كثيرون قليلون.. قليلون كثيرون - مسرحية قصيرة
✍ أمل الكردفاني
(المنظر الأول)
المسرح
مكتب طولي واسع...في الزاوية اليسرى طاولة مكتب بنية وثيرة يجلس أمامها رجل في حوالى الستين من عمره...وخلفه على الحائط صورة كبيرة له معلقة باتزان دقيق.
طنافس ووسائد على الطراز الحديث...وأمامه على طاولته علامة ذهبية منحوت عليها وظيفته بالأسود/ المدير العام لدار نشر الحداثويون للنشر.
يدخل يوسف وهو شاب نحيل يرتدي ملابس عادية..قميص وبنطلون ويحمل رزمة من الورق..يقف بعيداً ويسلم على المدير العام.
يوسف: نهار سعيد...
المدير العام: (ينظر بسرعة ومن فوق نظارته للشاب ثم يعود لقراءة ورقة أمامه وهو يبدو عليه عدم الاكتراث) أهلاً...
يوسف: (يتحدث إلى نفسه) إنه حتى لم يدعُني للجلوس...(يتقدم للجلوس)صباح الخير سيدي..إنني كاتب روائي يا سيدي...
المدير: (يقاطعه) ليس لدينا وقت لروايات الأطفال...أستمحيك عذراً ولكنني مشغول..
يوسف: (يظهر على ملامحه السخط الممتزج بالدهشة) ولكنها ليست روايات أطفال...
المدير: (ينظر من وراء نظارته نظرات تحذيرية) استميحك عذرا ..ليس لدي وقت...
يوسف: (بغضب) الأمر لم يعد يتعلق بالرواية..بل بآداب التعامل (يرفع صوته) وأنت قليل الأدب...
(يدير ظهره ليغادر)
المدير: تعال هنا يا ولد...
يوسف: (يلتفت إلى المدير بغضب) أنك تصر على قلة الأدب أيها العجوز...
المدير:إن أهلك لم يربوك جيدا...
يوسف: لقد ربوني بما يكفي لأتعلم آداب التعامل مع المحترمين...وأنت لست منهم...
المدير: يبدو أنك مضطرب عقلياً يا ولد...
يوسف: أتركني أذهب...
المدير: بل لن أتركك تذهب..تعال واجلس هنا...يبدو أنك استطعت لفت انتباهي بقلة الأدب أكثر من الأدب..(يقهقه)..حسنٌ...لا بأس...إجلس (يظل يوسف واقفاً) .. قلت لك إجلس..ستعلمك الأيام كيف تتنازل عن كرامتك شيئاً فشيئاً ..
يوسف: هذا لن يحدث أبداً...
المدير: إيييه.. كلنا قلنا ذلك أيام الشباب...على أية حال إجلس لأعلم مشكلتك بالتحديد...يبدو أنك صعب المراس...وعصبي...وهذا مؤشر على أنك كاتب رديئ الكتابة...فأصحاب الادمغة قليلة المرونة لا يستطيعون بلوغ حكمة الحياة التي يحتاجها الكاتب العظيم...
(يجلس يوسف)
المدير: عليك أن تفهم أيها الشاب الصغير أن هناك مئات ممن يعتقدون أنهم أدباء عظماء..يأتون وهم يحملون أحلامهم بالشهرة والمجد لأنهم كتبوا بضعة أوراق مليئة بمرض الشعور بالعظمة الوهمية بلغة تافهة متهافتة ومقعرة..أو سطحية ساذجة...أما الأدباء العظماء أصحاب الذكاء فهم قلة...وفي الواقع هم منعدمون في وقتنا الراهن...وأنت لن تكون منهم وأتمنى ألا تكون منهم حتى لا تعاني..مع ذلك ففيك خصال جيدة كالأنفة والكبرياء ولكنها لا تصلح لزماننا هذا...اعطني ما كتبته...(يمد له يوسف الأوراق فيأخذها)..هل لديك نسخة أخرى؟
يوسف: نعم لدي...
المدير: (يمزق الورق مجموعة مجموعة)..
