لا يدرك كثيرٌ من الناطقين بالعربية اليوم أن الفضل في الكثير من الأساليب الإنشائية المعاصرة يرجع إلى عدد من الأدباء الموهوبين الذين عاشوا في العصور المزدهرة للحضارة العربية. بعض هؤلاء الأدباء لا يزال يحظى بشهرةٍ واسعة، وبعضهم الآخر درس اسمه؛ ومن هذه الفئة التي تركت إرثًا أدبيًّا لا يزال مؤثرًا إلى اليوم، الجاحظ؛ ولا يكاد ينافسه في تأثيره الباقي في اللغة العربية أديب آخر، اللهم إلا اثنين، هما التوحيدي وابن قتيبة الدينوري؛ ولكن الجاحظ قد انفرد عمن سواه بأنه قد خاض في كتبه موضوعاتٍ فلسفيةٍ، عقائديةٍ، علميةٍ وتاريخيةٍ، وقد اختطّ لنفسه منهجًا مميزًا، منهجًا يعتمد على التحقق والنظر والتفكر في السنن والنواميس الكونية، لا مجرد النقل ونسبة الأخبار لأصحابها على عواهنها؛ ويعتبر كتابه الحيوان المثال الأكثر سطوعًا على تميز هذا المفكر الموسوعي.
الجاحظ، حياةٌ في الكتب
ولد عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ في البصرة، نحو سنة مائة وستين من الهجرة، وقد عرف بهذه الكنية لجحوظ عينيه، وقد اشتهر الجاحظ بشدة القبح، كما اشتهر بسعة العلم. ويدل على شدة قبحه ما رواه عن نفسه، قال: «ما أخجلتني إلا امرأة، حملتني إلى صانع، فقالت له: مثل هذا. فبقيت مبهوتًا، فسألت الصانع، فقال: هي امرأة استعملتني صورة شيطان، فقلت لا أدري كيف أصوره، فأتت بك فقالت مثله!»(1)؛ أما سعة علمه، فقد وصفوه بأنه «لم يقع بيده كتابٌ قط إلا استوفى قراءته، حتى إنه كان يكتري دكاكين الكتبيّين ويبيت فيها للمطالعة، وكان باقعةً في قوة الحفظ»(2).
كان الجاحظ معتزليًّا محضًا؛ فقربه المأمون العباسي فيمن قرب من المعتزلة(3)، وعندما أدار بنو العباس للمعتزلة ظهر المجن، ظل الجاحظ، بسبب سعة علمه، في أمان، وقد أتاح له هذا أن يعيش في بحبوحة؛ فتفرغ للقراءة والبحث والكتابة، وعدّ له مؤرخو الأدب العديد من المؤلفات، أشهرها: (البخلاء) و(الحيوان) و(البيان والتبيين)؛ ولكنه على الرغم من ذلك كان متهمًا بوضع الحديث والكذب. وعمّر الجاحظ حتى جاوز التسعين، ومات ميتةً تناسب ولعه بالكتب؛ إذ وقعت عليه مجلداته المصفوفة، وهو عليل، فقتلته!(4).
كتاب الحيوان
كان العرب على دراية بالحيوانات التي تعيش في بيئتهم، وصفاتها، وطرق عيشها، وأشعارُ الجاهليين غنيةٌ بوصف الحيوانات المختلفة، وقد أتبع ذلك في عصر التدوين أن ظهرت مؤلفاتٌ عدة تتناول الحيوانات، مثل: كتاب الإبل للأصمعي، وكتاب الخيل لأبي حاتم السجستاني. لم يعْنِ هؤلاء المؤلفون بالحيوان في الكتب كموضوع بقدر ما كان اهتمامهم منصبًّا على الشواهد الشعرية التي ذكرت الحيوانات في سياقها، ولذلك، فإن هذه الكتب كانت كتبًا أدبيةً صرفةً.
ولكن الجاحظ نهج في كتابه (الحيوان) نهجًا مختلفًا عن نهج معاصريه؛ فإذا كان تعريف علم الإيكولوجي بأنه العلم الذي يدرس الكائن الحي وعلاقته بالبيئة التي يسكنها، فيمكن أن نزعم أن الجاحظ هو أول من قدم كتابًا علميًّا إيكولوجيًّا في التاريخ؛ فهو يهتم بالحيوان، وصفاته، وبيئته، وتفاعله مع ما يحيط به من كائناتٍ حيةٍ أخرى. اعتمد الجاحظ في كتابه على مصادر عدة؛ فتراه يرجع إلى القرآن والسنّة مراتٍ تلو مراتٍ، كما يعتمد على الشعر العربي في كثير من المواضع، وترجع ثقته في الشعر العربي إلى إدراكه أن العرب في بيئتهم الأصلية قد بنوا معارفهم بالحيوان على التجربة والملاحظة.
