كان القرن التاسع عشر ذا أهمية خاصة في الولادة الأوروبية الجديدة التي ما تزال تجلياتها موجودة حتى عصرنا، وإن بصيغ وإضافات جديدة. فنحن شاهدون عليه، ومتأثرون به، وإن بنسب مختلفة من حيث البنية والوظائف. أما هذه الحيثيات الأخيرة فقد راحت تتبلور وتتضح في طريق مترع بالآلام، وبقدر من ردود الفعل والصراع. ذلك أن التفاعل مع الآخر راح يفصح عن نفسه مع المد الأوروبي النهضوي، والاستعماري كليهما.. أما كيف هذا؟ فقد أفصح عن ذاتيته في سياق إعادة بناء حضارية لأوروبا، ولكن كذلك عبر الوقوف في وجه من لا ينتمي إلى أوروبا هذه مثل الأميركيين اللاتينيين والآسيويين والأفارقة. وهذا الوجه هو الذي راح يعلن عن نفسه تحت قبضة النفوذ الأوروبي الصاعد، أي من خلال محاولات تطويعه عبر ذاك في بنيته ومهماته وتوجهاته واحتياجاته، وهكذا يجد الباحث المدقق نفسه أمام نسقين اثنين راح الاختلاف بينهما يتجاوز البنية والمهمة ليصل إلى المآلات التاريخية.
لقد راح المد الأوروبي النهضوي يستحث السير باتجاه التغيير الذاتي النوعي ذي الخصوصية الأوروبية إلى الأمام، ولكن عبر استجرار شعوب أخرى ذات حضور للخضوع لقبضته. هي تحافظ على مسارها وهويتها وغاياتها التاريخية، وتسعى إلى «إنتاج» شعوب ومجموعات لتوظيفها بصفة «أرقاء»، وأجراء، في مجالات للتجريب البيولوجي والنفسي والأخلاقي وكل ما يدخل في «خانة البشر». وكان على العاملين في مجالات الاستشراق، أن يقدموا نظرياتهم يداً بيد مع تفكيك قيم الإنسانية والكرامة والحرية بالتوافق مع قانون اقتصادي واجتماعي وعسكري يتمثل في استنفاد تلك القيم، بهدف إعادة إحياء أو تشكيل منظومة «الاسترقاق» عبر تعميم نمط من «الأيديولوجيا» الشمولية في العمل و«العلم» والاستمتاع بها، بل والدفاع عنها.
وقد اكتشف دهاقنة هذه الأيديولوجيا كيف يجعلون منها سيد الموقف في تاريخ تلك الشعوب وإسقاطها على واقعها، وأوكلوا معظم هذه المهمة لـ«الأساتذة الجدد» و«الباحثين المتمرسين»، المنطلقين من تصوّر يرى في أولئك «أرقاء» الماضي، في أقرب صفاته إلى الأيديولوجية المذكورة، والأكثر تخلفاً لسبب واهٍ ينطلق لدى الغربيين من نظرية «الأنتروبولوجيا»، فها هنا يميز بين الرجل الأبيض وبين الآخر الملون أو الأسود، فالأول منهما، حسب إرنست رينان، الفيلسوف الفرنسي، ينتمي إلى «العرق الآري» في حين ينتمي ثانيهما إلى «العرق السامي». ومن هذا الموقع العرقي يرى جيرار لكراك، الفرنسي أيضاً، أن «الرجل الأبيض أو الأشقر -والمعني بهذا: الاستعمار- وجد مجتمعات صالحة للخضوع للسيطرة الاستعمارية»! وقد قاد الاستشراقي رينان ذلك الموقف إلى المستوى الفكري الفلسفي، حيث رأى أن «الفلسفة لم تكن لدى الشعوب السامية -ومنها العرب- أكثر من استعارة خارجية صرفة ومقتدية بالفلسفة اليونانية».
وذلك كله أنتج منظومة أيديولوجية تمثلت في الاستشراق «الغربي» من طرف، والاستعمار الأوروبي الصاعد من طرف آخر، بحيث كان من نتائج ذلك أمثال الثنائيات التالية: الأبيض والأسود، والمبدع المنتج والمستهلك القاصر، والحر و«العبد»، والأنا والهو.. إلخ، فكان ذلك بمثابة وضع اللبنة لمنظومة جديدة وآخذة في التعاظم باتجاه طبقات وفئات، وتجمعات بشرية تعيش معادلة: المنتج غير المستهلك والمستهلك غير المنتج، والخادم والمخدوم، والكرامة والعبودية، والسيد و«العبد».. ويمكن إضافة أن تأثيرات ذلك في المجتمعات غير الأوروبية، وغير الآرية، وحيث يعيش بشر يؤسسون لحياتهم في ضوء الفقر وافتقاد الحرية والكرامة، كانت ذات بعدين اثنين، تمثل الأول في شروط العيش في تلك المناطق من طرف، والثاني في التخوم الأوروبية التي خضعت كذلك لنظمها الاقتصادية والسياسية.. إلخ، من طرف آخر. ومن ها هنا أخذ التخلف والتخليف يهيمنان في البلاد المعنية مرافقين بالاستبداد وغياب حقوق الإنسان، بحيث لا يخرج البشر ها هنا من مصائرهم المفروضة عليهم.
