الإسهام الحالي هو صدى لمقال حديث بعنوان «لا توجد لسانيات إدراكية». (جيلبير لازار(2) 2007) حيث أشار على نحو واضح لكتاب «اللسانيات الإدراكية» (كاترين فوكس، طبعة 2004). والمشكلة المطروحة من قبل لازار هي مشكلة شرعية لسانيات تزعم الاندراج في حقل العلوم الإدراكية. الحقل الذي يتفق الجميع على الاعتراف بطابعه المتعدد التخصصات، لكنه مع ذلك يثبت صعوبة تعيينه: «لا تستسلم العلوم الإدراكية للتعريف، أو للوصف، أو حتى للتحديد، لا من خلال مادة الدراسة ولا من خلال فرضية أساسية ولا من خلال تراث راسخ» (أندلر، 2004: 14). فلنقل، إذن، على نحو مبسط إن العلوم الإدراكية ترتبط بدراسة العقل - الدماغ على الصعيدين: الصعيد الوظيفي (بوصفه نظامًا لمعالجة المعلومات و/ أو لإنتاج المعارف)، والصعيد المادي (بوصفه فيزيقيًا يتكون من التضام البيني للخلايا العصبية). وفقًا للمحدثين، بالأحرى يتم التركيز على ثنائية«العقل-الدماغ» (وأحيانًا يمتد إلى الثالوث العقل -الدماغ- الآلة، من خلال منظور التماثل)، أو على مفهوم المعرفة (فيما يتعلق بالأصل الاشتقاقي لكلمة «إدراك cognition»).
إن التعريفات المعطاة هي تمثيلات الخيار الأول، على سبيل المثال، من قبل أندلر 1989:
إن مادة «العلوم الإدراكية» هي الوصف، أو الشرح، وعند الحاجة، تكون: محاكاة الميول الأساسية وقدرات العقل البشري، مثل اللغة، والتفكير، والإدراك، والتنسيق الحركي، والتخطيط...
أو من قبل هوديه و آخرين (1998:1):
إن العلوم الإدراكية تفرض نفسها اليوم حقلًا جديدًا من المعرفة، يحاول التفسير من خلال التجريب، والنمذجة، واستخدام التقنيات المتقدمة، و«سر العقل» من خلال علاقاته بالمادة: الدماغ، والجسم، والحاسوب.
في المقابل: الخيار الثاني، نجد تعريف قاموس «بلاكويل» لعلم النفس الإدراكي (م.إيسينك وآخرون، طبعة 1994)، إذ يشير(مصطلح) العلوم الإدراكية إلى التخصصات المتعددة لاكتساب واستخدام المعرفة. وتعريف فاريلا (1996):
للمرة الأولى، يعترف العلم بشرعيته في التنقيب عن المعرفة في حد ذاتها، وعلى جميع مستوياتها، وهذا يمثل ما وراء الحدود التقليدية لكل من علم النفس ونظرية المعرفة حيث كان الأمر حكرًا عليهما.
تحديدًا يندرج لازار في هذا الجيل الثاني (2004):
يُقصد بـ «العلوم الإدراكية» تلك التخصصات التي تتعلق بمختلف جوانب النشاط الحسي والفكري والتي بواسطتها يتعرف الإنسان على العالم من حوله. ندرج فيها بيولوجيا الأعصاب وعلم النفس والذكاء الاصطناعي، ونظرية الاتصال، و«فلسفة العقل»، إلخ.
قبل أن نصدر على اللسانيات المسماة إدراكية هذا الحكم النقدي. «فغالبًا ما نضمنها أيضًا اللسانيات، وهذا واضح إذا كان ثمة اعتقاد أن التفكير المفاهيمي يرتبط ارتباطًا وثيقًا باللغة. في المقابل، لو أن أحدًا كان حساسًا وبخاصة تجاه خصوصية الظواهر اللغوية، ونحن سوف ننظر لها وكأنها تخصص ذو صلة، ولكن متميز. وفي كلتا الحالتين، فإن مفهوم اللسانيات الإدراكية غامض. في الحالة الأولى، فإن أي لسانيات هي إدراكية. أما في الحالة الثانية، لا يكون أيٌّ منها كذلك».
إذن السؤال المركزي الذي يطرحه لازار هو: هل مفهوم اللسانيات الإدراكية مُبَرَّرٌ نظريًا، وهل له معنى فعلًا؟ من الواضح أن الأمر يتعلق بسؤال مبدئي، مع العلم أيضًا أن تسمية «اللسانيات الإدراكية» هو بمثابة اعتراف فعلي، وأن التيارات المختلفة تطالب بذلك بطريقة أو بأخرى «لا يكاد يكون هناك اليومَ اللغويُّ الذي لا يفتخر بممارسة "الــلسانيات الإدراكية". فالإدراكي هو الموضة» (لازار في عام 2004: 1). «محتوى هذا الاقتباس يستدعي بالمناسبة أن «اللسانيات الإدراكية» ليست تيارًا موحدًا، لكنها تغطي عدة تيارات، متضادة ربما. واستعادة موجزة لظروف نشوء وتطور ما يُجَمَع عادة تحت مصطلح «اللسانيات الإدراكية» سيتيح لنا استدعاء هذا التنوع. لعرض أكثر تفصيلًا، انظر فوكس (2004).
اللسانيات المسماة إدراكية
لقد ولد في الولايات المتحدة التياران الرئيسان المطالبان بـ «لسانيات إدراكية». من ناحية أولى، النحو التوليدي الذي يندرج في البردايم الكلاسيكي للمدرسة الإدراكية. من جهة أخرى، القواعد النحوية الإدراكية التي تطالب ببردايم آخر (أحيانًا يوصف بالبنائي).
1- تشومسكي والمدرسة الإدراكية:
يتوافق التأريخ الرسمي على تتبع المنعطف الإدراكي للسانيات بداية من عام 1956. حينئذ اجتمعت حلقتان دراسيتان حول مشروع إبستمولوجي مشترك (عُرف فباسم البرنامج الإدراكي) شارك فيهما اللغوي نعوم تشومسكي، وعالم النفس هربرت سيمون، ومارفن منسكي خبير الذكاء الاصطناعي. كان يهدف هذا المشروع متعدد التخصصات إلى توصيف عملية تشغيل العقل من خلال الملكات التي يطورها، وبخاصة من خلال ملكة اللغة. كانت الفرضية المؤسسة هي إمكانية تعريف الإدراك البشري، على طريقة الآلة، بعبارات حسابية تطابق معالجة مختلف أنواع المعلومات التي يحصلها الإنسان. وهكذا وجدت اللسانيات الرسمية نفسها طرفًا معنيًا في المشروع العام للعلوم الإدراكية.
وأطلق على البردايم الكلاسيكي، الذي وجه هذا المشروع، الحسابية التمثيلية الرمزية. إنه يؤسس على فكرة الحسابات (الحسابية المنطقية) على الرموز. ولقد اشتهرت هذه الرموز التي لها واقعٌ على حد سواء: مادي؛ أي عصبي بيولوجي، ودلالي: إنها قد تُسجل بطريقة أو بأخرى في الدماغ، وأنها قد تمثل على نحو ملائم العالم الموضوعي. وبالتالي فإن النشاط اللغوي يعود لمعالجة المعلومات، ويفسح المجال لقواعد تركيبة تداولية الرموز. ولقد استندت المدرسة المعرفية أواخر 1950 إلى حد كبير على استعارة «العقل الآلة» التي يتقاسمها علم النفس الإدراكي، والفلسفة الإدراكية والذكاء الاصطناعي. محاكاة المخ لم يكن قد تم استغلالها بشكل كبير سوى في وقت لاحق، في أواخر 1980، في إطار عملية التقارب مع علوم الأعصاب.
بتبني هذا النموذج الكلاسيكي، أيدت النظريةُ التشومسكيةُ عددًا من الخيارات النظرية والمنهجية. باختصار: نهج فرضي استنباطي، و«منظور نمطي modulaiste» (نسبة لفودور(3)) - وفقًا له الملكة اللغوية ستكون فطرية وتستند إلى قدرات خاصة، ومنفصلة عن الإدراك المعرفي العام- مفهوم عن اللغة بوصفها أداة للتعبير عن الفكر تتيح نقل معلومات عن العالم واللجوء إلى عمليات نمذجة من نوع المنطقية الجبرية. من أجل عرض مفصل عن طريقة تسجيل النحو التوليدي التشومسكي في مجال العلوم الإدراكية. انظر، روفير(4) (2004)
2- القواعدة النحوية الإدراكية:
على مر السنين، مثَّل النموذج الإدراكي مادة للانتقادات من جانب التخصصات المختلفة المعنية بالدراسة الإدراكية. تدريجيًا، ظهرت بدائل التوجه الرمزي، وسعت لتحديد نوع جديد من «البردايم» (المسمى «البنائي» وأحيانًا «الارتباطي»).
نتيجة صدى هذا التطور العام، برز اتجاه جديد ضمن اللغويات المسماة الإدراكية. وكان في بداية 1970 على الساحل الغربي للولايات المتحدة. سعى العديد من الكتاب إلى تعيين حدود قواعد النحو التوليدي الذي انطلقوا منه (أمثال جورج لاكوف، رونالد لانجاكر، ليونار تلمي، جيل فوكونيه). وبعد ذلك وضعوا أشكالًا مختلفة من «قواعد النحو الإدراكية». من أجل عرض مفصل لهذا التيار من قواعد النحو الإدراكي، انظر فيكتوري(5) 2004.
ترفض قواعد النحو الإدراكية في آن كلا من الخيار «النمطي»، وسيادة بناء الجملة، والفرضية التي تشكل قواعد النحو الرسمية نماذج مناسبة للسانيات الإدراكية. بعيدًا عن اعتبار اللغة بمثابة «وحدة» نوعية لا يمكن اختزالها (مصبوبة في قالب)، ويسعى المشتغلون بالنحو الإدراكي جاهدين، في المقابل، إلى ربط الظواهر اللغوية بالعمليات العامة للمعرفة الإدراكية، وبالتالي التركيز على المخططات المكانية.
من خلال الاختلاف مع قواعد النحو الرسمية، يتميز هذا التيار الآخر من اللسانيات الإدراكية بمعالجة استقرائية للغاية، وباتباع نهج أكثر تفاعلية. لقد مُنحت مكانة مركزية لعلم الدلالة، الذي نبّه لبناء الجملة والمعجم الذي تفاعل معهما. إن مفهوم اللغة الذي تصدَّر هذا التيار يمكن أن يوصف بـ «الانبثاقي»؛ إذ إنه ينظر للغة بوصفها أداة مفاهيمية نشطة للعالم. في النهاية، تستعير أدوات النمذجة بشكل تفضيلي، من الهندسة؛ من الأنظمة الديناميكية أو الارتباطية (عوضًا عن الجبر والمنطق الرياضي).
3- هل هناك معنى لمصطلح اللسانيات الإدراكية؟
من هذه الخلفية التاريخية المختصرة نلاحظ ما يأتي: وُلِدَتْ اللغويات المسماة إدراكية كما هو مسجل من قبل التأريخ الرسمي في الولايات المتحدة؛ وأدى هذا المنعطف النظري - في حالة قواعد النحو الإدراكية - إلى جعل الافتراضات التوليدية موضع تساؤل. باستثناء تيار الوظيفية الجديدة الذي يشكل حالة خاصة ويستحق، من وجهة النظر هذه، تطورًا نوعيًّا (انظر فرانسوا 2004)، إنها الحركة التي تطورت من دون الارتباط بتقاليد أوروبا القديمة، على الرغم من تبني «بردايمات» جديدة، تم الترويج لها من قبل هذه التيارات بواسطة العديد من الباحثين الأوروبيين. نفهم، بالتالي، التأكيد المفاجئ نوعًا ما من لازار (2004:14) والنظر لمصطلح «اللسانيات الإدراكية» بمثابة تعبير عصري، لا معنى له في أي مكان آخر غير الولايات المتحدة، وعلى أي حال، بين أولئك الذين لم يخضعوا لتأثير المدرسة التوليدية.
دعونا الآن نعود إلى السؤال المحوري المطروح من قبل لازار الذي يتعلق بصميم ظروف إمكانية وجود لسانيات إدراكية. ووفقًا له، فإن أية نظرية ألسنية تود أن تكون إدراكية ستواجه بالضرورة معضلة. أو إنها ستقوم بالعودة فقط إلى المفهوم التقليدي للغة بوصفها نظامًا رمزيًا يوائم بين الأشكال والمعانى. في هذه الحالة، فإن الأمر لن يخص إلا اللسانيات (بالمعنى الأكثر تقليدية للمصطلح)، و«الصفة الزائدة: اللسانيات الإدراكية هي اللسانيات بعد كل ذلك» (لازار2004 : 14). أو أنها سوف تخرج من النطاق الخاص بالتخصص، في محاولة للعثور على دوافع خارجية للظواهر اللغوية الملاحظة، أو للاستدلال على الخصائص العامة للعقل الإنساني انطلاقًا من هذه الملاحظات. في هذه الحالة، لم يَعُدِ الأمر خاصًّا باللسانيات: «هذا الوضع ينطوي على خطر، خطر غرق اللسانيات في الإدراك المعرفي، أو فلنقل بشكل آخر أن تنسى خصوصيتها» (المرجع نفسه).
سنتوقف الآن على كل من وجهي هذا التناقض الواضح: هل كل لساني إدراكي، بمجرد أن يجعل هدف دراسته العلاقة بين الأشكال والمعانى؟ في المقابل، اللسانيات التي تعلن نفسها «إدراكية» هل لا تزال لسانيات؟
هل كل اللسانيات إدراكية؟
باستثناء النظريات القائمة على المدرسة السلوكية، التي تستبعد - من حيث المبدأ- الظواهر الشعورية من مجال دراستها، يمكننا أن نقول إن جميع النظريات اللسانية الجديرة بهذا الاسم دائمًا ما تهدف من موضوع الدراسة منحَ روابط بين مستوى الأشكال ومستوى المعنى. إذا كان هذا الهدف كافيًا لاستحقاق صفة «الإدراكي»، ومن ثم أيا كانت النظرية اللغوية ستكون بحكم الأمر الواقع إدراكية- مما سيسحب بوضوح أي أهمية لهذه الصفة! ولذلك ليس هناك أي معنى للزعم أن - بحكم طبيعتها - أية ألسنية ستكون إدراكية. كما يلاحظ ذلك أندلر(2004: 14-15) .
