل ما بعد الحداثي postmoderne «بمثابة عرضِ وليس هوية أو مقولة، عرضٍ يكشف عن التطورات في المجال الاجتماعي التاريخي، أو في المجال الجمالي التأملي، لدعم عملية الانعكاس.» (Nouss 2001b: 498).
3- ظهر مصطلح الموجة الثالثة لأول مرة في الولايات المتحدة في أوائل التسعينيات. وغالبًا تم الاستشهاد باثنتين من الأنطولوجيات التي نشرت في عام 1995 وحررها فيندلن وووكرعلى التوالي، على أنهما مهدتا الطريق. هذه هي نوعية الأعمال التي تنشرها الصحافة الشعبية وتحتوي على معظم الشهادات الأوتوبيوجرافية الخاصة بشابات «النسوية»، وهو جيل النساء اللواتي ولدن في غضون الستينات والسبعينات المتهم مبدئيًا بـ «نقص المنابع النظرية والتاريخية، أو التنظيمية» (أور 1997: 33)، ولقد بدأ التنظير للموجة الثالثة في أواخر التسعينيات، وبخاصة في بداية الألفية الثالثة، ولنشِر على وجه الخصوص إلى الكتب التالية: «هيوود ودراك»، 1997؛و«"ديكر وبيبميّر»، 2003؛ و«جيليس وهوي ومونفورد»، 2004؛ و«هنري»، 2004؛ و«ريجير»، 2005. في الفضاء الفرنسي والفرنكوفوني، ثمة تردد معين حول موجة نسوية ثالثة، بسبب عدم تبلور الحركة بشكل كاف إيديولوجيًا وسياسيًا. في مقالتها في القاموس النقدي للنسوية (2004)، تركز فوجيرولاس-شويبل فقط على الموجتين المكرس لهما تاريخيًا، أي النسوية التي ظهرت خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وفي الستينيات والسبعينيات؛ فهي تتجاهل ضمنيًا وجود موجة ثالثة. و لوصف التغيير الطارئ على الموجة الثانية من الحركة النسوية، اقترحت عبارات مثل «الناشطات الشابات»، و«النسوية في القرن الحادي والعشرين» أو «الوجه الجديد للنسوية» (نينجه منساه، 2005: 19). وتتحدث باحثات أخريات (تيري، 2005: 32 ) في بداية القرن الحادي والعشرين عن «النسوية التعددية (الميتا نسوية، ما بعد الحداثة، النسوية البيئية، دعاة السلام والمناهضين للعولمة)» و يشعرن بالقلق من مفهوم «الموجة(الثالثة)» (بليس، وغيرها، في عام 2007). في كيبيك، ضُبطت الموجة الثالثة من الحركة النسوية، ونُظِّر لها في كتاب حُرّر بقلم نينجه منساه (2005)، حيث تشهد الفجوة الزمنية الواسعة بين ظهورها في الولايات المتحدة واعتمادها في كيبيك على صعوبة اختراق الموجة الثالثة للفضاء الفرنكوفوني، بالإضافة إلى علامة الاستفهام التي وضعتها نينجه مينساه تحت عنوان كتابها.
4- من أجل تحليل عناصر الباكلاش في الفضاء الأمريكي، انظر الكتاب الكلاسيكي لـ فلودي، 1991. يُدهش هذا المؤلف بانعكاس صورة المرأة القوية والمستقلة في السبعينيات لصالح إيديولوجية الشعور بالذنب وقيم «الأنوثة الخالدة». لمناقشة «الباكلاش» في الفضاء الفرنسي، سنقرأ على نحو مفيد «فريشر» (1997) و«بادنتير» (2003).
5- إذًا، بشكل عام، نتفق مع انتقادات باحثات مثل" فوجيرولاس شويبيل، (2004)، ودومون (2005)، وتوبان، (2005)، أو بليس وغيرها، (2007) على صياغة مفهوم الموجة، لحاجة عملنا، نؤكد، مع نينجه مينساه، الطابع الإرشادي للموجة الثالثة، بوصفه إطارًا معرفيًا يمكن من خلاله فهم قضايا الحركة النسوية المعاصرة (نينجه مينساه 2005: 21).
6- وفقًا للخطاب الراديكالي (1983: 124)، «جميع الحركات النسوية تواجه نفس المشكلة: ماذا يشكل اضطهاد المرأة وكيف يمكن أن يكون هذا الاضطهاد قد انتهى؟ بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التفتيت للظلم يمثل، وفقًا لـ باريت وفيليبس" (1992: 2)، أحد العناصر التي سمحت بمرورمن الموجة الثانية إلى الموجة الثالثة من الحركة النسوية.
