حدث هذا منذ بضع سنوات .
كنت أسير في جادة الصالحية ، في دمشق ، فحاذيت على الرصيف فتاة في مقتبل العمر جذبت اهتمامي بما تلبسه بأكثر ماجذبه مشوق قدها وجمال طلعتها ، وما كان هذان هينين ، كانت تلبس جنزاً أزرق من الذي أقبلت الفتيات في ايامنا ، وفي سائر مدننا ، على ارتداء مثله كلون طاغ من الموضة .
ولكن جنز هذه الفتاة كان ضيقا في تفصيله ، شديد اللصوق بأعضاء جسدها ، ناطقاً بإنثناءات ذلك الجسد وتعرجاته ، يكاد يتفزر في بعض انحائه كاشفاً عما يستره . لم يكن امامي الا ان اهز راسي وانا اعجب من هذا الالحاح في ارتداء المفرط في الضيق من اللباس .
تجاوزت في مشيتي الفتاة التي ماكانت مستعجلة في سيرها ، الا انها حاذتني مرة ثانية عندما توقفت انا امام واجهة مكتبة في الشارع متطلعا الى الكتب المعروضة وراءها . لاحظت انها قطعت سيرها ، ووقفت الى جانبي ، ثم راحت تحدثني بعد ان حيتني وسمتني باسمي . اضافت الى تحيتها سؤالها عن حالي ، ثم قالت : لم نرك منذ زمن طويل . لم تعد تمتعنا بسماع محاضراتك ، وحتى كتاباتك اصبحت قليلة في الصحف والمجلات ... هل كنت غائبا عن البلاد ، مسافرا ؟
اذا هذه الفتاة ، المفرطة في اناقتها العصرية ، تعرفني جيدا وان كنت لم اثبت لها معرفة . هي دون ريب احدى المستمعات الى احاديثي في المنتديات الثقافية ، واحدى القارئات لكتاباتي ، وليس من المفروض ان تكون لي بها وبامثالها معرفة شخصية .
شكرتها على عبارات الثناء التي راحت تسوقها لي وانا اتملى ، عن قرب ، في مجالي اناقتها التي ذكرت . واتسعت ابتسامتي فجأة . لاحظت هي ذلك فقالت لي:
ـ أراك ابتسمت !
قلت انا :
صحيح .
وسأقول لك بصراحة لماذا ، وعليك ان تتحملي ماأقوله .
ابتسمت الفتاة بدورها وقالت :
سأتحمل .
تفضل وقل .
قلت :
حين مررت بي منذ قليل لفت نظري منك شيء ذكرني بحكاية لأحد أعمامي ، كنت أنوي روايتها لأول صاحب التقي به في طريقي . لم أعثر حتى هذه اللحظة على أحد من أصحابي ، لذلك فكرت بأن أرويها لك .
قالت ، ونحن لانزال وقوفاً أمام واجهة المكتبة : هذا يسرني .
أنا معجبة دوما بحكاياتك في محاضراتك .
قلت لها :
نعم .
لي ياآنستي في الأسرة عم متقدم في سنه . هو لايقيم معنا في بلدتنا الصغيرة ، فقد فضل أن يضل فلاحاص ريفياً يقيم في قرية للأسرة بعيدة عن البلدة ، يدير أمورها ويتولى فيها أعمالها وأعماله الزراعية . وان كان بين الحين والحين يجيء الى البلدة زائرا أو متفقداً أقاربه فيها . ولطول اقامته في الريف أصبحت له عقلية الريفيين الساذجة ومفاهيمهم البسيطة .
حتى اسمه أصبح غريبا بين الاسماء بريفيته المفرطة . اسمه ( علاص ) !
في ذات مرة ، وفي احدى زياراته للبلدة راح يحدثنا عن امور لم يدرك كنهها من امور المدينة .
قال :
هناك اشياء تبدو من الغرابة بمكان ، ولكن اذا عرف السبب فيها بطل العجب .
السيارة مثلا . صحيح انها معدن جامد . ولكن تركب لها عجلات ويسكب في خزانها بنزين ، ويدار دولابها ، واذا هي فر .... فر ... وتمشي !