سوف تتيح مقاربة «العلوم الإدراكية» من خلال الموضوعات ومراحل التطور ... فقط إدراك كتلة عديمة الشكل من البرامج البحثية في إطار العديد من التخصصات. نتساءل عن الدور الذي يمكن أن تظل تلعبه هذه الأخيرة، وما يفترض أن ينسق مكانها النهج العلمي. ستكون ثمة أمور كثيرة ستحذف، ... وأكثر الأشياء غير المتوقعة بالنسبة للمراقب العادي هو أنه ينبغي أن يستبعد، فوق كل هذا، مجموعةً من العلوم التي تقع ضمن نطاق التخصصات التي تشكل جزءا من «المجرة الإدراكية» - اللسانيات وعلم النفس والأنثروبولوجيا، وعلم الأعصاب، والذكاء الاصطناعي والمنطق والفلسفة. العلوم غير المتنازع عليها سواء في أسسها أو في منهجيتها، ولكن ليس لها علاقة خاصة مع الإشكالية الإدراكية، وهذه العلوم تتطور بعيدًا عنها، ولا تبالي بأن تُدخل عليها مواد.
وبالنظر إلى أثر موضة العلوم الإدراكية، ربما يجدر بنا أن نذكر أنه ليست هناك حاجة للمطالبة بلسانيات إدراكية من أجل لسانيات عظيمة!
1- اللغة والفكر:
بما أن اللغة تقتصر على الجنس البشري، ماذا نعلم عن العقل البشري؟ على العكس من ذلك، كيف أن الأداء العقلي يجد نفسه يُنفذ من خلال اللغة؟ وهذه، بحق، هي الإشكالية اللسانية الإدراكية. كما يلاحظ بو فيرس (2001:32) وفيما يخص قواعد النحو التوليدي، «فإن الموضوع ليس سوى شرح الإجراءات اللسانية من خلال حالات افتراضية لنموذج عقلي، والتي من المفترض أن تؤدي إلى رابطة سببية».
إذا كان ثمة «ألسنية» أصلًا، تتركز حول العلاقات بين الأشكال والمعاني، فإن اللسانيات الإدراكية «يجب أن تضيف إليها تأملًا حول وضعية المعاني اللغوية من خلال علاقتها بالمفاهيم. وهكذا طرحت مسألة العلاقة بين اللغة والفكر - «الفكر المفاهيمي الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا باللغة»، كما يقول لازار. هذه المسألة، التي تم العمل عليها منذ فترة طويلة من قبل الفلسفة، كانت موضوع التطورات الجديدة في العلوم الإدراكية (انظر على سبيل المثال كاروثرز وباوتشر، 1998). وهناك إجماع نسبي بين العديد من الباحثين من مختلف التخصصات للنظر للغة بأنها ليست ضرورية للفكر: إمكانية وجود فكر من دون لغة. ولكن يبدو أن اللغة هي المكون للشكل البشري من الفكر على وجه التحديد، إنها ستنفذ بعض النماذج النوعية من الإجراءات.
ماذا تقول اللسانيات الإدراكية حول طبيعة هذه الروابط؟ بالنسبة لقواعد النحو التوليدي، سيتم تفسير خصائص الوحدات اللغوية من خلال الخصائص (المنطقية) لعناصر الفكر التي «تمثلها» على نحو رمزي. وهذا يعني وصف اللغة بعدّها آلةً حسابية بسيطة (تعتبر المُثْلَى في الإصدار المسمى «البرنامج التبسيطي») لتقوم بالتنسيق التركيبي بين شكل منطقي و«شكل صوتي» كي يضمن كل منهما التواصل البيني مع إحدى الوحدتين الخارجيتين، على التوالي: الوحدة المفاهيمية الإدراكية، والوحدة الصوتية. انعكاسات ومستنسخات لمفاهيم عالمية معروفة بوصفها مسجلة في العقل البشري (في«لغة الفكر») وبالتالي لن تلعب المعاني اللسانية أي دور إدراكي نوعي.
بالنسبة لدعاة قواعد النحو الإدراكي، في المقابل، تفتح اللغة «نافذة على الإدراكية» (على حد تعبير راستييه 1993: 168، ويستعيده نفسه جاكندوف)، بقدر ما تشكل البنى الدلالية للغات بنفسها مفاهيميات نشطة. على وجه التحديد، فإن اللغة تختار بعض الجوانب في حدود مفاهيمية قدمها الفكر ما قبل اللساني، وتنظمها بنسب مختلفة. (للحصول على توضيح حول مسألة معينة، مسألة التعبير عن الملكية، انظر على سبيل المثال «لانجاكر»، 2003). تكمن الخصوصية اللسانية إذن في عمليات الاختيار، وفي بلورة المحتوى المفاهيمي. كما يقول لانجاكر (1987) نقلًا عن ديكليه 1994: 77)): «بالنسبة لي من المسلم به أن المعنى هو ظاهرة إدراكية ويجب تحليله على هذا النحو».
في محاولة للربط بين اللغوي والعقلي، كان قد اقترح مسارين مختلفين في اللسانيات الإدراكية.((1993: 166-168 يصفهما راستييه على التوالي المسار «التمثيلي» (مسار تشومسكي في إطار البَراديم الإدراكي)، والمسار «الإجرائي» (مسار الدلالات «الإجرائية» والذكاء الاصطناعي ثم القواعد النحوية الإدراكية). ومع ذلك نلاحظ أن مفهوم «التمثيل» لا يزال بعيدًا عن الوضوح. بالتأكيد، لقد انتقد بعنف من قبل المعارضين للبَراديم الإدراكي (لاسيجو وفيسيتي2002)، والذين شجبوا فكرة الاستنساخ الإستاتيكي للبنى المنطقية-المفاهيمية سابقة البناء، المتمثلة لـ «معلومات» واردة من الخارج. ولكن قد يفهم «التمثيل» كذلك من منظور بنائي، حيث تم تصور النشاط اللغوي بوصفه نشاطًا لبناء تمثيلي دلالي؛ لذلك لم يعد «التمثيل» يعارض الإجراء.
لم يتم تدشين هذا المنظور الأخير من قبل القواعد النحوية الإدراكية. ويوفر لنا تاريخ علم اللغة في القرن العشرين العديد من التوضيحيات، وقد اخترنا هنا من بينها التسليم بنظريتين تم وضعهما من قبل علماء اللغة الفرنسية، الأولى سالفة على تطور اللسانيات المسماة الإدراكية، والأخرى بمعزل عن هذه الحركة. الأمر يتعلق من ناحية أولى بـ «نظرية علم النفس الآلي» لـ جوستاف جيوم (1889-1960) ومن ناحية أخرى، بـ «نظرية الإجراءات الملفوظية» لـ أنطوان كوليولي. وسنقدم فيما يلي عرضًا موجزًا، استؤنف جزئيًا من فوكس (2008).
2- النموذج الأول: علم النفس الآلي لـ جوستاف جيوم.
بالنسبة لـ جيوم ينطوي نشاط اللغة على لحظتين نظريتين متميزتين: لحظة «اللغة»، ولحظة «الخطاب». تتوافق اللغة مع جانب «التمثيل»، والخطاب مع جانب «التعبير». ومن شأن مثل هذا التمييز أن يكون جوهر الإنسان- خلاف صرخة الحيوان التي من شأنها ألا تخلق أي مسافة بين فعل التعبير وفعل التمثيل (فاليتا، 2003: 22). التحدي الإدراكي واضح، إنه على المستوى التمثيلي من قبل اللغة سيحدث ما يسميه جيوم «فكر الفكر»، المسجل بطريقة محددة وآلية في العقل البشري، مع ذلك، إن «الفكر المفكر» سيتبارى على مستوى التعبير الذي شُيد في الخطاب من خلال الذات المتحدثة.
في عام 1929، عزا جيوم إلى اللسانيات مهمة تعقب وحدات «الأثر» (الكلام) تجاه وحدات «السلطة» (اللغة)، للعثور على العمليات العقلية التي تكمن وراء هذه الأخيرة:
الواقع الحقيقي لشكل ما، ليس آثار المعاني المتعددة والعابرة التي تنتج عن استخدامه، ولكن العملية الفكرية، ودائمًا هي نفسها التي تسيطر على تعريفه في العقل.
الإسهام الأصلي لنهج اللغة هذا يكمن في المفهوم الديناميكي للتمثيل بعدّهِ حركةً، وليس بعدِّهِ تعيينًا لتسميات ساكنة (فوكس، 2007). ومن ثم المخطط المعروف باسم «المتغير ثنائي الجذر»(6) - الذي يذهب من الكُلي إلى المفرد (من الواسع إلى الضيق)، والعكس بالعكس - والذي قُدِم من قبل جيوم بأنه «نفس ظرف سلطة العقل الإنساني». إنها بالضبط فكرة الحركة المستمرة للفكر، والتي تشكل أهمية جوهرية لأشكال اللغة، والتي تؤسس البناء النظري كله. حول حركة الفكر هذه، الانقطاعات (المصادرة أو المعترض عليها) التي تمت في الخطاب، ومن ثم تنجم معانٍ متغيرة، تبعا للجهة التي تعمل فيها. الفكرة الأساسية هي فكرة الارتباط بين الاستمرار (الحركة) والانقطاع (التوقف عن الحركة).
إن مسألة العلاقات بين اللغة والفكر أمر أساسي في علم النفس الآلي. وكان قد اختار جيوم الدفاع عن الفكرة التي وفقًا لها سيكون الفكر مستقلًا عن اللغة، ولكنه سوف يُفهم هو نفسه من خلال اللغة، كاشفًا هكذا عن مخططاته الإدراكية:
يظل الفكر مستقلًا، من حيث المبدأ، عن اللغة، وأنها ليست سوى القوة التي تمنحها نفسها لفهم نفسها وبنفسها. (جيوم، دروس المجلد 9: 38)
اللغة داخل الإنسان المفكر وفي الفكر الإنساني هي كتاب بناه الفكر الذي يستخدمها -هذه هي الغائية الرئيسية- ليتعرف على نفسه حيث يمثل بناءها الخاص. (جيوم، دروس في اللسانيات المجلد 13: 13). وبالتالي، أعلن جيوم ما برهنه بعض علماء علم النفس العصبي في وقت لاحق ضد أنصار «الفيزيائية العقلية» الصارمة، وهي فكرة أن الدماغ كله الذي يفكر ويفطن، و أن اللغة تشكل الوسيلة التي تسمح للفكر أن يتأمل نفسه.
إن نظرية جيوم لن تكون دون استحضار نهج «السبيرنيتيكا»، الذي كان قد وسم، كما نعلم، كل الفترة الأولى في العلوم الإدراكية. (للاطلاع على عرض حول علم السيبيرنيتيكا، انظر فاريلا عام 1996، ودوبوي 1999). منذ مطلع 1940، أي قبل ظهور البرنامج «الإدراكي»، كانت قد جمعت «المؤتمرات ميسي»(7) الآباء المؤسسين (فون نيومان، وينر، تورينج، مكولوتش) في محاولة لإقامة علم جديد «علم العقل». هذا الذي كان ينبغي عليه الاستناد بشكل خاص إلى التخصصات الرسمية التالية: المنطق الرياضي (لوصف سير عملية التفكير)، ونظرية النظم (لصياغة المبادئ العامة التي تحكم أي نظام معقد)، ونظرية المعلومات (مثل النظرية الإحصائية للإشارة ولقنوات الاتصالات). والافتراض الضمني الوارد هو بالفعل أن الفكر بمثابة عملية حسابية، على غرار الآلة، (ومن هنا سينبثق، في وقت لاحق، اختراع الكمبيوتر، وفقًا لمبادئ فون نيومان). ولكن من الجانب الفيزيائي (وليس الجبر، كما ستفعل ذلك لاحقًا المدرسة الإدراكية) كان سيبحث علماء السيبرنيتيكا نماذجها، مما سمح بعد ذلك بظهور نظريات «التنظيم الذاتي» -والتي من خلالها سيتجرد الشكل من المادة- ومناهج الكائن الحي بوصفها «خاصية ناشئة من هذا التشوش».
عَرَفَ جيوم علم السيبيرنيتيكا، وكان -على الأقل لفترة من الوقت- قد أغوي به (فاليت (8)، 2003: 17 وما يليها). إن هدفه الأولي - من خلال تطوير علم النفس الميكانيكي للغة - كان على ما يبدو بناء آلة للتفكير، وهو نوع من السيبيرنيتيكا قائم على أساس مفاهيم «الوقت الإجرائي» و «المتغير الثنائي». كما هو حال علماء السبيرنيتيكا، تصور الفكر باعتباره تابعًا للميكانيكية واللغة باعتبارها مكونا للجزء الآلي من التفكير. وفي مقابل علم النفس المنهجي -بعد أن ركز على دراسة اللغة- فطن لتأسيس علم الميكانيكا الحدسية «المكرس لدراسة الآليات النفسية التي تتحكم في بناء الأنظمة اللغوية نفسه، ويدرس بعمق بنيتها» (انظر، حول هذه النقطة، مقال علم «الميكانيكا الحدسية» المنشور من قبل لوي، 2007). ووفقا لـ جيوم، فإن هذه الميكانيكية -التي كان يفطن لاقتراحها بوصفها «تحليلًا علميًّا دقيقًا» (مقال 144)- تستند إلى ضرورة التفكير من خلال المقابلات: مقابلة الكون/الإنسان المنعكس من خلال مقابلة الكلي/الفردي، يشكلان متغير الثنائية الجذرية الذي يُعَدُّ إجراءً عامًّا لبنينة اللغة.
في نهاية المطاف، المنظور الذي من خلاله قاد جيوم مشروعه النظري لا يكون من دون استحضار بعض الأبحاث الحالية التي أجريت داخل البَراديم البنائي. على غرار راستييه (1993 : 172 ) الذي يعتبر جيوم بمثابة الجد الوصي للألسنية الإدراكية في اللغة الفرنسية، في الواقع قد نرى في المقاربات الهندسية اللا كمية الديناميكية والمستوحاة من «النظرية الرياضية للكوارث» لـ رينيه توم ورثةً للنسق الفكري الجيومي. وبالتالي يشكل علم النفس الميكانيكي ألسنيات قبل إدراكية، ذات نموذج بنائي. في هذا الصدد، يحتوي مقال الحدس الميكانيكي على بعض الفقرات المخصصة لنشأة صيغ تمثيل المكان والزمان (لوي، محرران، 2007: 92-103) والتي لن تتنصل من تأييد قواعد النحو الإدراكية الحالية: الزمان، ليس قابل للتمثيل مباشرة، صُوِّرَ بوصفه المستعير من المكان شروط التمثيل.
3- النموذج الثاني: نظرية الإجراءات التلفظية لـ أنطوان كوليولي.
وبالنسبة لـ كوليولي، يقدم نظرية الإجراءات التلفظية التي تتألف من «مشروع نظري الأساس» والذي يتناول في الأصل مشكلة تكوين وسير عمل أنظمة التتبع التلفظية (1980: 44). ليس هناك عملية استيلاء على اللغة من خلال الموضوع ولا من خلال الانتقال من اللغة إلى الخطاب، إذ صُمم التلفظ كآلية للبناء؛ بحيث يختص أيضًا -بالنسبة للنظرية- بوصف الإجراءات التي تشكل معنى الملفوظات، ولوضعها في صيغة معينة (بالمعنى القوي للنمذجة الموجهة لإعادة إنتاج الآليات المعنية).