لذلك تجده يقول:
بل كثيرًا ما يبتلون بالناب والمخلب، واللدغ واللسع، والعض والأكل؛ فخرجت بهم الحال إلى تعرف حال الجاني والجارح والقاتل، وحال المجني عليه والمجروح والمقتول، وكيف الطلب والهرب، وكيف الداء والدواء؛ لطول الحاجة، ولطول وقوع البصر(5).
أما المصدر الثالث الذي يعتمد عليه الجاحظ، فهو كتاب الحيوان لأرسطو- الذي يسميه صاحب المنطق- ولكنه لا ينقل عنه نقلًا صرفًا، بل نقديًّا، وربما رد قول أرسطو لقول صياد بسيط إذا كان الموضوع عن الأسماك؛ فالثاني عنده أصدق بحكم علمه بحرفته، ويقول معلقًا على هذا:
«فكيف أسكن بعد هذا إلى أخبار البحريين وأحاديث السماكين، وإلى ما في كتاب رجل»(5) يعني أرسطو؛ وهذا يدفعنا إلى المصدر الرابع من مصادر الكتاب، وهو المعاينة والخبرة الشخصية، وهي تجربة فريدة في تاريخ الأدب العربي، إذ يعمد الجاحظ إلى معاينة الحيوان الذي يكتب عنه شخصيًّا، فإذا أعجزه، لجأ إلى أصحاب الخبرة بهذا الحيوان؛ كصيادي السمك للأسماك، وجامعي العسل للنحل، وقد أدى به هذا المنهج إلى رفض الكثير من الخرافات والأباطيل التي يتداولها العامة؛ فكان كتابه في مجموعه أقرب إلى الواقع من غيره من الكتب.
يناقش الكتاب العديد من الأفكار، كثيرًا منها في موضوعات الإيكولوجي الحديثة؛ فترى الجاحظ يفرد قسمًا من كتابه إلى تقسيم الحيوانات أو ما يسميه (تقسيم النامي) إلى ما يشبه تصنيف الأنواع اليوم، كما تجده في مواضع أخرى يشير إلى تأثير البيئة على الكائنات الحية ومفهوم التكيف البيئي، مثل قوله:
وقد نرى حرة بني سليم وما اشتملت عليه من إنسان، وسبع، وبهيمة، وطائر، وحشرة، فنراها كلها سوداء(5).
ويتردد على موضوع السلاسل والشبكات الغذائية أكثر من مرة مبينًا أهميته.
مثال ذلك قوله:
ومن العجب في قسمة الأرزاق أن الذئب يصيد الثعلب فيأكله، ويصيد الثعلب القنفذ فيأكله، ويريغ القنفذ الأفعى فيأكلها، وكذلك صنيعه في الحيات ما لم تعظم الحية. الحية تصيد العصفور فتأكله، والعصفور يصيد الجراد فيأكله، والجراد يلتمس فراخ الزنابير وكل شيء يكون أفحوصه على المستوى. والزنبور يصيد النحلة فيأكلها، والنحلة تصيد الذبابة فتأكلها، والذبابة تصيد البعوضة فتأكلها(5).
إعادة اكتشاف كتاب الحيوان
ظلت كتب الجاحظ، ومنها كتاب الحيوان حبيسة خزائن الكتب الخاصة؛ لا تصل إليها أيدي الناس من أهل العلم والتخصص؛ فلما كان القرن العشرين، ذاعت الطباعة، وانكبّ المستشرقون على تراث الإسلام؛ ينقبون عليه في المكتبات والمجموعات الخاصة، ويحققون وينشرون منه ما يستطيعون؛ ولا شك أن هؤلاء المستشرقون كانوا متّهمين في أهدافهم، كما كانت معارفهم بالثقافة العربية والإسلامية قاصرةً؛ مما طعن في الكثير من إنتاجهم(6).