يوسف: (بجزع) ماذا تفعل..؟
المدير: أفعل ما يجب أن تفعله بالنسخ الأخرى...عليك أن تقتنع بأنك لن تصل لشيء في هذا الطريق..عليك أن تبحث عن وظيفة حقيقية أيها الشاب...
يوسف: (بغضب) إنك حتى لم تلقِ إليها نظرة..
المدير: أيها الشاب الطيب...(ينهض من كرسيه ويذهب إلى النافذة فيفتحها) هل تعتقد أن هناك مديراً واحدا لدار نشر يقرأ كل ما تنشره داره من كتب..
يوسف: ماذا تقصد...؟
المدير: أقصد ما قلته بالضبط يا فتى...كم أنت ساذج...
يوسف: ولكن..ولكن كيف ينشرون الكتب..كيف يعلمون أنها جيدة أم ..أم سيئة...
المدير: (يقهقه بصوت عالٍ) يا لك من طيب...لا أعرف أساسا لِمَ أخبرك بهذا..ولكنهم لا يقرؤون منها شيئا..ودعني أخبرك بسر آخر...(ينحني ويضع كفيه على الطاولة بذراعين مستقيمين) هم لا يهتمون أساسا بما إذا كانت جيدة أم سيئة..إنهم ليسوا منظمة خيرية...إنهم يسعون للمال..المال وليس غير ذلك...إنهم ليسوا عباقرة في النقد وإلا كانوا نقادا..ولا هم عباقرة في أي شيء سوى التسويق..الجيد والسيئ كلاهما يخلقون منه عملاً عظيماً ويصدقهم الجمهور الأحمق...
يوسف: ولكنهم يملكون لجاناً لتقييم المخطوطات؟
المدير: (يقهقه) وهل رأيت هذه اللجان من قبل.. يا ولد.. لا مكان لك في هذا العالم لو ظللت أحمقاً هكذا...
يوسف: إنك شرير...
المدير: على العكس تماماً... ما كنتَ لتجد صاحب دار نشر يخبرك بما أخبرتك به.. ولذلك فإنني أقول لك بكل إخلاص بأن تجد وظيفة أخرى غير الكتابة...أما لو أردت أن تجد دار نشر تقبل بهرائك هذا فعليك أن تملك السمعة ..والسمعة لا تأتي إلا إن كنت صاحب سلطة أو مال...يجب أن يجد فيك الناس ما يأخذونه منك ليقبلوا إعطاءك شيئاً منهم...لكن أن تأتِ هكذا... عاريَ اليدين إلا من أوراق تافهة وأنت تظن أنك فعلت ما لم يفعله غيرك عبر التاريخ فأنت إذاً لست سوى أحمق.... هناك ملايين حول العالم يكتبون مثلك أو أفضل منك أو حتى أقل منك فهذا لا يهم...فإن كنت تنتظر أن أنشر لك..فأنت حقا ستكون أحمقاً...هل تعتقد أنه في عصر تولستوي لم يكن هناك من هو أفضل منه؟.. لا يا أحمق.. كل مافي الأمر أن توسلتوي كان في الوقت نفسه إقطاعيا مليونيرا بحسابات اليوم...هل تعتقد أن الكتاب في عصرنا هذا لم يقدموا مقابلاً لينالوا الشهرة...يبدو أنك أحمقٌ إن كنت تظن ذلك...لا تصدق أن هناك صدفاً ومعجزاتٍ في هذه الحياة تخلق من حشرة مثلك شخصاً عظيماً...يا لك من صبي غِر...هيا أغرب عن وجهي يا ولد...برا...برا...
(يقفز يوسف من مقعده كالملسوع ويغادر المكتب)
(ستار)
...
(المنظر الثاني)
المسرح:
حانة بها ترابيز وكراسي. يجلس يوسف أمام بنك الحانة وأمامه البائع يمزج الأقداح للزبائن. وهناك مجموعة شباب ؛ أربعة ذكور على الطاولة يمين المسرح ، وفتاتان وشابان في الطاولة الثالثة ، والطاولة الثانية التي تتوسط الطاولتين ليس بها أحد وإن كان عليها كأسان وزجاجتا جعة تبقى في أحداهما بعض الشراب.
