هواجس كئيبة
كفاح الزهاوي
كان يصف نفسه رجلا مبهما يطارد الظلال، يبحث بين طيات الأسفار ضياع ساعات العمر. بحور من الجروح، تسبح في عالم الانين، تتنفس نسمات من الهواء الشجن، عبر جمرات المحن .
القطارات القديمة، تتسابق مع الريح عبر تلك الغابات المنسية، تصدر ضجيجا ثقيلا، يصطدم بجدار الرأس، فتسمع صدى يوحي، وكأنه قادم من وعاء فارغ.
كان بحاجة إلى حضور الآخرين لكي يشرع في ابحاره، اتعبته مسالك الدرب، و أنهكته مسلسلات الخيبة، فقد بوصلة التحدي، واصبح قانطا في اختراقه لأهوال الحياة.
كانت المشاعر المزدحمة، تتهيج تحت ركام العزلة، وتجعله فريسة الحنين لماضي، لم يبق منه سوى أوهام، تتناثر كندفات الثلج، لا تشعر بوجودها، عناكب الرعب تنمو و تغزو جسده المرتعب في كل خطوة.
حدقاته المفتوحة على مصراعيها وهو يتفرس تلك اللوحة المشؤومة المعلقة على الجدار المتآكل وكأنما آيل للسقوط لتلك الطفلة البريئة وهي تمسك بنتوء بارز من قمة الجبل كقشة تحميه من الغرق.
كان يتخيل باحة البيت، في هواجسه الوهمية، بدا له كبيت الاشباح، تحيطه حديقة معتمة، والزهور القاتمة، والأسلاك الشائكة، مع الاثاث المبعثرة، و رياح الاهات، تتغلغل عبر مسامات الوجه، مخترقة عظام الجرح، لتستقر في عمق الفؤاد، فتشل قطار الفرح من حركته.
وفجأة وهو يبحث بين سقوط الكلمات الملغزة، نقائضها. انه عالم غامض في معادلاته المعقدة، احلام ساذجة، تتأجل الى مستقبل قاتم، ذي طريق مسدود. فوضى عارمة، أعدت لها بتفنن، واتقان. كل قبح الزمان تجمعت في دائرة النفاق.
الشعور بالوهن الجسدي، بعث في نفسه، خريف قادم، بسقوط وريقات الأشجار، وهي تغطي المساحة الخضراء بألوان زاهية، بلا حياة، لتجعل من تلك الأشجار الباسقة، جسد عاري، تتحمل مثاقل الشتاء القارس. إنها لحظات السبات القاتل في صمت طويل، تتخللها أصوات وهمية، غير مسموعة، ووجوه كالحة، تثير الرهبة، والفزع، في ليل اختفى القمر، خلف مجمعات السٌحٌب الداكنة، لبناء جدار عازل، تحجب عن الأرض نوره.
كان ينتابه نوبات هيستيرية، مشحونة، برغبة البكاء، شعوره المتكرر بانه فريسة الزمن، وضحية القدر. تلك الأفكار المرعبة، باتت ملازمة ومقيمة في زنزانته المعتمة، أفكار مقلقة، تسللت الى تلك الخلايا، كجرثومة قاتلة تكبح جماح عزيمته، عن البحث في ثنايا آلامه.
كان يحاول الهروب، الى خارج اسوار الزنزانة الرهيبة، في رغبة جامحة، أن يغمره شيء من الهواء، والشمس، لكي يعيد الى حياته الحرية المفقودة. باتت خطواته ثقيلة، بسبب شعوره التام بالعجز، وكأن الأرض اشلته، من أن يخطو خطوة اخرى. خابت كل فرص الآمال في ترتيب تلك الجمل المبعثرة، والمفككة، ومحاولة نفخ روح الحياة فيها، وإعادتها الى نصابها.
وفجأة اعتلت الشمس كبد السماء وتسللت خيوطها في هدوء وسكينة عبر النافذة العارية من الستائر الى داخل الغرفة، لتتكسرعلى سريره. استيقظ من النوم مرتعشا وهو ممتقع الوجه، ويتصبب عرقا .
قال بالم :
- يا للهول … أي كابوس لعين هذا..
قفز من سريره ووضع قدميه على ارض الغرفة وراح يمشي باتجاه النافذة ونظر من خلالها الى الطيور وهو يتنعم بدفء الشمس.