وعلى الرغم من هذا النشاط، ظل كتاب الحيوان للجاحظ بعيدًا عن أعين المستشرقين، حتى قرر عالم اللغة والمحقق المصري عبد السلام هارون في النصف الأول من القرن العشرين التصدي إلى هذه المهمة؛ فجمع المخطوطات المتاحة لكتاب الحيوان من مختلف البلدان، وعمل على تحقيقها، وأخرج الكتاب في ستة مجلدات، ومجلدَيْن للفهارس، ونشرت هذه النسخة عام 1938، وهي أول نسخة مطبوعة لكتاب الحيوان في القرن العشرين، وقد أجاز المجمع اللغوي في القاهرة عبد السلام هارون بجائزة عام 1949-1950، عن تحقيقه لكتاب الحيوان. ولم يكتف هارون بما قام به؛ بل عمد إلى تهذيب الكتاب، وإخراج نسخة مهذبة في مجلد واحد حتى يمكن للشباب مطالعة الكتاب والاستفادة منه(7).
كتاب الحيوان للجاحظ واحدٌ من كنوزٍ كثيرةٍ يذخر بها التراث العربي الإسلامي، وهذه الكنوز منها الكثير المنشور، ولكنها تشكو من إحجام أهل العربية عنها؛ ومنها ما ليس بمنشور، وهو لا يزال ينتظر من يمد يد البحث والتحقيق ليظهره إلى العالم.
نرشح لك: علم نفس الحيوان: هل نحن أذكياء بما يكفي لفهم درجة ذكاء الحيوانات؟
المصادر
(1) الزمخشري، جار الله أبو القاسم محمود بن عمر. (1412هـ). ربيع الأبرار ونصوص الأخيار. تحقيق: مهنا، عبد الأمير. الجزء الثاني. بيروت: منشورات الأعلمي.
(2) الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن قيماز. (1405هـ). سير أعلام النبلاء. تحقيق: الأرناؤوط، شعيب. الطبعة الثالثة. الجزء الحادي عشر. بيروت: مؤسسة الرسالة.
(3) الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر. (1418هـ). البيان والتبيين. تحقيق: هارون، عبد السلام. الطبعة السابعة. الجزء الثالث. القاهرة: مكتبة الخانجي.
(4) الفاخوري، حنا. (1951). الجامع في تاريخ الأدب العربي القديم. بيروت: دار الجيل.
(5) الجاحظ، أبو عثمان بن بحر. (1965). الحيوان. تحقيق: هارون، عبد السلام. الطبعة الثانية. القاهرة: مكتبة البابي الحلبي.
(6) شاكر، محمود محمد. (1997). رسالة في الطريق إلى ثقافتنا. مكتبة الأسرة. القاهرة: الهيئة العامة المصرية للكتاب.
(7) هارون، عبد السلام. (1983). تهذيب كتاب الحيوان. القاهرة: مكتبة الخانجي.
الجاحظ، حياةٌ في الكتب
ولد عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ في البصرة، نحو سنة مائة وستين من الهجرة، وقد عرف بهذه الكنية لجحوظ عينيه، وقد اشتهر الجاحظ بشدة القبح، كما اشتهر بسعة العلم. ويدل على شدة قبحه ما رواه عن نفسه، قال: «ما أخجلتني إلا امرأة، حملتني إلى صانع، فقالت له: مثل هذا. فبقيت مبهوتًا، فسألت الصانع، فقال: هي امرأة استعملتني صورة شيطان، فقلت لا أدري كيف أصوره، فأتت بك فقالت مثله!»(1)؛ أما سعة علمه، فقد وصفوه بأنه «لم يقع بيده كتابٌ قط إلا استوفى قراءته، حتى إنه كان يكتري دكاكين الكتبيّين ويبيت فيها للمطالعة، وكان باقعةً في قوة الحفظ»(2).
كان الجاحظ معتزليًّا محضًا؛ فقربه المأمون العباسي فيمن قرب من المعتزلة(3)، وعندما أدار بنو العباس للمعتزلة ظهر المجن، ظل الجاحظ، بسبب سعة علمه، في أمان، وقد أتاح له هذا أن يعيش في بحبوحة؛ فتفرغ للقراءة والبحث والكتابة، وعدّ له مؤرخو الأدب العديد من المؤلفات، أشهرها: (البخلاء) و(الحيوان) و(البيان والتبيين)؛ ولكنه على الرغم من ذلك كان متهمًا بوضع الحديث والكذب. وعمّر الجاحظ حتى جاوز التسعين، ومات ميتةً تناسب ولعه بالكتب؛ إذ وقعت عليه مجلداته المصفوفة، وهو عليل، فقتلته!(4).