يوسف: اعطني شراباً...
البائع: أي نوع...
يوسف: نوعٌ كافٍ لتغييب هذا الدماغ...
البائع: حسنٌ..يبدو أنك جديد...مع ذلك فسأعطك نبيذ العنب...إنه يصلح للمبتدئين..
يوسف: بل اعطني شراباً يصلح للمدمنين..شراباً يمحو ذاكرتي وعقلي تماماً..
البائع: لن تتحمل يا عزيزي..وستتقيأ فور الكأس الثالث وقد يغمى عليك وتتسبب لنا في مشكلة...أرجو أن تستمع لنصيحتي..هو شراب (واين)..خفيف ويحسن مزاجك..
يوسف: حسنٌ...
(يدور البائع على عقبيه ثم يعود مقدماً الشراب ليوسف).
يوسف: روايات الأطفال...فلنفترض أنها روايات أطفال...هذا البليد المتخلف وغير المثقف...هل يعتقد أن الكتابة للأطفال أقل سهولة من الكتابة للكبار...إنه كائن مادي حقير...لولم أرد على وقاحته لما تحدث معي مرة أخرى..إنه كلب..كلب..(يشرب النبيذ)..
البائع: النبيذ لا يشرب يا سيدي.. بل يُجرع.. هكذا..(يتناول البائع كأسا ويجرع منه حانياً رأسه للوراء بسرعة قبل أن يعيدها) قبل ذلك عليك ان ترج الكأس رجة خفيفة ثم تشم المحتوى أيضاً بسرعة.. عليك أن تتعلم أصول الشرب..فهنا الكل محترف..والكل سيعرف أنك جديد في الشرب وقليل الخبرة...
يوسف: هذا كل شيء؟
البائع: نعم في الوقت الراهن...
يوسف: (يجرع جرعة سريعة).. هل هذا جيد..
البائع: وكأنك سكير مخضرم (يضحك)..
يوسف: حسنٌ....كل الأشياء لها خباياها...مثل دور النشر تماماً...(بسخرية) لا توجد لجان قراءة هنا أيضاً...هة؟!!..يا للسخرية.. ولكن كيف؟!! كيف وصل كل هؤلاء للشهرة..؟
(تدخل فتاة متبرجة هي سوسو المومس وتجلس قرب يوسف متحدثة للبائع)
سوسو: هيا يا عزيزي..تعرف ماذا أشرب..
البائع: بالتأكيد...
سوسو: (تنظر ليوسف)..يبدو أنك جديد في هذه الحانة...
يوسف: هل هذا واضح لهذه الدرجة؟
سوسو: جداً..إنك لا تعرف حتى كيف تمسك الكأس...
يوسف: (ينظر للبائع) لقد كنتَ تكذب عليَّ إذاً فلم تخبرني بكل شيء؟
البائع: (يحاول إخفاء ضحكته)لا يا عزيزي..دعني أخبرك أنني أنا نفسي لا أشرب...ما أخبرتك به كان نتاج خبرتي من مجرد ملاحظة الآخرين..
يوسف: آه حسناُ...
سوسو: يبدو أنك تضايقت من ملاحظتي يا شاب؟
يوسف: قليلاً..قليلاٌ..
سوسو: آه..لماذا لا تبتعد عن هذا الطريق....إنت تبدو شاباً لطيفا وابن ناس...
يوسف: لا تحددي لي خياراتي في الحياة...
سوسو:(تمد شفتيها علامة على الدهشة)..أووووو... يبدو أنك من النوع العصبي كذلك...
يوسف: لماذا يكررون كلهم ذات الوصف لي هذا اليوم؟!!..
سوسو: ماذا تقصد؟
يوسف: أقصد أنتِ ومدير دار النشر..وصفتماني بأنني عصبي..
سوسو: وماذا في ذلك..إنهم يصفونني بأنني عاهرة منذ أن نما ثدياي..ما المشكلة..لا تكن حساساً...
