يتعرض مصطلح “ الجهاد” في الأدبيات الإسلامية والعربية والعالمية، إلى حالات شتى من المساءلة والمعالجة والتحرش والهجوم والترحيب، وهي حالات مفتوحة انفتاح الوضعيات السوسيو ثقافية والسياسية والعسكرية في العالم الراهن.
ولا يتفرد مصطلح “ الجهاد” بالحالات المأتي على ذكرها، بل قد يصحّ حدٌّ من التعميم في هذا الحقل، فيقال إن مصطلحات المعجمية (السياثقافية) بمجموعها تتعرض لما يتعرض له ذاك. فالمفردات التالية مثلاً تعيش ما تعيشه من الاضطراب: الهوية، والخصوصية بكل تجلياتها، والثقافة الوطنية والأخرى العالمية، والحرب، والديمقراطية، والإصلاح، والتنوير، والحداثة. الخ. ويزداد الغموض والاضطراب، حين ندخل حقولاً تُقدم نفسها أو يراها الآخرون بها “مغلقة” ومتأبية على الاستيعاب، إما لأنها ذات مرجعيات “ فوق تاريخية” مطلقة، وإما لأن البحث فيها عصي على الباحثين بسبب من الخطوط الحمر التي تحاصرها.
ومع ذلك، يمكن القول إن الباحثين والعلماء لا يقبلون بالصمت حيال تلك الخطوط، بل يحاولون الاقتراب، بكيفية ما، من الحقول إياها. أما المداخل إلى ذلك فقد تكون كثيرة رحبة رحابة العقل المفتوح. ويبدو أن واحداً من هذه المداخل احتل مكانة خاصة في المباحث “ الصعبة”، نعني “ التأويل”. وإذا اعتبرنا مصطلح الجهاد واحداً من تلك المباحث، أدركنا دور التأويل في فك مغاليقه وفق استراتيجية الباحث المؤوِّل.
وقد نلاحظ أن هذا الدور يبرز، بقوة وبكثافة، في حقل الأيديولوجيا، التي يمكن مقاربتها عبر تعريف طالما أتينا عليه في كتابات عديدة، وهو أنها قراءة الآراء والمواقف وتأويلها بمقتضى المصالح، وهنا لا يصح أخذ هذه الأخيرة على نحو مادي اقتصادي يشتق تلك الآراء والمواقف اشتقاقا مباشراً آلياً ومبسطاً من الاقتصاد وما يدخل في خانته، وفي سبيل عدم الولوج في أية حالة مُشكلة ملتبسة، حالما نبحث عن “ بنية” تلك المصالح، نصطلح التعبير عنها بلفظة جرى استخدامها هنا وهناك لدى بعض الكتاب، وهي “ الحاجة”.
بمقتضى ذلك، نقول: إن ظهور “الجهاد”، حالة ومصطلحاً، خضع – في الخط العمومي – لـ “الحاجة” إلى. وإذا اتضح أن هذه الأخيرة برزت في مجتمع أو آخر كالإسلامي ( العربي) وفق تعددية الأفهام وتعددية فهم الحاجات إليه، لاحظنا أن المجتمع الإسلامي الجديد، وتحديداً في مرحلته الباكرة، نظر إلى الجهاد ليس على نحو فهمي واحد أولاً، وليس بمثابة حاجة دائمة ثانياً، مع استثناء وحيد وقصير المدى الزمني هو مرحلة النبي (عليه الصلاة والسلام)، المتمتع بحضور كارزمي كبير (حتى من قِبل المنافقين الصامتين على مضض والذين شكلوا استثناء بهذا المعنى الضيق، أي الذي يجعل من حالة الإطلاق الكلي أمراً غير قابل للهيمنة الكلية، إلا في اليوتوبيا). من هنا تبرز مهمة الباحث العالم في تقصي ما تشتط به الأيديولوجيا “اليوتوبية” من إخراجها للأحداث من سياقاتها التاريخية المشخصة. وفي هذا الموقع، يبدأ بالضبط السؤال التالي: لماذا برز الاختلاف حول تحديد ماهية “ الجهاد” في الإسلام وضبط وظائفه وأدواره التي مارسها صراحة أو مواربة.
