ظل يجمع، ويدوّن، الحكايات الصاخبة، وقُبر بين دفاتره العديدة، التي فاضت حوله وتشابكت أحرفها، فحجبت عنه المداد.
كانت أول الحكايات، وأصغرها، عن نهار رأى في مرآته الناصعة وجهًا كان مرتسمًا في الفضاء حوله، ما لبث أن احتل وجوه أُناس الطريق الذي لا يذكر سبب تواجده فيه، والذي ازدحم، فجأة، بوجوهه هو التي تباينت ملامحها، وهو يحدق، إلى أن شملت جميع مراحله المختلفة.. حتى تلك التي كان عليها في مهده- حيث كانت تغافله روحه وتلبس أجساد النائمين، وتدفعهم إلى فعل أشياء لا يتذكرها- وتلك التي ستكون له، ولن يراها قط.
بعدها توالت الحكايات: عن المسافات التي سكنته، وعن التيه الذي أخذ روحه، وعن امرأةٍ عجوز، كان يدعي الخوف كي يبقى في حضنها الشاسع، الذي لم يكن يتركه أبدًا، حتى بعدما صمتت وغاب عبير أنفاسها، واستحالت بين يديه الصغيرتين ترابًا، صنع منه بعد مزجه بسبع دمعات- جفت بعدهم مآقيه- قمرًا.. ظل يلعب به إلى أن نال منه الجهد، فنام، لأول مرة في حياته، ليجد نفسه في مدينة ثلجية.. ظلامها شفيف، الناس والطيور والحيوانات في شوارعها النظيفة متجمدة، ورغم إبتساماتٍ كانت تعلو وجوه بعضهم شعر بالرعب، تلمس أوردتهم، وجدها تنبض، صرخ..
صرخ..
صرخ....
فلم يجد صوته، كرر المحاولة منطوياً على يأسه.
لم يعرف كم مر عليه وهو مسجونٌ في حلمه، غير أنه ما إن قام ليجوب الطرقات، على ضوء قمره، وجد بابًا مشرعاً على بهوٍ شاهق، تنيره ثريات بلورية، وتحجب جدرانه الضخمة مجلدات سميكة.. مصفوفة، مد يده وتناول إحداها، فتحه بعد أن تأمل غلافة المذهب، وما إن تلمست نظرته أول الصفحات تلاشت الكلمات، تناول آخر مرتجفًا، حدث ما كان مع الأول، وكذلك حدث مع كل كتاب أمسكه.... واجتاحته الأصوات.
كان يدرك أن الأصوات- أصواتهم- تصدر من أعماقه، ومع ذلك راح يتلفت حوله، مرعوبًا، ما لبث أن أخذ يركض في متاهة من الممرات، والأصوات تلاحقه. كما أنه أدرك- لا يذكر متى- أن تدوين حكاياتهم، كان هو الأمل في الخروج من حلمه، خرسه، سجنه، هذا.. الذي صار جحيمه الاختياري.
كانت أول الحكايات، وأصغرها، عن نهار رأى في مرآته الناصعة وجهًا كان مرتسمًا في الفضاء حوله، ما لبث أن احتل وجوه أُناس الطريق الذي لا يذكر سبب تواجده فيه، والذي ازدحم، فجأة، بوجوهه هو التي تباينت ملامحها، وهو يحدق، إلى أن شملت جميع مراحله المختلفة.. حتى تلك التي كان عليها في مهده- حيث كانت تغافله روحه وتلبس أجساد النائمين، وتدفعهم إلى فعل أشياء لا يتذكرها- وتلك التي ستكون له، ولن يراها قط.
بعدها توالت الحكايات: عن المسافات التي سكنته، وعن التيه الذي أخذ روحه، وعن امرأةٍ عجوز، كان يدعي الخوف كي يبقى في حضنها الشاسع، الذي لم يكن يتركه أبدًا، حتى بعدما صمتت وغاب عبير أنفاسها، واستحالت بين يديه الصغيرتين ترابًا، صنع منه بعد مزجه بسبع دمعات- جفت بعدهم مآقيه- قمرًا.. ظل يلعب به إلى أن نال منه الجهد، فنام، لأول مرة في حياته، ليجد نفسه في مدينة ثلجية.. ظلامها شفيف، الناس والطيور والحيوانات في شوارعها النظيفة متجمدة، ورغم إبتساماتٍ كانت تعلو وجوه بعضهم شعر بالرعب، تلمس أوردتهم، وجدها تنبض، صرخ..
صرخ..
صرخ....
فلم يجد صوته، كرر المحاولة منطوياً على يأسه.
لم يعرف كم مر عليه وهو مسجونٌ في حلمه، غير أنه ما إن قام ليجوب الطرقات، على ضوء قمره، وجد بابًا مشرعاً على بهوٍ شاهق، تنيره ثريات بلورية، وتحجب جدرانه الضخمة مجلدات سميكة.. مصفوفة، مد يده وتناول إحداها، فتحه بعد أن تأمل غلافة المذهب، وما إن تلمست نظرته أول الصفحات تلاشت الكلمات، تناول آخر مرتجفًا، حدث ما كان مع الأول، وكذلك حدث مع كل كتاب أمسكه.... واجتاحته الأصوات.
كان يدرك أن الأصوات- أصواتهم- تصدر من أعماقه، ومع ذلك راح يتلفت حوله، مرعوبًا، ما لبث أن أخذ يركض في متاهة من الممرات، والأصوات تلاحقه. كما أنه أدرك- لا يذكر متى- أن تدوين حكاياتهم، كان هو الأمل في الخروج من حلمه، خرسه، سجنه، هذا.. الذي صار جحيمه الاختياري.