كتاب الحيوان
كان العرب على دراية بالحيوانات التي تعيش في بيئتهم، وصفاتها، وطرق عيشها، وأشعارُ الجاهليين غنيةٌ بوصف الحيوانات المختلفة، وقد أتبع ذلك في عصر التدوين أن ظهرت مؤلفاتٌ عدة تتناول الحيوانات، مثل: كتاب الإبل للأصمعي، وكتاب الخيل لأبي حاتم السجستاني. لم يعْنِ هؤلاء المؤلفون بالحيوان في الكتب كموضوع بقدر ما كان اهتمامهم منصبًّا على الشواهد الشعرية التي ذكرت الحيوانات في سياقها، ولذلك، فإن هذه الكتب كانت كتبًا أدبيةً صرفةً.
ولكن الجاحظ نهج في كتابه (الحيوان) نهجًا مختلفًا عن نهج معاصريه؛ فإذا كان تعريف علم الإيكولوجي بأنه العلم الذي يدرس الكائن الحي وعلاقته بالبيئة التي يسكنها، فيمكن أن نزعم أن الجاحظ هو أول من قدم كتابًا علميًّا إيكولوجيًّا في التاريخ؛ فهو يهتم بالحيوان، وصفاته، وبيئته، وتفاعله مع ما يحيط به من كائناتٍ حيةٍ أخرى. اعتمد الجاحظ في كتابه على مصادر عدة؛ فتراه يرجع إلى القرآن والسنّة مراتٍ تلو مراتٍ، كما يعتمد على الشعر العربي في كثير من المواضع، وترجع ثقته في الشعر العربي إلى إدراكه أن العرب في بيئتهم الأصلية قد بنوا معارفهم بالحيوان على التجربة والملاحظة.
لذلك تجده يقول:
بل كثيرًا ما يبتلون بالناب والمخلب، واللدغ واللسع، والعض والأكل؛ فخرجت بهم الحال إلى تعرف حال الجاني والجارح والقاتل، وحال المجني عليه والمجروح والمقتول، وكيف الطلب والهرب، وكيف الداء والدواء؛ لطول الحاجة، ولطول وقوع البصر(5).
أما المصدر الثالث الذي يعتمد عليه الجاحظ، فهو كتاب الحيوان لأرسطو- الذي يسميه صاحب المنطق- ولكنه لا ينقل عنه نقلًا صرفًا، بل نقديًّا، وربما رد قول أرسطو لقول صياد بسيط إذا كان الموضوع عن الأسماك؛ فالثاني عنده أصدق بحكم علمه بحرفته، ويقول معلقًا على هذا:
«فكيف أسكن بعد هذا إلى أخبار البحريين وأحاديث السماكين، وإلى ما في كتاب رجل»(5) يعني أرسطو؛ وهذا يدفعنا إلى المصدر الرابع من مصادر الكتاب، وهو المعاينة والخبرة الشخصية، وهي تجربة فريدة في تاريخ الأدب العربي، إذ يعمد الجاحظ إلى معاينة الحيوان الذي يكتب عنه شخصيًّا، فإذا أعجزه، لجأ إلى أصحاب الخبرة بهذا الحيوان؛ كصيادي السمك للأسماك، وجامعي العسل للنحل، وقد أدى به هذا المنهج إلى رفض الكثير من الخرافات والأباطيل التي يتداولها العامة؛ فكان كتابه في مجموعه أقرب إلى الواقع من غيره من الكتب.
يناقش الكتاب العديد من الأفكار، كثيرًا منها في موضوعات الإيكولوجي الحديثة؛ فترى الجاحظ يفرد قسمًا من كتابه إلى تقسيم الحيوانات أو ما يسميه (تقسيم النامي) إلى ما يشبه تصنيف الأنواع اليوم، كما تجده في مواضع أخرى يشير إلى تأثير البيئة على الكائنات الحية ومفهوم التكيف البيئي، مثل قوله:
وقد نرى حرة بني سليم وما اشتملت عليه من إنسان، وسبع، وبهيمة، وطائر، وحشرة، فنراها كلها سوداء(5).
ويتردد على موضوع السلاسل والشبكات الغذائية أكثر من مرة مبينًا أهميته.
