ما أن تجد نفسك بين مجموعة من القصاصين، حتى تكون القصة حاضرة للحديث ، وعندما تكون المجموعة من الشعراء تجد القصيدة حاضرة، وهكذا عندما ذهبت يوما لنقابة الفنانين التشكيليين حتى كان الفن التشكيلي حاضرا، ويمكن أن اكون في البرلمان العراقي المحاصصاتي، حتى تكون الحصة البرلمانية مدار حديث دكاكين السياسة كما لو كانوا يوزعون الحصة التموينية على المواطنين، حيث ينقصها الشاي والطحين ويضخ الرز للسوق ويمنع الزيت، وتقلص الكمية لأشهر ثم لا يتضرر إلا الشعب الذي تجده شخصية الحديث عن القصة والشعر والفنون، وهو هناك حيث ينظر للحصة التموينية كما لو كانت خلاصا لحياته.
مع كل هذا الذي يحدث تجد الأدباء من اكثر الناس اهتماما بما يجري لهذه الشخصية أو تلك، حتى لو كانت القضية لا تخصهم، فبنية احداث اعمالهم الأدبية تتطلب أحيانا الذهاب بعيدا ،إلى الماضي أو المستقبل، فاي حدث وأيّ شخصية لا يمكنها أن تستقيم في الحاضر وحده، وعندما يصبح الحاضر مغبشًا، وغير واضح الرؤية، يذهب الأدباء كما يذهب الساسة إلى الماضي ليستحضروا قصصا واحاديثًا من هناك، ليطمئن الناس بها، ومن ثم يحولونها إلى أحداث للحاضر بعد ان يشبعوها بما ملكت ايمانهم من قدرات لغوية وخيالية.
في لقاء قصير، وعلى ناصية شارع في الكرادة، وبين جمع من الناس لم أألف بعضهم قبل اليوم، كان ثمة حديث عن نوعية البطل القصصي الذي هو من محيطنا ولكنه لايشبه أي إنسان منا، كما لا يشبه اي كائن تراثي، ولكنه مع ذلك هو عراقي، ويحمل الجنسية العراقية، وخدم في الجيش أيام الحروب، ولديه مجموعة من الحكايات غير المكتملة عن علاقاته مع نساء تعرَّف عليهن بالصدفة أو بقصدية، ولكن ولا اي حكاية من هذه الحكايات التي شكلت كيانا لحكاية هذا الكائن العراقي، إما نتيجة لضعف مادتها أو لعشوائية بنيتها، وتبقى هذه الحكايات الناقصة مدار حديثه اليومي علَّ من يجد لها خيط البداية ليبدأ هو أو غيره بنسجها. هذا الرجل الذي يتحدث عن تجاربه وسط شارع متحرك، وأناس تمر ملتفتة، وضوضاء السيارات، كان ثملا حقيقة بما يقصه علينا، وحين يتوقف يقول: اصدقائي هذه ليست حكايات من ألف ليلة وليلة، هذه حكاياتي، ولكني لن اتممها إلا معكم، والحقيقة لا أعرف كيف أتممها إلا معكم، أنتم شركائي فيها، لأني لا أعرف كيف بدأت، كما أنني لا أتذكر كيف ستكون نهايتها، ما حكيته لكم منها، هو تلك اللحظات التي تقع بين البداية والنهاية، وكنت دائمًا أنا الخاسر فيها.
كان الجو حارا، والصديق الذي يتكلم يشعر باننا مللنا من الاستماع إليه، قال: ربما لم استطع رواية ما بحوزتي من حكايات، ولكنني قبل أن أنهي حديثي معكم، أحب ان تستمعوا لهذه الحكاية القصيرة. ثم بدأ بتلاوة أشبه ما تكون بسردية غنائية لجملة واحدة مؤلفة من مئات الكلمات، شعرت بأنه يغني كطائرالتم، ينشد خلاصة حياته قبل أن يموت، لقد فقدت كل صلة لي بالعالم الذي يحيط بنا، وبدأت أردد مع نفسي بصوت داخلي عميق شيئا من سيرتي الذاتية: كنت جنديًا في جبهة القتال مع إيران، وكنت كلما اشتد القصف على مواضعنا، ابدأ بالغناء، هكذا، سأسمعكم شيئا من تلك الأغاني، ثم بدأ يعني بصوت منخفض بترديدات متقطعة، وعندما أكلف بواجب في اثناء القصف، كنت أدع لساني عند أصدقائي في الموضع ،واطلب منهم أن يواصلوا الغناء، وبالرغم من القصف كان لساني يتكلم، وكنت أسمعه وانا في الموضع المتقدم. وعندما أعود من الربية لموضعي، وقد يكون الوقت ليلا أو صباحا، اجد كل الجنود الذين كانوا معي ما زالوا يغنون،، حتى أني وجدت نفسي في لحظات أنني بلا لسان، فما يرونه هو ما جرى لي بالضبط، هؤلاء الاصدقاء اصبحوا كلهم أنا، واصبحت جمع الأصداء، ثم طلب منا أن نستمع له، وبدأ يغني اغنية لم نفهم منها شيئًا، مجرد أصوات وهمهمات، وشيء ما ينز من الذاكرة عن علاقة ما بامرأة، قال عنها إنها طين حري ، وفي آخر الجلسة التفت إلينا وهو يقول :اسف أصدقائي كنت أتحدث عن بطل لقصتي الجديدة، ولما وجدت منكم انتباهة لحديثي شعرت انكم تتكلمون بلساني، استأذنكم، فما جرى لي في جبهات القتال أو في أماكني، جرى لكم أيضا، فالبطولة ليست كائنا غريبا عن حياتنا إن لم يكن نحن وقد استعار القاصون حكاياتها.