7- أو ما يسمى نسوية DIY: بمعنى آخر، نسوية تبنى على شعارات مثل «do-it-yourself افعل ذلك بنفسك»، أو «إنسائيتك هي ما تريدين أن تكوني عليه، وما تفعلينه لها. فلتحددي أجندتك. فلتطالبي ولتستردي كلمة Féminisme الخاصة بك.» (هنري 2005: 83).
8- تجدر الإشارة هنا إلى أن خطاب الصراع، أو حتى القطيعة الجذرية بين الموجة الثانية والثالثة من الحركة النسوية، خاص بالولايات المتحدة منذ بداية الموجة الثالثة. ولقد استعادته جزئيًا ما بعد النسوية التي قد تكون، بحسب بعض الباحثات، تيارًا بحد ذاته، لتكون جزءًا من اتجاه ما بعد البنيوية، وما بعد الحداثة، وما بعد الكولونيالية (بروكس 1997: 4). كقاعدة عامة، تظهر ما بعد النسوية كرد فعل ضد النسوية من الموجة الثانية، مرادفًا إلى حد ما للباكلاش المناهض للنسوية. تبرز معظم منظرات الموجة الثالثة بوضوح ما بعد النسوية ( ديكر وبيمبير2003: 10، هيوود ودراك1997: 2). لمزيد من مناقشة ونقد واسع لمفهوم ما بعد النسوية، انظر جامبل (2000: 43-54).
(*) مجلة صغيرة غير تجارية ينتجها شخص أو مجموعة من الأشخاص وتُعنى بموضوع خاص.
9- هذه هي سمة محددة للموجة الثالثة من الحركة النسوية، والتي تظهر على أنها «مخلوق ذو جذور أكاديمية مهمة». (إيفانز1997: 1).
10- «بليس وآخريات» لفتن الانتباه إلى الخطر الذي يمثله هذا الرذاذ للحركة النسوية وفي الوقت نفسه تدعو لضرورة إدامة نهج راديكالي: «التأكيد على أن التحليل النسوي الراديكالي قد عفا عليه الزمن، لصالح الموجة الثالثة، يحول انتباه النساء عن التهديدات المشتركة التي يواجهنها.. وينصب التركيز إذن على ما يمكن أن يقسم النساء، وخاصة الجيل الذي يُزعم أنه مرتبط بالإيديولوجية، بدلًا من التركيز على القمع المشترك الذي يجمعهن.» (بليس وآخريات. 2007: 155).
(**) المسكوكي شعب من الأمريكيين الأصليين يقطنون في جنوب شرق الولايات المتحدة. يتكلم شعب المسكوكيين باللغة المسكوكية. يسمون بالإنجليزية باسم «[شعب] الجدول» نسبة إلى جدول أتشيزي وهو أحد جداول نهر أكملكي في ولاية جورجيا.
11- يميز نوس بين décentrement اللا مركزية، بوصفها ممارسة حديثة، تستند على «الابتعاد من المركز، وليس إلغائه، لإثراء، وزيادة، وتصحيح، وتوثيق وجهة نظر، أي رؤية انطلاقًا من نقطة مركزية»، وdécentrage نقض مركزية المركز، ما بعد حداثية على نحو نموذجي، تعرف بأنها «حركة دائمة، وترحل تأملي أو تفسيري أو إبداعي، بالطبع في مسار لا متناه على طول خطوط التلاشي أو الجذمور العزيز على دولوز، فيما تمثل فيه ما بعد الحداثة منهجًا على نحو صحيح، وطريقًا.» (نوس( 2001b: 49.
12- في الواقع، كما تشير العديد من المنظرات النسويات، ليس للفرد بالمعنى الجندري، بل إلى الإنسان، وحتى الذكوري، المرتفع إلى مصاف «نموذج عالمي» (فاريكاس 1995: 81) -127).