كفاح الزهاوي
كان يصف نفسه رجلا مبهما يطارد الظلال، يبحث بين طيات الأسفار ضياع ساعات العمر. بحور من الجروح، تسبح في عالم الانين، تتنفس نسمات من الهواء الشجن، عبر جمرات المحن .
القطارات القديمة، تتسابق مع الريح عبر تلك الغابات المنسية، تصدر ضجيجا ثقيلا، يصطدم بجدار الرأس، فتسمع صدى يوحي، وكأنه قادم من وعاء فارغ.
كان بحاجة إلى حضور الآخرين لكي يشرع في ابحاره، اتعبته مسالك الدرب، و أنهكته مسلسلات الخيبة، فقد بوصلة التحدي، واصبح قانطا في اختراقه لأهوال الحياة.
كانت المشاعر المزدحمة، تتهيج تحت ركام العزلة، وتجعله فريسة الحنين لماضي، لم يبق منه سوى أوهام، تتناثر كندفات الثلج، لا تشعر بوجودها، عناكب الرعب تنمو و تغزو جسده المرتعب في كل خطوة.
حدقاته المفتوحة على مصراعيها وهو يتفرس تلك اللوحة المشؤومة المعلقة على الجدار المتآكل وكأنما آيل للسقوط لتلك الطفلة البريئة وهي تمسك بنتوء بارز من قمة الجبل كقشة تحميه من الغرق.
كان يتخيل باحة البيت، في هواجسه الوهمية، بدا له كبيت الاشباح، تحيطه حديقة معتمة، والزهور القاتمة، والأسلاك الشائكة، مع الاثاث المبعثرة، و رياح الاهات، تتغلغل عبر مسامات الوجه، مخترقة عظام الجرح، لتستقر في عمق الفؤاد، فتشل قطار الفرح من حركته.
وفجأة وهو يبحث بين سقوط الكلمات الملغزة، نقائضها. انه عالم غامض في معادلاته المعقدة، احلام ساذجة، تتأجل الى مستقبل قاتم، ذي طريق مسدود. فوضى عارمة، أعدت لها بتفنن، واتقان. كل قبح الزمان تجمعت في دائرة النفاق.
الشعور بالوهن الجسدي، بعث في نفسه، خريف قادم، بسقوط وريقات الأشجار، وهي تغطي المساحة الخضراء بألوان زاهية، بلا حياة، لتجعل من تلك الأشجار الباسقة، جسد عاري، تتحمل مثاقل الشتاء القارس. إنها لحظات السبات القاتل في صمت طويل، تتخللها أصوات وهمية، غير مسموعة، ووجوه كالحة، تثير الرهبة، والفزع، في ليل اختفى القمر، خلف مجمعات السٌحٌب الداكنة، لبناء جدار عازل، تحجب عن الأرض نوره.
كان ينتابه نوبات هيستيرية، مشحونة، برغبة البكاء، شعوره المتكرر بانه فريسة الزمن، وضحية القدر. تلك الأفكار المرعبة، باتت ملازمة ومقيمة في زنزانته المعتمة، أفكار مقلقة، تسللت الى تلك الخلايا، كجرثومة قاتلة تكبح جماح عزيمته، عن البحث في ثنايا آلامه.
كان يحاول الهروب، الى خارج اسوار الزنزانة الرهيبة، في رغبة جامحة، أن يغمره شيء من الهواء، والشمس، لكي يعيد الى حياته الحرية المفقودة. باتت خطواته ثقيلة، بسبب شعوره التام بالعجز، وكأن الأرض اشلته، من أن يخطو خطوة اخرى. خابت كل فرص الآمال في ترتيب تلك الجمل المبعثرة، والمفككة، ومحاولة نفخ روح الحياة فيها، وإعادتها الى نصابها.
وفجأة اعتلت الشمس كبد السماء وتسللت خيوطها في هدوء وسكينة عبر النافذة العارية من الستائر الى داخل الغرفة، لتتكسرعلى سريره. استيقظ من النوم مرتعشا وهو ممتقع الوجه، ويتصبب عرقا .
قال بالم :
- يا للهول … أي كابوس لعين هذا..
قفز من سريره ووضع قدميه على ارض الغرفة وراح يمشي باتجاه النافذة ونظر من خلالها الى الطيور وهو يتنعم بدفء الشمس.