وكذلك الطيارة . وانما هذه يركب لها اجنحة ، فتطير .
كل هذه امور فهمتها ، على الرغم من غرابتها . هناك شيء واحد في الحقيقة لم أفهمه ...
كانت الفتاة مصغية الى ماأحدثها به بكل اهتمام . استندت بكفها بعض الشيء على زجاج واجهة المكتبة ، وقاطعتني بقولها :
ـ ماهذا الشيء الذي لم يفهمه عمك ... عمك الذي اسمه .
قلت : اسمه علاص .
قال لنا عمي علاص انه فهم كل الاشياء التي تبدو للآخرين عسيرة على الادراك . ولكن شيئا واحدا لم يستطع فهمه ، هذا الشيء هو كيف ... كيف استطاعوا ان يدخلوا اللوزة الى جوف حبة الملبس ، اعني الى الملبسة الحلوة ؟!
انطلقت ضحكة قصيرة من فم الفتاة المصغية الي ، ثم سكتت كالمنتظرة تتمة كلامي .
قلت انا :
ـ حكاية مضحكة ربما . ولكنني تذكرتها حينما وقعت عيني عليك في أول الجادة ياآنسة ، فتساءلت وأنا أرى شدة حصر هذا الجينز الضيق لجسمك تساؤل عمي علاص : كيف استطاعوا ادخال اللوزة الى الملبسة ، وكيف استطعتي انت ادخال جسدك في هذا الجينز الذي تكاد خياطته من ضيقه عليك تتقطع وتتفزر ؟!
رأيت وجه الفتاة امامي يتورد بشدة ، وقد ادركت ماوراء حكايتي وتساؤلي من استنكار . تلجلجت الكلمات على لسانها في البدء ، ثم لم تلبث أن أفصحت قائلة :
ـ ماذا نصنع يادكتور . الطعام يزيدنا بدانة ، والثياب تضيق وتنكمش بالغسيل !
وانثنت كالخجلى مسرعة في الابتعاد عني ، مكتفية برفع يدها الي في وداعها لي ...
كنت أسير في جادة الصالحية ، في دمشق ، فحاذيت على الرصيف فتاة في مقتبل العمر جذبت اهتمامي بما تلبسه بأكثر ماجذبه مشوق قدها وجمال طلعتها ، وما كان هذان هينين ، كانت تلبس جنزاً أزرق من الذي أقبلت الفتيات في ايامنا ، وفي سائر مدننا ، على ارتداء مثله كلون طاغ من الموضة .
ولكن جنز هذه الفتاة كان ضيقا في تفصيله ، شديد اللصوق بأعضاء جسدها ، ناطقاً بإنثناءات ذلك الجسد وتعرجاته ، يكاد يتفزر في بعض انحائه كاشفاً عما يستره . لم يكن امامي الا ان اهز راسي وانا اعجب من هذا الالحاح في ارتداء المفرط في الضيق من اللباس .
تجاوزت في مشيتي الفتاة التي ماكانت مستعجلة في سيرها ، الا انها حاذتني مرة ثانية عندما توقفت انا امام واجهة مكتبة في الشارع متطلعا الى الكتب المعروضة وراءها . لاحظت انها قطعت سيرها ، ووقفت الى جانبي ، ثم راحت تحدثني بعد ان حيتني وسمتني باسمي . اضافت الى تحيتها سؤالها عن حالي ، ثم قالت : لم نرك منذ زمن طويل . لم تعد تمتعنا بسماع محاضراتك ، وحتى كتاباتك اصبحت قليلة في الصحف والمجلات ... هل كنت غائبا عن البلاد ، مسافرا ؟
اذا هذه الفتاة ، المفرطة في اناقتها العصرية ، تعرفني جيدا وان كنت لم اثبت لها معرفة . هي دون ريب احدى المستمعات الى احاديثي في المنتديات الثقافية ، واحدى القارئات لكتاباتي ، وليس من المفروض ان تكون لي بها وبامثالها معرفة شخصية .
