ربما كانت أول سينما أذهب إليها فى سن مبكرة، العاشرة تقريبا، تذكرة الدخول بتسعة مليمات، لا أدرى حتى هذه اللحظة لماذا تسعة مليمات؟ فلم يكن هناك ملاليم بالطبع، ولكن عندما تدفع قرشا كاملا، يعطيك موظف الشباك شيئا مساويا للمليم الباقى : قطعة حلوى صغيرة، إبرة وابور جاز، أو قطعة عجين صغيرة لالتقاط البق والبراغيث من شقوق المقاعد المتهالكة. كانت السينما قريبة من سوق روض الفرج، يأتى إليها المزارعون القادمون من الأرياف للإستغراق فى النوم بعد عمل شاق ومرهق، سفر طويل، ثم تسليم بضائعهم إلى تجار الجملة، ربما اختفت فى أرديتهم هذه الحشرات الصغيرة، قادمة من الحقول، لتنتشر بعدها فى أى مكان.
تعرض الدارثلاثة أفلام دفعة واحدة، ثم تعيد الفيلم الأول فى الحفلة ذاتها التى تستغرق نهارا بأكمله. عندما تلج الصالة مترددا، يداهمك الظلام المفاجئ، ثم تجد أمامك شبحا يتحرك وبيده كشاف ضوئى صغير . يستقبلك بصوت جهورى .
- تعال . أين التذكرة ؟
تعطيه التذكرة
- إعطنى نصف قرش
تناوله العملة النحاسية وتسير وراءه منصاعا، فهو سيدبرلك مقعدا فى هذا الظلام، إنه يقترب من الجالسين فوق دكة خشبية مستطيلة .
- أوسع مكانا يا إبن ال ..... أنت وهو .
فى لحظات قليلة، تجد مكانا يناسبك، تجلس مستريحا، بادئا فى التآلف مع الضوء الخافت، تأخذك الدهشة وأنت تواجه الشاشة الكبيرة، كل شئ مجسد أمامك، الأبطال الذين تحبهم يبدون كالعمالقة، عكس شاشة التلفاز، تندمج سريعا أثناء جلوسك فى هذا الصف الأمامى، القريب من دورات المياه حيث تتصاعد رائحة البول المركز، الذى تنفذ إلى خياشيمك حارة ولاذعة . المتفرجون المتمرسون يطاردون تلك الرائحة بالتدخين المكثف فى متلازمة ذكية. بعد لحظات يعود الرجل الشبح، عم عشماوى، ما زلت أتذكرأسمه جيدا، مع وضوح الرؤية تكتشف إنه يتأبط كرباجا صغيرا وهو يضئ للزبون الجديد .
- أوسع مكانا ياإبن ال ...... أنت وهو .
تنظر إلى جوارك، لا تجد فرجة صغيرة، ينزل الكرباج فوق الأجساد، فتخلو الدكة على الفور. بعد دقائق يتكرر المشهد دون أى تعديل : زبون ولسعة كرباج ثم مكان خال، إنه يضرب بذكاء، لدفع الجالسين فى اتجاه واحد. فى النهاية تجد نفسك مستقرا فوق الأرض أثر التدافع المرتعب، مجاورا لجمهورهارب من بطش الرجل . النائمون لايستيقظون، يغطون فى نعاس عميق، شخيرهم أشد إزعاجا، يتناغم مع الأصوات الصادرة من السماعات الكبيرة . لاينتبهون إلا على صفير المشاهدين عند انهمار اللكمات التى يوجها البطل إلى رئيس العصابة. أو حيال قبلة طويلة وممطوطة، قد تستغرق وقتا طويلا على الشاشة.
كالعادة. يكون دخول السينما للمرة الأولى مصحوبا بذكريات لا تنسى، مثل القطار الذى يجئ مسرعا. هادرا بصفيره الحاد فى لقطت مكبرة، الكاميرا تكون فى الأسفل دائما، وكالعادة أيضا يختبئ الطفل تحت المقعد منكمشا ومرعوبا،مغلقا عينيه، معتقدا أن القطارسيخرج من الشاشة طائرا ليحطم كل شئ، لكن بعد انتهاء المشهد يلكزك جارك ساخرا.
- انهض. القطار مشى .
الأفلام غير مكتملة فى هذه الصالات البائسة، والاحتجاجات العنيفة تتصاعد عندما يتم بتر مشهد ساخن، تبدأ بالصفير، وتنتهى بتحطيم المقاعد، ولا تنفض الا بتدخل "عشماوى" ورجاله لفض هذه التمردات الطارئة على نحو وحشى .