13- يُنظَر إلى حركة نسوية ما بعد الحداثة هنا بوصفها تيارًا ضمن الموجة الثالثة من الحركة النسوية، جنبًا إلى جنب مع الميتانسوية أو عبر النسوية، والنسوية المناهضة للعولمة، إلخ كقاعدة عامة، تتميز بـ«البنائية الاجتماعية، وبعض النسبية والشكوكية فيما يتعلق بأي شكل من أشكال الحقيقة، الموضوعية، العالمية» (باريل 2005: 44).تجادل النسويات ما بعد الحداثة بأن «الجنس»، والجندر، والهوية، وهوية الجنسية، وتصنيفات الهوية، وهوية الهوية كـ(ذكر/ أنثى) هي بنى اجتماعية، غالبًا ما تُطوَّر بطريقة ثنائية، وهو أمر مهم للتفكيك. إنها تعارض اختزالية النضال النسوي في حركات التحررالأخرى، والإصرار على إدراج الأبعاد القمعية المتعددة التي تشكل هوية المرأة (التشابك بين الجندر والمجموعة الإثنية و«العرق»، والطبقة، والتوجه الجنسي، وما إلى ذلك). [إنها] تنتقد التجانس غير المبرر لفئة المرأة والجانب قسري لهذا الأخير [...]، [بينما تستنكر] سياسات الهوية و[الدعوة] لممارسة سياسية نسوية ائتلافية "( باريل 2005: 44).
14- هذا، تمامًا مثل أدائية الجنس والجندر، لا يخلو من إثارة انتقادات بعض النسويات. وورد جوف (1998:10)، على سبيل المثال، يرى إنه «من دون الكثير من ما يُسمَى بـ ثنائيات، مذكر ومؤنث، ذكوري وأنثوي- لن يكون هناك شيء: لا جيل (الجذر هو نفسه بالنسبة للجندر). لا معنى ".
15- فيما يلي كيف قام ييتمان بمنهجة هذا التشابك بين إبستمولوجيا نقض مركزية المركز ما بعد الحداثية وإبستمولوجيا الموجة الثالثة من الحركة النسوية «وتلك علاقتهما التكافلية-المعارضة مع التوجهات المعرفية السائدة ستظهر من خلال: 1. التوجه التفكيكي للتقاليد النظرية الحديثة والحداثية التي نرثها. 2. الوضع ما بعد العالمي للتنظير أو بشكل أدق، التأكيد المدمر لأصوات «الأقلية» فيما يتعلق بالجوانب العالمية لحتمية للتنظير. 3. إثبات أن التركيبات الثنائية للاختلاف لا تحدد فقط الحدود التي تنقسم، بل هي في نفس الوقت حد يوحد، وبالتالي، إصرار على عدم الاستقرار والغموض في هذه الإنشاءات. 4. المنظورية، هي نظرية علائقية وليست نسبية، نظرية المعرفة [...]. 5. (نتيجة طبيعية لـ 4) مفهوم أفعال التنظير كما لو كانت مشروطة تاريخيًا، والقبول بذلك بالتبادل والتغييرات والتطورات في التنظير. 6. فرضية أهمية وضعية (المنظر/ين) فيما يتعلق بالسلطة الفكرية المؤسسية ولجماهيرها الفعلية والمستقبلية معًا. 7- فرضية تتعلق بأهمية الذاتية المجسدة (المنظر/ين)؛ 8 - مفهوم اللغة بوصفها نظام مادى ومنتج والمناقشات النظرية بوصفها سياسة لغوية. (ييتمان1994: 15).
RÉFÉRENCES:
BADINTER, Élisabeth.
• 2003, Faire fausse route. Paris, Odile Jacob.
BARIL, Audrey.
• 2007, «De la construction du genre à la construction du “sexe”: les thèses féministes postmodernes dans l’oeuvre de Judith Butler», Recherches féministes, 20, 2: 61-90.
• 2005, Judith Butler et le féminisme postmoderne: analyse théorique et conceptuelle d’un courant controversé, mémoire présenté comme exigence partielle de la maîtrise en philosophie. Sherbrooke, Faculté de théologie, d’éthique et de philosophie, Université de Sherbrooke.
BARRETT, Michele et ANNE PHILLIPS (dir.).
• 1992, Destabilizing Theory. Contemporary Feminist Debates. Stanford, Stanford University Press.
BAUDRILLARD, Jean.
• 1990, La transparence du mal. Paris, Galilée.
BAUMGARDNER, Jennifer et Amy RICHARDS.
• 2000, Manifesta. Young Women, Feminism, and the Future. New York, Farrar, Straus and Giroux.
BENNET, Oliver.
• 2001, Cultural Pessimism. Narratives of Decline in the Postmodern World. Edinburgh, Edinburgh University Press.
BLAIS, Mélissa et autres.
