محمد بشكار - أُقامِرُ بجُرْحٍ لا يُسَاوِي ضِماداً..! - شعر

النَّاسُ
فِي يَقْظَتِي
نَائِمُونْ!
يَعْبُرُونَ الحَيَاةَ كَمَا
لَمْ يَعِيشُوا مِنَ العُمْرِ إلَّا
دَقَائِقَ مِنْ فَرْطِ مَا
يَكْدِحُونْ. هُمْ
تِبَاعاً يَمُرُّونَ مِثْلَ
السَّحَابَاتِ تَدْفَعُهَا الرِّيحُ
فِي شَارِعٍ
باِلسَّمَاءِ، إلَى
اللهِ يَوْمَئِذٍ يَرْجِعُونْ:
أَنْبِئُونِيَ مَا
صَنَعَتْ بِيَ هَذِي الحَياةُ لِأَعْرِفَ
مَا يَصْنَعُ اللهُ بِي؟
أَ انْحَرَفْتُ وَأَعْلَمُ أَنَّ
الطَّرِيقَ الَّذِي سَلَكَ الفَجَّ
فِي نَهْدِهَا
لَيْسَ بِالمُسْتَقِيمِ،
فَقُولُوا أَحَافَظْتُ بَيْنَ
الصُّفُوفِ عَلَى مَوْقِعِي
فِي الصَّلَاةِ إلَى
آخِرِي،
أمْ تَرَكْتُ فَرَاغَهُ هَامِشَ
حُرِّيَةٍ للشَّيَاطِينِ كَيْ
أَسْتَهِيمَ إلَى
غَيْرِ نَفْسِي،
فَإيَّاكُمُ أنْ تَسُدُّوا عَلَى
الرُّوحِ إنْ هِيَ عَادَتِ
كُلَّ الفُرَجْ،
فأنَا مَيِّتٌ الآنَ، لَكِنَّنِي
لَسْتُ أعْلَمُ هَلْ
فِي شَقَاءٍ أُعَذَّبُ أمْ
فِي نَعِيمْ..؟
أَنْبِئُونِيَ مَا
قَدْ صَنَعَتُ بِتِلْكَ
الحَياةِ الَّتِي لَمْ أعِشْهَا، لَوْ
القَصِيدَةُ
تُغْمِضُ أعْيُنَهَا
لِأَنَامْ.
لَوْ تَمُدُّ
إلَى قَمَرٍ
يَدَهَا
فِي جِدَارِ
السَّمَاءِ لِتُطْفِىءَ
هَذَا الظَّلَامْ.
كَيْفَ تَكْتُبُ
هَذِي القَصِيدَةُ
أقْدَارَهَا
فِي جَبِينِي
تَجَاعِيدَ مِنْ دُونَ
أقْلَامْ؟
وَهَلْ
كُلّ مَا فِي
الجَبِينِ
تَرَاهُ العُيُونُ ولو
مِنْ مَسَافَةِ عُكَّازْ؟
لَمْ أُصَدِّقْ
حَيَاتِي وَكُنْتُ أُجَامِلُهَا
كَذِباً فِي القَصِيدَةِ أوْ
لَعِباً بِالمَجَازْ
أُقَامِرُ بِالسَّنَوَاتِ لِأجْلِ
الجَمِيلَاتِ، مَنْ سَوْفَ
تَمْنَحُنِي عُمْرَهَا السَّرْمِدِيَّ
الطَّوِيلَ مُقَابِلَ سَطْرٍ قَصِيرٍ مِنَ
الشِّعْرِ، لَيْتَ يَدِي لَمْ تَصِلْ أوْ
تَضِيقَ ذِرَاعِي عَلَى
خَصْرِهَا. لَيْتَنِي بِالكَافِرِينَ وَقَدْ
سَبَقُونِيَ لِلْجُبِّ آمَنْتُ أنَّ
النِّسَاءَ الخَطِيرَاتِ مِنْهُنَّ مِثْلَ
الدَّوَاءِ وتُوضَعْنَ أبْعَدَ
مِنْ مُتَنَاوَلِ كُلِّ الرِّجَالِ وَمَنْ
كَانَ فِي عُمُرِ الشُّعَرَاءْ
مَنْ مُقَابِلَ جُرْحِي الَّذِي
لَا يُسَاوِي ضِمَاداً
تُقَامِرُنِي بِنَزِيفِ
البِحَارْ؟
مَنْ نَظِيرَ
خُطَايَ الَّتِي
ضَيَّعَتْنِي أُلَاحِقُهَا سَوْفَ
تَمْنَحُنِي رَقْصَةً كَالَّتِي قَدْ يُؤَدِّي
انْكِسَارَاتِهَا المَوْجُ مِلْءَ
الرَّذَاذِ عَلَى حَافَّةِ
الصَّخْرِ، ثُمَّ نُكَرِّرُ فِي البَحْرِ
رَقْصَتَنَا
مَعَ أكْثَرِ مِنْ مَوْجَةٍ
دُونَ أنْ نَنْكَسِرْ
قُلْتُ: لَا أحْدَ
مِثْلِيَ صَدَّقَ هَذِي
الحَيَاةَ، وَهَا أنَذَا الآنَ أكْتُبُ
كِذْبَتَهَا بَعْدَ أنْ هَاجَرَتْنِي
مَسَافَةَ قَبْرَيْنِ أصْبَحْتُ فِي
سِعَةٍ مِنْ خَيَالٍ، فَهَلْ
هَجَرَتْنِيَ حَقّاً الحَيَاةْ
أَمْ تُرَاهَا
القَصِيدَةُ
تَأْسَرُنِي فِي
مَرَايَا المُحَاكَاةْ
إذَا صَحَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَصِحُّ مَنَاقِبُ
نَعْيِي وَأمْتَارُ أكْفَانِهَا وَأنَا
غَائِبٌ فِي المَوَاكِبِ عَنْ
جُثَّتِي، وَلَكِنْ يَصِحُّ
الغُرَابُ بِثَوْبِ
اليَمَامْ!



محمد بشكار

( منشورة في ملحق "العلم الثقافي" ليومه الخميس17 أكتوبر 2019)


التفاعلات: عبدالعزيز فهمي

تعليقات

نص باذخ في ما آل إليه حال الناس
ووحدها"يصح الغراب بثوب اليمام" تقول ما صار عليه هذا الزمان من نفاق ..
أعجبني هذا النص
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...