في النموذج الذي يقترحه يشغل مفهوم «التمثيل» مكانًا مركزيًا. ووفقًا له (1990: 21-24)، يحدُث هذا المفهوم على ثلاثة مستويات مختلفة، والتي من الضروري عدم الخلط بينها. أما المستوى الأول فهو مستوى التمثيلات الذهنية، وهذا المستوى من مفاهيمية الواقع لا يمكن الوصول إليه مباشرة، ولا يمكن إدراكه إلا من خلال الأنشطة البشرية، وبخاصة الأنشطة اللغوية. وأما المستوى الثاني فهو مستوى «التمثيلات النصية»: نشاط اللغة هو نشاط تمثيل يفسح المجال للإجراءات اللسانية، والتي لها آثار على شكل علامات لغوية. لذلك فإن هذه هي «تمثيلات التمثيلات» (الخاصة بكل نظام لغوي) حيث يسعى عالم اللغة للعزل وللمراقبة. ولكن من المستحيل أن يذهب مباشرة من هذا المستوى إلى مستوى المفاهيميات: ينبغي عليه أن يشيد مستوى ثالثًا، إنه مستوى «تمثيلات الميتا ألسنية (نظام المصطلحات الأولية، والقواعد والإجراءات)، على افتراض أن الانتقال من المستوى الثاني إلى المستوى الثالث يحاكي على نحو ملائم الانتقال من المستوى الأول إلى المستوى الثاني. وبعبارة أخرى، «نحن بحاجة إلى بناء نظام التمثيل الذي يدور حول هذا النسق من التمثيل الذي هو اللغة» (1990: 23). في هذا المستوى الميتا لُغَوِي، يجب أن يكون عالم اللغة قادرًا على أداء عمليات حسابية، حيث الإجراءات الإسنادية (علامات بين الكلمات المكونة للعلاقة الإسنادية الخبرية) والإجراءات التلفظية (إغراق العلاقة الإسنادية في نسق من الإحداثيات الزمكانية حيث موضوع التلفظ هو المُعَلِّم الأصلي) تتشابك بشكل وثيق.
وقد تم تطوير نظرية الإجراءات التلفظية التي أعدها كوليولي في إطار المناقشات المتوالية والمنتظمة مع الطبيب النفسي فرانسوا بريسون، وعالم المنطق جان بليز جريز، وكذلك مع المتخصصين في علم الأمراض اللغوية في مجال الحبسة والشيزوفرينيا. هذه الألفة مع التخصصات الأخرى من العلوم الإدراكية تفسر حذر المؤلف إزاء الاقتباسات المعتبرة بين التخصصات وإزاء مخاطر التماثلات التعسفية المتعلقة بمفهوم «الإدراك»:
مصطلح مثل «الإدراك» يظهر نفسه غامضًا بشكل خطير؛ لأنه يُسْتَخْدَم للإشارة إلى النشاط العقلي، إلى المحاكاة، إلى سلسلة كاملة من التبسيط لم يتم التحقق منها، وعلى سبيل المثال: من النشاط التمثيلي إلى نشاط الخلايا العصبية، (1995: 31).
وفي هذا الصدد، يختلف موقف كوليولي عن موقف أنصار القواعد النحوية الإدراكية، لمن لا يجد (لقد رأينا ذلك) فرقًا في الطبيعة بين التمثيلات المفاهيمية والتمثيلات الدلالية في العمل من خلال اللغات- وهذا في الواقع يرجع لتجاهل التمييز بين مستويات التمثيل الثلاثة. يكمن مدخل نظرية الإجراءات التلفظية نحو الإدراك في المراهنة على أن المرور بين التمثيلات النصية والتمثيلات الميتا ألسنية يحاكي بطريقة تناظرية المرور بين التمثيلات المفاهيمية والتمثيلات النصية. أو فلنقل بشكل مجازي: إن الميتا مشغلات لعالم اللغة هي بالنسبة لمشغلات اللغة ما تكونه هذه بالنسبة لمشغلات الفكر.
هل لاتزال اللسانيات الإدراكية لسانيات؟
تسعى كلتا النظريتين اللتين ذُكرتا للتو، كلٌ بطريقتها، لإقامة جسر بين البنى الدلالية للغة والبنى المفاهيمية للفكر. وفي هذا الصدد، فإنهما تَظْهَرَانِ بعدّهما مدخلًا للإشكاليات الإدراكية. كما ذُكر أعلاه، ولا ينطبق هذا بالضرورة على جميع النظريات اللغوية التي تلتزم فقط بدراسة الروابط بين الأشكال والمعاني ضمن لغة معينة -نهجٌ مشروعٌ تمامًا في حد ذاته، ولنُصِرَّ على ذلك - لا تستدعي مثل هذا الهدف. في الواقع من المستحيل في علم اللغة معالجة مسألة إسهام اللغة في الإدراك البشري دون الأخذ بعين الاعتبار تنوع اللغات (فوكس وروبرت، طبعة، 1997). هذا التنوع هو معطى واقعي يُلزم عالم اللغة فيما وراء الاختلافات الملحوظة بين اللغات، بافتراض وجود مشغلات وعلاقات ثابتة - مثل المتغير الثنائي الجذري لـ جيوم، أو الميتا مشغلات لـ كوليولي - والتي من المرجح أن توضع على الطريق المؤدي إلى الخصائص العامة للغة:
كيف نتبين الثوابت في اللسانيات، دون طرح السؤال الحتمي، باحثين عن كيفية تمثيل تشكيلات (البيانات، أو التصنيفات، وما إلى ذلك) لغة معينة، والإبقاء على هذه الخصوصية، بل الحفاظ أيضًا على إمكانية المعالجة، بتماثل، أو تطابق، أو تساوق تشكيلات من لغة أخرى؟ أيمكن أن أثق في حدسي وأجازف باعتبارها نظرية (علمية) تلك الأفكار التي أجريتها على اللغويات والعالم، من خلال تجربتي في اللغة؟ (كوليولي، 1980: 40).
1- الثوابت والمتغيرات:
منذ فترة طويلة وقبل أن تبدأ قواعد النحو التوليدي والنحو الإدراكي في الاهتمام بذلك، كان البحث عن ثوابت اللغات البينية موجودًا بالفعل في قلب أعمال علماء التصنيف. بين المستوى الإدراكي (افتراض عالمي) -مستوى الإدراك والمحتويات المفاهيمية- والمستوى اللساني (متغير) -مستوى القواعد النحوية الخاصة للغات- وضع علماء التصنيف بالفعل هدفًا لإعادة بناء مستوى متوسط، حيث يمكنهم استخلاص علاقات ثابتة (لازار 2006). على هذا المستوى، المسمى «ما قبل اللغوي» من قبل لازار أو «النحو العام المقارن» من قبل سيلر، يرتسم «إطار التغييرات»، أي الحدود التي يجب أن تعمل نماذج التغييرات بينها لازار، أو أيضًا «الائحة بتوفير أقصى قدر من التقنيات والتصنيفات النحوية التي تشكل اللغات الفردية من خلالها خياراتها الخاصة» (سيلر، 2000).
تناولت اللغويات التي يطلق عليها إدراكية مسألة الثوابت اللغوية. ونظرًا لضيق المساحة، فإننا لن نطور هذه النقطة. وحول وضعية القواعد النحوية الإدراكية، انظر على سبيل المثال (لانجاكر 2003). حول وضعية قواعد النحو التوليدي (مبادئ عالمية وإعدادات متغيرة المعايير)، الذي يولي بعض الاهتمام للتغيير، يمكننا أن نرجع إلى (بوشار، 2003) و(روفير 2004) أو على نحو أكثر عمومية حول وضعية اللغويات الرسمية، (لاكس 2002). دعونا ببساطة نذكر أنه في الكتابات الأحدث لـ«تشومسكي» (هاوزر وآخرون، 2002)، تعتبر «العودية»(9) بمثابة الآلية الوحيدة العالمية في العمل من خلال ملكة اللغة (بالمعنى الضيق). على عكس )«جاكندوف» 1999)، الذي يرى في ذلك إحدى مراحل تطور ملكة اللغة، ويفترض تشومسكي أن هذه القدرة الحسابية قد تكون سابقة الوجود عند البشر قبل ظهور اللغة (فيكتوري 2007).
وراء مسألة الثوابت والمتغيرات يظهر مسألة أخرى، تم استحضارها منذ بضعة عقود: مسألة النسبية اللغوية. حول هذا النقاش فلنستشهد بشكل خاص بـ لوسي (1992) (جومبرتس، وليفنسون، محرران، 1996)، (هيكمان، 2002) أو أيضًا فندلواز (2003). بمجرد أن يدرك المرء في اللغة دورًا من خلال البناء الإدراكي المفاهيمي، يدفعه ذلك إلى التساؤل عما إذا كانت اللغة لا تقوم سوى باختيار وتنظيم مفاهيم موجودة مسبقًا، أو إذا ما يتاح بإنشاء نماذج جديدة فيها، التي قد لا توجد بدونها. على سبيل المثال، هل هي مصدر التفكير التأملي (حسبما اقترح جيوم) أو أيضًا مصدر العمليات الحسابية المعقدة -الصيغية، الزمانية والمكانية- فيما يتعلق بتثبيت المتكلم (كما توحي بذلك نظرية التلفظ)؟ في كلتا الحالتين، إن عملية قبول فرضية النسبية اللغوية (في نسختها القوية أو الضعيفة)، أنه افتراض بأن يكون لديها تأثير ما من خلال العودة للبنى الدلالية للغات من خلال تنوعها، فيما يخص طريقة التصنيف وفهم العالم (كما يفعل، على سبيل المثال سلوبان ((1996 مع مفهومه عن «التفكير للتحدث»؛ إذن الأمر يقتضي أن نطرح جزئيًا مسألة العالمية المفترضة للمفاهيم واستقلالها عن اللغة.
2- الملاءمة الإدركية:
وكما ذكر أعلاه، ليست أي نظرية لغوية تهدف إلى أن تكون إدراكية. ومع ذلك، فإن اللغة التي تريد التوجه نحو الإدراك يجب، على الأقل، أن تهتم بالعلاقات بين الثوابت اللغوية -دون التحدث عن تنوع اللغات البينية - والنشاط الإدراكي:
إذا كان هناك لغة عالمية، فمن المعقول أن نفترض أنها تستند، إلى حد ما، على القدرات الإدراكية للدماغ البشري وكيف تدرك العالم. ولذلك فمن المشروع أن نسعى إلى إقامة صلات بين خصائص اللغة والأنشطة الإدراكية. (لازار، 2004: 18)
هذه هي بالضبط وجهة نظر اللغويات «الإدراكية»، التي تدرك عدم اختزالها في «لسانيات ضيقة للغاية». في الواقع يضاف إلى المتطلبات الكلاسيكية لأي نظرية لغوية عامة، متطلب آخر: الأهمية الإدراكية. (فوكس، 2004: 1-6؛ فوكس، 2007: 37-38).
ولكن، قد يقال: هل يُتاح حقًا لعالم اللغويات -بإعداده أدواته النظرية- ربطُ الثوابت اللغوية بالأنشطة الإدراكية؟ وهل لديه الوسائلُ لذلك، ولكن دون الخروج من حقل استقصاءاته الخاصة؟ يجيب لازار عن هذا السؤال بالنفي (2004: 20):
يمكن للمرء أن يتساءل حتى عما إذا كان يجب على اللغوي البحث عن الروابط بين الثوابت وجوانب النشاط الإدراكية؟ أشعر بالميل إلى التفكير بـ (لا). إن جانبه هو استكشاف لغات وتقديم إدراكيات علمية مع ثوابت راسخة في التحليل المقارن لمجموعة متنوعة من اللغات، وتحقيق ذلك من خلال منهجية صارمة، أي مع استنتاجات موضوعية. هذه هي إسهامات مهمة لفهم العمليات الإدراكية. والأمر متروك للمتخصصين في العمليات الإدراكية لاستثمارها ودمجها في نظرياتهم.
التحذير نفسه من جانب كوليولي (1980: 40):
كل قفزة من المستوى III (مستوى التمثيل الميتا لساني) إلى المستوى I (مستوى التمثيلات المفاهيمية) أو من الأول إلى الثالث (دون القلق من تباينها) تجازف بالغرق في شبه الواقعية (ما يطلق عليه البعض «المادية المبتذلة») أو الغرق في تكهنات دون أي أساس حجاجي سوى ممارستنا اللغوية الخاصة، وهذا يعني، في نهاية المطاف، أن تفسيراتنا تكسوها الميتا لُغة.
على العكس من ذلك، فإن عددًا من أنصار «المدرسة الإدراكية»، الذين تهيمن عليهم أطروحة «تجنيس» المادة اللغوية، لا يترددون في النظر بكل بساطة إلى اللسانيات بعدِّها فرعًا من علم النفس، أو حتى أيضًا علم الأحياء:
إن اللغويات التوليدية لا تؤكد فقط على أن القواعد النحوية كانت قد استودعت بشكل أو آخر، دماغ شخوص المتحدثين، بل تقترح، فضلًا عن ذلك، ما يمكن تسميته مع ميلنر «مسرحًا واقعيًّا» بالطريقة التي تكونها، من خلال تفاصيل مبادئها، وقواعدها وإجراءتها. بهذا المعنى، فإن النظرية الإبستمولوجية اللسانية التشومسكية هي في الواقع نظرية إبستمولوجية المنطوق. (بوفيرس، 2001: 33).
نسخة متطرفة من هذا الوضع الغريزي للتسجيل البيولوجي للملكة الذهنية للغة موضحة من خلال البحث عن «غريزة اللغة» وعن «جين للقواعد النحوية» من قبل بينكر (1994). من أجل تفكيك نقدي لهذه النسخة، انظر (فورتيس، 2007). ومن المفارقات أن أطروحة «نمطية» اللغة تمكن قواعد النحو التوليدي من تأمين نفسها على الرغم من أن أي «مكانة» لغوية حقًا- مُقَيَّدة، في هذه الحالة، بدراسة توافقية بناء الجملة:
يجب علينا أن نميز بدقة بين النحوي والإدراكي... بافتراض أن هذا التمييز ضروري، وهو في الوقت نفسه إقرار أن هناك تنظيمًا لغويًّا نوعيًّا، مميزًا ، على نحو خاص، عن النظم الإدراكية والنظم البيولوجية الأخرى (2004: 71)..
موقف تحدٍّ واضح من قواعد النحو الإدراكي التي تحاول إيجاد أوجه شبه بين نشاط اللغة والأنشطة الإدراكية الأخرى (الإدراك البصري، الحركة في الفضاء، كلام الجسد،...) - بالمخاطرة، حقًا، بالوقوع في العيوب التي ندد بها كوليولي، كما يتضح من الطابع الحدسي لمخططاتهم.