يوسف: لست حساساً...
سوسو: (بصوت خفيض ودلال مصطنع)ماذا لو.. لو قضينا ليلة لطيفة في منزلك....
يوسف: (بفزع) ماذا؟!!
سوسو: لماذا أنت فزِع هكذا؟ هل أنت طفل؟..
يوسف:(بغضب) يا إلهي..يبدو أنك ابنة ذلك المدير...أو أنني بالفعل لازلت طفلاً غراً وأحمقاً...
سوسو: لا أفهم قصة المدير هذه..ولكن..ألا تبدو حساساً أكثر من اللازم؟
يوسف: أنا آسف..ولكنني أعيش مع والديًّ وبالتالي لا استطيع جلبك معي للمنزل..ومن ناحية أنا مفلس..
سوسو: يا لحظي النحس...وأنا كذلك مفلسة..تعرف ظروف البلد..وعلى ما يبدو أن الرجال فقدوا فحولتهم...
يوسف: هذا بلد حقير..حقير...
سوسو: يبدو أنك حانق على هذا البلد...
يوسف: حانق كلمة لا تكفي لوصف ما يمور في داخلي من لهب..إن رجلاً حقيرا كذلك المدير يحدثني عن أن الشهرة لا تأتِ بالعبقرية بل بأن ندفع مقابلاً...
سوسو: هل قال لك ذلك؟
يوسف: نعم...
سوسو: يبدو أنه رجل حكيم..
يوسف: (ينظر إليها بامتعاض) ماذا تقولين بحق الجحيم..
سوسو: أقول أنه رجل حكيم فلا شيء بلا مقابل في هذه الحياة....دعني أخبرك بأنني في الثامنة والعشرين من عمري... جميلة بل حسناء...مع ذلك فتلك العقربة استطاعت أن تصبح أكبر ممثلة بورنو في العالم وهي أقل جمالا مني في حين بقيت أنا متعفنة في هذه الحانة لالتقط الزبائن...حسنٌ..إنها ليست صدفة..كل مافي الأمر أنها استطاعت الوصول لمخرج مشهور..دفع بها إلى النجومية وحاز هو على الملايين..صحيح أنها هجرته بعد ذلك..ولكن بعد ماذا؟ بعد أن لم تعد في حاجة إليه...أما أنا (بحزن) فلم أجد فرصة واحدة للالتقاء بمخرج ولا حتى بمصور لكي استفيد من مؤهلاتي..لكن لا بأس...إن السماء تقسم الأرزاق ولا اعتراض لنا على حكمها...
يوسف: أوووو...يجب أن تفهمي أنني لست في مثل وضعك..إنني لست مومساً...إنني كاتب ..كاتب روائي..هل تفهمين...
سوسو:(تقهقه قهقات رنانة)..واااو...عظمة...
يوسف: تسخرين مني؟
سوسو: لا لا... في الواقع كنت اقرأ الروايات العاطفية في سن السادسة عشر...كانت تثير غريزتي بعنف...(تضع ظفر صباع يدها الصغير بين سنيها السفليين وتسرح في الأفق) إيييه.. أصبحت اليوم لا أشعر حتى بجسد الرجل الحي وهو في أحضاني...ماذا حدث لي...لماذا انطفأت تلك الأحاسيس الرائعة...؟
يوسف: كم أخاف من اليأس والإحباط...فأنا لا أجيد شيئاً في هذه الحياة غير الكتابة...
سوسو: كلنا نعمل في مهن لا نجيدها فلا تخف...
يوسف: (ينظر لها بدهشة) حقاً؟
سوسو: حقاً يا عزيزي..ألم يخبرك النادل بأنه لا يعرف شيئاً عن عمله سوى ما تلقاه بالملاحظة...أنا كذلك..وهذا وذاك...أما الأعمال التي نجيدها حقاً فهي التي لم نمارسها أبداً ..
يوسف: ولكن..ولكن..العظماء...إنهم مشهورون لأنهم يجيدون أعمالهم...
سوسو: بل لأنهم قدموا أشياء مقابل الشهرة...