• 2007, «Pour éviter de se noyer dans la (troisième) vague: réflexions sur l’histoire et l’actualité du féminisme radical», Recherches féministes, 20, 2: 141-162.
BLOOM, Allan.
• 1987, The Closing of the American Mind. New York, Simon and Schuster.
BOISVERT, Yves.
• 1998, «L’analyse postmoderniste au-delà de l’esthétisme discursif», dans Yves
Boisvert (dir.)
• Postmodernité et sciences humaines. Une notion pour comprendre notre temps. Montréal, Liber: 177-190.
BRAIDOTTI, Rosi.
• 1994, Nomadic Subjects. Embodiment and Sexual Difference in Contemporary Feminist Theory. New York, Columbia University Press.
BROOKS, Ann
• 1997, Postfeminisms. Feminism, Cultural Theory and Cultural Forms. Londres et
New York, Routledge.
BROSSARD, Nicole
• 1988a, «L’angle tramé du désir», dans Louky Bersianik et autres, La théorie, un
dimanche. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 13-26.
• 1988b, «Les pas juxtaposés du désir», Tessera (dialogue, conversation, une
écriture à deux), 5: 29-30.
BURNONVILLE, Francine
• 1992, Les femmes sont-elles allées trop loin? Montréal, Le Jour, éditeur.
BUTLER, Judith
• 2004, Undoing Gender. New York/Londres, Routledge.
• 1997, Excitable Speech: A Politics of the Performative. New York/Londres, Routledge.
• 1995, «For a Careful Reading», dans Seyla Benhabib et autres, Feminist Contentions. A Philosophical Exchange. New York/Londres, Routledge: 35-57.
• 1993, Bodies That Matter: On the Discursive Limits of “Sex”. New York/Londres, Routledge.
• 1990, Gender Trouble: Feminism and the Subversion of Identity. New York/Londres, Routledge.
COLLIN, Françoise
• 1993, «Le philosophe travesti ou le féminin sans les femmes», Futur antérieur, supplément: «Féminismes au présent»: 205-218.
• 1992a, «Différence et différend. La question des femmes en philosophie», dans Georges Duby et Michelle Perrot (dir.), Histoire des femmes en Occident, t. 5: «Le XXe siècle» (sous la direction de Françoise Thébaud). Paris, Plon: 243-273.
• 1992b, «Praxis de la différence. Notes sur le tragique du sujet», Les Cahiers du GRIF, Provenances de la pensée. Femmes/Philosophie, 46: 125-141.
• 1986, «Le féminisme et la crise du moderne», dans Diane Lamoureux, Fragments et collages. Essais sur le féminisme québécois des années 70. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 7-16.
COTNOIR, Louise
• 1988, «La sujète d’intérêt», dans Louky Bersianik et autres, La théorie, un dimanche. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 149-163.
DESCARRIES, Francine
• 1998, «Le projet féministe à l’aube du XXIe siècle: un projet de libération et de solidarité qui fait toujours sens», Cahiers de recherche sociologique, 30:179-209.
DICKER, Rory et Alison PIEPMEIER (dir.)
• 2003, Catching a Wave. Reclaiming Feminism for the 21st Century. Boston, Northeastern University Press.
DUMONT, Micheline
• 2005, «Réfléchir sur le féminisme du troisième millénaire», dans Maria Nengeh
Mensah (dir.),
• Dialogues sur la troisième vague féministe. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 59-73.
DUPRÉ, Louise
• 1996, «Quelques notes sur la critique-femme», Tangence (Paradigmes critiques), 51: 144-156.
• 1992, «La critique-femme. Esquisse d’un parcours», dans Annette Hayward et Agnès Whitfield (dir.), Critique et littérature québécoise. Montréal, Triptyque: 397-405.
• 1990, «Une pensée vivante», Cahiers internationaux de symbolisme (Penser au féminin), 65-66-67: 21-27.
• 1988, «Une conscience posthistorique», Tessera (dialogue, conversation, une écriture à deux), 5: 35-36.
EHRENBERG, Alain
• 1998, La fatigue d’être soi. Paris, Odile Jacob (Collection Poches). EVANS, Mary
• 1997, Introducing Contemporary Feminist Thought. Cambridge, Polity Press.
FALUDI, Susan
• 1991, Backlash. The Undeclared War Against American Women. New York, Crown Publishers, Inc.
FINDLEN, Barbara (dir.)
• 1995, Listen up: Voices from the Next Feminist Generation. Seattle (WA), Seal Press.
