يمكن القول بارتياح إن إدوار الخراط قد استكمل مشروعه الأدبي على نحو كامل قبل وفاته بسنوات، فقد نشر القصة والرواية والترجمة والشعر ورسم لوحات فنية كما كتب في النقد الأدبي كتباً ذات قيمة تدوم منفعتها إلى اليوم، كما كتب سيرته في جزأين، كل ذلك قبلما يُصاب بمرض "النسيان"، ويصبح وجوده (أدبياً) مثل لا وجوده، تغمده الله بالرحمة والغفران.
يعدّ الخراط أبرز من كتب على يسار الرائد الكبير نجيب محفوظ، فلم تكن الحكاية هي شاغله الرئيس، بل كيف تُكتب ولماذا ومتى وأين إلخ، لقد طوّر تيمات الحداثة في الأدب المصريّ بعامة، وأولى اهتماماً كبيراً بمناحي اللغة والتصوير المستحدث وتقنيات (الرواية الجديدة) وغيرها من كلّ تقنية كان يراها أو يقرأ عنها، فقد كان واسع الثقافة ويعرف أكثر من لغة، ويستطيع بوعيه المنفتح أن يستفيد من كلّ شيء حوله.
الغريب أننا اليوم لا نرى أبناء لمثل هذه الكتابة، لا أقصد تقليدها، بل تنميتها والتبحّر في تقنياتها، بل نرى غالباً (ولا أُعمّم) أنماطاً مسطّحة قشرية من استعمالات اللغة في النصوص الأدبية، شعراً أو قصة أو رواية، فهل هي دورة الزمن التي تلعب بتقنيات الأدب، فتعيد وتبدّل وتغيّر بين حين وحين، أم هو الابتذال الذي يحيط بنا في كلّ شيء، بدءاً من السياسة إلى الاقتصاد إلى الفنّ والأدب، أم أم؟!
عموماً، ستظلّ للخراط غرفة كبيرة في بيت الرواية العربية، فيها صورة كبيرة لراما والتنين، حولها صور أصغر للزمن الآخر، يا بنات إسكندرية، حجارة بوبيللو، ترابها زعفران. وقد تتبدل الصور تبعاً لكلّ قارئ أو متابع أو ناقد حسب هوى كلّ منهم. هو الساعي إلى الجمال، حيث مزج بين ثنايا فنونه هنري ميللر مع جيمس جويس مع ساروت وروب جرييه وجنسبرج، جنباً لجنب الحكايات الشعبية والتراث القبطي إلخ.
لقد أشبع الخراط لغته بما يعنّ له من محسّنات، حتى صارت بصمة خاصة بكتابته، وهو أمل كلّ كاتب كبير، يقول في روايته "راما والتنّين": (اختلطت لغة العرب بدمانا، فنسيت لغتي أو أسقطتها، لكنها تصبح لغتي أنا، وأنت، لغتنا نحن، هذا هو سحر المصريين، يحوّلون كلّ شيء إلى طينهم الخاص، وهو عندي يقين، كأنه صوفيّ).
محمد عيد إبراهيم
يعدّ الخراط أبرز من كتب على يسار الرائد الكبير نجيب محفوظ، فلم تكن الحكاية هي شاغله الرئيس، بل كيف تُكتب ولماذا ومتى وأين إلخ، لقد طوّر تيمات الحداثة في الأدب المصريّ بعامة، وأولى اهتماماً كبيراً بمناحي اللغة والتصوير المستحدث وتقنيات (الرواية الجديدة) وغيرها من كلّ تقنية كان يراها أو يقرأ عنها، فقد كان واسع الثقافة ويعرف أكثر من لغة، ويستطيع بوعيه المنفتح أن يستفيد من كلّ شيء حوله.
الغريب أننا اليوم لا نرى أبناء لمثل هذه الكتابة، لا أقصد تقليدها، بل تنميتها والتبحّر في تقنياتها، بل نرى غالباً (ولا أُعمّم) أنماطاً مسطّحة قشرية من استعمالات اللغة في النصوص الأدبية، شعراً أو قصة أو رواية، فهل هي دورة الزمن التي تلعب بتقنيات الأدب، فتعيد وتبدّل وتغيّر بين حين وحين، أم هو الابتذال الذي يحيط بنا في كلّ شيء، بدءاً من السياسة إلى الاقتصاد إلى الفنّ والأدب، أم أم؟!
عموماً، ستظلّ للخراط غرفة كبيرة في بيت الرواية العربية، فيها صورة كبيرة لراما والتنين، حولها صور أصغر للزمن الآخر، يا بنات إسكندرية، حجارة بوبيللو، ترابها زعفران. وقد تتبدل الصور تبعاً لكلّ قارئ أو متابع أو ناقد حسب هوى كلّ منهم. هو الساعي إلى الجمال، حيث مزج بين ثنايا فنونه هنري ميللر مع جيمس جويس مع ساروت وروب جرييه وجنسبرج، جنباً لجنب الحكايات الشعبية والتراث القبطي إلخ.
لقد أشبع الخراط لغته بما يعنّ له من محسّنات، حتى صارت بصمة خاصة بكتابته، وهو أمل كلّ كاتب كبير، يقول في روايته "راما والتنّين": (اختلطت لغة العرب بدمانا، فنسيت لغتي أو أسقطتها، لكنها تصبح لغتي أنا، وأنت، لغتنا نحن، هذا هو سحر المصريين، يحوّلون كلّ شيء إلى طينهم الخاص، وهو عندي يقين، كأنه صوفيّ).
محمد عيد إبراهيم