يوسف: تقصدين مثل فاوست؟
سوسو: لا أعرف من هو فاوست...
يوسف: أقصد أنهم باعوا أنفسهم للشيطان..
سوسو: يمكنك أن تقول ذلك...كل ذنبي أنني لم أجد بيئة نظيفة التقي فيها بزبائن محترمين .. الفرصة التي نالتها تلك العقربة...
(يدخل المدير إلى الحانة ، ينظر يوسف نحوه لكن المدير لا يلاحظه ، يجلس أمام البائع)
المدير- جعة من فضلك...
يوسف- كنت أتوقع أن تكون من مرتادي هذه الأماكن..
المدير : من أنت وماذا تقصد.؟
يوسف: احقاً لا تتذكرني...
المدير: (يتأمل قليلا في وجه يوسف) ها..انت الولد قليل الأدب...
يوسف: قليل ادب با يكفي لارتياد الحانات الرخيصة...
المدير: ومن هذه..صديقتك؟
سوسو: (بدلال) بل عشيقته...ومع ذلك فلا مانع لديه في بعض الحرية...أليس كذلك؟
المدير: هل هذا صحيح..ألا تمانع في بعض الحرية لعشيقتك...
يوسف: (بضيق) إنها ليست عشقتي...
سوسو: (تنحدث وهي تتضم شفتيها كما لو كانت تخاطب طفلاً) حقاً... لست عشيقتك؟..إنك قاسي القلب..
يوسف: يمكنك أن تعتبرين نفسك عشيقتي..لا مانع لدي ..
المدير: (يضحك بسخرية) علاقتكما ممتازة...كنت أحسبك طفلاً...ولكن يبدو أنك قادرٌ على اجتذاب الفراشات إليك بسهولة...(يجرع من الكأس ويخرج سجارة ثم يهمس)..كاتب روائي...ها...جيد...
يوسف: نعم كاتب روائي..ولن أحيد عن طريقي هذا أبداً..أعرف أن هذا الشعب يعمل على تدمير كل عبقرية تحاول الخروج من مخروط العفن هذا..لكنني مع ذلك لن أيأس..
المدير: جيد يا فتى..جيد...
يوسف: (بعصبية) نعم جيد..
المدير: وكيف ستفعل ذلك؟
يوسف: (يبدو حائراً) هة!!!..كيف!!..سأجد حلاً...سأجد من يؤمن بي ويمولني لكي أحقق النجاح...سأبحث في الانترنت عن دور نشر غربية...أو مِنَح...هم يؤمنون بالفن...
المدير: (يقهقه بصوت عالٍ)..شاب لطيف أنت...
يوسف: (بغضب) لماذا تضحك..
المدير: لأنك كغيرك من بني شعبنا..تعتقد أن الغربيين ملائكة وليسوا مثلنا..بل انت لا تعرف أن هذه النزعة الفجة والتي تسمى رأسمالية هي في الواقع إنتاج غربي بامتياز...هل تعرف لماذا سموها رأسمالية..لكي لا يسمونها نهباً بارداً للفقراء وأموال الشعوب...كيف تكون كاتباً روائياً وأنت سطحي هكذا...
يوسف: لست سطحياً...ولا تحاول إحباطي فقد مررت بأمثالك كثيراً في حياتي...
المدير: حسنٌ (يشير للنادل) شراب آخر...(يلتفت لسوسو) عليك ألا تشربي كثيراً هذا المساء لكي تتمكني من العودة لمنزلك يا فتاة....الوضع الأمني متوتر في الخارج...الصراع حول السلطة على أشده..
يوسف: ما اسمك يا فتاة؟
سوسو: سوسو...أختك سوسو (تضحك بسخرية)..
يوسف: (بغضب) لماذا تضحكين دائماً بهذه الطريقة الفجة؟
سوسو: حسنٌ...لن أضحك مرة أخرى...سأعود لمنزلي الآن....
يوسف: (بتردد)..هل..هل أصطحبك لهناك..
سوسو: (تنظر في وجهه) أهذه شهامة مفاجئة أم أنك.........
يوسف: بل...بل .....