مثال ذلك قوله:
ومن العجب في قسمة الأرزاق أن الذئب يصيد الثعلب فيأكله، ويصيد الثعلب القنفذ فيأكله، ويريغ القنفذ الأفعى فيأكلها، وكذلك صنيعه في الحيات ما لم تعظم الحية. الحية تصيد العصفور فتأكله، والعصفور يصيد الجراد فيأكله، والجراد يلتمس فراخ الزنابير وكل شيء يكون أفحوصه على المستوى. والزنبور يصيد النحلة فيأكلها، والنحلة تصيد الذبابة فتأكلها، والذبابة تصيد البعوضة فتأكلها(5).
إعادة اكتشاف كتاب الحيوان
ظلت كتب الجاحظ، ومنها كتاب الحيوان حبيسة خزائن الكتب الخاصة؛ لا تصل إليها أيدي الناس من أهل العلم والتخصص؛ فلما كان القرن العشرين، ذاعت الطباعة، وانكبّ المستشرقون على تراث الإسلام؛ ينقبون عليه في المكتبات والمجموعات الخاصة، ويحققون وينشرون منه ما يستطيعون؛ ولا شك أن هؤلاء المستشرقون كانوا متّهمين في أهدافهم، كما كانت معارفهم بالثقافة العربية والإسلامية قاصرةً؛ مما طعن في الكثير من إنتاجهم(6).
وعلى الرغم من هذا النشاط، ظل كتاب الحيوان للجاحظ بعيدًا عن أعين المستشرقين، حتى قرر عالم اللغة والمحقق المصري عبد السلام هارون في النصف الأول من القرن العشرين التصدي إلى هذه المهمة؛ فجمع المخطوطات المتاحة لكتاب الحيوان من مختلف البلدان، وعمل على تحقيقها، وأخرج الكتاب في ستة مجلدات، ومجلدَيْن للفهارس، ونشرت هذه النسخة عام 1938، وهي أول نسخة مطبوعة لكتاب الحيوان في القرن العشرين، وقد أجاز المجمع اللغوي في القاهرة عبد السلام هارون بجائزة عام 1949-1950، عن تحقيقه لكتاب الحيوان. ولم يكتف هارون بما قام به؛ بل عمد إلى تهذيب الكتاب، وإخراج نسخة مهذبة في مجلد واحد حتى يمكن للشباب مطالعة الكتاب والاستفادة منه(7).
كتاب الحيوان للجاحظ واحدٌ من كنوزٍ كثيرةٍ يذخر بها التراث العربي الإسلامي، وهذه الكنوز منها الكثير المنشور، ولكنها تشكو من إحجام أهل العربية عنها؛ ومنها ما ليس بمنشور، وهو لا يزال ينتظر من يمد يد البحث والتحقيق ليظهره إلى العالم.
نرشح لك: علم نفس الحيوان: هل نحن أذكياء بما يكفي لفهم درجة ذكاء الحيوانات؟
المصادر
(1) الزمخشري، جار الله أبو القاسم محمود بن عمر. (1412هـ). ربيع الأبرار ونصوص الأخيار. تحقيق: مهنا، عبد الأمير. الجزء الثاني. بيروت: منشورات الأعلمي.
(2) الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن قيماز. (1405هـ). سير أعلام النبلاء. تحقيق: الأرناؤوط، شعيب. الطبعة الثالثة. الجزء الحادي عشر. بيروت: مؤسسة الرسالة.
(3) الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر. (1418هـ). البيان والتبيين. تحقيق: هارون، عبد السلام. الطبعة السابعة. الجزء الثالث. القاهرة: مكتبة الخانجي.
(4) الفاخوري، حنا. (1951). الجامع في تاريخ الأدب العربي القديم. بيروت: دار الجيل.
(5) الجاحظ، أبو عثمان بن بحر. (1965). الحيوان. تحقيق: هارون، عبد السلام. الطبعة الثانية. القاهرة: مكتبة البابي الحلبي.
(6) شاكر، محمود محمد. (1997). رسالة في الطريق إلى ثقافتنا. مكتبة الأسرة. القاهرة: الهيئة العامة المصرية للكتاب.
(7) هارون، عبد السلام. (1983). تهذيب كتاب الحيوان. القاهرة: مكتبة الخانجي.
الجاحظ والتأسيس لعلم الإيكولوجي في كتاب الحيوان - المحطة / تأخذك إلى أعماق الفِكر.
إذا كان تعريف علم الإيكولوجي بأنه العلم الذي يدرس علاقة الكائن الحي بالبيئة، إذن فإن الجاحظ في كتاب الحيوان هو أول من قدم كتابًا إيكولوجيًّا في التاريخ..
elmahatta.com