إن عودة للتاريخ، تاريخ الحدث المعني، من شأنها أن تُقصي التفسيرات والتأويلات ذات الطابع الراديكالي التشددي لمصطلح “ الجهاد” في الإسلام، تلك التفسيرات والتأويلات التي تقفز بالمصطلح المذكور إلى ما لا يحتمله من تلفقيات أيديولوجية، تأتي من الداخل ومن الخارج، على حد سواء، أي من الموقعين كليهما الإسلامي و” الآخر” سواء تمثل بالغرب أو بالأطراف الأخرى الماثلة في الفكر الهندي والصيني والياباني وغيره. لقد كانت تلك الأفكار والملاحظات، المقدمة، هنا، مدخلاً ضرورياً لإنتاج حوار عقلاني مع مجموعات من العاملين في الدراسات الجامعية العليا، هنا في مدينة إرلهانفن الألمانية. وقد ظهرت ضرورة هذا المدخل خصوصاً بالنسبة إلى عدد غير ضئيل من أولئك، الذين ما زال الفكر الاستشراقي التقليدي ماثلاً في تكوينهم النظري والمنهجي.
وفي هذه الحدود، أتت ملاحظات الأستاذ توماس فيليب، أستاذ الدراسات الشرقية التاريخية، مؤكدة للأفكار، التي أتت في ذلك المدخل. وقد أعلن الأستاذ المذكور صعوبة مواجهة الفكر الاستشراقي في الجامعات الألمانية، وكان – من ثمة – تأكيد على ضرورة تعميق العلاقات البحثية بين الأساتذة المعنيين في ألمانيا وبين نظرائهم العرب. وقد تبلور الموقف بعمق عملي، حين اتفق على متابعة هذا المحور (الجهاد في الإسلام) في لقاءات قادمة. وهذا ما سيظهر في إطار البحث في المسألة المركبة، التي سأطرحها بأطراف رئيسية منها، هي الأصولية في الإسلام وفي الفكر المسيحي، وفي “ الحِيادة” العلمانية، كما في العولمة.
ولا يتفرد مصطلح “ الجهاد” بالحالات المأتي على ذكرها، بل قد يصحّ حدٌّ من التعميم في هذا الحقل، فيقال إن مصطلحات المعجمية (السياثقافية) بمجموعها تتعرض لما يتعرض له ذاك. فالمفردات التالية مثلاً تعيش ما تعيشه من الاضطراب: الهوية، والخصوصية بكل تجلياتها، والثقافة الوطنية والأخرى العالمية، والحرب، والديمقراطية، والإصلاح، والتنوير، والحداثة. الخ. ويزداد الغموض والاضطراب، حين ندخل حقولاً تُقدم نفسها أو يراها الآخرون بها “مغلقة” ومتأبية على الاستيعاب، إما لأنها ذات مرجعيات “ فوق تاريخية” مطلقة، وإما لأن البحث فيها عصي على الباحثين بسبب من الخطوط الحمر التي تحاصرها.
ومع ذلك، يمكن القول إن الباحثين والعلماء لا يقبلون بالصمت حيال تلك الخطوط، بل يحاولون الاقتراب، بكيفية ما، من الحقول إياها. أما المداخل إلى ذلك فقد تكون كثيرة رحبة رحابة العقل المفتوح. ويبدو أن واحداً من هذه المداخل احتل مكانة خاصة في المباحث “ الصعبة”، نعني “ التأويل”. وإذا اعتبرنا مصطلح الجهاد واحداً من تلك المباحث، أدركنا دور التأويل في فك مغاليقه وفق استراتيجية الباحث المؤوِّل.
