(إلى تَمَغْزَةَ، الواحة الجبليّة المخبوءة في ملكوت الجنوب التّونسيّ)
هِيَ الْوَرْدَةُ الْمَلَكِيَّةُ
غَافِيَةٌ فِي صَحَارَى الرِّمَالِ الْبَعِيدَةِ،
تَحْضُنُ غُرْبَتَهَا غَابَةٌ مِنْ نَخِيلٍ،
تُطَوِّقُهَا بِأَصَابِعَ خَضْرَاءَ خَضْرَاءَ…
وَحْدَكَ، كُنْتَ السَّمِيَّ، تُرَاوِدُهَا شَاعِرًا زَاهِدًا فِي كُنُوزِ الدُّنَى [كَنْزُكَ الشِّعْرُ، مُزْدَحِمٌ بِفُصُوصِ الْمَعَانِي..]. وَوَحْدَكَ، خَوَّضْتَ فِي مَاءِ فِتْنَتِهَا كَالدَّلاَفِينِ، مُنْعَتِقَ الرُّوحِ، مُنْطَلِقًا. وَانْدَفَعْتَ بِهَا، شَارِدًا كَالْوُعُولْ…
◇
وَكُنْتَ الْغَرِيبَ الْقَرِيبَ،
تُفَتِّشُ فِي وَطَنِ الرَّمْلِ عَنْ صَدَفَاتٍ
تَحَجَّرْنَ عِشْقًا لِهَذَا الْمَكَانِ وَمتْنَ وَفَاءً،
وَعَنْ حَجَرَاتٍ تَبَلْوَرْنَ شَوْقًا إِلَى الْمَاءِ
مُنْتَشِيَاتٍ بِأَحْلاَمِهِنَّ…!
وَتَبْحَثُ عَنْ صَخْرَةٍ فِي الْعَرَاءِ،
عَلَيْهَا الْخُطُوطُ الطَّلاَسِمُ
[صَخْرَتُكَ الأَبَدِيَّةُ قَلْبُكَ]، مَجْلُوَّةً لِلْمُرِيدِ [الَّذِي هُوَ أَنْتَ..]. وَشِئْتَ، بِمِلْءِ هُيَامِكَ، أَنْ تَتَأَمَّلَهَا.. شِئْتَ أَنْ تَتَأَوَّلَهَا.. وَتُقَلِّبَ فِكْرَتَهَا فِي الْمَدَى، مَغْرِبًا مَشْرِقَا…
قُلْتَ: “أُنْعِمُ وَهْمِيَ فِيهَا، وَأَقْرَأُ طِلَّسْمَهَا، كَاشِفًا غَيْبَهَا عُمْقَهَا..
إِنْ مَحَتْ رَسْمَهُ الرِّيحُ، طَرَّسْتُهُ بِأَصَابِعَ مَسْحُورَةٍ، قُرْبَهَا، شَبِقَا..
وَحَفَرْتُ الضَّلاَلاَتِ فِيهَا بِكَامِلِ غَيِّي الْجَمِيلِ وَتَوْقِي إِلَى الْمُنْتَهَى،
وَلَفَظْتُ السُّيُولْ…!”
◇
نَظَرْتَ إِلَى الأُفْقِ، لاَ شَيْءَ
إِلاَّ الْفَرَاغُ الْكَبِيرُ، خُيُوطٌ مِنَ الضَّوْءِ
سَاقِطَةٌ كَالسِّهَامِ عَلَى أَرْضِهَا..
وَالرَّبِيعُ الْمُؤَجَّلُ، فِي دَمِهَا الْفَذِّ،
مَحْضُ اشْتِهَاءٍ خَجُولِ…
وَهَذَا السُّكُونُ الْخُرَافِيُّ شَهْقَتُهَا السَّرْمَدِيَّةُ، تُنْشِئُ فِي الصَّخْرِ
أَوْدِيَةً غَامِضَاتٍ،
وَتَنْشُرُ وَحْشَتَهَا فِي الْخَلاَءِ الْمَهُولِ،
تَرَدَّدُ أَصْدَاؤُهَا فِي الْمَدَى كَالْعَوِيلْ…
◇
وَكُنْتَ اسْتَضَأْتَ بِإِثْمٍ تَلأْلأَ كَالشَّمْعَدَانَاتِ فِي كَلِمَاتِكَ،
حِينَ اقْتَرَبْتَ مِنَ الْوَرَقَاتِ الْغَرِيبَةِ،
حَدَّقْتَ فِي الْبَتَلاَتِ الَّتِي انْدَلَعَتْ، فَجْأَةً، وَرْدَةً مِنْ رِمَالِ اللَّظَى.