وعمومًا، على الرغم من الضرورة المعلنة للملاءمة الإدراكية بالنسبة لنظرياتهم، يتذبذب دعاة اللسانيات «الإدراكية»،كما رأينا ذلك، بين تحفظ حذر وبعض الومضات الحدسية غير الآمنة من الناحية العلمية. حجتهم الوحيدة الحقيقية هي في نهاية المطاف الطابع الإبستمولوجي، إن هؤلاء وأولئك يطالبون ببراديم (المدرسة الإدراكية والبنائية) الذي يدافعون معه عن توافق النهج النظري للغة. ولكن نادرًا ما نجد مثل أولئك الذين يزعمون بناء نظرية متكاملة حقيقية حول المعمار البنائي، والوظيفي، والعصبي للمعرفة اللغوية على حد سواء، مثل لامب (1999)، ولا شك أن المشروع لم ينضج بعد.
كما يلاحظ لازارد (2007: 14)، أن البحث عن الروابط بين النظرية اللغوية والإدراك يتم في قواعد النحو الإدراكية في كلا الاتجاهين. تارة يسعى العالم اللغوي لشرح ملاحظاته أو لدعم مفاهيمه من خلال دوافع «خارجية» عن الطابع الإدراكي. وتارة يحاول استنتاج خصائص عامة للعقل البشري انطلاقًا من ملاحظاته ومفاهيمه. وفي هذا الصدد، فإن تجربة بعض علماء علم النفس الميكانيكي المبكرين، مثل روش فالين، أو تشارلز بوتون، هي مفيدة للذهن. فلنأخذ على محمل الجد فكرة جيوم التي وفقًا لها يتوافق مفهوم «الزمن الإجرائي» مع العمليات العقلية الفعلية، وهذه التي تأمل في العثور على آثار ملحوظة لهذه الإجراءات على المستوى السلوكي وكذلك على علامات على المستوى الدماغي. لكنهم سرعان ما أصيبوا بخيبة أمل. في المقابل، فإن مونيريه (2003) اقترح مسار التقارب المعكوس، ويتساءل كيف أن مفاهيم علم النفس الميكانيكي تكون على الأرجح لتسليط الضوء على بعض ملاحظات علم النفس العصبي، على سبيل المثال، مثل مختلف الظواهر التي تبدو متابينة الملاحظة في مجال علم أمراض اللغة، في الحبسة اللغوية.
الخلاصة:
دعونا نلخص. فيما يخص السؤال الأول: «هل كل اللسانيات إدراكية؟» بأن نجيب بالنفي. والثاني: «ألا تزال اللسانيات الإدراكية لسانية؟» نجيب بالإيجاب. ولكن مع تحذير مهم: في الوقت الحاضر (وربما لا يزال لفترة طويلة)، فإن انفتاح اللسانيات نحو الإدراك لا يمكن أن يكون بشكل جوهري سوى ذا طابع إبستمولوجي. لا يبدو من المرجح في المستقبل القريب، إمكانية توحيد العصبي النفسي واللغوي؛ حيث إن أي برنامج «إدراكي» حول اللغة يُجَيِّشُ وُعُودَهُ. في انتظار اللغويين ذوي التوجه الإدراكي بخطر تمييع المتطلبات الخاصة بالنسق العلمي، وذلك بسبب موضة «كل شيء إدراكي».
يتطرق هذا البحث إلى مسألة الوضعية النظرية وشرعية مفهوم اللسانيات الإدراكية، وذكر أولًا (الفقرة 1) الظروف التاريخية لنشأة تيارين كبيرين من اللسانيات الإدراكية في الولايات المتحدة: وذكر قواعد النحو التوليدي (الذي يندرج ضمن نموذج «الحسابية- الرمزية التمثيلية» للمدرسة الإدراكية الكلاسيكية)، والقواعد النحو-إدراكية (المطالبة بالبراديم البنائي).
ثم (الفقرة 2) التي تدافع عن الفكرة القائلة بأن نظرية اللسانية لا نستطيع أن نقول عنها «إدراكية» إذا كانت لا تسعى إلى الربط بشكل واضح بين المعاني والمفاهيم، مما أدى إلى إشكالية العلاقة بين اللغة والفكر. وتم طرح نموذجين للنظريات الخارجية عن حركة الإدراكية الرسمية، ولكنهما يشهدان مثل هذا الانفتاح نحو الإدراك: نظرية جوستاف جيوم ونظرية العمليات أو العوامل التلفظية لـ أنطوان كوليولي.
وأخيرًا (الفقرة 3) دراسة ظروف ومخاطر الربط بين اللساني والإدراكي: بحث الثوابت اللغوية فيما وراء الاختلافات البين لغوية ومتطلبات الملاءمة الإدراكية بالنسبة للنظرية اللسانية.
وأخيرًا، فعلى ما يبدو أن نظرية لتوحيد العصبي النفسي واللغوي بالكاد ممكنة في المستقبل القريب، الأمر في المقام الأول هو البحث عن براديم إبستمولوجي مشترك مع التخصصات الأخرى التي تخص المشروع اللساني والإدراكي.
الهوامش:
1- عالمة لغوية ومديرة الأبحاث في (cnrs) المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا ومديرة البرنامج الإدراكي.
2- عالم لغويات فرنسي ( فبراير 1920- مارس 2013).
3- جيري ألان فودور، المولود في 1935 في نيويورك، وهو فيلسوف أمريكي . إنه أحد من الممثلين الرئيسين للوظيفية في فلسفة العقل، وهو مؤسس نظرية الحسابية الذهنية. كما أنه مؤلف مجموعة من الأعمال المهمة في العلوم الإدراكية المعرفية حول افتراض نمطية العقل وحول لغة الفكر .
4- آلان روفير عالم ألسنيات فرنسي.
5- بيرنار فيكتوري مدير (CNRS).
6- المُوَتِّر (1)، أو المُمْتَدّ (2) هو، في الرياضيات، أحد الدالات الرياضية بجانب الأعداد أو الكميات المطلقة التي لا تتميز بوحدات للقياس. يتميز الموتّر بأنه يحتوي في خواصه خواص الأعداد المطلقة، والمتجهات، والمعاملات الخطية.
7- المؤتمرات ميسي، نظمت في نيويورك من قبل مؤسسة ميسي بمبادرة من طبيب الأعصاب وارن مكولوك، التقى على فترات منتظمة من عام 1942 إلى عام 1953، مجموعة متعددة التخصصات من علماء الرياضيات، علماء المنطق والأنثروبولوجيا، وعلماء النفس وخبراء الاقتصاد الذين كان هدفهم بناء علم عام لكيفية عمل العقل. وكانوا في الأصل من تيار التحكم الآلي، والعلوم الإدراكية وعلم المعلومات.
8- فاليت ماتيو عالم لغوي فرنسي.
9- استدعاء ذاتي أو العودية أو تَعَاوُدِيٌّ (صفتها تعاوديّة) أو الاجترار، هو عملية تكرار الشيء بطريقة مشابهة ذاتيا.
RÉFÉRENCES
- ANDLER, D. (1989). «Sciences cognitives», Encyclopaedia Universalis.
- ANDLER, D. (2004 [1992]). «Introduction. Calcul et représentation: les sources». In Andler, D. (ed.) (2004 [1992]): 13-50.
- ANDLER, D. (ed.) (2004 [1992]). Introduction aux sciences cognitives. Paris: Gallimard.
- AUROUX, S. (ed.) (2007). Le naturalisme linguistique et ses désordres. H.E.L. XXIX/2.
- BOUCHARD, D. (2003). «Les universaux en syntaxe générative: le formel issu du substantiel». In C. Vandeloise (ed.) (2003): 59-77.
- BOUVERESSE, J. (2001). «Psychologie et linguistique: qu’y a-t-il de proprement "mental" dans la signification et la compréhension ?». In De Mattia, M. et al. (eds.) (2001): 17-34.
- BRES, J. & al. (eds.) (2007). Psychomécanique du langage et linguistiques cognitives. Limoges: Lambert-Lucas.
- CARRUTHERS, P & J. BOUCHER (eds.). (1998). Language and Thought: Interdisciplinary Themes. Cambridge: Cambridge University Press.
- CHAROLLES, M. & al. (eds.) (2007). Parcours de la phrase. Mélanges offerts à Pierre Le Goffic. Paris: Ophrys.
- CULIOLI, A. (1980). Rapport sur un rapport. In Joly, A. (ed.) (1980): 37-47.
- CULIOLI, A. (1990). Pour une linguistique de l’énonciation, vol. 1. Paris / Gap: Ophrys.
- CULIOLI, A. (1995). Cognition and Representation in Linguistic Theory. Amsterdam/Philadelphia: Benjamins.
- DE MATTIA, M. & A. JOLY (eds.) (2001). De la syntaxe à la narratologie énonciative. Gap/Paris: Ophrys.
- DESCLÉS, J-P. (1994). «Réflexions sur les grammaires cognitives». Modèles linguistiques, 29/XV: 69- 98.
- DUPUY, J-P. (1999 [1994]). Aux origines des sciences cognitives. Paris: La Découverte.
- EYSENCK, M. & al. (eds.) (1994). Blackwell Dictionary of Cognitive Psychology. New-York: Wiley.
- FORTIS, J-M. (2007). «Le langage est-il un instinct? Sur le nativisme de Pinker». In S. Auroux (ed.) (2007): 177-214.
- FRAJZYNGIER, Z. & al. (eds.) (2004). Linguistic Diversity and Language Theories. Amsterdam/Philadelphia: Benjamins.
- FRANÇOIS, J. (2004). «Le fonctionnalisme linguistique et les enjeux cognitifs». In Fuchs, C. (ed.) (2004): 99-134.
- FUCHS, C. (2004). «Pour introduire à la linguistique cognitive». In Fuchs, C. (ed.) (2004): 1-24.
- FUCHS, C. (ed.) (2004). La linguistique cognitive, Paris: Ophrys/Maison des sciences de l’homme.
- FUCHS, C. (2007). «La psychomécanique est-elle une linguistique cognitive?». In Bres, J. & al. (eds.) (2007): 37-53.
- FUCHS, C. (2008). «Linguistique française et cognition». Actes du Congrès Mondial de Linguistique Française. CD-Rom, Paris: Institut de Linguistique Française, CNRS :
(Congrès Mondial de Linguistique Française ou HAL-SHS - Sciences de l'Homme et de la Société - Accueil).
- FUCHS, C. & S. ROBERT (eds.) (1997). Diversité des langues et représentations cognitives. Gap/Paris: Ophrys; trad. angl. (1999). Language Diversity and Cognitive Representations. Amsterdam/Philadelphia: Benjamins.
- GUILLAUME, G. (1929). Temps et Verbe. Paris: Champion.
- GUILLAUME, G. (1989). Leçons de Linguistique 1947-48 (vol. 9). Lille: Presses universitaires, et Québec: Presses de l’Université Laval.
- GUILLAUME, G. (1995). Leçons de Linguistique 1958-59 et 1959-60 (vol. 13). Paris: Klincksieck, et Québec: Presses de l’Université Laval.
- GUMPERZ, J. & C. LEVINSON (eds.) (1996). Rethinking Linguistic Relativity. Cambridge: Cambridge University Press.
- HAUSER, M., CHOMSKY, N. & W. FITCH (2002). «The faculty of language: what it is, who has it, and how di dit evolve?». Science 298: 1569-1575.
- HICKMANN, M. (2002). «Espace, langage et catégorisation: le problème de la variabilité inter- langues». In J. Lautrey & al. (eds.) (2002): 225-255.
- HOUDÉ, O. & al. (eds.). (1998). Vocabulaire des sciences cognitives. Paris: PUF.
- JACKENDOFF, R. (1999). «Possible stages in the evolution of the language capacity». Trends in Cognitive Sciences 3/7: 272-279.
- JOLY, A. (ed.) (1980). La psychomécanique et les théories de l’énonciation, Lille: Presses universitaires.
- LAKS, B. (2002). «Un exemple de modélisation des invariants et de la variabilité linguistiques: la Théorie de l’Optimalité. In J. Lautreay & al. (eds.) (2002): 175-192.
- LAMB, S. (1999). Pathways of the Brain. The Neurocognitive Basis of Language. Amsterdam/Philadelphia: Benjamins.
- LANGACKER, R. (1987). «Nouns and verbs». Language 63: 53-94 ; trad. fr. «Noms et verbes». Communications 53: 103-153.
- LANGACKER, R. (2003). «Grammaire, cognition et le problème de la relativité: le cas de la possession». In C. Vandeloise (ed.) (2003): 205-237.
- LASSÈGUE, J. & Y-M. VISETTI. (2002). «Que reste-t-il de la représentation?». Intellectica 35: 7-25.
- LAZARD, G. (2004). «What are we typologists doing?». In Z. Frajzyngier & al. (eds.) (2004): 1-23.
- LAZARD, G. (2006). La quête des invariants interlangues: la linguistique est-elle une science? Paris: Champion.
- LAZARD, G. (2007). «La linguistique cognitive n’existe pas». Bulletin de la Société de linguistique de Paris CII/1: 3-16.
- LAUTREY, J. & al. (eds.) (2002). Invariants et variabilité dans les sciences cognitives. Paris: Editions de la Maison des sciences de l’homme.
- LOWE, R. (dir.) (2007). Essais et mémoires de Gustave Guillaume. Essai de mécanique intuitionnelle I. Espace et temps en pensée commune et dans les structures de langue. Québec: Presses de l’Université Laval.
- LUCY, J. 1992). Language Diversity and Thought: a reformulation of the linguistic relativity hypothesis. Cambridge: Cambridge University Press.
- MONNERET, P. (2003). «Les exigences théoriques d’une neurolinguistique guillaumienne». Le Français Moderne. LXXI/1: 133-146.
- PINKER, S. (1994). The Language Instinct: the new science of language and mind. Londres: Penguin.
- RASTIER, F. (1993). «La sémantique cognitive: éléments d’histoire et d’épistémologie». Histoire, Epistémologie, Langage 15/1: 153-187.
- ROUVERET, A. (2004). «Grammaire formelle et cognition linguistique». In Fuchs, C. (ed.) (2004): 27- 71.
- SEILER, H. (2000). Language Universals Research: a Synthesis. Tübingen: Gunter Narr.
- SLOBIN, D. (1996). «From "Thought to Language" to "Thinking for Speaking"». In J. Gumperz & C. Levinson (eds.) (1996): 70-96.
- VALETTE, M. (2003). «Enonciation et cognition: deux termes in absentia pour des notions omniprésentes dans l’œuvre de Guillaume». Le Français Moderne LXXI/1: 6-25.
- VANDELOISE, C. (2003). «Diversité linguistique et cognition». In Vandeloise, c. (ed.) (2003): 19-58.