سوسو: حسنٌ فهمتك...رغم أنني مرهقةٌ وأنت مفلس...
يوسف: الأمر ليس كذلك...لكنني...لكنني أود أن أرافقك فقط...شيء ما ...أو ..أو هي حاجة لكي أكون مع أنثى لأطول فترة ممكنة...الوحدة تقتلني وتلقي بي في الكآبة...
المدير: دعيه يذهب معك..وإن كان مفلساً فيمكنني أن أدفع له..
يوسف: لا أريد منك شيئا ولا تتدخل في هذا الموضوع...
سوسو: (تغمز بعينها اليسرى) دعه يدفع....
يوسف: لا.. لن أفعل..كرامتي لا تسمح لي...لو دفع لك فلتذهبي لوحدك...
المدير: الكرامة!! (يقهقه)..كلامك يجعلني أظن بأنني سَكِرت..
يوسف: طبعا فأنت لا تفهم هذه اللغة...
المدير: بل أفهمها ولكنها لغة مثالية..فحتى القديسين انحنوا لتمر الريح فوقهم...
يوسف: هم ليسو قديسين إذاً..
المدير: بل قديسون..ولكنهم يعطوننا دروساً في واقعية الحياة يا ولد...في بعض الأحيان عليك ان تخسر جزءً من كرامتك لتحتفظ بالجزء الأكبر منها...وإلا فالحياة ستجبرك على خسارة كل شيء...قلت لك بأنك تفتقر إلى مرونة العباقرة....
سوسو: (تتوسل) دعه يدفع لي..أرجوك...
يوسف: (ينظر في عينيها) أنت جميلة....
سوسو:أعرف ذلك...
يوسف: ولماذا إذاً....؟
المدير: (يقهقه بصوت عالٍ)..
يوسف: (بغضب) ولماذا تضحك الآن...
المدير: (يشعل سجارة ويمسح شفتيه بكم جاكيتته)..إنك تسأل اسئلة طفولية حقاً...يمكنها أن تحكي لك الآن تراجيديا طويلة من الأكاذيب...وأنت لربما ينفطر قلبك...يا لك من طفل..
سوسو: لن أحكي له أكاذيب..إنك رجل وقح حقاً..يبدو أن وصف هذا الشاب لك حقيقي...
المدير: (يزدد ضحكا) إنكِ حتى لا تعرفين اسمه...
سوسو: بل أعرف...
المدير: كذابة...
سوسو: لست كذابة...إن اسمه يوسف...
يوسف: اللعنة ..كيف عرفتِ اسمي؟
(يظل المدير واجماً)
سوسو: لن أخبرك...
يوسف: من حقي أن أعرف...
سوسو: لن أستطيع إخبارك في كل الأحوال....
المدير: (بحيرة)..انت فتاة خطرة...
سوسو: (تضحك)..سأذهب الآن..(تلتفت ليوسف) ولن تذهب معي ولكننا سنلتقي..(تغادر ونظرات الرجلين تتبعانها)..
يوسف: كل النساء خطرات...لكنهن بلا معنى كباقي البشر..
المدير: أنت مغرور أيها الصبي...هل تعتقد أن كل هؤلاء البشر لم يبحثوا يوماً عن معناهم كما تفعل...لقد فعلوا ثم اكتشفوا الحقيقة فاستسلموا للمعنى الحيواني للحياة..العمل الروتيني الممل..الزواج ..الانجاب...وأنت ستحمل خزعبلاتك الورقية وستصل لذات النتيجة...جد عملاً حقيقياً بدلاً عن هذا الهراء ..
يوسف: ولكن غيري نجح..نجح الكثيرون ووجدوا معناهم..
المدير: (يقهقه).. لا أحد ينجح..بل هناك أشخاص يتم إنجاحهم...تنجحهم مؤسسات لا يمكنك رؤيتها بالعين المجردة....سأذهب الآن..وداعاً وسنلتقي...
(يخرج)
....