ها هنا يصبح الحديث وارداً عن حالة جديدة، خصوصاً في مراحل استقلالات حققتها بعض الشعوب المعنية، حيث حُرمت من الحرية والكرامة ضمن نظم استبدادية خاضعة لـ«الآخر- الخارج»، وقاهرة لشعوبها بكل وسائل القهر، وخصوصاً بما يتمثل في غياب نُظم عمل وظروف معيشة تفتقد العدل والحرية والكرامة. لقد راحت معالم كل أشكال مد التطرف والتعصب والإرهاب تبرز في تلك الأحوال، ما سهل هيمنة أيديولوجيات ظلامية عنوانها التعصب والعنف والتطرف والإرهاب.
لقد راح المد الأوروبي النهضوي يستحث السير باتجاه التغيير الذاتي النوعي ذي الخصوصية الأوروبية إلى الأمام، ولكن عبر استجرار شعوب أخرى ذات حضور للخضوع لقبضته. هي تحافظ على مسارها وهويتها وغاياتها التاريخية، وتسعى إلى «إنتاج» شعوب ومجموعات لتوظيفها بصفة «أرقاء»، وأجراء، في مجالات للتجريب البيولوجي والنفسي والأخلاقي وكل ما يدخل في «خانة البشر». وكان على العاملين في مجالات الاستشراق، أن يقدموا نظرياتهم يداً بيد مع تفكيك قيم الإنسانية والكرامة والحرية بالتوافق مع قانون اقتصادي واجتماعي وعسكري يتمثل في استنفاد تلك القيم، بهدف إعادة إحياء أو تشكيل منظومة «الاسترقاق» عبر تعميم نمط من «الأيديولوجيا» الشمولية في العمل و«العلم» والاستمتاع بها، بل والدفاع عنها.
وقد اكتشف دهاقنة هذه الأيديولوجيا كيف يجعلون منها سيد الموقف في تاريخ تلك الشعوب وإسقاطها على واقعها، وأوكلوا معظم هذه المهمة لـ«الأساتذة الجدد» و«الباحثين المتمرسين»، المنطلقين من تصوّر يرى في أولئك «أرقاء» الماضي، في أقرب صفاته إلى الأيديولوجية المذكورة، والأكثر تخلفاً لسبب واهٍ ينطلق لدى الغربيين من نظرية «الأنتروبولوجيا»، فها هنا يميز بين الرجل الأبيض وبين الآخر الملون أو الأسود، فالأول منهما، حسب إرنست رينان، الفيلسوف الفرنسي، ينتمي إلى «العرق الآري» في حين ينتمي ثانيهما إلى «العرق السامي». ومن هذا الموقع العرقي يرى جيرار لكراك، الفرنسي أيضاً، أن «الرجل الأبيض أو الأشقر -والمعني بهذا: الاستعمار- وجد مجتمعات صالحة للخضوع للسيطرة الاستعمارية»! وقد قاد الاستشراقي رينان ذلك الموقف إلى المستوى الفكري الفلسفي، حيث رأى أن «الفلسفة لم تكن لدى الشعوب السامية -ومنها العرب- أكثر من استعارة خارجية صرفة ومقتدية بالفلسفة اليونانية».
وذلك كله أنتج منظومة أيديولوجية تمثلت في الاستشراق «الغربي» من طرف، والاستعمار الأوروبي الصاعد من طرف آخر، بحيث كان من نتائج ذلك أمثال الثنائيات التالية: الأبيض والأسود، والمبدع المنتج والمستهلك القاصر، والحر و«العبد»، والأنا والهو.. إلخ، فكان ذلك بمثابة وضع اللبنة لمنظومة جديدة وآخذة في التعاظم باتجاه طبقات وفئات، وتجمعات بشرية تعيش معادلة: المنتج غير المستهلك والمستهلك غير المنتج، والخادم والمخدوم، والكرامة والعبودية، والسيد و«العبد».. ويمكن إضافة أن تأثيرات ذلك في المجتمعات غير الأوروبية، وغير الآرية، وحيث يعيش بشر يؤسسون لحياتهم في ضوء الفقر وافتقاد الحرية والكرامة، كانت ذات بعدين اثنين، تمثل الأول في شروط العيش في تلك المناطق من طرف، والثاني في التخوم الأوروبية التي خضعت كذلك لنظمها الاقتصادية والسياسية.. إلخ، من طرف آخر. ومن ها هنا أخذ التخلف والتخليف يهيمنان في البلاد المعنية مرافقين بالاستبداد وغياب حقوق الإنسان، بحيث لا يخرج البشر ها هنا من مصائرهم المفروضة عليهم.
ها هنا يصبح الحديث وارداً عن حالة جديدة، خصوصاً في مراحل استقلالات حققتها بعض الشعوب المعنية، حيث حُرمت من الحرية والكرامة ضمن نظم استبدادية خاضعة لـ«الآخر- الخارج»، وقاهرة لشعوبها بكل وسائل القهر، وخصوصاً بما يتمثل في غياب نُظم عمل وظروف معيشة تفتقد العدل والحرية والكرامة. لقد راحت معالم كل أشكال مد التطرف والتعصب والإرهاب تبرز في تلك الأحوال، ما سهل هيمنة أيديولوجيات ظلامية عنوانها التعصب والعنف والتطرف والإرهاب.