- VANDELOISE, C. (ed.) (2003). Langues et cognition. Paris: Hermès.
- VARELA, F. (1996 [1989]). Invitation aux sciences cognitives. Paris: Le Seuil.
- VICTORRI, B. (2004). «Les grammaires cognitives». In Fuchs, C. (ed.) (2004): 73-98.
- VICTORRI, B. (2007). «Termes en *kw-, récursivité et origine du langage». In Charolles, M. & al. (eds.) (2007): 259-273.
- كاترين فوكس*
* مديرة الأبحاث ومنسق البرنامج الإدراكي في المركز الوطني للبحث العلمي، فرنسا.
- لطفي السيد منصور
** مترجم مصري.
* المصدر:
مجلة فصول العدد 100
إن التعريفات المعطاة هي تمثيلات الخيار الأول، على سبيل المثال، من قبل أندلر 1989:
إن مادة «العلوم الإدراكية» هي الوصف، أو الشرح، وعند الحاجة، تكون: محاكاة الميول الأساسية وقدرات العقل البشري، مثل اللغة، والتفكير، والإدراك، والتنسيق الحركي، والتخطيط...
أو من قبل هوديه و آخرين (1998:1):
إن العلوم الإدراكية تفرض نفسها اليوم حقلًا جديدًا من المعرفة، يحاول التفسير من خلال التجريب، والنمذجة، واستخدام التقنيات المتقدمة، و«سر العقل» من خلال علاقاته بالمادة: الدماغ، والجسم، والحاسوب.
في المقابل: الخيار الثاني، نجد تعريف قاموس «بلاكويل» لعلم النفس الإدراكي (م.إيسينك وآخرون، طبعة 1994)، إذ يشير(مصطلح) العلوم الإدراكية إلى التخصصات المتعددة لاكتساب واستخدام المعرفة. وتعريف فاريلا (1996):
للمرة الأولى، يعترف العلم بشرعيته في التنقيب عن المعرفة في حد ذاتها، وعلى جميع مستوياتها، وهذا يمثل ما وراء الحدود التقليدية لكل من علم النفس ونظرية المعرفة حيث كان الأمر حكرًا عليهما.
تحديدًا يندرج لازار في هذا الجيل الثاني (2004):
يُقصد بـ «العلوم الإدراكية» تلك التخصصات التي تتعلق بمختلف جوانب النشاط الحسي والفكري والتي بواسطتها يتعرف الإنسان على العالم من حوله. ندرج فيها بيولوجيا الأعصاب وعلم النفس والذكاء الاصطناعي، ونظرية الاتصال، و«فلسفة العقل»، إلخ.
قبل أن نصدر على اللسانيات المسماة إدراكية هذا الحكم النقدي. «فغالبًا ما نضمنها أيضًا اللسانيات، وهذا واضح إذا كان ثمة اعتقاد أن التفكير المفاهيمي يرتبط ارتباطًا وثيقًا باللغة. في المقابل، لو أن أحدًا كان حساسًا وبخاصة تجاه خصوصية الظواهر اللغوية، ونحن سوف ننظر لها وكأنها تخصص ذو صلة، ولكن متميز. وفي كلتا الحالتين، فإن مفهوم اللسانيات الإدراكية غامض. في الحالة الأولى، فإن أي لسانيات هي إدراكية. أما في الحالة الثانية، لا يكون أيٌّ منها كذلك».
إذن السؤال المركزي الذي يطرحه لازار هو: هل مفهوم اللسانيات الإدراكية مُبَرَّرٌ نظريًا، وهل له معنى فعلًا؟ من الواضح أن الأمر يتعلق بسؤال مبدئي، مع العلم أيضًا أن تسمية «اللسانيات الإدراكية» هو بمثابة اعتراف فعلي، وأن التيارات المختلفة تطالب بذلك بطريقة أو بأخرى «لا يكاد يكون هناك اليومَ اللغويُّ الذي لا يفتخر بممارسة "الــلسانيات الإدراكية". فالإدراكي هو الموضة» (لازار في عام 2004: 1). «محتوى هذا الاقتباس يستدعي بالمناسبة أن «اللسانيات الإدراكية» ليست تيارًا موحدًا، لكنها تغطي عدة تيارات، متضادة ربما. واستعادة موجزة لظروف نشوء وتطور ما يُجَمَع عادة تحت مصطلح «اللسانيات الإدراكية» سيتيح لنا استدعاء هذا التنوع. لعرض أكثر تفصيلًا، انظر فوكس (2004).
اللسانيات المسماة إدراكية
لقد ولد في الولايات المتحدة التياران الرئيسان المطالبان بـ «لسانيات إدراكية». من ناحية أولى، النحو التوليدي الذي يندرج في البردايم الكلاسيكي للمدرسة الإدراكية. من جهة أخرى، القواعد النحوية الإدراكية التي تطالب ببردايم آخر (أحيانًا يوصف بالبنائي).
1- تشومسكي والمدرسة الإدراكية:
يتوافق التأريخ الرسمي على تتبع المنعطف الإدراكي للسانيات بداية من عام 1956. حينئذ اجتمعت حلقتان دراسيتان حول مشروع إبستمولوجي مشترك (عُرف فباسم البرنامج الإدراكي) شارك فيهما اللغوي نعوم تشومسكي، وعالم النفس هربرت سيمون، ومارفن منسكي خبير الذكاء الاصطناعي. كان يهدف هذا المشروع متعدد التخصصات إلى توصيف عملية تشغيل العقل من خلال الملكات التي يطورها، وبخاصة من خلال ملكة اللغة. كانت الفرضية المؤسسة هي إمكانية تعريف الإدراك البشري، على طريقة الآلة، بعبارات حسابية تطابق معالجة مختلف أنواع المعلومات التي يحصلها الإنسان. وهكذا وجدت اللسانيات الرسمية نفسها طرفًا معنيًا في المشروع العام للعلوم الإدراكية.
وأطلق على البردايم الكلاسيكي، الذي وجه هذا المشروع، الحسابية التمثيلية الرمزية. إنه يؤسس على فكرة الحسابات (الحسابية المنطقية) على الرموز. ولقد اشتهرت هذه الرموز التي لها واقعٌ على حد سواء: مادي؛ أي عصبي بيولوجي، ودلالي: إنها قد تُسجل بطريقة أو بأخرى في الدماغ، وأنها قد تمثل على نحو ملائم العالم الموضوعي. وبالتالي فإن النشاط اللغوي يعود لمعالجة المعلومات، ويفسح المجال لقواعد تركيبة تداولية الرموز. ولقد استندت المدرسة المعرفية أواخر 1950 إلى حد كبير على استعارة «العقل الآلة» التي يتقاسمها علم النفس الإدراكي، والفلسفة الإدراكية والذكاء الاصطناعي. محاكاة المخ لم يكن قد تم استغلالها بشكل كبير سوى في وقت لاحق، في أواخر 1980، في إطار عملية التقارب مع علوم الأعصاب.
بتبني هذا النموذج الكلاسيكي، أيدت النظريةُ التشومسكيةُ عددًا من الخيارات النظرية والمنهجية. باختصار: نهج فرضي استنباطي، و«منظور نمطي modulaiste» (نسبة لفودور(3)) - وفقًا له الملكة اللغوية ستكون فطرية وتستند إلى قدرات خاصة، ومنفصلة عن الإدراك المعرفي العام- مفهوم عن اللغة بوصفها أداة للتعبير عن الفكر تتيح نقل معلومات عن العالم واللجوء إلى عمليات نمذجة من نوع المنطقية الجبرية. من أجل عرض مفصل عن طريقة تسجيل النحو التوليدي التشومسكي في مجال العلوم الإدراكية. انظر، روفير(4) (2004)
2- القواعدة النحوية الإدراكية:
على مر السنين، مثَّل النموذج الإدراكي مادة للانتقادات من جانب التخصصات المختلفة المعنية بالدراسة الإدراكية. تدريجيًا، ظهرت بدائل التوجه الرمزي، وسعت لتحديد نوع جديد من «البردايم» (المسمى «البنائي» وأحيانًا «الارتباطي»).
نتيجة صدى هذا التطور العام، برز اتجاه جديد ضمن اللغويات المسماة الإدراكية. وكان في بداية 1970 على الساحل الغربي للولايات المتحدة. سعى العديد من الكتاب إلى تعيين حدود قواعد النحو التوليدي الذي انطلقوا منه (أمثال جورج لاكوف، رونالد لانجاكر، ليونار تلمي، جيل فوكونيه). وبعد ذلك وضعوا أشكالًا مختلفة من «قواعد النحو الإدراكية». من أجل عرض مفصل لهذا التيار من قواعد النحو الإدراكي، انظر فيكتوري(5) 2004.
ترفض قواعد النحو الإدراكية في آن كلا من الخيار «النمطي»، وسيادة بناء الجملة، والفرضية التي تشكل قواعد النحو الرسمية نماذج مناسبة للسانيات الإدراكية. بعيدًا عن اعتبار اللغة بمثابة «وحدة» نوعية لا يمكن اختزالها (مصبوبة في قالب)، ويسعى المشتغلون بالنحو الإدراكي جاهدين، في المقابل، إلى ربط الظواهر اللغوية بالعمليات العامة للمعرفة الإدراكية، وبالتالي التركيز على المخططات المكانية.
من خلال الاختلاف مع قواعد النحو الرسمية، يتميز هذا التيار الآخر من اللسانيات الإدراكية بمعالجة استقرائية للغاية، وباتباع نهج أكثر تفاعلية. لقد مُنحت مكانة مركزية لعلم الدلالة، الذي نبّه لبناء الجملة والمعجم الذي تفاعل معهما. إن مفهوم اللغة الذي تصدَّر هذا التيار يمكن أن يوصف بـ «الانبثاقي»؛ إذ إنه ينظر للغة بوصفها أداة مفاهيمية نشطة للعالم. في النهاية، تستعير أدوات النمذجة بشكل تفضيلي، من الهندسة؛ من الأنظمة الديناميكية أو الارتباطية (عوضًا عن الجبر والمنطق الرياضي).
3- هل هناك معنى لمصطلح اللسانيات الإدراكية؟
من هذه الخلفية التاريخية المختصرة نلاحظ ما يأتي: وُلِدَتْ اللغويات المسماة إدراكية كما هو مسجل من قبل التأريخ الرسمي في الولايات المتحدة؛ وأدى هذا المنعطف النظري - في حالة قواعد النحو الإدراكية - إلى جعل الافتراضات التوليدية موضع تساؤل. باستثناء تيار الوظيفية الجديدة الذي يشكل حالة خاصة ويستحق، من وجهة النظر هذه، تطورًا نوعيًّا (انظر فرانسوا 2004)، إنها الحركة التي تطورت من دون الارتباط بتقاليد أوروبا القديمة، على الرغم من تبني «بردايمات» جديدة، تم الترويج لها من قبل هذه التيارات بواسطة العديد من الباحثين الأوروبيين. نفهم، بالتالي، التأكيد المفاجئ نوعًا ما من لازار (2004:14) والنظر لمصطلح «اللسانيات الإدراكية» بمثابة تعبير عصري، لا معنى له في أي مكان آخر غير الولايات المتحدة، وعلى أي حال، بين أولئك الذين لم يخضعوا لتأثير المدرسة التوليدية.
دعونا الآن نعود إلى السؤال المحوري المطروح من قبل لازار الذي يتعلق بصميم ظروف إمكانية وجود لسانيات إدراكية. ووفقًا له، فإن أية نظرية ألسنية تود أن تكون إدراكية ستواجه بالضرورة معضلة. أو إنها ستقوم بالعودة فقط إلى المفهوم التقليدي للغة بوصفها نظامًا رمزيًا يوائم بين الأشكال والمعانى. في هذه الحالة، فإن الأمر لن يخص إلا اللسانيات (بالمعنى الأكثر تقليدية للمصطلح)، و«الصفة الزائدة: اللسانيات الإدراكية هي اللسانيات بعد كل ذلك» (لازار2004 : 14). أو أنها سوف تخرج من النطاق الخاص بالتخصص، في محاولة للعثور على دوافع خارجية للظواهر اللغوية الملاحظة، أو للاستدلال على الخصائص العامة للعقل الإنساني انطلاقًا من هذه الملاحظات. في هذه الحالة، لم يَعُدِ الأمر خاصًّا باللسانيات: «هذا الوضع ينطوي على خطر، خطر غرق اللسانيات في الإدراك المعرفي، أو فلنقل بشكل آخر أن تنسى خصوصيتها» (المرجع نفسه).
سنتوقف الآن على كل من وجهي هذا التناقض الواضح: هل كل لساني إدراكي، بمجرد أن يجعل هدف دراسته العلاقة بين الأشكال والمعانى؟ في المقابل، اللسانيات التي تعلن نفسها «إدراكية» هل لا تزال لسانيات؟
هل كل اللسانيات إدراكية؟
باستثناء النظريات القائمة على المدرسة السلوكية، التي تستبعد - من حيث المبدأ- الظواهر الشعورية من مجال دراستها، يمكننا أن نقول إن جميع النظريات اللسانية الجديرة بهذا الاسم دائمًا ما تهدف من موضوع الدراسة منحَ روابط بين مستوى الأشكال ومستوى المعنى. إذا كان هذا الهدف كافيًا لاستحقاق صفة «الإدراكي»، ومن ثم أيا كانت النظرية اللغوية ستكون بحكم الأمر الواقع إدراكية- مما سيسحب بوضوح أي أهمية لهذه الصفة! ولذلك ليس هناك أي معنى للزعم أن - بحكم طبيعتها - أية ألسنية ستكون إدراكية. كما يلاحظ ذلك أندلر(2004: 14-15) .
سوف تتيح مقاربة «العلوم الإدراكية» من خلال الموضوعات ومراحل التطور ... فقط إدراك كتلة عديمة الشكل من البرامج البحثية في إطار العديد من التخصصات. نتساءل عن الدور الذي يمكن أن تظل تلعبه هذه الأخيرة، وما يفترض أن ينسق مكانها النهج العلمي. ستكون ثمة أمور كثيرة ستحذف، ... وأكثر الأشياء غير المتوقعة بالنسبة للمراقب العادي هو أنه ينبغي أن يستبعد، فوق كل هذا، مجموعةً من العلوم التي تقع ضمن نطاق التخصصات التي تشكل جزءا من «المجرة الإدراكية» - اللسانيات وعلم النفس والأنثروبولوجيا، وعلم الأعصاب، والذكاء الاصطناعي والمنطق والفلسفة. العلوم غير المتنازع عليها سواء في أسسها أو في منهجيتها، ولكن ليس لها علاقة خاصة مع الإشكالية الإدراكية، وهذه العلوم تتطور بعيدًا عنها، ولا تبالي بأن تُدخل عليها مواد.
