عامر الطيب - العالم بلاد واحدة..

العالم بلاد واحدة
فيها غيمٌ و حرائق و أعداء
أسرّة للمرضى
و رسائل مجهولة للغرباء
و حجر قديم في الطرق .
العالم غرفة صغيرة
و معتمة
يقبّل بها المرء امرأته فتنامُ منسية
أو يقطع بها إصبعها
فتشتعل المصابيح !
...
نسينا حكاياتنا في البيت
و نسينا البيت
فجئنا نستصغر كل ما يقال لنا
حتى الفجر الذي تعتبره الشعوب
أملاً صغيراً
اعتبرناه وقتاً عادياً
و غسلنا به الماء القليل بالدم و الصابون !
...
أحبك لكن البشرية انتهت
و المدن لم تعد تطلب الموسيقى
و فساتين النساء شاحبة مثل نكاتهنّ الصغيرة
و الحب نفسه الذي حاولنا أن نجعله يتحدث العربية
نسي الكلمات
و غادر أيام الأسبوع!
...
هذه السنة لم نجد فرصة واحدة لنضحك
أو نختبئ
أو نرسم ديكاً صغيراً يوقظنا صباحاً
إلا أننا كنا أصدقاء ملابسنا
نمنا بها
و قاتلنا بها
و متنا بها أيضاً ..
هذه السنة لم يُخبر الهواء أحداً
لم يفتح العاشق دفتره
و يسجل شيئاً
لكن جسده اتخذ لوناً واضحاً
فصار من السهل أن يقول
هذه يدي
و هذا مقبض الباب!
...
هواتفنا مغلقة
لقد حدث خلل صغير
و من الصعب أن يجدَ المتصلون عذراً لأحد ،
يدفعهم الشغف أو القلق أو السذاجة
لكننا عاجزون
لا نستطيع أن نخبرهم أننا نحاول
أن نكتب لهم
إلا أن الجنود قطعوا الطرق
و الشبكات
و حملونا مسؤولية فشل هذه الحرب أيضاً !
...
لا تستطيعين أن تظلي فتاة صغيرة
تلعبين مع القطط و الرمل و الساعات
و تغنين في الغرف الفارغة
و تشاركين الأطفال حكاياتهم
ثم يلفتكِ طفلٌ منهم
فتتعمدين مسابقته أو رشه بالماء
فتعيشين حذرة من أنْ يصبح الطفل الصغير
رجلاً !
...
كيف نعرف أن أهلنا هم أهلنا
الذين وجدونا صدفة في طريق ما
و غسلوا أصابعنا
و وجوهنا
و علمونا اللغة لنكون جميلين؟
كيف نعرف أنهم يحبوننا كما يحبون
كتبهم أو سنواتهم
إذا كانوا يختارون لنا غرفا عالية
لننتحر
و أسماء طويلة لتنسى؟!
...
أكره هذه الساعة
التي أكتب بها الآن
لا يوجد حولي جبن أو خبز أو عصفور نائم،
نفسي الضيق يخنقني
و حياتي لم تعد ظهراً أستند عليه
أو بلاداً توصلني إلى بيتي ..
و الساعة تدق
بعد منتصف الليل
أو قبله بقليل
تدق بضجر كأنها عاطلة
أو بشهية كأن أحداً سيفتح لها الباب !
...
الساعة السابعة صباحاً حزينة مثل القلب،
تغسلُ يدك و وجهك
و تعدُّ شاياً ساخناً
فيطير نصفٌ منها ،
تقرأ خبراً صغيراً عن العراق
فيبرد الشاي !


عامر الطيب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...