وَتَبَرْعَمَ مِنْ حَوْلِهَا التِّبْرُ أَصْفَرَ يَبْرُقُ، وَالْيَشْبُ أَخْضَرَ يُشْرِقُ..
كَانَتْ دُمُوعَ التَّرَابِ،
جَوَاهِرَ مِنْ مَعْدِنِ الْبَدْءِ،
مَقْبُورَةً فِي الْغِيَابِ،
وَطَالِعَةً مِنْ هَيُولَى الأُصُولْ…
◇
رَأَيْتَ الَّذِي لاَ يُرَى،
حِينَ حَدَّقْتَ،
كُنْتَ رَأَيْتَ الَّذِي سَتَرَى
فِي مَرَايَا الْحِكَايَةِ…
كُنْتَ تَأَمَّلْتَ فِتْنَتَهَا الذَّهَبِيَّةَ سَاطِعَةً
فِي انْدِهَاشِكَ، حَتَّى اكْتَوَيْتَ
بِمَا فِي أَصَابِعِكَ الْقَمَرِيَّةِ مِنْ رَغَبَاتٍ،
وَأَوْغَلْتَ فِي غَابَةِ النَّخْلِ، هَيْمَانَ سَكْرَانَ نَشْوَانَ بِالْغُنْمِ، مَا مِنْ دَلِيلْ…
◇
وَتُدْرِكُ أَنَّ الْبِدَايَاتِ
تُولَدُ مِنْ قَلْبِهَا الْمُتَلَبِّدِ بِالسِّرِّ،
إِذْ تَتَقَدَّمُ فِيهَا؛ وَأَنَّ النِّهَايَاتِ
فَاتِحَةُ الْعَوْدَةِ الأَبَدِيَّةِ، فِي مَمْلَكَاتٍ
مِنَ الرَّمْلِ مَنْدُوحَةٍ بَلْقَعٍ
دَأْبُهَا الْمُسْتَحِيلُ…
وَتُدْرِكُ أَنَّكَ تَشْرَبُ، فِي حُبِّهَا الْعَذْبِ،
نَخْبَ الْخَسَارَةِ مُغْتَبِطًا بِالْعَذَابَاتِ
تَزْحَمُ جُرْحَكَ - تُدْرِكُ - أَنَّكَ تُهْرِقُ فِي الرَّمْلِ ظَمْآنَ،
مِنْ شِدَّةِ الْوَجْدِ،
خَمْرَ الْحُلُولْ…
◇
وَهَذِي الْغَرِيبَةُ
نَائِمَةٌ فِي كِتَابِ الطَّبِيعَةِ،
مُرْسَلَةُ الشَّعْرِ أَسْوَدَ أَجْعَدَ
حَتَّى الْمَهَاوِي، وَذَاهِلَةٌ مِثْلَ عُشَّاقِهَا، وَمُشَرَّدَةٌ مِثْلَ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ فِي أُفْقِهَا الأُرْجُوَانِيِّ، [كَانَتْ كَمِشْكَاةِ رَاهِبَةٍ
تَتَدَفَّأُ فِي اللَّيْلِ بِالْبَوْحِ وَالشَّهَوَاتِ، وَتَنْضَحُ ضَوْءًا رَهِيبًا. وَكَانَتْ كَمُعْجِزَةٍ لاَ يُصَدِّقُهَا أَحَدٌ فِي الْوُجُودِ،
سِوَى شَاعِرٍ أَوْ رَسُولٍ،
سِوَى عَابِرٍ تَائِهٍ أَوْ نَبِيٍّ ضَلُولْ…!]