وبالنظر إلى أثر موضة العلوم الإدراكية، ربما يجدر بنا أن نذكر أنه ليست هناك حاجة للمطالبة بلسانيات إدراكية من أجل لسانيات عظيمة!
1- اللغة والفكر:
بما أن اللغة تقتصر على الجنس البشري، ماذا نعلم عن العقل البشري؟ على العكس من ذلك، كيف أن الأداء العقلي يجد نفسه يُنفذ من خلال اللغة؟ وهذه، بحق، هي الإشكالية اللسانية الإدراكية. كما يلاحظ بو فيرس (2001:32) وفيما يخص قواعد النحو التوليدي، «فإن الموضوع ليس سوى شرح الإجراءات اللسانية من خلال حالات افتراضية لنموذج عقلي، والتي من المفترض أن تؤدي إلى رابطة سببية».
إذا كان ثمة «ألسنية» أصلًا، تتركز حول العلاقات بين الأشكال والمعاني، فإن اللسانيات الإدراكية «يجب أن تضيف إليها تأملًا حول وضعية المعاني اللغوية من خلال علاقتها بالمفاهيم. وهكذا طرحت مسألة العلاقة بين اللغة والفكر - «الفكر المفاهيمي الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا باللغة»، كما يقول لازار. هذه المسألة، التي تم العمل عليها منذ فترة طويلة من قبل الفلسفة، كانت موضوع التطورات الجديدة في العلوم الإدراكية (انظر على سبيل المثال كاروثرز وباوتشر، 1998). وهناك إجماع نسبي بين العديد من الباحثين من مختلف التخصصات للنظر للغة بأنها ليست ضرورية للفكر: إمكانية وجود فكر من دون لغة. ولكن يبدو أن اللغة هي المكون للشكل البشري من الفكر على وجه التحديد، إنها ستنفذ بعض النماذج النوعية من الإجراءات.
ماذا تقول اللسانيات الإدراكية حول طبيعة هذه الروابط؟ بالنسبة لقواعد النحو التوليدي، سيتم تفسير خصائص الوحدات اللغوية من خلال الخصائص (المنطقية) لعناصر الفكر التي «تمثلها» على نحو رمزي. وهذا يعني وصف اللغة بعدّها آلةً حسابية بسيطة (تعتبر المُثْلَى في الإصدار المسمى «البرنامج التبسيطي») لتقوم بالتنسيق التركيبي بين شكل منطقي و«شكل صوتي» كي يضمن كل منهما التواصل البيني مع إحدى الوحدتين الخارجيتين، على التوالي: الوحدة المفاهيمية الإدراكية، والوحدة الصوتية. انعكاسات ومستنسخات لمفاهيم عالمية معروفة بوصفها مسجلة في العقل البشري (في«لغة الفكر») وبالتالي لن تلعب المعاني اللسانية أي دور إدراكي نوعي.
بالنسبة لدعاة قواعد النحو الإدراكي، في المقابل، تفتح اللغة «نافذة على الإدراكية» (على حد تعبير راستييه 1993: 168، ويستعيده نفسه جاكندوف)، بقدر ما تشكل البنى الدلالية للغات بنفسها مفاهيميات نشطة. على وجه التحديد، فإن اللغة تختار بعض الجوانب في حدود مفاهيمية قدمها الفكر ما قبل اللساني، وتنظمها بنسب مختلفة. (للحصول على توضيح حول مسألة معينة، مسألة التعبير عن الملكية، انظر على سبيل المثال «لانجاكر»، 2003). تكمن الخصوصية اللسانية إذن في عمليات الاختيار، وفي بلورة المحتوى المفاهيمي. كما يقول لانجاكر (1987) نقلًا عن ديكليه 1994: 77)): «بالنسبة لي من المسلم به أن المعنى هو ظاهرة إدراكية ويجب تحليله على هذا النحو».
في محاولة للربط بين اللغوي والعقلي، كان قد اقترح مسارين مختلفين في اللسانيات الإدراكية.((1993: 166-168 يصفهما راستييه على التوالي المسار «التمثيلي» (مسار تشومسكي في إطار البَراديم الإدراكي)، والمسار «الإجرائي» (مسار الدلالات «الإجرائية» والذكاء الاصطناعي ثم القواعد النحوية الإدراكية). ومع ذلك نلاحظ أن مفهوم «التمثيل» لا يزال بعيدًا عن الوضوح. بالتأكيد، لقد انتقد بعنف من قبل المعارضين للبَراديم الإدراكي (لاسيجو وفيسيتي2002)، والذين شجبوا فكرة الاستنساخ الإستاتيكي للبنى المنطقية-المفاهيمية سابقة البناء، المتمثلة لـ «معلومات» واردة من الخارج. ولكن قد يفهم «التمثيل» كذلك من منظور بنائي، حيث تم تصور النشاط اللغوي بوصفه نشاطًا لبناء تمثيلي دلالي؛ لذلك لم يعد «التمثيل» يعارض الإجراء.
لم يتم تدشين هذا المنظور الأخير من قبل القواعد النحوية الإدراكية. ويوفر لنا تاريخ علم اللغة في القرن العشرين العديد من التوضيحيات، وقد اخترنا هنا من بينها التسليم بنظريتين تم وضعهما من قبل علماء اللغة الفرنسية، الأولى سالفة على تطور اللسانيات المسماة الإدراكية، والأخرى بمعزل عن هذه الحركة. الأمر يتعلق من ناحية أولى بـ «نظرية علم النفس الآلي» لـ جوستاف جيوم (1889-1960) ومن ناحية أخرى، بـ «نظرية الإجراءات الملفوظية» لـ أنطوان كوليولي. وسنقدم فيما يلي عرضًا موجزًا، استؤنف جزئيًا من فوكس (2008).
2- النموذج الأول: علم النفس الآلي لـ جوستاف جيوم.
بالنسبة لـ جيوم ينطوي نشاط اللغة على لحظتين نظريتين متميزتين: لحظة «اللغة»، ولحظة «الخطاب». تتوافق اللغة مع جانب «التمثيل»، والخطاب مع جانب «التعبير». ومن شأن مثل هذا التمييز أن يكون جوهر الإنسان- خلاف صرخة الحيوان التي من شأنها ألا تخلق أي مسافة بين فعل التعبير وفعل التمثيل (فاليتا، 2003: 22). التحدي الإدراكي واضح، إنه على المستوى التمثيلي من قبل اللغة سيحدث ما يسميه جيوم «فكر الفكر»، المسجل بطريقة محددة وآلية في العقل البشري، مع ذلك، إن «الفكر المفكر» سيتبارى على مستوى التعبير الذي شُيد في الخطاب من خلال الذات المتحدثة.
في عام 1929، عزا جيوم إلى اللسانيات مهمة تعقب وحدات «الأثر» (الكلام) تجاه وحدات «السلطة» (اللغة)، للعثور على العمليات العقلية التي تكمن وراء هذه الأخيرة:
الواقع الحقيقي لشكل ما، ليس آثار المعاني المتعددة والعابرة التي تنتج عن استخدامه، ولكن العملية الفكرية، ودائمًا هي نفسها التي تسيطر على تعريفه في العقل.
الإسهام الأصلي لنهج اللغة هذا يكمن في المفهوم الديناميكي للتمثيل بعدّهِ حركةً، وليس بعدِّهِ تعيينًا لتسميات ساكنة (فوكس، 2007). ومن ثم المخطط المعروف باسم «المتغير ثنائي الجذر»(6) - الذي يذهب من الكُلي إلى المفرد (من الواسع إلى الضيق)، والعكس بالعكس - والذي قُدِم من قبل جيوم بأنه «نفس ظرف سلطة العقل الإنساني». إنها بالضبط فكرة الحركة المستمرة للفكر، والتي تشكل أهمية جوهرية لأشكال اللغة، والتي تؤسس البناء النظري كله. حول حركة الفكر هذه، الانقطاعات (المصادرة أو المعترض عليها) التي تمت في الخطاب، ومن ثم تنجم معانٍ متغيرة، تبعا للجهة التي تعمل فيها. الفكرة الأساسية هي فكرة الارتباط بين الاستمرار (الحركة) والانقطاع (التوقف عن الحركة).
إن مسألة العلاقات بين اللغة والفكر أمر أساسي في علم النفس الآلي. وكان قد اختار جيوم الدفاع عن الفكرة التي وفقًا لها سيكون الفكر مستقلًا عن اللغة، ولكنه سوف يُفهم هو نفسه من خلال اللغة، كاشفًا هكذا عن مخططاته الإدراكية:
يظل الفكر مستقلًا، من حيث المبدأ، عن اللغة، وأنها ليست سوى القوة التي تمنحها نفسها لفهم نفسها وبنفسها. (جيوم، دروس المجلد 9: 38)
اللغة داخل الإنسان المفكر وفي الفكر الإنساني هي كتاب بناه الفكر الذي يستخدمها -هذه هي الغائية الرئيسية- ليتعرف على نفسه حيث يمثل بناءها الخاص. (جيوم، دروس في اللسانيات المجلد 13: 13). وبالتالي، أعلن جيوم ما برهنه بعض علماء علم النفس العصبي في وقت لاحق ضد أنصار «الفيزيائية العقلية» الصارمة، وهي فكرة أن الدماغ كله الذي يفكر ويفطن، و أن اللغة تشكل الوسيلة التي تسمح للفكر أن يتأمل نفسه.
إن نظرية جيوم لن تكون دون استحضار نهج «السبيرنيتيكا»، الذي كان قد وسم، كما نعلم، كل الفترة الأولى في العلوم الإدراكية. (للاطلاع على عرض حول علم السيبيرنيتيكا، انظر فاريلا عام 1996، ودوبوي 1999). منذ مطلع 1940، أي قبل ظهور البرنامج «الإدراكي»، كانت قد جمعت «المؤتمرات ميسي»(7) الآباء المؤسسين (فون نيومان، وينر، تورينج، مكولوتش) في محاولة لإقامة علم جديد «علم العقل». هذا الذي كان ينبغي عليه الاستناد بشكل خاص إلى التخصصات الرسمية التالية: المنطق الرياضي (لوصف سير عملية التفكير)، ونظرية النظم (لصياغة المبادئ العامة التي تحكم أي نظام معقد)، ونظرية المعلومات (مثل النظرية الإحصائية للإشارة ولقنوات الاتصالات). والافتراض الضمني الوارد هو بالفعل أن الفكر بمثابة عملية حسابية، على غرار الآلة، (ومن هنا سينبثق، في وقت لاحق، اختراع الكمبيوتر، وفقًا لمبادئ فون نيومان). ولكن من الجانب الفيزيائي (وليس الجبر، كما ستفعل ذلك لاحقًا المدرسة الإدراكية) كان سيبحث علماء السيبرنيتيكا نماذجها، مما سمح بعد ذلك بظهور نظريات «التنظيم الذاتي» -والتي من خلالها سيتجرد الشكل من المادة- ومناهج الكائن الحي بوصفها «خاصية ناشئة من هذا التشوش».
عَرَفَ جيوم علم السيبيرنيتيكا، وكان -على الأقل لفترة من الوقت- قد أغوي به (فاليت (8)، 2003: 17 وما يليها). إن هدفه الأولي - من خلال تطوير علم النفس الميكانيكي للغة - كان على ما يبدو بناء آلة للتفكير، وهو نوع من السيبيرنيتيكا قائم على أساس مفاهيم «الوقت الإجرائي» و «المتغير الثنائي». كما هو حال علماء السبيرنيتيكا، تصور الفكر باعتباره تابعًا للميكانيكية واللغة باعتبارها مكونا للجزء الآلي من التفكير. وفي مقابل علم النفس المنهجي -بعد أن ركز على دراسة اللغة- فطن لتأسيس علم الميكانيكا الحدسية «المكرس لدراسة الآليات النفسية التي تتحكم في بناء الأنظمة اللغوية نفسه، ويدرس بعمق بنيتها» (انظر، حول هذه النقطة، مقال علم «الميكانيكا الحدسية» المنشور من قبل لوي، 2007). ووفقا لـ جيوم، فإن هذه الميكانيكية -التي كان يفطن لاقتراحها بوصفها «تحليلًا علميًّا دقيقًا» (مقال 144)- تستند إلى ضرورة التفكير من خلال المقابلات: مقابلة الكون/الإنسان المنعكس من خلال مقابلة الكلي/الفردي، يشكلان متغير الثنائية الجذرية الذي يُعَدُّ إجراءً عامًّا لبنينة اللغة.
في نهاية المطاف، المنظور الذي من خلاله قاد جيوم مشروعه النظري لا يكون من دون استحضار بعض الأبحاث الحالية التي أجريت داخل البَراديم البنائي. على غرار راستييه (1993 : 172 ) الذي يعتبر جيوم بمثابة الجد الوصي للألسنية الإدراكية في اللغة الفرنسية، في الواقع قد نرى في المقاربات الهندسية اللا كمية الديناميكية والمستوحاة من «النظرية الرياضية للكوارث» لـ رينيه توم ورثةً للنسق الفكري الجيومي. وبالتالي يشكل علم النفس الميكانيكي ألسنيات قبل إدراكية، ذات نموذج بنائي. في هذا الصدد، يحتوي مقال الحدس الميكانيكي على بعض الفقرات المخصصة لنشأة صيغ تمثيل المكان والزمان (لوي، محرران، 2007: 92-103) والتي لن تتنصل من تأييد قواعد النحو الإدراكية الحالية: الزمان، ليس قابل للتمثيل مباشرة، صُوِّرَ بوصفه المستعير من المكان شروط التمثيل.
3- النموذج الثاني: نظرية الإجراءات التلفظية لـ أنطوان كوليولي.
وبالنسبة لـ كوليولي، يقدم نظرية الإجراءات التلفظية التي تتألف من «مشروع نظري الأساس» والذي يتناول في الأصل مشكلة تكوين وسير عمل أنظمة التتبع التلفظية (1980: 44). ليس هناك عملية استيلاء على اللغة من خلال الموضوع ولا من خلال الانتقال من اللغة إلى الخطاب، إذ صُمم التلفظ كآلية للبناء؛ بحيث يختص أيضًا -بالنسبة للنظرية- بوصف الإجراءات التي تشكل معنى الملفوظات، ولوضعها في صيغة معينة (بالمعنى القوي للنمذجة الموجهة لإعادة إنتاج الآليات المعنية).