FOUCAULT, Michel
• 1978, L’ordre du discours. Paris, Gallimard.
• 1975, Histoire de la sexualité. Paris, Gallimard (Collection Bibliothèque des histoires).
• 1966, Les mots et les choses. Une archéologie des sciences humaines. Paris, Gallimard (Collection NRF).
FORTIER, Frances
• 1998, «Le récit de la postmodernité», dans Yves Boisvert (dir.), Postmodernité et sciences humaines. Une notion pour comprendre notre temps. Montréal, Liber: 23-46.
• 1992, «L’écriture “énigmatique” de Nicole Brossard», Nuit blanche, 46: 36-41.
FOUGEYROLLAS-SCHWEBEL, Dominique
• 2004, «Mouvements féministes», dans Helena Hirata et autres (dir.), Dictionnaire critique du féminisme. Paris, PUF (Collection Politique d’aujourd’hui): 138-144.
FRASER, Nancy et Linda J. NICHOLSON
• 1990, «Social Criticism without Philosophy: An Encounter between Feminism and Postmodernism», dans Linda J. Nicholson (dir.), Feminism/ Postmodernism. New York et Londres, Routledge: 19-38.
FRISCHER, Dominique
• 1997, La revanche des misogynes. Où en sont les femmes après trente ans de
féminisme? Paris, Albin Michel.
GAMBLE, Sarah (dir.)
• 2000, The Routledge Critical Dictionary of Feminism and Postfeminism. Routledge, New York.
GILLIS, Stacy Gillian HOWIE et Rebecca MUNFORD
• 2004, Third Wave Feminism. A Critical Exploration. Palgrave Macmillan.
HARVEY, David
• 1989, The Condition of Postmodernity. An Enquiry into the Origins of Cultural Change. Cambridge (MA) et Oxford (UK), Blackwell.
HENRY, Astrid
• 2005, «Solitary Sisterhood: Individualism Meets Collectivity in Feminism’s Third Wave», dans Jo Reger (dir.), Different Wavelength. Studies of the Contemporary Women’s Movement. New York et Londres, Routledge: 81-96.
• 2004, Not my Mother’s Sister. Generational Conflict and Third-Wave Feminism. Bloomington et Indianapolis, Indiana University Press.
HEYWOOD, Leslie et Jennifer DRAKE (dir.)
• 1997, Third Wave Agenda. Being Feminist, Doing Feminist. Minneapolis, London, University of Minnesota Press.
HOWIE, Gillian et Ashley TAUCHERT
• 2004, «Feminist Dissonance: The Logic of Late Feminism», dans Stacy Gillis,
Gillian Howie et Rebecca Munford (dir.)
• Third Wave Feminism. A Critical Exploration. Palgrave, Macmillan: 37-48.
JAGGAR, Alison
• 1983, Feminist Politics and Human Nature. Totowa, Rowman et Allanheld, Brighton, Harverster Press.
JAMESON, Fredric
• 1984, «Postmodernism, or the Cultural Logic of Late Capitalism», New Left Review, 146: 53-92.
JARDINE, Alice
• 1991, Gynésis. Configurations de la femme et de la modernité, traduit de l’anglais par Patricia Baudoin. Paris, PUF [1re éd.: 1985].
JOOS, Jean-Ernest
• 1997, «“Le corps décentré”. Entrevue sur Internet avec Judith Butler», Spirale, 154: 14.
KROKER, Arthur et David COOK
• 1986, The Postmodern Scene: Excremental Culture and Hyper-Aesthetic. New York, St. Martin’s Press.
KRUZYNSKI, Anna
• 2004, «De l’opération SalAMI à Némésis: le cheminement d’un groupe de femmes du mouvement altermondialiste québécois», Recherches féministes, 17, 2: 227-261.
KUNDERA, Milan
• 1990, L’immortalité. Paris, Gallimard.
LAMOUREUX, Diane
• 1990, «Le mouvement des femmes: entre l’intégration et l’autonomie», dans Alan F.J. Artibise et Simon Langlois (dir.), Canada: Traditions and Revolutions/Canada: Traditions et révolutions. Montréal, Association for Canadian Studies/Association des études canadiennes (Collection Canadian Issues), 12: 125-136.
LIPOVETSKY, Gilles
• 1983, L’ère du vide. Essais sur l’individualisme contemporain. Paris, Minuit.
LIPOVETSKY, Gilles et Sébastien CHARLES
• 2004, Les temps hypermodernes. Paris, Grasset.
