الشعر العربي الحديث الذي تعرّض لحملة من الرفض والمنع، بحجة اعتدائه الفني على التراث العربي، فإن الرواية، كشكل أدبي طارئ على الثقافة العربية، تركت لتنشط، في ميدان الأدوات الفنية وحدها، بعيداً عن سلطة الحجر. غير أنها لم تسلم البتة من المس بموضوعاتها.
وسوف ينجلي لمن يتابع مواقف عدد من المثقفين العرب المتشددين دينياً أو اجتماعياً، تجاه النوع الأدبي الذي بدأ يترجم إلى العربية، أو تنتجه أقلام الكتّاب العرب، أنهم هاجموا الرواية حين أدركوا قدرتها على انتهاك المحظور أو المحرّم في أكثر من موضوع أو قضية حياتية. فالمحظور سلطة ثانية خفية تعمل على استمرار سلطة من يضعها في سلالم القيم. وأكثر تلك الموضوعات خطورة هو المرأة. المرأة ككائن واقعي، أو شخصية روائية.
ففي بداية الثلاثينيات من القرن العشرين، أعلن أستاذ مصري يدعى حسين الهراوي أنه معجب بـ”عطيل” لأنه قتل ديدمونة زوجته، في مسرحية شكسبير، بسبب الغيرة على العفة والشرف. وطالب كتّاب القصة أن يتحلّى أبطالهم بخصال شبيهة بخصال “هملت” الذي انتقم انتقاماً “رائعاً” حسب وصفه، لجناية أمه.
وكانت مثل هذه الأسباب هي المسوّغ الكافي في رأيه للسماح بكتابة القصة. ذلك أن الرواية في الغرب، حسب رأيه، تندفع نحو جهة واحدة هي وجهة “الاستهتار الجنسي”. ووجود هذا الموضوع الوحيد ـ حسب زعمه ـ يعني أن “الاستفادة من الرواية أدبياً، لا تساوي ما تجرّه علينا من الفناء الشخصي والقومي والخلقي”.
اللافت أن الرجل لم يستعدِ السلطة ضد الرواية، وإن كانت مطالبه تنضح بالدعوة إلى الحجر، أو الحظر، أو المراقبة. والملاحظ أن المضمر في تلك المقالة التي تريد أن تضع القيود على الرواية، هو موقف مثل هذا المثقف من المرأة، ومن دور الرواية في حرية النساء. وقد يكون الخوف الذي تعبّر عنه الثقافة هنا، هو الخوف من التبدلات الجديدة التي بدأت تسحب السلطة من أيدي الرجال، حين بدأت النساء يظهرن كشخصيات لها استقلالها في الروايات العربية.
ومن الواضح أن مثل هذه الضوابط ذات الطابع الاجتماعي، والديني، قد كانت واحدة من الصياغات الأولى التي سعت إلى تقييد الرواية، وهي تبغي تكبيل المرأة. فيما كانت السلطة السياسية في تلك الحقبة صامتة. وقد يكون السبب أن معظم الدول العربية كانت محتلة، وأن تلك السلطات الحاكمة كانت لا تزال تحت وصاية الاحتلال. ولكن سرعان ما تلقف السياسيون الأمر، حين استتبت السلطة في أيديهم. وتمكنوا من تعميم المحظورات.
كانت الرواية تسجل حضوراً لافتاً في الثقافة العربية. وكان من الضروري للسلطة الناشئة أن تأخذ في اعتبارها أحد أمرين: إما قمع الكتّاب، ومطاردتهم أحياناً، إما السعي إلى استيعابهم آلة في الحكم. ولعل مبدأ “الالتزام” حسب الوصفة التي تعادل بينه وبين الإلزام، شكلٌ مراوغٌ من أشكال الرغبة السياسية في الاستيلاء على هذا النوع الأدبي. وقد أثبتت أنظمة الحكم العربية، أنها أكثر دهاءً من السلطتين الاجتماعية والدينية. إذ حافظت على مسافة فارغة جعلتها قابلة للتأويل حسب الحاجات العملية.
وسوف ينجلي لمن يتابع مواقف عدد من المثقفين العرب المتشددين دينياً أو اجتماعياً، تجاه النوع الأدبي الذي بدأ يترجم إلى العربية، أو تنتجه أقلام الكتّاب العرب، أنهم هاجموا الرواية حين أدركوا قدرتها على انتهاك المحظور أو المحرّم في أكثر من موضوع أو قضية حياتية. فالمحظور سلطة ثانية خفية تعمل على استمرار سلطة من يضعها في سلالم القيم. وأكثر تلك الموضوعات خطورة هو المرأة. المرأة ككائن واقعي، أو شخصية روائية.
ففي بداية الثلاثينيات من القرن العشرين، أعلن أستاذ مصري يدعى حسين الهراوي أنه معجب بـ”عطيل” لأنه قتل ديدمونة زوجته، في مسرحية شكسبير، بسبب الغيرة على العفة والشرف. وطالب كتّاب القصة أن يتحلّى أبطالهم بخصال شبيهة بخصال “هملت” الذي انتقم انتقاماً “رائعاً” حسب وصفه، لجناية أمه.
وكانت مثل هذه الأسباب هي المسوّغ الكافي في رأيه للسماح بكتابة القصة. ذلك أن الرواية في الغرب، حسب رأيه، تندفع نحو جهة واحدة هي وجهة “الاستهتار الجنسي”. ووجود هذا الموضوع الوحيد ـ حسب زعمه ـ يعني أن “الاستفادة من الرواية أدبياً، لا تساوي ما تجرّه علينا من الفناء الشخصي والقومي والخلقي”.
اللافت أن الرجل لم يستعدِ السلطة ضد الرواية، وإن كانت مطالبه تنضح بالدعوة إلى الحجر، أو الحظر، أو المراقبة. والملاحظ أن المضمر في تلك المقالة التي تريد أن تضع القيود على الرواية، هو موقف مثل هذا المثقف من المرأة، ومن دور الرواية في حرية النساء. وقد يكون الخوف الذي تعبّر عنه الثقافة هنا، هو الخوف من التبدلات الجديدة التي بدأت تسحب السلطة من أيدي الرجال، حين بدأت النساء يظهرن كشخصيات لها استقلالها في الروايات العربية.
ومن الواضح أن مثل هذه الضوابط ذات الطابع الاجتماعي، والديني، قد كانت واحدة من الصياغات الأولى التي سعت إلى تقييد الرواية، وهي تبغي تكبيل المرأة. فيما كانت السلطة السياسية في تلك الحقبة صامتة. وقد يكون السبب أن معظم الدول العربية كانت محتلة، وأن تلك السلطات الحاكمة كانت لا تزال تحت وصاية الاحتلال. ولكن سرعان ما تلقف السياسيون الأمر، حين استتبت السلطة في أيديهم. وتمكنوا من تعميم المحظورات.
كانت الرواية تسجل حضوراً لافتاً في الثقافة العربية. وكان من الضروري للسلطة الناشئة أن تأخذ في اعتبارها أحد أمرين: إما قمع الكتّاب، ومطاردتهم أحياناً، إما السعي إلى استيعابهم آلة في الحكم. ولعل مبدأ “الالتزام” حسب الوصفة التي تعادل بينه وبين الإلزام، شكلٌ مراوغٌ من أشكال الرغبة السياسية في الاستيلاء على هذا النوع الأدبي. وقد أثبتت أنظمة الحكم العربية، أنها أكثر دهاءً من السلطتين الاجتماعية والدينية. إذ حافظت على مسافة فارغة جعلتها قابلة للتأويل حسب الحاجات العملية.