في النموذج الذي يقترحه يشغل مفهوم «التمثيل» مكانًا مركزيًا. ووفقًا له (1990: 21-24)، يحدُث هذا المفهوم على ثلاثة مستويات مختلفة، والتي من الضروري عدم الخلط بينها. أما المستوى الأول فهو مستوى التمثيلات الذهنية، وهذا المستوى من مفاهيمية الواقع لا يمكن الوصول إليه مباشرة، ولا يمكن إدراكه إلا من خلال الأنشطة البشرية، وبخاصة الأنشطة اللغوية. وأما المستوى الثاني فهو مستوى «التمثيلات النصية»: نشاط اللغة هو نشاط تمثيل يفسح المجال للإجراءات اللسانية، والتي لها آثار على شكل علامات لغوية. لذلك فإن هذه هي «تمثيلات التمثيلات» (الخاصة بكل نظام لغوي) حيث يسعى عالم اللغة للعزل وللمراقبة. ولكن من المستحيل أن يذهب مباشرة من هذا المستوى إلى مستوى المفاهيميات: ينبغي عليه أن يشيد مستوى ثالثًا، إنه مستوى «تمثيلات الميتا ألسنية (نظام المصطلحات الأولية، والقواعد والإجراءات)، على افتراض أن الانتقال من المستوى الثاني إلى المستوى الثالث يحاكي على نحو ملائم الانتقال من المستوى الأول إلى المستوى الثاني. وبعبارة أخرى، «نحن بحاجة إلى بناء نظام التمثيل الذي يدور حول هذا النسق من التمثيل الذي هو اللغة» (1990: 23). في هذا المستوى الميتا لُغَوِي، يجب أن يكون عالم اللغة قادرًا على أداء عمليات حسابية، حيث الإجراءات الإسنادية (علامات بين الكلمات المكونة للعلاقة الإسنادية الخبرية) والإجراءات التلفظية (إغراق العلاقة الإسنادية في نسق من الإحداثيات الزمكانية حيث موضوع التلفظ هو المُعَلِّم الأصلي) تتشابك بشكل وثيق.
وقد تم تطوير نظرية الإجراءات التلفظية التي أعدها كوليولي في إطار المناقشات المتوالية والمنتظمة مع الطبيب النفسي فرانسوا بريسون، وعالم المنطق جان بليز جريز، وكذلك مع المتخصصين في علم الأمراض اللغوية في مجال الحبسة والشيزوفرينيا. هذه الألفة مع التخصصات الأخرى من العلوم الإدراكية تفسر حذر المؤلف إزاء الاقتباسات المعتبرة بين التخصصات وإزاء مخاطر التماثلات التعسفية المتعلقة بمفهوم «الإدراك»:
مصطلح مثل «الإدراك» يظهر نفسه غامضًا بشكل خطير؛ لأنه يُسْتَخْدَم للإشارة إلى النشاط العقلي، إلى المحاكاة، إلى سلسلة كاملة من التبسيط لم يتم التحقق منها، وعلى سبيل المثال: من النشاط التمثيلي إلى نشاط الخلايا العصبية، (1995: 31).
وفي هذا الصدد، يختلف موقف كوليولي عن موقف أنصار القواعد النحوية الإدراكية، لمن لا يجد (لقد رأينا ذلك) فرقًا في الطبيعة بين التمثيلات المفاهيمية والتمثيلات الدلالية في العمل من خلال اللغات- وهذا في الواقع يرجع لتجاهل التمييز بين مستويات التمثيل الثلاثة. يكمن مدخل نظرية الإجراءات التلفظية نحو الإدراك في المراهنة على أن المرور بين التمثيلات النصية والتمثيلات الميتا ألسنية يحاكي بطريقة تناظرية المرور بين التمثيلات المفاهيمية والتمثيلات النصية. أو فلنقل بشكل مجازي: إن الميتا مشغلات لعالم اللغة هي بالنسبة لمشغلات اللغة ما تكونه هذه بالنسبة لمشغلات الفكر.
هل لاتزال اللسانيات الإدراكية لسانيات؟
تسعى كلتا النظريتين اللتين ذُكرتا للتو، كلٌ بطريقتها، لإقامة جسر بين البنى الدلالية للغة والبنى المفاهيمية للفكر. وفي هذا الصدد، فإنهما تَظْهَرَانِ بعدّهما مدخلًا للإشكاليات الإدراكية. كما ذُكر أعلاه، ولا ينطبق هذا بالضرورة على جميع النظريات اللغوية التي تلتزم فقط بدراسة الروابط بين الأشكال والمعاني ضمن لغة معينة -نهجٌ مشروعٌ تمامًا في حد ذاته، ولنُصِرَّ على ذلك - لا تستدعي مثل هذا الهدف. في الواقع من المستحيل في علم اللغة معالجة مسألة إسهام اللغة في الإدراك البشري دون الأخذ بعين الاعتبار تنوع اللغات (فوكس وروبرت، طبعة، 1997). هذا التنوع هو معطى واقعي يُلزم عالم اللغة فيما وراء الاختلافات الملحوظة بين اللغات، بافتراض وجود مشغلات وعلاقات ثابتة - مثل المتغير الثنائي الجذري لـ جيوم، أو الميتا مشغلات لـ كوليولي - والتي من المرجح أن توضع على الطريق المؤدي إلى الخصائص العامة للغة:
كيف نتبين الثوابت في اللسانيات، دون طرح السؤال الحتمي، باحثين عن كيفية تمثيل تشكيلات (البيانات، أو التصنيفات، وما إلى ذلك) لغة معينة، والإبقاء على هذه الخصوصية، بل الحفاظ أيضًا على إمكانية المعالجة، بتماثل، أو تطابق، أو تساوق تشكيلات من لغة أخرى؟ أيمكن أن أثق في حدسي وأجازف باعتبارها نظرية (علمية) تلك الأفكار التي أجريتها على اللغويات والعالم، من خلال تجربتي في اللغة؟ (كوليولي، 1980: 40).
1- الثوابت والمتغيرات:
منذ فترة طويلة وقبل أن تبدأ قواعد النحو التوليدي والنحو الإدراكي في الاهتمام بذلك، كان البحث عن ثوابت اللغات البينية موجودًا بالفعل في قلب أعمال علماء التصنيف. بين المستوى الإدراكي (افتراض عالمي) -مستوى الإدراك والمحتويات المفاهيمية- والمستوى اللساني (متغير) -مستوى القواعد النحوية الخاصة للغات- وضع علماء التصنيف بالفعل هدفًا لإعادة بناء مستوى متوسط، حيث يمكنهم استخلاص علاقات ثابتة (لازار 2006). على هذا المستوى، المسمى «ما قبل اللغوي» من قبل لازار أو «النحو العام المقارن» من قبل سيلر، يرتسم «إطار التغييرات»، أي الحدود التي يجب أن تعمل نماذج التغييرات بينها لازار، أو أيضًا «الائحة بتوفير أقصى قدر من التقنيات والتصنيفات النحوية التي تشكل اللغات الفردية من خلالها خياراتها الخاصة» (سيلر، 2000).
تناولت اللغويات التي يطلق عليها إدراكية مسألة الثوابت اللغوية. ونظرًا لضيق المساحة، فإننا لن نطور هذه النقطة. وحول وضعية القواعد النحوية الإدراكية، انظر على سبيل المثال (لانجاكر 2003). حول وضعية قواعد النحو التوليدي (مبادئ عالمية وإعدادات متغيرة المعايير)، الذي يولي بعض الاهتمام للتغيير، يمكننا أن نرجع إلى (بوشار، 2003) و(روفير 2004) أو على نحو أكثر عمومية حول وضعية اللغويات الرسمية، (لاكس 2002). دعونا ببساطة نذكر أنه في الكتابات الأحدث لـ«تشومسكي» (هاوزر وآخرون، 2002)، تعتبر «العودية»(9) بمثابة الآلية الوحيدة العالمية في العمل من خلال ملكة اللغة (بالمعنى الضيق). على عكس )«جاكندوف» 1999)، الذي يرى في ذلك إحدى مراحل تطور ملكة اللغة، ويفترض تشومسكي أن هذه القدرة الحسابية قد تكون سابقة الوجود عند البشر قبل ظهور اللغة (فيكتوري 2007).
وراء مسألة الثوابت والمتغيرات يظهر مسألة أخرى، تم استحضارها منذ بضعة عقود: مسألة النسبية اللغوية. حول هذا النقاش فلنستشهد بشكل خاص بـ لوسي (1992) (جومبرتس، وليفنسون، محرران، 1996)، (هيكمان، 2002) أو أيضًا فندلواز (2003). بمجرد أن يدرك المرء في اللغة دورًا من خلال البناء الإدراكي المفاهيمي، يدفعه ذلك إلى التساؤل عما إذا كانت اللغة لا تقوم سوى باختيار وتنظيم مفاهيم موجودة مسبقًا، أو إذا ما يتاح بإنشاء نماذج جديدة فيها، التي قد لا توجد بدونها. على سبيل المثال، هل هي مصدر التفكير التأملي (حسبما اقترح جيوم) أو أيضًا مصدر العمليات الحسابية المعقدة -الصيغية، الزمانية والمكانية- فيما يتعلق بتثبيت المتكلم (كما توحي بذلك نظرية التلفظ)؟ في كلتا الحالتين، إن عملية قبول فرضية النسبية اللغوية (في نسختها القوية أو الضعيفة)، أنه افتراض بأن يكون لديها تأثير ما من خلال العودة للبنى الدلالية للغات من خلال تنوعها، فيما يخص طريقة التصنيف وفهم العالم (كما يفعل، على سبيل المثال سلوبان ((1996 مع مفهومه عن «التفكير للتحدث»؛ إذن الأمر يقتضي أن نطرح جزئيًا مسألة العالمية المفترضة للمفاهيم واستقلالها عن اللغة.
2- الملاءمة الإدركية:
وكما ذكر أعلاه، ليست أي نظرية لغوية تهدف إلى أن تكون إدراكية. ومع ذلك، فإن اللغة التي تريد التوجه نحو الإدراك يجب، على الأقل، أن تهتم بالعلاقات بين الثوابت اللغوية -دون التحدث عن تنوع اللغات البينية - والنشاط الإدراكي:
إذا كان هناك لغة عالمية، فمن المعقول أن نفترض أنها تستند، إلى حد ما، على القدرات الإدراكية للدماغ البشري وكيف تدرك العالم. ولذلك فمن المشروع أن نسعى إلى إقامة صلات بين خصائص اللغة والأنشطة الإدراكية. (لازار، 2004: 18)
هذه هي بالضبط وجهة نظر اللغويات «الإدراكية»، التي تدرك عدم اختزالها في «لسانيات ضيقة للغاية». في الواقع يضاف إلى المتطلبات الكلاسيكية لأي نظرية لغوية عامة، متطلب آخر: الأهمية الإدراكية. (فوكس، 2004: 1-6؛ فوكس، 2007: 37-38).
ولكن، قد يقال: هل يُتاح حقًا لعالم اللغويات -بإعداده أدواته النظرية- ربطُ الثوابت اللغوية بالأنشطة الإدراكية؟ وهل لديه الوسائلُ لذلك، ولكن دون الخروج من حقل استقصاءاته الخاصة؟ يجيب لازار عن هذا السؤال بالنفي (2004: 20):
يمكن للمرء أن يتساءل حتى عما إذا كان يجب على اللغوي البحث عن الروابط بين الثوابت وجوانب النشاط الإدراكية؟ أشعر بالميل إلى التفكير بـ (لا). إن جانبه هو استكشاف لغات وتقديم إدراكيات علمية مع ثوابت راسخة في التحليل المقارن لمجموعة متنوعة من اللغات، وتحقيق ذلك من خلال منهجية صارمة، أي مع استنتاجات موضوعية. هذه هي إسهامات مهمة لفهم العمليات الإدراكية. والأمر متروك للمتخصصين في العمليات الإدراكية لاستثمارها ودمجها في نظرياتهم.
التحذير نفسه من جانب كوليولي (1980: 40):
كل قفزة من المستوى III (مستوى التمثيل الميتا لساني) إلى المستوى I (مستوى التمثيلات المفاهيمية) أو من الأول إلى الثالث (دون القلق من تباينها) تجازف بالغرق في شبه الواقعية (ما يطلق عليه البعض «المادية المبتذلة») أو الغرق في تكهنات دون أي أساس حجاجي سوى ممارستنا اللغوية الخاصة، وهذا يعني، في نهاية المطاف، أن تفسيراتنا تكسوها الميتا لُغة.
على العكس من ذلك، فإن عددًا من أنصار «المدرسة الإدراكية»، الذين تهيمن عليهم أطروحة «تجنيس» المادة اللغوية، لا يترددون في النظر بكل بساطة إلى اللسانيات بعدِّها فرعًا من علم النفس، أو حتى أيضًا علم الأحياء:
إن اللغويات التوليدية لا تؤكد فقط على أن القواعد النحوية كانت قد استودعت بشكل أو آخر، دماغ شخوص المتحدثين، بل تقترح، فضلًا عن ذلك، ما يمكن تسميته مع ميلنر «مسرحًا واقعيًّا» بالطريقة التي تكونها، من خلال تفاصيل مبادئها، وقواعدها وإجراءتها. بهذا المعنى، فإن النظرية الإبستمولوجية اللسانية التشومسكية هي في الواقع نظرية إبستمولوجية المنطوق. (بوفيرس، 2001: 33).
نسخة متطرفة من هذا الوضع الغريزي للتسجيل البيولوجي للملكة الذهنية للغة موضحة من خلال البحث عن «غريزة اللغة» وعن «جين للقواعد النحوية» من قبل بينكر (1994). من أجل تفكيك نقدي لهذه النسخة، انظر (فورتيس، 2007). ومن المفارقات أن أطروحة «نمطية» اللغة تمكن قواعد النحو التوليدي من تأمين نفسها على الرغم من أن أي «مكانة» لغوية حقًا- مُقَيَّدة، في هذه الحالة، بدراسة توافقية بناء الجملة:
يجب علينا أن نميز بدقة بين النحوي والإدراكي... بافتراض أن هذا التمييز ضروري، وهو في الوقت نفسه إقرار أن هناك تنظيمًا لغويًّا نوعيًّا، مميزًا ، على نحو خاص، عن النظم الإدراكية والنظم البيولوجية الأخرى (2004: 71)..
موقف تحدٍّ واضح من قواعد النحو الإدراكي التي تحاول إيجاد أوجه شبه بين نشاط اللغة والأنشطة الإدراكية الأخرى (الإدراك البصري، الحركة في الفضاء، كلام الجسد،...) - بالمخاطرة، حقًا، بالوقوع في العيوب التي ندد بها كوليولي، كما يتضح من الطابع الحدسي لمخططاتهم.
وعمومًا، على الرغم من الضرورة المعلنة للملاءمة الإدراكية بالنسبة لنظرياتهم، يتذبذب دعاة اللسانيات «الإدراكية»،كما رأينا ذلك، بين تحفظ حذر وبعض الومضات الحدسية غير الآمنة من الناحية العلمية. حجتهم الوحيدة الحقيقية هي في نهاية المطاف الطابع الإبستمولوجي، إن هؤلاء وأولئك يطالبون ببراديم (المدرسة الإدراكية والبنائية) الذي يدافعون معه عن توافق النهج النظري للغة. ولكن نادرًا ما نجد مثل أولئك الذين يزعمون بناء نظرية متكاملة حقيقية حول المعمار البنائي، والوظيفي، والعصبي للمعرفة اللغوية على حد سواء، مثل لامب (1999)، ولا شك أن المشروع لم ينضج بعد.