شكرتها على عبارات الثناء التي راحت تسوقها لي وانا اتملى ، عن قرب ، في مجالي اناقتها التي ذكرت . واتسعت ابتسامتي فجأة . لاحظت هي ذلك فقالت لي:
ـ أراك ابتسمت !
قلت انا :
صحيح .
وسأقول لك بصراحة لماذا ، وعليك ان تتحملي ماأقوله .
ابتسمت الفتاة بدورها وقالت :
سأتحمل .
تفضل وقل .
قلت :
حين مررت بي منذ قليل لفت نظري منك شيء ذكرني بحكاية لأحد أعمامي ، كنت أنوي روايتها لأول صاحب التقي به في طريقي . لم أعثر حتى هذه اللحظة على أحد من أصحابي ، لذلك فكرت بأن أرويها لك .
قالت ، ونحن لانزال وقوفاً أمام واجهة المكتبة : هذا يسرني .
أنا معجبة دوما بحكاياتك في محاضراتك .
قلت لها :
نعم .
لي ياآنستي في الأسرة عم متقدم في سنه . هو لايقيم معنا في بلدتنا الصغيرة ، فقد فضل أن يضل فلاحاص ريفياً يقيم في قرية للأسرة بعيدة عن البلدة ، يدير أمورها ويتولى فيها أعمالها وأعماله الزراعية . وان كان بين الحين والحين يجيء الى البلدة زائرا أو متفقداً أقاربه فيها . ولطول اقامته في الريف أصبحت له عقلية الريفيين الساذجة ومفاهيمهم البسيطة .
حتى اسمه أصبح غريبا بين الاسماء بريفيته المفرطة . اسمه ( علاص ) !
في ذات مرة ، وفي احدى زياراته للبلدة راح يحدثنا عن امور لم يدرك كنهها من امور المدينة .
قال :
هناك اشياء تبدو من الغرابة بمكان ، ولكن اذا عرف السبب فيها بطل العجب .
السيارة مثلا . صحيح انها معدن جامد . ولكن تركب لها عجلات ويسكب في خزانها بنزين ، ويدار دولابها ، واذا هي فر .... فر ... وتمشي !
وكذلك الطيارة . وانما هذه يركب لها اجنحة ، فتطير .
كل هذه امور فهمتها ، على الرغم من غرابتها . هناك شيء واحد في الحقيقة لم أفهمه ...
كانت الفتاة مصغية الى ماأحدثها به بكل اهتمام . استندت بكفها بعض الشيء على زجاج واجهة المكتبة ، وقاطعتني بقولها :
ـ ماهذا الشيء الذي لم يفهمه عمك ... عمك الذي اسمه .
قلت : اسمه علاص .
قال لنا عمي علاص انه فهم كل الاشياء التي تبدو للآخرين عسيرة على الادراك . ولكن شيئا واحدا لم يستطع فهمه ، هذا الشيء هو كيف ... كيف استطاعوا ان يدخلوا اللوزة الى جوف حبة الملبس ، اعني الى الملبسة الحلوة ؟!
انطلقت ضحكة قصيرة من فم الفتاة المصغية الي ، ثم سكتت كالمنتظرة تتمة كلامي .
قلت انا :
ـ حكاية مضحكة ربما . ولكنني تذكرتها حينما وقعت عيني عليك في أول الجادة ياآنسة ، فتساءلت وأنا أرى شدة حصر هذا الجينز الضيق لجسمك تساؤل عمي علاص : كيف استطاعوا ادخال اللوزة الى الملبسة ، وكيف استطعتي انت ادخال جسدك في هذا الجينز الذي تكاد خياطته من ضيقه عليك تتقطع وتتفزر ؟!
رأيت وجه الفتاة امامي يتورد بشدة ، وقد ادركت ماوراء حكايتي وتساؤلي من استنكار . تلجلجت الكلمات على لسانها في البدء ، ثم لم تلبث أن أفصحت قائلة :
ـ ماذا نصنع يادكتور . الطعام يزيدنا بدانة ، والثياب تضيق وتنكمش بالغسيل !
وانثنت كالخجلى مسرعة في الابتعاد عني ، مكتفية برفع يدها الي في وداعها لي ...