◇
وَتُدْرِكُ أَنَّكَ حَتْمًا،
سَتَكْتُبُ شَيْئًا فَرِيدَا…
وَأَنَّكَ مَنْ سَوْفَ يَحْرُسُ
ذَرَّاتِ رَمْلِكَ، إِذْ تَتَحَجَّرُ
بَيْنَ يَدَيْكَ الْبِدَائِيَّتَينِ وُرُودَا…
وَأَنَّكَ وَحْدَكَ، تَحْضُنُ حَبَّاتِ حُلْمِكَ،
إِذْ تَتَجَمْهَرُ فِيكَ أَبَابِيلَ، مَاثِلَةً
فِي بَيَاضِ الصَّحَائِفِ، مَغْزُولَةً بِدِمَقْسِ
مَسَرَّاتِهَا فِي الْمَكَانِ، وَقَائِمَةً فِيهِ
دَوْمًا، وَفِيكَ نَشِيدًا جَدِيدَا…
وَتُدْرِكُ أَنَّ الْفَرَادِيسَ مَا سَوْفَ تَكْتُبُ،
إِذْ تَتَوَغَّلُ وَسْطَ عَوَالِمَ مَفْتُونَةً بِالتَّشَكُّلِ، مَنْذُورَةً لِلتَّحَلُّلِ،
مَأْخُوذَةً بِالرَّحِيلْ…!
◇
سَتَكْتُبُ، لاَ شَيْءَ أَرْوَعُ
مِنْ أَنْ تَكُونَ إِلَهًا عَلَى مَلَكُوتِ
الْبَيَاضِ الْبَهِيِّ الْوَضِيءِ النَّبِيلِ…
وَعَرْشُكَ هَذَا الذُّهُولُ، وَجُنْدُكَ
فِي عُزْلَةِ الْكَائِنَاتِ الصَّغِيرَةِ حَوْلَكَ،
هَذَا النَّخِيلُ الطَّوِيلُ الطَّويلْ…
◇
سَتَكْتُبُ،
مَا مِنْ خَلاَصٍ لَكَ الآنَ،
مَا مِنْ خِيَارٍ لِمِثْلِكَ،
يَا وَاهِبَ الأَمَلِ الْغَضِّ لِلْكَائِنَاتِ الصَّدِيقَةِ، تَنْعَمُ قُرْبَكَ فِيمَا تَبَقَّى
مِنَ الْمَاءِ، [لِلْبَطِّ يَسْبَحُ فِيكَ
وَفِي شَطِّهِ الْحُرِّ مُنْتَشِيَ الرُّوحِ، لِلْحَلَزُونَاتِ تَشْرَحُ أَحْلاَمَهَا لَكَ
يُدْهِشُهَا الْبَوحُ، لِلنَّمْلِ مُنْدَفِعًا
فِي شُقُوقِ الخَرَائِبِ
مُفْتَتِنًا بِالْوُصُولْ…!]
◇
سَتَكْتُبُ،
يَا سَيِّدَ الإِثْمِ وَالْقَلَقِ الْمُرِّ،
رَغْمَ الَّذِي كَانَ مِنْ قَفْرِهَا،
رَغْمَ مَا صَارَ مِنْ فَقْرِهَا…
سَوْفَ تَحْفِرُ مَجْرَاكَ فِيهَا، وَتُحْدِثُ
فِي صَخْرَةِ الصَّمْتِ صَدْعًا جَلِيلاَ،
وَتُمْعِنُ فِي قَهْرِهَا مَاضِيًا كَالفُحُولْ…
◇
سَتَكْتُبُ، مَا مِنْ سَبِيلٍ لِتَهْزِمَ
مَمْلَكَةَ الْجَدْبِ، تَحْرُثَهَا بِيَرَاعِكَ،
تَرْسُمَهَا وَطَنًا فِي حَلِيبِ الْوُرَيْقَاتِ،
غَيْرُ الْكِتَابَةِ، مَا مِنْ بَدِيلْ…!
◇
سَتَكْتُبُ حَتَّى
يَجِفَّ الْمِدَادُ [الَّذِي لاَ يَجِفُّ…!]،
وَحَتَّى تَقُولَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَقُولْ،
وَتُخْصِبَ فِي الْقَوْلِ أَبْهَى الْحُقُولْ…!
