أحمد القطيب - الْقَصيدةُ الْخَمْسينِيَّةُ.. " رحلتي بالْأتانِ الْعشْواء، في اللَّيْلَةِ اللّيْلاء" (من وحي قصتي الواقعية)

نَزَلْـــتُ يَوْمــــــاً بِسوقِ الْأَرْبِعاءِ فَتـــــــــــــىً *** مَعـــــي الْمَتاعُ وَزادٌ مُثْقِلٌ عَضُـــــــدي (1)
بَعْدَ الْأَصيــــــلِ وَكانَــــتْ سوقُـــنا كَمِعى*** كِلابِــــــها، أَقْفَرَتْ مِنْ كُـــــــلِّ مُقْتَعِــــدِ
فالسّوقُ لا تَزْدَهـــــــي إِلاّ بِمَوْعِـــــــــــــدِها *** في الْأَرْبِعاءِ وَفي الْجُمْعاتِ لَمْ تَحِــدِ
اَلسّوقُ يَوْمٌ..وَيَوْمٌ للصَّــــلاةِ بِــــــــــــــــها *** وَمَعْبَرٌ نَحْـــــــــوَ (تامَنارَ) في الْأَحَــــــــــــــــدِ
وما وَجَدْتُ سِوى الْحُسَيْـــنِ مِنْ دَمِنا *** مِنْ (آلِ رَيْسٍ)بِحانوتٍ لَــــــــهُ تَلَـــــــــــــــــدِ (2)
سَأَلْتُهُ بَعْدَ أَنْ سَلَّمْتُ عَــــنْ رَجُــــــــــــلٍ *** يُكْري الْحميـــــرَ لِكَـــــــيْ أَروحَ لِلْبَلَـــــــــــــــــدِ
والرّيحُ تَحْمِلُ أَشْواقــــــــي تُبَلِّغُـــــها.. *** قَبْلَ الْوُصولِ إلى جَدَّيَّ بالْجَسَـــــــــــــــــــدِ
فَدَلَّنــــــي عَجِلاً عَلـــــــــى مُؤَجِّـــــــــــــــــرِها *** وَكانَ في الْعُمْرِ في الْخَمْسيــــــنَ إِنْ تَزِدِ
فَجاءَني بِأَتانٍ في لَوازِمِــــــــــــــــــــــــــــــها *** فارْتَبْتُ مِنْ قِصَرٍ بِـــهــــا كَمُنْتَقِـــــــــــــــــــــــــدِ (3)
فَقالَ لـــي:لا تَخَفْ ..فَهذِهِ أَلِفَــــــــــتْ *** سَحْقَ الطَّريقِ وَحَمْـــــــلَ الثِّقْلِ بالْجَلَــــــدِ
مَنَحْتُهُ أَجْرَهُ طَوْعاً وَقُلْتُ لَــــــــــــــــــــــهُ *** إِنّي مُقيمٌ وَلَنْ آتيــــــــــــــكَ يَوْمَ غَـــــــــــــــــــــــــدِ (4)
وَسَوْفَ أُرْسِــــلُ هاتيكَ الْأَتانَ غَـداً ***مَعْ قاصِدي السّوقِ في الْإِصْباحِ أَوْ وَلَـــدِ
وَكانَ مَدْشَرُنا (تَفْزا) على بُعُــــــــــــــدٍ *** بِساعَتَيْنِ عَلــــــــــى الْأَقْدامِ في الْأَمَــــــــــــــــدِ
حَمَلْتُ كُلَّ متاعي في "الشَّوارِيِّ"ما *** رَكِبْتُ حَتّى طَواني السَّيْرُ في بُعُــــــــــــــــــــدِ
وَحينَ أَدْرَكْتُ (تِرْسينَ) الْعُلا رَمَقَتْ *** عَيْنايَ مَرْقى (الزّويتِ) الْبالِغِ الصُّعُـــــــــدِ (5)
فَقُلْتُ رَبّاهُ قَدْ حَلَّ الْمَغيــبُ وَلَـــــــمْ *** أَصِلْ إلى ذلِكَ الْمَرْقـــــــــى وَلَمْ أَعُـــــــــــــــــــدِ !!