مع كل هذا الذي يحدث تجد الأدباء من اكثر الناس اهتماما بما يجري لهذه الشخصية أو تلك، حتى لو كانت القضية لا تخصهم، فبنية احداث اعمالهم الأدبية تتطلب أحيانا الذهاب بعيدا ،إلى الماضي أو المستقبل، فاي حدث وأيّ شخصية لا يمكنها أن تستقيم في الحاضر وحده، وعندما يصبح الحاضر مغبشًا، وغير واضح الرؤية، يذهب الأدباء كما يذهب الساسة إلى الماضي ليستحضروا قصصا واحاديثًا من هناك، ليطمئن الناس بها، ومن ثم يحولونها إلى أحداث للحاضر بعد ان يشبعوها بما ملكت ايمانهم من قدرات لغوية وخيالية.
في لقاء قصير، وعلى ناصية شارع في الكرادة، وبين جمع من الناس لم أألف بعضهم قبل اليوم، كان ثمة حديث عن نوعية البطل القصصي الذي هو من محيطنا ولكنه لايشبه أي إنسان منا، كما لا يشبه اي كائن تراثي، ولكنه مع ذلك هو عراقي، ويحمل الجنسية العراقية، وخدم في الجيش أيام الحروب، ولديه مجموعة من الحكايات غير المكتملة عن علاقاته مع نساء تعرَّف عليهن بالصدفة أو بقصدية، ولكن ولا اي حكاية من هذه الحكايات التي شكلت كيانا لحكاية هذا الكائن العراقي، إما نتيجة لضعف مادتها أو لعشوائية بنيتها، وتبقى هذه الحكايات الناقصة مدار حديثه اليومي علَّ من يجد لها خيط البداية ليبدأ هو أو غيره بنسجها. هذا الرجل الذي يتحدث عن تجاربه وسط شارع متحرك، وأناس تمر ملتفتة، وضوضاء السيارات، كان ثملا حقيقة بما يقصه علينا، وحين يتوقف يقول: اصدقائي هذه ليست حكايات من ألف ليلة وليلة، هذه حكاياتي، ولكني لن اتممها إلا معكم، والحقيقة لا أعرف كيف أتممها إلا معكم، أنتم شركائي فيها، لأني لا أعرف كيف بدأت، كما أنني لا أتذكر كيف ستكون نهايتها، ما حكيته لكم منها، هو تلك اللحظات التي تقع بين البداية والنهاية، وكنت دائمًا أنا الخاسر فيها.
كان الجو حارا، والصديق الذي يتكلم يشعر باننا مللنا من الاستماع إليه، قال: ربما لم استطع رواية ما بحوزتي من حكايات، ولكنني قبل أن أنهي حديثي معكم، أحب ان تستمعوا لهذه الحكاية القصيرة. ثم بدأ بتلاوة أشبه ما تكون بسردية غنائية لجملة واحدة مؤلفة من مئات الكلمات، شعرت بأنه يغني كطائرالتم، ينشد خلاصة حياته قبل أن يموت، لقد فقدت كل صلة لي بالعالم الذي يحيط بنا، وبدأت أردد مع نفسي بصوت داخلي عميق شيئا من سيرتي الذاتية: كنت جنديًا في جبهة القتال مع إيران، وكنت كلما اشتد القصف على مواضعنا، ابدأ بالغناء، هكذا، سأسمعكم شيئا من تلك الأغاني، ثم بدأ يعني بصوت منخفض بترديدات متقطعة، وعندما أكلف بواجب في اثناء القصف، كنت أدع لساني عند أصدقائي في الموضع ،واطلب منهم أن يواصلوا الغناء، وبالرغم من القصف كان لساني يتكلم، وكنت أسمعه وانا في الموضع المتقدم. وعندما أعود من الربية لموضعي، وقد يكون الوقت ليلا أو صباحا، اجد كل الجنود الذين كانوا معي ما زالوا يغنون،، حتى أني وجدت نفسي في لحظات أنني بلا لسان، فما يرونه هو ما جرى لي بالضبط، هؤلاء الاصدقاء اصبحوا كلهم أنا، واصبحت جمع الأصداء، ثم طلب منا أن نستمع له، وبدأ يغني اغنية لم نفهم منها شيئًا، مجرد أصوات وهمهمات، وشيء ما ينز من الذاكرة عن علاقة ما بامرأة، قال عنها إنها طين حري ، وفي آخر الجلسة التفت إلينا وهو يقول :اسف أصدقائي كنت أتحدث عن بطل لقصتي الجديدة، ولما وجدت منكم انتباهة لحديثي شعرت انكم تتكلمون بلساني، استأذنكم، فما جرى لي في جبهات القتال أو في أماكني، جرى لكم أيضا، فالبطولة ليست كائنا غريبا عن حياتنا إن لم يكن نحن وقد استعار القاصون حكاياتها.