☆ شعر/ المكّي الهمّامي ☆
(تمغزة- توزر- الجنوب التّونسيّ)
(ملاحظة: كُتبت القصيدة، سنة 2007، أثناء إقامة الشّاعر في واحة تمغزة. ونشرت ضمن قصائد ديوان ذهب العزلة، سنة 2012)
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2594672140620546&id=126975477390237
هِيَ الْوَرْدَةُ الْمَلَكِيَّةُ
غَافِيَةٌ فِي صَحَارَى الرِّمَالِ الْبَعِيدَةِ،
تَحْضُنُ غُرْبَتَهَا غَابَةٌ مِنْ نَخِيلٍ،
تُطَوِّقُهَا بِأَصَابِعَ خَضْرَاءَ خَضْرَاءَ…
وَحْدَكَ، كُنْتَ السَّمِيَّ، تُرَاوِدُهَا شَاعِرًا زَاهِدًا فِي كُنُوزِ الدُّنَى [كَنْزُكَ الشِّعْرُ، مُزْدَحِمٌ بِفُصُوصِ الْمَعَانِي..]. وَوَحْدَكَ، خَوَّضْتَ فِي مَاءِ فِتْنَتِهَا كَالدَّلاَفِينِ، مُنْعَتِقَ الرُّوحِ، مُنْطَلِقًا. وَانْدَفَعْتَ بِهَا، شَارِدًا كَالْوُعُولْ…
◇
وَكُنْتَ الْغَرِيبَ الْقَرِيبَ،
تُفَتِّشُ فِي وَطَنِ الرَّمْلِ عَنْ صَدَفَاتٍ
تَحَجَّرْنَ عِشْقًا لِهَذَا الْمَكَانِ وَمتْنَ وَفَاءً،
وَعَنْ حَجَرَاتٍ تَبَلْوَرْنَ شَوْقًا إِلَى الْمَاءِ
مُنْتَشِيَاتٍ بِأَحْلاَمِهِنَّ…!
وَتَبْحَثُ عَنْ صَخْرَةٍ فِي الْعَرَاءِ،
عَلَيْهَا الْخُطُوطُ الطَّلاَسِمُ
[صَخْرَتُكَ الأَبَدِيَّةُ قَلْبُكَ]، مَجْلُوَّةً لِلْمُرِيدِ [الَّذِي هُوَ أَنْتَ..]. وَشِئْتَ، بِمِلْءِ هُيَامِكَ، أَنْ تَتَأَمَّلَهَا.. شِئْتَ أَنْ تَتَأَوَّلَهَا.. وَتُقَلِّبَ فِكْرَتَهَا فِي الْمَدَى، مَغْرِبًا مَشْرِقَا…
قُلْتَ: “أُنْعِمُ وَهْمِيَ فِيهَا، وَأَقْرَأُ طِلَّسْمَهَا، كَاشِفًا غَيْبَهَا عُمْقَهَا..
إِنْ مَحَتْ رَسْمَهُ الرِّيحُ، طَرَّسْتُهُ بِأَصَابِعَ مَسْحُورَةٍ، قُرْبَهَا، شَبِقَا..
وَحَفَرْتُ الضَّلاَلاَتِ فِيهَا بِكَامِلِ غَيِّي الْجَمِيلِ وَتَوْقِي إِلَى الْمُنْتَهَى،
وَلَفَظْتُ السُّيُولْ…!”
◇
نَظَرْتَ إِلَى الأُفْقِ، لاَ شَيْءَ
إِلاَّ الْفَرَاغُ الْكَبِيرُ، خُيُوطٌ مِنَ الضَّوْءِ
سَاقِطَةٌ كَالسِّهَامِ عَلَى أَرْضِهَا..
وَالرَّبِيعُ الْمُؤَجَّلُ، فِي دَمِهَا الْفَذِّ،
مَحْضُ اشْتِهَاءٍ خَجُولِ…
وَهَذَا السُّكُونُ الْخُرَافِيُّ شَهْقَتُهَا السَّرْمَدِيَّةُ، تُنْشِئُ فِي الصَّخْرِ
أَوْدِيَةً غَامِضَاتٍ،
وَتَنْشُرُ وَحْشَتَهَا فِي الْخَلاَءِ الْمَهُولِ،
تَرَدَّدُ أَصْدَاؤُهَا فِي الْمَدَى كَالْعَوِيلْ…
◇
وَكُنْتَ اسْتَضَأْتَ بِإِثْمٍ تَلأْلأَ كَالشَّمْعَدَانَاتِ فِي كَلِمَاتِكَ،
حِينَ اقْتَرَبْتَ مِنَ الْوَرَقَاتِ الْغَرِيبَةِ،
حَدَّقْتَ فِي الْبَتَلاَتِ الَّتِي انْدَلَعَتْ، فَجْأَةً، وَرْدَةً مِنْ رِمَالِ اللَّظَى.
