– جعفر الديري
تأمَّل الفاتح العظيم في عقدة الحبل غريبة الشكل، ثمَّ أدار عينيه في سدنة المعبد، فوجدهم جميعا خاشعين، خافضين أعينهم للأرض.
كانت أجسامهم قويَّة، بفعل الأكل الطيب والشراب المنعش، بعكس أولائك الذين شاهدهم في الخارج، ضامري الوجوه، نحيلي الأجسام، بسبب الجوع والمرض، عاجزين عن الوقوف لإلقاء التحية عليه.
علت وجهه ابتسامة ساخرة، وقال لنفسه: هكذا إذن! بهذه الطريقة، خدعوا من سبقني، واضطرُّوهم للتراجع. ترى كم عدد الحمقى الذين وقعوا في شباكهم؟!
ارتدَّ طرفه لبوَّابة المعبد، فوجدها ضخمة لا تشبه شيئا شاهده من قبل. ثمّة أعمدة تناطح السحاب. غرف وأبواب لا تحصى، وعند كل باب وزاوية، خادم بيده شمعة، يقف خافض الرأس، راهنا جسده وماله وعرضه للسدنة هؤلاء. أمَّا بقية الناس، فلا قيمة لحياةِ أيٍّ منهم، يعيشون في أكواخ عفنة، لا تقيهم بردا ولا حرَّا. قبور يقضون حياتهم فيها حتى يواريهم التراب، فيما يعيش هؤلاء المترفون في معابد كالقصور، يأكلون ويشربون ويبدَّلون ثيابهم ناصعة البياض... وكبيرهم المبجَّل يشير للعقدة، قائلا في صوت مهيب:
- سيكون البلد لك، متى استطعت حَلّ العقدة.
هذا يعني أنَّه لن يملك البلد، إلا إذا حلَّت بركتهم عليه!. حيلة دنيئة، ربَّما انطلت على من سبقه من المخرِّفين، لكن ليس على طفل وصبي وشاب أخذ العلم على يد أعظم فيلسوف على الإطلاق.
أخرج سيفه من غمده، بسرعة خاطفة، وهوى به بقوّة على العقدة، فانقطعت، وتحرَّكت العرابة الرابضة في مكانها منذ عشرات السنين.
شقّ الفضاء صوت كبير السدنة، كأنَّما نزل السيف على قلبه، وتراجع للخلف، ويده على صدره. جحظت عيناه، وتحوَّل لون وجهه للبياض، ثمَّ خرَّ إلى الأرض وهو يخور كالثور.
سارع السدنة لنجدته، لكنَّ الموت كان أسبق. لقد وعى عقله جيدا أنَّ قطع العقدة يعني انتهاء سلطانه على الناس، لذلك آثر الرحيل، على العيش تحت سلطان هذا الفاتح العظيم. أمَّا بقيَّة السدنة، فتهاووا سجدا على الأرض، وتبعهم خدّامهم وحملة الشموع.
الأحد 29 ديسمبر 2019
تأمَّل الفاتح العظيم في عقدة الحبل غريبة الشكل، ثمَّ أدار عينيه في سدنة المعبد، فوجدهم جميعا خاشعين، خافضين أعينهم للأرض.
كانت أجسامهم قويَّة، بفعل الأكل الطيب والشراب المنعش، بعكس أولائك الذين شاهدهم في الخارج، ضامري الوجوه، نحيلي الأجسام، بسبب الجوع والمرض، عاجزين عن الوقوف لإلقاء التحية عليه.
علت وجهه ابتسامة ساخرة، وقال لنفسه: هكذا إذن! بهذه الطريقة، خدعوا من سبقني، واضطرُّوهم للتراجع. ترى كم عدد الحمقى الذين وقعوا في شباكهم؟!
ارتدَّ طرفه لبوَّابة المعبد، فوجدها ضخمة لا تشبه شيئا شاهده من قبل. ثمّة أعمدة تناطح السحاب. غرف وأبواب لا تحصى، وعند كل باب وزاوية، خادم بيده شمعة، يقف خافض الرأس، راهنا جسده وماله وعرضه للسدنة هؤلاء. أمَّا بقية الناس، فلا قيمة لحياةِ أيٍّ منهم، يعيشون في أكواخ عفنة، لا تقيهم بردا ولا حرَّا. قبور يقضون حياتهم فيها حتى يواريهم التراب، فيما يعيش هؤلاء المترفون في معابد كالقصور، يأكلون ويشربون ويبدَّلون ثيابهم ناصعة البياض... وكبيرهم المبجَّل يشير للعقدة، قائلا في صوت مهيب:
- سيكون البلد لك، متى استطعت حَلّ العقدة.
هذا يعني أنَّه لن يملك البلد، إلا إذا حلَّت بركتهم عليه!. حيلة دنيئة، ربَّما انطلت على من سبقه من المخرِّفين، لكن ليس على طفل وصبي وشاب أخذ العلم على يد أعظم فيلسوف على الإطلاق.
أخرج سيفه من غمده، بسرعة خاطفة، وهوى به بقوّة على العقدة، فانقطعت، وتحرَّكت العرابة الرابضة في مكانها منذ عشرات السنين.
شقّ الفضاء صوت كبير السدنة، كأنَّما نزل السيف على قلبه، وتراجع للخلف، ويده على صدره. جحظت عيناه، وتحوَّل لون وجهه للبياض، ثمَّ خرَّ إلى الأرض وهو يخور كالثور.
سارع السدنة لنجدته، لكنَّ الموت كان أسبق. لقد وعى عقله جيدا أنَّ قطع العقدة يعني انتهاء سلطانه على الناس، لذلك آثر الرحيل، على العيش تحت سلطان هذا الفاتح العظيم. أمَّا بقيَّة السدنة، فتهاووا سجدا على الأرض، وتبعهم خدّامهم وحملة الشموع.
الأحد 29 ديسمبر 2019