تشمل كل أزمة نفسية كما يقول إيريك اريكسون علي مكونين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، وإذا كان الصراع الذي يمر به الفرد ذا طابع يرضي حاجات الفرد وكان لهذا الفرد تاريخ من الانجاز الفردي فإن المكون الإيجابي للأزمة (أي الثقة الأساسية والاستقلال) يتم امتصاصه بشكل جيد في الذات الناشئة المتنامية إلي حد كبير ثم يتم تطويره بعد ذلك بشكل صحي، وعلي العكس إذا كان الصراع يستمر أو ينحل بشكل غير مقنع وغير مشبع لحاجات الفرد فإن الذات النامية، قد يتم تدميرها، ويتضخم الدور الكبير الذي يلعبه المكون السلبي للازمة والصراع (أي عدم الثقة والخجل والشك) في تشكيل الشخصية فيما بعد إن الطفل الإنساني يولد ويوضع في العالم في حالة من فقدان المساعدة (أو الشعور باللاحول واللاقوة) وهي حالة تجعله حساسا وعرضة للاذي من الناحيتين الجسمية والعقلية وإذا تم إشباع حاجاته الأساسية بشكل جيد فإنه يكتسب الثقة والإحساس بالأمان، وهذا ما سماه إيريكسون بالإحساس بالثقة الأساسية Basic trust أما إذا لم تشبع حاجات الطفل بشكل جيد أو كانت تشبع في البداية ثم حرم منها بشكل مفاجيء كما في حالة موت الأم أو تركها لطفلها مثلا أو قسوة الأب فإنه من المحتمل أن يكون الطفل بداخله إحساسا بعدم الثقة في البشر بحيث يشعر أنه من المثير للخطر بالنسبة له أن يكون علاقات أخري مع الناس مادامت العلاقات التي يكونها يتم قطعها وحرمانه من الاشباعات التي كان يستمتع بها معهم، بمعني آخر، أن الإحساس الخاص بكون المرء محبا ومحبوبا عادة ما يكون محاطا بمشاعر القلق والخطر، وعادة ما يحدث أن يتجنب هؤلاء الأفراد في مرحلة الرشد إقامة علاقات عاطفية كاملة أو مستمرة حيث أن العلاقات العاطفية أيا كان نوعها ترتبط بإعطاء معني للحياة وهؤلاء الأفراد يميلون في حالات كثيرة إلي رؤية الحياة علي أنها لا معني لها ماداموا يفتقدون فيها بشكل دائم العلاقات العاطفية الجيدة، ومن ثم يميل هؤلاء الأفراد إلي البحث عن معني للحياة في الأشياء وليس في الأشخاص، وهي حقيقة تبدو شديدة الارتباط بالإبداع والشيء اللافت للنظر أنه بينما حرم بلزاك من عطف أمه وحدبها عليه، وقد اتسم سلوكها كثيراً بالقسوة حياله، فإن كافكا قد عومل كثيراً بقسوة من قبل والده، فكثيراً ما عنفه وضربه في شرفة المنزل حتي يمنعه من البكاء أو إحداث الضوضاء ليلاً، وفي الأجواء الباردة، وظلت ذكري هذه الأيام المبكرة تحوم في ذاكرة كافكا وكتاباته، وقد تضخمت لديه صورة أبيه لتصبح بديلا رمزيا لكل صور السلطة التي شعر بالانسحاق أمامها وأراد أن يهرب منها متحولا إلي حشرة، كما يبدو ذلك في قصة "المسخ"، إنها رغبة داخلية في الاختفاء والانزواء والهروب من عالم شديد القسوة يحاصر الفرد ويضطهده ويقلب حياته جحيما، وفي الكثير من أعماله الروائية يصف كافكا هذا العالم الكابوس الغريب، ففي رواية "المحاكمة" يصف كافكا كيف تم القبض علي "جوزيف .ك" وأخذ متهماً بجريمة غريبة شديدة الغموض تعكس غرابة وغموض العالم النفسي والاجتماعي الذي عاناه كافكا وأراد أن يصوره بشكل رمزي .
يتبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الأدب والجنون ، د. شاكر عبد الحميد، كتابات نقدية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سبتمبر 1993، ص 163: 165.
يتبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الأدب والجنون ، د. شاكر عبد الحميد، كتابات نقدية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، سبتمبر 1993، ص 163: 165.