وَتَبَرْعَمَ مِنْ حَوْلِهَا التِّبْرُ أَصْفَرَ يَبْرُقُ، وَالْيَشْبُ أَخْضَرَ يُشْرِقُ..
كَانَتْ دُمُوعَ التَّرَابِ،
جَوَاهِرَ مِنْ مَعْدِنِ الْبَدْءِ،
مَقْبُورَةً فِي الْغِيَابِ،
وَطَالِعَةً مِنْ هَيُولَى الأُصُولْ…
◇
رَأَيْتَ الَّذِي لاَ يُرَى،
حِينَ حَدَّقْتَ،
كُنْتَ رَأَيْتَ الَّذِي سَتَرَى
فِي مَرَايَا الْحِكَايَةِ…
كُنْتَ تَأَمَّلْتَ فِتْنَتَهَا الذَّهَبِيَّةَ سَاطِعَةً
فِي انْدِهَاشِكَ، حَتَّى اكْتَوَيْتَ
بِمَا فِي أَصَابِعِكَ الْقَمَرِيَّةِ مِنْ رَغَبَاتٍ،
وَأَوْغَلْتَ فِي غَابَةِ النَّخْلِ، هَيْمَانَ سَكْرَانَ نَشْوَانَ بِالْغُنْمِ، مَا مِنْ دَلِيلْ…
◇
وَتُدْرِكُ أَنَّ الْبِدَايَاتِ
تُولَدُ مِنْ قَلْبِهَا الْمُتَلَبِّدِ بِالسِّرِّ،
إِذْ تَتَقَدَّمُ فِيهَا؛ وَأَنَّ النِّهَايَاتِ
فَاتِحَةُ الْعَوْدَةِ الأَبَدِيَّةِ، فِي مَمْلَكَاتٍ
مِنَ الرَّمْلِ مَنْدُوحَةٍ بَلْقَعٍ
دَأْبُهَا الْمُسْتَحِيلُ…
وَتُدْرِكُ أَنَّكَ تَشْرَبُ، فِي حُبِّهَا الْعَذْبِ،
نَخْبَ الْخَسَارَةِ مُغْتَبِطًا بِالْعَذَابَاتِ
تَزْحَمُ جُرْحَكَ - تُدْرِكُ - أَنَّكَ تُهْرِقُ فِي الرَّمْلِ ظَمْآنَ،
مِنْ شِدَّةِ الْوَجْدِ،
خَمْرَ الْحُلُولْ…
◇
وَهَذِي الْغَرِيبَةُ
نَائِمَةٌ فِي كِتَابِ الطَّبِيعَةِ،
مُرْسَلَةُ الشَّعْرِ أَسْوَدَ أَجْعَدَ
حَتَّى الْمَهَاوِي، وَذَاهِلَةٌ مِثْلَ عُشَّاقِهَا، وَمُشَرَّدَةٌ مِثْلَ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ فِي أُفْقِهَا الأُرْجُوَانِيِّ، [كَانَتْ كَمِشْكَاةِ رَاهِبَةٍ
تَتَدَفَّأُ فِي اللَّيْلِ بِالْبَوْحِ وَالشَّهَوَاتِ، وَتَنْضَحُ ضَوْءًا رَهِيبًا. وَكَانَتْ كَمُعْجِزَةٍ لاَ يُصَدِّقُهَا أَحَدٌ فِي الْوُجُودِ،
سِوَى شَاعِرٍ أَوْ رَسُولٍ،
سِوَى عَابِرٍ تَائِهٍ أَوْ نَبِيٍّ ضَلُولْ…!]