كما يلاحظ لازارد (2007: 14)، أن البحث عن الروابط بين النظرية اللغوية والإدراك يتم في قواعد النحو الإدراكية في كلا الاتجاهين. تارة يسعى العالم اللغوي لشرح ملاحظاته أو لدعم مفاهيمه من خلال دوافع «خارجية» عن الطابع الإدراكي. وتارة يحاول استنتاج خصائص عامة للعقل البشري انطلاقًا من ملاحظاته ومفاهيمه. وفي هذا الصدد، فإن تجربة بعض علماء علم النفس الميكانيكي المبكرين، مثل روش فالين، أو تشارلز بوتون، هي مفيدة للذهن. فلنأخذ على محمل الجد فكرة جيوم التي وفقًا لها يتوافق مفهوم «الزمن الإجرائي» مع العمليات العقلية الفعلية، وهذه التي تأمل في العثور على آثار ملحوظة لهذه الإجراءات على المستوى السلوكي وكذلك على علامات على المستوى الدماغي. لكنهم سرعان ما أصيبوا بخيبة أمل. في المقابل، فإن مونيريه (2003) اقترح مسار التقارب المعكوس، ويتساءل كيف أن مفاهيم علم النفس الميكانيكي تكون على الأرجح لتسليط الضوء على بعض ملاحظات علم النفس العصبي، على سبيل المثال، مثل مختلف الظواهر التي تبدو متابينة الملاحظة في مجال علم أمراض اللغة، في الحبسة اللغوية.
الخلاصة:
دعونا نلخص. فيما يخص السؤال الأول: «هل كل اللسانيات إدراكية؟» بأن نجيب بالنفي. والثاني: «ألا تزال اللسانيات الإدراكية لسانية؟» نجيب بالإيجاب. ولكن مع تحذير مهم: في الوقت الحاضر (وربما لا يزال لفترة طويلة)، فإن انفتاح اللسانيات نحو الإدراك لا يمكن أن يكون بشكل جوهري سوى ذا طابع إبستمولوجي. لا يبدو من المرجح في المستقبل القريب، إمكانية توحيد العصبي النفسي واللغوي؛ حيث إن أي برنامج «إدراكي» حول اللغة يُجَيِّشُ وُعُودَهُ. في انتظار اللغويين ذوي التوجه الإدراكي بخطر تمييع المتطلبات الخاصة بالنسق العلمي، وذلك بسبب موضة «كل شيء إدراكي».
يتطرق هذا البحث إلى مسألة الوضعية النظرية وشرعية مفهوم اللسانيات الإدراكية، وذكر أولًا (الفقرة 1) الظروف التاريخية لنشأة تيارين كبيرين من اللسانيات الإدراكية في الولايات المتحدة: وذكر قواعد النحو التوليدي (الذي يندرج ضمن نموذج «الحسابية- الرمزية التمثيلية» للمدرسة الإدراكية الكلاسيكية)، والقواعد النحو-إدراكية (المطالبة بالبراديم البنائي).
ثم (الفقرة 2) التي تدافع عن الفكرة القائلة بأن نظرية اللسانية لا نستطيع أن نقول عنها «إدراكية» إذا كانت لا تسعى إلى الربط بشكل واضح بين المعاني والمفاهيم، مما أدى إلى إشكالية العلاقة بين اللغة والفكر. وتم طرح نموذجين للنظريات الخارجية عن حركة الإدراكية الرسمية، ولكنهما يشهدان مثل هذا الانفتاح نحو الإدراك: نظرية جوستاف جيوم ونظرية العمليات أو العوامل التلفظية لـ أنطوان كوليولي.
وأخيرًا (الفقرة 3) دراسة ظروف ومخاطر الربط بين اللساني والإدراكي: بحث الثوابت اللغوية فيما وراء الاختلافات البين لغوية ومتطلبات الملاءمة الإدراكية بالنسبة للنظرية اللسانية.
وأخيرًا، فعلى ما يبدو أن نظرية لتوحيد العصبي النفسي واللغوي بالكاد ممكنة في المستقبل القريب، الأمر في المقام الأول هو البحث عن براديم إبستمولوجي مشترك مع التخصصات الأخرى التي تخص المشروع اللساني والإدراكي.
الهوامش:
1- عالمة لغوية ومديرة الأبحاث في (cnrs) المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا ومديرة البرنامج الإدراكي.
2- عالم لغويات فرنسي ( فبراير 1920- مارس 2013).
3- جيري ألان فودور، المولود في 1935 في نيويورك، وهو فيلسوف أمريكي . إنه أحد من الممثلين الرئيسين للوظيفية في فلسفة العقل، وهو مؤسس نظرية الحسابية الذهنية. كما أنه مؤلف مجموعة من الأعمال المهمة في العلوم الإدراكية المعرفية حول افتراض نمطية العقل وحول لغة الفكر .
4- آلان روفير عالم ألسنيات فرنسي.
5- بيرنار فيكتوري مدير (CNRS).
6- المُوَتِّر (1)، أو المُمْتَدّ (2) هو، في الرياضيات، أحد الدالات الرياضية بجانب الأعداد أو الكميات المطلقة التي لا تتميز بوحدات للقياس. يتميز الموتّر بأنه يحتوي في خواصه خواص الأعداد المطلقة، والمتجهات، والمعاملات الخطية.
7- المؤتمرات ميسي، نظمت في نيويورك من قبل مؤسسة ميسي بمبادرة من طبيب الأعصاب وارن مكولوك، التقى على فترات منتظمة من عام 1942 إلى عام 1953، مجموعة متعددة التخصصات من علماء الرياضيات، علماء المنطق والأنثروبولوجيا، وعلماء النفس وخبراء الاقتصاد الذين كان هدفهم بناء علم عام لكيفية عمل العقل. وكانوا في الأصل من تيار التحكم الآلي، والعلوم الإدراكية وعلم المعلومات.
8- فاليت ماتيو عالم لغوي فرنسي.
9- استدعاء ذاتي أو العودية أو تَعَاوُدِيٌّ (صفتها تعاوديّة) أو الاجترار، هو عملية تكرار الشيء بطريقة مشابهة ذاتيا.
RÉFÉRENCES
- ANDLER, D. (1989). «Sciences cognitives», Encyclopaedia Universalis.
- ANDLER, D. (2004 [1992]). «Introduction. Calcul et représentation: les sources». In Andler, D. (ed.) (2004 [1992]): 13-50.
- ANDLER, D. (ed.) (2004 [1992]). Introduction aux sciences cognitives. Paris: Gallimard.
- AUROUX, S. (ed.) (2007). Le naturalisme linguistique et ses désordres. H.E.L. XXIX/2.
- BOUCHARD, D. (2003). «Les universaux en syntaxe générative: le formel issu du substantiel». In C. Vandeloise (ed.) (2003): 59-77.
- BOUVERESSE, J. (2001). «Psychologie et linguistique: qu’y a-t-il de proprement "mental" dans la signification et la compréhension ?». In De Mattia, M. et al. (eds.) (2001): 17-34.
- BRES, J. & al. (eds.) (2007). Psychomécanique du langage et linguistiques cognitives. Limoges: Lambert-Lucas.
- CARRUTHERS, P & J. BOUCHER (eds.). (1998). Language and Thought: Interdisciplinary Themes. Cambridge: Cambridge University Press.
- CHAROLLES, M. & al. (eds.) (2007). Parcours de la phrase. Mélanges offerts à Pierre Le Goffic. Paris: Ophrys.
- CULIOLI, A. (1980). Rapport sur un rapport. In Joly, A. (ed.) (1980): 37-47.
- CULIOLI, A. (1990). Pour une linguistique de l’énonciation, vol. 1. Paris / Gap: Ophrys.
- CULIOLI, A. (1995). Cognition and Representation in Linguistic Theory. Amsterdam/Philadelphia: Benjamins.
- DE MATTIA, M. & A. JOLY (eds.) (2001). De la syntaxe à la narratologie énonciative. Gap/Paris: Ophrys.
- DESCLÉS, J-P. (1994). «Réflexions sur les grammaires cognitives». Modèles linguistiques, 29/XV: 69- 98.
- DUPUY, J-P. (1999 [1994]). Aux origines des sciences cognitives. Paris: La Découverte.
- EYSENCK, M. & al. (eds.) (1994). Blackwell Dictionary of Cognitive Psychology. New-York: Wiley.
- FORTIS, J-M. (2007). «Le langage est-il un instinct? Sur le nativisme de Pinker». In S. Auroux (ed.) (2007): 177-214.
- FRAJZYNGIER, Z. & al. (eds.) (2004). Linguistic Diversity and Language Theories. Amsterdam/Philadelphia: Benjamins.
- FRANÇOIS, J. (2004). «Le fonctionnalisme linguistique et les enjeux cognitifs». In Fuchs, C. (ed.) (2004): 99-134.
- FUCHS, C. (2004). «Pour introduire à la linguistique cognitive». In Fuchs, C. (ed.) (2004): 1-24.
- FUCHS, C. (ed.) (2004). La linguistique cognitive, Paris: Ophrys/Maison des sciences de l’homme.
- FUCHS, C. (2007). «La psychomécanique est-elle une linguistique cognitive?». In Bres, J. & al. (eds.) (2007): 37-53.
- FUCHS, C. (2008). «Linguistique française et cognition». Actes du Congrès Mondial de Linguistique Française. CD-Rom, Paris: Institut de Linguistique Française, CNRS :
(Congrès Mondial de Linguistique Française ou HAL-SHS - Sciences de l'Homme et de la Société - Accueil).
- FUCHS, C. & S. ROBERT (eds.) (1997). Diversité des langues et représentations cognitives. Gap/Paris: Ophrys; trad. angl. (1999). Language Diversity and Cognitive Representations. Amsterdam/Philadelphia: Benjamins.
- GUILLAUME, G. (1929). Temps et Verbe. Paris: Champion.
- GUILLAUME, G. (1989). Leçons de Linguistique 1947-48 (vol. 9). Lille: Presses universitaires, et Québec: Presses de l’Université Laval.
- GUILLAUME, G. (1995). Leçons de Linguistique 1958-59 et 1959-60 (vol. 13). Paris: Klincksieck, et Québec: Presses de l’Université Laval.
- GUMPERZ, J. & C. LEVINSON (eds.) (1996). Rethinking Linguistic Relativity. Cambridge: Cambridge University Press.
- HAUSER, M., CHOMSKY, N. & W. FITCH (2002). «The faculty of language: what it is, who has it, and how di dit evolve?». Science 298: 1569-1575.
- HICKMANN, M. (2002). «Espace, langage et catégorisation: le problème de la variabilité inter- langues». In J. Lautrey & al. (eds.) (2002): 225-255.
- HOUDÉ, O. & al. (eds.). (1998). Vocabulaire des sciences cognitives. Paris: PUF.
- JACKENDOFF, R. (1999). «Possible stages in the evolution of the language capacity». Trends in Cognitive Sciences 3/7: 272-279.
- JOLY, A. (ed.) (1980). La psychomécanique et les théories de l’énonciation, Lille: Presses universitaires.
- LAKS, B. (2002). «Un exemple de modélisation des invariants et de la variabilité linguistiques: la Théorie de l’Optimalité. In J. Lautreay & al. (eds.) (2002): 175-192.
- LAMB, S. (1999). Pathways of the Brain. The Neurocognitive Basis of Language. Amsterdam/Philadelphia: Benjamins.
- LANGACKER, R. (1987). «Nouns and verbs». Language 63: 53-94 ; trad. fr. «Noms et verbes». Communications 53: 103-153.
- LANGACKER, R. (2003). «Grammaire, cognition et le problème de la relativité: le cas de la possession». In C. Vandeloise (ed.) (2003): 205-237.
- LASSÈGUE, J. & Y-M. VISETTI. (2002). «Que reste-t-il de la représentation?». Intellectica 35: 7-25.
- LAZARD, G. (2004). «What are we typologists doing?». In Z. Frajzyngier & al. (eds.) (2004): 1-23.
- LAZARD, G. (2006). La quête des invariants interlangues: la linguistique est-elle une science? Paris: Champion.
- LAZARD, G. (2007). «La linguistique cognitive n’existe pas». Bulletin de la Société de linguistique de Paris CII/1: 3-16.
- LAUTREY, J. & al. (eds.) (2002). Invariants et variabilité dans les sciences cognitives. Paris: Editions de la Maison des sciences de l’homme.
- LOWE, R. (dir.) (2007). Essais et mémoires de Gustave Guillaume. Essai de mécanique intuitionnelle I. Espace et temps en pensée commune et dans les structures de langue. Québec: Presses de l’Université Laval.
- LUCY, J. 1992). Language Diversity and Thought: a reformulation of the linguistic relativity hypothesis. Cambridge: Cambridge University Press.
- MONNERET, P. (2003). «Les exigences théoriques d’une neurolinguistique guillaumienne». Le Français Moderne. LXXI/1: 133-146.
- PINKER, S. (1994). The Language Instinct: the new science of language and mind. Londres: Penguin.
- RASTIER, F. (1993). «La sémantique cognitive: éléments d’histoire et d’épistémologie». Histoire, Epistémologie, Langage 15/1: 153-187.
- ROUVERET, A. (2004). «Grammaire formelle et cognition linguistique». In Fuchs, C. (ed.) (2004): 27- 71.
- SEILER, H. (2000). Language Universals Research: a Synthesis. Tübingen: Gunter Narr.
- SLOBIN, D. (1996). «From "Thought to Language" to "Thinking for Speaking"». In J. Gumperz & C. Levinson (eds.) (1996): 70-96.
- VALETTE, M. (2003). «Enonciation et cognition: deux termes in absentia pour des notions omniprésentes dans l’œuvre de Guillaume». Le Français Moderne LXXI/1: 6-25.
- VANDELOISE, C. (2003). «Diversité linguistique et cognition». In Vandeloise, c. (ed.) (2003): 19-58.
- VANDELOISE, C. (ed.) (2003). Langues et cognition. Paris: Hermès.
- VARELA, F. (1996 [1989]). Invitation aux sciences cognitives. Paris: Le Seuil.
- VICTORRI, B. (2004). «Les grammaires cognitives». In Fuchs, C. (ed.) (2004): 73-98.
- VICTORRI, B. (2007). «Termes en *kw-, récursivité et origine du langage». In Charolles, M. & al. (eds.) (2007): 259-273.
- كاترين فوكس*
* مديرة الأبحاث ومنسق البرنامج الإدراكي في المركز الوطني للبحث العلمي، فرنسا.
- لطفي السيد منصور
** مترجم مصري.
* المصدر:
مجلة فصول العدد 100