LYOTARD, Jean-François
• 1979, La condition postmoderne. Rapport sur le savoir. Paris, Minuit.
NENGEH MENSAH, Maria
• 2005, «Une troisième vague féministe au Québec?», dans Maria Nengeh Mensah (dir.), Dialogues sur la troisième vague féministe. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 11-27.
NOUSS, Alexis
• 2001a, «Altérité», dans Alexis Nouss et François Laplantine, Métissages. Paris, Pauvert: 54-60.
• 2001b, «Postmoderne», dans Alexis Nouss et François Laplantine, Métissages. Paris, Pauvert: 492-498.
ORR, Catherine M.
• 1997, «Charting the Currents of the Third Wave», Hypatia, XII, 3: 29-45. PAGÉ, Geneviève
• 2005, «Variations sur une vague», dans Maria Nengeh Mensah (dir.), Dialogues sur la troisième vague féministe. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 42-48.
PATERSON, Janet M.
• 2004, Figures de l’autre dans le roman québécois. Québec, Éditions Nota bene (Collection Littérature(s)).
• 1993, «Postmodernisme et féminisme: où sont les jonctions?», dans Raïja Koski, Kathleen Kelles et Louise Forsyth (dir.), Les discours féministes dans la littérature postmoderne au Québec. New York, Edwin Mellen Press: 27-44.
RAIL, Geneviève et Mélisse LAFRANCE
• 2004, «Émancipation ou colonisation? Nike et ses messages publicitaires à l’ère postféministe», Recherches féministes, 17, 1: 173-201.
REGER, Jo (dir.)
• 2005, Different Wavelength. Studies of the Contemporary Women’s Movement. New York et Londres, Routledge.
SAINT-MARTIN, Lori
• 1992, «Le métaféminisme et la nouvelle prose féminine au Québec», Voix et images, XVIII, 1: 78-88.
SCARPETTA, Guy
• 1985, L’impureté. Paris, Grasset (Collection Figures).
SHAPIRO SANDERS, Lise
• 2004, «“Feminists Love a Utopia”: Collaboration, Conflict, and the Futures of Feminism», dans Stacy Gillis, Gillian Howie et Rebecca Munford (dir.), Third Wave Feminism. A Critical Exploration, Palgrave, Macmillan: 49-59.
SINGER, Linda
• 1992, «Feminism and Postmodernism», dans Judith Butler et Joan Scott (dir.), Feminists Theorize the Political. New York/Londres, Routledge: 464-475.
STEPHANSON, Anders déc.
• 1986/janv. 1987 «An Interview with Fredric Jameson», Flash Art, 131: 69-73. THÉRY, Chantal
• 2005, «Le dialogue des sexes. Sisyphe heureuse?», Québec français (Dossier Féminisme et littérature), 137: 32-34.
TOUPIN, Louise
• 2005, «Voir les nouvelles figures du féminisme et entendre leurs voix», dans Maria Nengeh Mensah (dir.), Dialogues sur la troisième vague féministe. Montréal, Les éditions du remue-ménage: 74-87.
VARIKAS, Eleni
• 1995, «Une représentation en tant que femme? Réflexions critiques sur la demande de la parité des sexes», Nouvelles Questions féministes, XVI, 2: 81-127.
WALKER, Rebecca (dir.)
• 1995, To be Read: Telling the Truth and Changing the Face of Feminism. New York, Anchor Books.
WALTER, Natasha
• 1998, The New Feminism. Boston, Little, Brown and Company.
WARD-JOUVE, Nicole
• 1998, Female Genesis: Creativity, Self and Gender. Cambridge, Polity Press.
WICKE, Jennifer et Margaret FERGUSON
• 1994, Feminism and Postmodernism. Durham, Duke University Press, 1994.
WHELEHAN, Imelda
• 1995, Modern Feminist Thought. From the Second Wave to ‘Post-Feminism’. New York, New York University Press.
YEATMAN, Anna
• 1994, Postmodern Revisionings of the Political. New York/Londres, Routledge
(Collection Thinking Gender).
ZERILLI, Linda M.G.
• 2005, Feminism and the Abyss of Freedom. Chicago et London, The University of
Chicago Press
- دنيز أدريانا أوبريا*
* دكتوراه الأدب الفرنسي والأدب النسوي، جامعة لافال، كيبيك، كندا.
- لطفي السيد منصور**
** مترجم مصري.
* المصدر
- مجلة فصول العدد 103