◇
وَتُدْرِكُ أَنَّكَ حَتْمًا،
سَتَكْتُبُ شَيْئًا فَرِيدَا…
وَأَنَّكَ مَنْ سَوْفَ يَحْرُسُ
ذَرَّاتِ رَمْلِكَ، إِذْ تَتَحَجَّرُ
بَيْنَ يَدَيْكَ الْبِدَائِيَّتَينِ وُرُودَا…
وَأَنَّكَ وَحْدَكَ، تَحْضُنُ حَبَّاتِ حُلْمِكَ،
إِذْ تَتَجَمْهَرُ فِيكَ أَبَابِيلَ، مَاثِلَةً
فِي بَيَاضِ الصَّحَائِفِ، مَغْزُولَةً بِدِمَقْسِ
مَسَرَّاتِهَا فِي الْمَكَانِ، وَقَائِمَةً فِيهِ
دَوْمًا، وَفِيكَ نَشِيدًا جَدِيدَا…
وَتُدْرِكُ أَنَّ الْفَرَادِيسَ مَا سَوْفَ تَكْتُبُ،
إِذْ تَتَوَغَّلُ وَسْطَ عَوَالِمَ مَفْتُونَةً بِالتَّشَكُّلِ، مَنْذُورَةً لِلتَّحَلُّلِ،
مَأْخُوذَةً بِالرَّحِيلْ…!
◇
سَتَكْتُبُ، لاَ شَيْءَ أَرْوَعُ
مِنْ أَنْ تَكُونَ إِلَهًا عَلَى مَلَكُوتِ
الْبَيَاضِ الْبَهِيِّ الْوَضِيءِ النَّبِيلِ…
وَعَرْشُكَ هَذَا الذُّهُولُ، وَجُنْدُكَ
فِي عُزْلَةِ الْكَائِنَاتِ الصَّغِيرَةِ حَوْلَكَ،
هَذَا النَّخِيلُ الطَّوِيلُ الطَّويلْ…
◇
سَتَكْتُبُ،
مَا مِنْ خَلاَصٍ لَكَ الآنَ،
مَا مِنْ خِيَارٍ لِمِثْلِكَ،
يَا وَاهِبَ الأَمَلِ الْغَضِّ لِلْكَائِنَاتِ الصَّدِيقَةِ، تَنْعَمُ قُرْبَكَ فِيمَا تَبَقَّى
مِنَ الْمَاءِ، [لِلْبَطِّ يَسْبَحُ فِيكَ
وَفِي شَطِّهِ الْحُرِّ مُنْتَشِيَ الرُّوحِ، لِلْحَلَزُونَاتِ تَشْرَحُ أَحْلاَمَهَا لَكَ
يُدْهِشُهَا الْبَوحُ، لِلنَّمْلِ مُنْدَفِعًا
فِي شُقُوقِ الخَرَائِبِ
مُفْتَتِنًا بِالْوُصُولْ…!]
◇
سَتَكْتُبُ،
يَا سَيِّدَ الإِثْمِ وَالْقَلَقِ الْمُرِّ،
رَغْمَ الَّذِي كَانَ مِنْ قَفْرِهَا،
رَغْمَ مَا صَارَ مِنْ فَقْرِهَا…
سَوْفَ تَحْفِرُ مَجْرَاكَ فِيهَا، وَتُحْدِثُ
فِي صَخْرَةِ الصَّمْتِ صَدْعًا جَلِيلاَ،
وَتُمْعِنُ فِي قَهْرِهَا مَاضِيًا كَالفُحُولْ…
◇
سَتَكْتُبُ، مَا مِنْ سَبِيلٍ لِتَهْزِمَ
مَمْلَكَةَ الْجَدْبِ، تَحْرُثَهَا بِيَرَاعِكَ،
تَرْسُمَهَا وَطَنًا فِي حَلِيبِ الْوُرَيْقَاتِ،
غَيْرُ الْكِتَابَةِ، مَا مِنْ بَدِيلْ…!
◇
سَتَكْتُبُ حَتَّى
يَجِفَّ الْمِدَادُ [الَّذِي لاَ يَجِفُّ…!]،
وَحَتَّى تَقُولَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ تَقُولْ،
وَتُخْصِبَ فِي الْقَوْلِ أَبْهَى الْحُقُولْ…!
☆ شعر/ المكّي الهمّامي ☆
(تمغزة- توزر- الجنوب التّونسيّ)
(ملاحظة: كُتبت القصيدة، سنة 2007، أثناء إقامة الشّاعر في واحة تمغزة. ونشرت ضمن قصائد ديوان ذهب العزلة، سنة 2012)
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2594672140620546&id=126975477390237