أَلْفَيْتُ راحِلَتي الْعَجْفاءَ واهِنَــــــــــــــــةً *** فَقُدْتُها راجِلاً .. إِذْ خابَ مُعْتَمَــــــــــــــــــــــــدي
فَصِرْتُ أُغْري بِصَوْتي كَيْ أُحَفِّزَهـــــا *** أَقولُ (إِرَّ) لِكَيْ تَخُبَّ في الْجَــــــــــــــــــــــــــــــــــــرَدِ (6)
وَلَسْتُ أَسْمَـــــــــعُ إلاّ مِنْ حَوافِرِهـــا *** صَليلَ حَدْواتِــــــــــــها كالْقَدْحِ بالزّنَـــــــــــــــــــــــدِ (7)
وَصَوْتَ أَنْفاسِها طَوْراً وَقَعْقَعَةَ الْــ *** ـحَديدِ في فَمِها الْمَلْجــــــــــــــــومِ بالصّـفَدِ
لكنْ تَرَكْتُ لِجامي مُرْغَماً أَسِـــــــــــــــــفاً *** وَصِرْتُ أَدْفَعُهــــــــا مِنْ خَلْفِهـــــــا بِيَــــــدي
وَقَبْلَ أَنْ أُنْهِيَ الْمَرْقى سَمِعْتُ بِـــــهِ *** أَذانَ مَدْرَسَــــــــــــــــــةِ (الزّاويتِ) كالْمَــــــدَدِ
وَكُنْتُ مُنْتَصِفاً دونَ الْوُصولِ إلــــــــى *** (آلِ الْقَطيـــــــبِ)بِساعَــــــــــــــــــــــــةٍ بِلا حَدَدِ (8)
وَحينَ صِرْتُ إلى (تَزْروتَ)أَبْطَحِـــــــها *** وَغَرْغَرَ الْبَطْنُ أَشْواقاً إلى الرَّفَــــــــــــــــــــــدِ (9)
رَكِبْتُ راحِلَتي لكِنَّـــــــــــــــها خَبَطَـــــــــــــتْ *** ذاتَ الْيَسارِ على صَخْـــــــرٍ بِهِ عَـــــــــــــــــــــرِدِ (10)
فَتَدْخُلُ الشَّوْكَ طَوْراً ثُمَّ تَعْرُجُ بــــي *** بِلا هُدىً حَيْثُما (الْأرْكَانُ) في النُّجُـــــــــــــــدِ
أَدْرَكْتُ أَنَّ "الْعَشا" قَدْ غَمَّ ناظِرَهـــــا *** فلا تَرى في ظَلامِ اللَّيْلِ مِنْ أَحَـــــــــــــــــــــدِ (11)
والْحُمْرُ تَنْظُرُ لَيْلاً حَيْثُــــــــــما عَرَجَـــــتْ ***في حُلْكَةِ اللّيْلِ مَهْما اشْتَدَّ فـي السَّوَدِ
فَغاظَني صاحِبُ الْأتانِ أَنْ حَلَفَـــــــتْ *** يَمينُـــــهُ كَذِباً وَزاغَ عَـــــــــــــنْ رَشَـــــــــــــــــــــــدِ
لَوْ كانَ يُغْدِقُ في إِطْعامِها سَلَفـــــاً *** ما كانَ عَشْوٌ وَلا ضُعْفٌ وَلَمْ تَمِـــــــــــــــدِ
لَمْ يَعْرِفِ الْعَلَفَ الْمُخْتارَ جَحْفَلُــــــها *** فلا تَلَمّـــــظُ إلاّ رَغْوَةَ الزَّبَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدِ (12)
والْحُمْرُ تَخْضَلُّ مِنْ عُشْبٍ جَحافِلُها *** وَتَحْمِرُ الْأُتْنُ بالشَّعيرِ والْحَصَــــــــــــــــــــدِ (13)
فَبِتُّ أَنْهَرُهـــــــــــــــا طَوْراً وَاُلْجِمُــــــــــــها *** ذاتَ الْيَمينِ إذا زاغَـــــــــتْ إلى صَـــــــــــــدَدِ (14)
تَرَكْتُ ذاتَ يَساري (تَمْزَلالَ)وَقَـــــــــــــدْ *** جاوَزْتُ هَضْبَتَــــــــها أَمْشـــــي كَمُتَّئِــــــــــدِ
وَقَبْلَ (تِوْرارَ) زاغَتْ بي بِمُنْبَسَـــــــــــطٍ *** عَنِ الطَّريــــــــقِ أتانُ الشُّؤْمِ والنَّكَـــــــــــدِ
وَما تَبَيَّنْتُ رَسْماً لِلطَّريــــــــقِ سِـــــوى *** صَوْتِ الصَّليلِ كَشَحْــذٍ لِلْمُدى الُجُدُدِ
قَدْ كانَ كَـــزّ بَعيرٍ لَسْتُ أَرْمُقُـــــــــــــــــــــهُ *** دَأْبَ الْجِمالِ بِوَقْـــــــتِ الْمُزْنِ والْبَــــــــرَدِ
يَرْغو وَيُزْبِدُ طَوْراً أَنْ رأى بَدَنــــــــــــــــــــــي *** وَلا أراهُ.. فخافَ الْفَحْلَ مُرْتَعِــــــــــــــدي
فَالْعيرُ تُتْرَكُ في (الْأَرْكَانِ)؛عادَتَـــــــــها *** تَرْعى بِلَيْــــــــــلٍ بِلا خَوْفٍ وَلاكَمَــــــــــــــــــدِ