(المنظر الثالث)
حجرة مكتب مظلمة ليس فيها سوى طاولة عريضة وكرسيين..متقابلين وسط الحجرة..تتسلط عليهما الإضاءة.. تجلس سوسو على أحد الكرسيين...في حين يظل الكرسي الآخر خالياً...
(صوت رجل من الجانب المظلم للحجرة)
الصوت: لقد أتينا به يا سيدتي...
يظهر في بقعة الضوء يوسف وهو معصوب العينين ومقيد اليدين...
سوسو: اجلس...
(تشير برأسها للرجل الآخر فيخرج)
يوسف: من أنتم؟..لماذا اختطفتموني...لست سياسياً...إنني مجرد كاتبٍ روائي...
سوسو: لن تتعرض للسوء لو كنت ذكياً كفاية...
يوسف: لا أفهم شيئاً..إنني خائف...أتركوني وشأني...
سوسو: يبدو أنك لست ذكيا كفاية ... لقد دخلت هنا بملء إرادتك...وعليك أن تتحمل قرارك..
يوسف: هذا غير صحيح...أنا لا أعرفكم...هل تسجلون ما أقول..لو كنتم تفعلون..فأنا مصر على أقوالي..أنا لا أعرفكم...أتركوني وشأني..أرجوكم...(يبكي)...
سوسو: كن رجلاً أيها الولد وتوقف عن البكاء...إن عمرك واحداً وعشرين عاماً...تقطن مع والديك...والدك رجل متوسط الحال كان موظفاً بالإرصاد الجوي..أمك ربة منزل...ولا أخ لك ولا أخت...مع ذلك فأنت شخص نرجسي..أناني ولا تأبه لوالديك...لديك طموحات خيالية بأن تكون كاتباً مرموقاً...لديك روايتان قصيرتان تافهتان...
يوسف: (يقاطعها) ليستا تافهتين...
سوسو: معذرة ولكن لجنة القراءة والتحليل وصلتا إلى أنك لا تصلح روائيا ولو بعد مائتي سنة... أنت مثلاً لا تمتلك خبرة كافية في الحياة.. من ناحية ثانية فكتاباتك ساذجة .. وفوق هذا فلغتك ركيكة وليس فيها أي ذكاء مجازي..أنت مباشرٌ وشخصي جداً... لا تملك قدرة لتحليل الوقائع لتخلق حبكة تفضي لدهشة القارئ..هل أواصل أم أتوقف..(صمت).. حسن.. خيالك ضعيف جداً...ضعيف الربط بين العلامات ولا تجيد التفكيك والتجذير...واضح أنك قليل الإطلاع على الكتب الفلسفية والأدبية الأخرى...لقد كانت خلاصة التحليل أنك لا تصلح إلا أن تكون إسكافياً...
يوسف: (يصرخ) من أنتم...من أنتم..وماذا تريدون مني..؟
سوسو: نريدك أن تكون كاتباً روائياً..
(صمت)
يوسف: ماهذا...أتسخرين مني...؟ ارجوك..أنا لم امارس السياسة من قبل...لقد أخطأتم في شخصيتي..
سوسو: لم نخطئ يا سوسف...
يوسف: لسد ضد النظام..أقسم لكم...
سوسو: نحن دولة ديموقراطية...أم أنك لا تعرف ذلك...
يوسف: أنا لا أعرف ولا أريد أن اعرف..حتى الرواية سأتوقف عن كتابتها...أتركوني أعيش بسلام...
سوسو: (تضرب على الطاولة بعنف) بل ستكتب الرواية..
(يصدر صوت تجهيز بندقية وصوت رجل)
صوت الرجل: سيدتي..هل هناك مشكلة...
سوسو: لا... (توجه حديثها ليوسف بصوت خفيض) اسمعني أيها الجحش الصغير...لا وقت لدي لأضيعه معك وأنت مذعور هكذا...(تخرج رزمة أوراق من درج مكتبها) هذه الرواية ستنشر باسمك...هل تفهم....ما عليك إلا أن تكون مستعداً لتلقي الشهرة..إنك لن تكتب حرفا واحدا...كل ما عليك هو أن تقرأ الروايات قبل نشرها باسمك لتحفظها...