وقد نلاحظ أن هذا الدور يبرز، بقوة وبكثافة، في حقل الأيديولوجيا، التي يمكن مقاربتها عبر تعريف طالما أتينا عليه في كتابات عديدة، وهو أنها قراءة الآراء والمواقف وتأويلها بمقتضى المصالح، وهنا لا يصح أخذ هذه الأخيرة على نحو مادي اقتصادي يشتق تلك الآراء والمواقف اشتقاقا مباشراً آلياً ومبسطاً من الاقتصاد وما يدخل في خانته، وفي سبيل عدم الولوج في أية حالة مُشكلة ملتبسة، حالما نبحث عن “ بنية” تلك المصالح، نصطلح التعبير عنها بلفظة جرى استخدامها هنا وهناك لدى بعض الكتاب، وهي “ الحاجة”.
بمقتضى ذلك، نقول: إن ظهور “الجهاد”، حالة ومصطلحاً، خضع – في الخط العمومي – لـ “الحاجة” إلى. وإذا اتضح أن هذه الأخيرة برزت في مجتمع أو آخر كالإسلامي ( العربي) وفق تعددية الأفهام وتعددية فهم الحاجات إليه، لاحظنا أن المجتمع الإسلامي الجديد، وتحديداً في مرحلته الباكرة، نظر إلى الجهاد ليس على نحو فهمي واحد أولاً، وليس بمثابة حاجة دائمة ثانياً، مع استثناء وحيد وقصير المدى الزمني هو مرحلة النبي (عليه الصلاة والسلام)، المتمتع بحضور كارزمي كبير (حتى من قِبل المنافقين الصامتين على مضض والذين شكلوا استثناء بهذا المعنى الضيق، أي الذي يجعل من حالة الإطلاق الكلي أمراً غير قابل للهيمنة الكلية، إلا في اليوتوبيا). من هنا تبرز مهمة الباحث العالم في تقصي ما تشتط به الأيديولوجيا “اليوتوبية” من إخراجها للأحداث من سياقاتها التاريخية المشخصة. وفي هذا الموقع، يبدأ بالضبط السؤال التالي: لماذا برز الاختلاف حول تحديد ماهية “ الجهاد” في الإسلام وضبط وظائفه وأدواره التي مارسها صراحة أو مواربة.
إن عودة للتاريخ، تاريخ الحدث المعني، من شأنها أن تُقصي التفسيرات والتأويلات ذات الطابع الراديكالي التشددي لمصطلح “ الجهاد” في الإسلام، تلك التفسيرات والتأويلات التي تقفز بالمصطلح المذكور إلى ما لا يحتمله من تلفقيات أيديولوجية، تأتي من الداخل ومن الخارج، على حد سواء، أي من الموقعين كليهما الإسلامي و” الآخر” سواء تمثل بالغرب أو بالأطراف الأخرى الماثلة في الفكر الهندي والصيني والياباني وغيره. لقد كانت تلك الأفكار والملاحظات، المقدمة، هنا، مدخلاً ضرورياً لإنتاج حوار عقلاني مع مجموعات من العاملين في الدراسات الجامعية العليا، هنا في مدينة إرلهانفن الألمانية. وقد ظهرت ضرورة هذا المدخل خصوصاً بالنسبة إلى عدد غير ضئيل من أولئك، الذين ما زال الفكر الاستشراقي التقليدي ماثلاً في تكوينهم النظري والمنهجي.
وفي هذه الحدود، أتت ملاحظات الأستاذ توماس فيليب، أستاذ الدراسات الشرقية التاريخية، مؤكدة للأفكار، التي أتت في ذلك المدخل. وقد أعلن الأستاذ المذكور صعوبة مواجهة الفكر الاستشراقي في الجامعات الألمانية، وكان – من ثمة – تأكيد على ضرورة تعميق العلاقات البحثية بين الأساتذة المعنيين في ألمانيا وبين نظرائهم العرب. وقد تبلور الموقف بعمق عملي، حين اتفق على متابعة هذا المحور (الجهاد في الإسلام) في لقاءات قادمة. وهذا ما سيظهر في إطار البحث في المسألة المركبة، التي سأطرحها بأطراف رئيسية منها، هي الأصولية في الإسلام وفي الفكر المسيحي، وفي “ الحِيادة” العلمانية، كما في العولمة.