فَهالَني أَنْ رَأَيْتُ الْفَحْلَ يَشْخَصُ لي *** لَوْلا ابْيِضاضٌ بِهِ ما بانَ في رُبَـــــــــــــدِ (15)
وَكانَ حُرّاً بِلا قَيْــــــــــــــــدٍ يُبَطِّئُـــــــــــــــــــــــــــهُ *** وَلا وِثاقٍ كَوَحْشٍ كاسِـــــــــــــــرٍ نَكِــــــــــدِ
فَمِلْتُ عَنْهُ بِجَرٍّ حَبْلَ راحِلَتـــــــــــــــــــــــــــــــي *** فَاثّاقَلَتْ وَأنا الْمُرْتاعُ فـــــــــــــي كَبِدي
ما عُدْتُ أَسْمَعُ مِنْ بَعْدِ الرُّغاءِ سِوى *** هَـــــرِّ الْكِلابِ بـِـ(ِتِوْرارٍ) بِمُطَّـــــــــــــــــــرِدِ
فَمِلْتُ نَحْوَ (إِكَرْ عَسْري)عَلى مَضَضٍ*** كَيْ أَتَّقي شَرَّها لَيْلاً بِلا سَنَــــــــــــــــــــــــدِ (16)
حَتّى بَلَغْتُ قَبيلي ذاكَ مُغْتَبِطــــــــــــــــــاً *** بِأَنْ نَجَوْتُ مِنَ الْوَحيشِ ذي اللِّبَـــــدِ
فالضَّبْعُ يُلْقي شَذىً مِثْلَ الرُّقى خَدَراً **فَيَحْجُبُ الْعَقْلَ والْإِحْساسَ إنْ يَصِـدِ (17)
يُمْشي الْفَتى فاقِداً لِلْوَعْيِ حَيْثُ مَشى*** إلى مَغارَتِـــهِ بِنِيَّـــــــــــةِ الْأَسَــــــــــــــــــــــدِ
بَلَغْتُ (تَفْزا) وَقَدْ فاتَ الْعِشاءُ بِهــــا *** أَرْجو الْعَشاءَ وَدِفْءَ الدّارِ والْبَلَــــــــــدِ
أوْثَقْتُ راحِلَتي في مَعْطِـــــــــــــــــــنٍ غَدِقٍ*** وَمِلْتُ نَحْوَ أَثافٍ أَدْفَاَتْ جَسَــــــــــــــدي (18)
وَرَحّبَتْ جَدّتي بي وُسْعَها وَحَنَــــــــــــــــتْ *** عَلى الْحَفيدِ بِما يَرْضاهُ مِنْ رَغَــــــــــــدِ

----

بحر البسيط مخبون العروض والضرب

أحمد القطيب 23/12/2019
------------------------------------
1/ سوق أربعاء إداوتغمة بحاحا تبعد عن الطريق الوطنية بطريق فرعية بنحو سبعة كيلومترات.
2/الحسين :ابن خالة والدي .
3/ الأتان: أنثى الحمار
4/لن آتيك:بمدّ الياء لا بفتحها للضرورة
5/ الصُّعُد:الارتفاع.
6/تخُبّ : من الخبَب وهو نوع من سير الدواب يتسم بالسرعة.
**الجرَد: الأرض لا نبت فيها
7/الزّنَد:أي الزّنْد وفُتحت النون للضرورة وهو ما يستقدح به من حجر أو خشب.
8/الْحَدَد: المانع الذي يُبطئُ السّائر.
9/الرّفَد: (الرّفْد).. وفتحت العين للضرورة .
10/عَرِد:صَلْبٌ.
11/ العشا والعشى:انعدام الرؤية ليلا بسبب نقص غذائي(فيتامين أ).
12/الجحفلة والجحافل: ما يقابل الشفة لدى الإنسان
**تلَمّظُ:أي تَتَلمّظُ ..وحذفت تاء المضارعة للتخفيف كقوله تعالى:(ولا تنابزوا بالألقاب)أي ولا تتنابزوا.
**الزبَد:مادة بيضاء لزجة في فم الحيوان مثل البصاق لدى الإنسان.
13/تَحْمِرُ: حَمِرَت الدّابة إذا اتّخَمَتْ منْ أكل الشعير حتّى ينْتن فمها.
14 /الصّدَدُ: المكان المُقابِل .
15/ رُبَدِ:الرُّبْدُ والرُّبْدةُ هي الغبرة أوالسّواد الشامل ..وحُرّكت الباء بالفتح للضرورة
16/إكَرْ عَسْري:طريق بين تلّتين تسمى (إكر العسري)أي حقل العسري.
**كيْ أتّقي:تقرأ بمد لا بياء مفتوحة للضرورة.
17/الشذى بالألف المقصورة بمعنى الرائحة الكريهة..
18/المعطن:مربض الدابة
**الأثافي:أحجار ثلاثة تحمل القدور للطهي .
**الجدّان المذكوران في القصيدة هما (جدي المدني) الذي توفي سنة 1988...و(جدتي زينب) التي توفيت في بداية التسعينات.....رحمهما الله وأحسن إليهما.
**(الشّواري):شوالان متصلان من جريد لحمل المتاع على الدواب..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...