قد يمر اليوم بسلام، ولكن مايعكر صفوك أن تلمح بعد نهاية الحفل، وعند الانصراف، سيارة شرطة تسد عليك باب الخروج بمؤخرة صندوقها الكبيرذى الدرج الحديدى، تستقبل الخارجين بعدد من الرجال المتجهمين، على نحو لايحتاج معه المرء سوى قفزة واحدة ليكون فى داخلها .
تعرض الدارثلاثة أفلام دفعة واحدة، ثم تعيد الفيلم الأول فى الحفلة ذاتها التى تستغرق نهارا بأكمله. عندما تلج الصالة مترددا، يداهمك الظلام المفاجئ، ثم تجد أمامك شبحا يتحرك وبيده كشاف ضوئى صغير . يستقبلك بصوت جهورى .
- تعال . أين التذكرة ؟
تعطيه التذكرة
- إعطنى نصف قرش
تناوله العملة النحاسية وتسير وراءه منصاعا، فهو سيدبرلك مقعدا فى هذا الظلام، إنه يقترب من الجالسين فوق دكة خشبية مستطيلة .
- أوسع مكانا يا إبن ال ..... أنت وهو .
فى لحظات قليلة، تجد مكانا يناسبك، تجلس مستريحا، بادئا فى التآلف مع الضوء الخافت، تأخذك الدهشة وأنت تواجه الشاشة الكبيرة، كل شئ مجسد أمامك، الأبطال الذين تحبهم يبدون كالعمالقة، عكس شاشة التلفاز، تندمج سريعا أثناء جلوسك فى هذا الصف الأمامى، القريب من دورات المياه حيث تتصاعد رائحة البول المركز، الذى تنفذ إلى خياشيمك حارة ولاذعة . المتفرجون المتمرسون يطاردون تلك الرائحة بالتدخين المكثف فى متلازمة ذكية. بعد لحظات يعود الرجل الشبح، عم عشماوى، ما زلت أتذكرأسمه جيدا، مع وضوح الرؤية تكتشف إنه يتأبط كرباجا صغيرا وهو يضئ للزبون الجديد .
- أوسع مكانا ياإبن ال ...... أنت وهو .
تنظر إلى جوارك، لا تجد فرجة صغيرة، ينزل الكرباج فوق الأجساد، فتخلو الدكة على الفور. بعد دقائق يتكرر المشهد دون أى تعديل : زبون ولسعة كرباج ثم مكان خال، إنه يضرب بذكاء، لدفع الجالسين فى اتجاه واحد. فى النهاية تجد نفسك مستقرا فوق الأرض أثر التدافع المرتعب، مجاورا لجمهورهارب من بطش الرجل . النائمون لايستيقظون، يغطون فى نعاس عميق، شخيرهم أشد إزعاجا، يتناغم مع الأصوات الصادرة من السماعات الكبيرة . لاينتبهون إلا على صفير المشاهدين عند انهمار اللكمات التى يوجها البطل إلى رئيس العصابة. أو حيال قبلة طويلة وممطوطة، قد تستغرق وقتا طويلا على الشاشة.
كالعادة. يكون دخول السينما للمرة الأولى مصحوبا بذكريات لا تنسى، مثل القطار الذى يجئ مسرعا. هادرا بصفيره الحاد فى لقطت مكبرة، الكاميرا تكون فى الأسفل دائما، وكالعادة أيضا يختبئ الطفل تحت المقعد منكمشا ومرعوبا،مغلقا عينيه، معتقدا أن القطارسيخرج من الشاشة طائرا ليحطم كل شئ، لكن بعد انتهاء المشهد يلكزك جارك ساخرا.
- انهض. القطار مشى .
الأفلام غير مكتملة فى هذه الصالات البائسة، والاحتجاجات العنيفة تتصاعد عندما يتم بتر مشهد ساخن، تبدأ بالصفير، وتنتهى بتحطيم المقاعد، ولا تنفض الا بتدخل "عشماوى" ورجاله لفض هذه التمردات الطارئة على نحو وحشى .
قد يمر اليوم بسلام، ولكن مايعكر صفوك أن تلمح بعد نهاية الحفل، وعند الانصراف، سيارة شرطة تسد عليك باب الخروج بمؤخرة صندوقها الكبيرذى الدرج الحديدى، تستقبل الخارجين بعدد من الرجال المتجهمين، على نحو لايحتاج معه المرء سوى قفزة واحدة ليكون فى داخلها .