يوسف: ماذا تقصدين..كيف أكون روائياً ولا أكتب...
سوسو: لا يوجد روائيون في هذا العالم...نحن الذين نكتب الروايات عبر خبراء متخصصين لتنشر باسم قلة من المحظوظين ممن سمعت بهم وبشهرتهم...وأنت ستكون واحداً منهم الآن.....ونحن لا نطلب منك القبول..لأن رفضك يعني أننا سنضطر لوضعك في مشفى المجانين....هل تريد أن يحدث لك ذلك...
يوسف: يا إلهي..ماهذا..هل هذه كاميرا خفية..إنني لا أفهم شيئاً..
سوسو: ستفهم بمرور الوقت...الآن خذ هذه الرواية وانطلق بها لتقرأها...وبعد غد افتح الصحف والقنوات الفضائية... هيا...(ترمي له الرواية في حجره...ثم تصيح) أنت يا عسكري...تعال وخذ هذا الشاب معصوب العينين وأرمه في المكان الذي أخذتموه منه..
.
.
(المنظر الرابع)
صالة جلوس منزلية..هناك أريكة وأربعة مقاعد أسفنجية ليست حديثة ولا قديمة..الأريكة على اليمين تتوجه نحو حائط المسرح الأيسر والمقاعد في المنتصف بين التلفزيون على الحائط الأيسر والمقاعد.
تهرول امرأة في الخامسة والخمسين وتشرع في فتح التلفاز بشغف...صورة التلفاز لا تظهر لجمهور المسرح.
صوت من التلفاز: أثارت رواية جديدة للكاتب الشاب يوسف الكدراوي نقاشاً حادا في وسائل التواصل الاجتماعي...
(أثناء الصوت الصادر من التلفاز تحمل الأم هاتفا جوالاً وتتحدث)
الأم: حليمة..افتحي قناة العصرية بسرعة... إنهم يتحدثون عن ولدي يوسف...
(تجري اتصالاً آخر)
الأم: يا رجل...يتحدثون عن ولدك الآن...أين؟ طبعاً في التلفزيون..افتح قناة العصرية...أنت قريب من المنزل..في السلم؟ حسناً..تعال بسرعة...
صوت التلفزيون: رواية "تكاثر عرضي" أثارت العديد من اللغط بين العلمانيين والدينيين في كل وسائل التواصل الاجتماعي...بل وصل الصراع إلى اليساريين والليبراليين...الشاب الروائي يوسف مختفٍ منذ أسبوع..لقد حاول البرنامج الإتصال به لكن هاتفه مغلق.. وتقول أسرته أنه مختفٍ منذ أيام...
الأم: متى قلنا هذا يا كذاب؟
(يدخل الأب وهو يحمل بطيخة وكيس موز)
الأب: كم أنا متعب...
الام: ضع البطيخة والموز وتعال لتشاهد ولدك المفعوص...
الأب: ماذا تقولين يا امرأة...
الأم: سيرة ابنك أصبحت على كل لسان...
الأب: (بجزع)..هل ارتكب العجل جريمة...
الأم: لن تناده بالعجل مرة أخرى..إنه أفضل منك...أنظر واستمع...
صوت التلفاز: سنلتقي بالدكتورة إيناس أستاذة علم الاجتماع...نرجو أن تحدثينا عن أسباب إثارة رواية الشاب يوسف الكدراوي لكل هذه الضجة؟
د.إيناس: الرواية مست الجهاز العصبي للمجتمع ككل..وليس مجتمعنا المحلي فقط..بل المجتمعات في كل دول العالم..الصراع الأزلي بين العلمانية والدين وهما كأيدولوجيات توتاليتارية تتقاطع دون أن تحقق الديالكتيك الهيجيلي بقدر ما تهزم النظرية الهيجلية خالقة مزيدا من التنافر دون ان تنبثق نظرية وسط...إن الرواية نهاية للديالكتيك وبداية لعصر ما بعد بعد الحداثة..
الأب: ماذا تقول هذه المرأة..إنني لم أفهم شيئاً..هل حقاً هي تتحدث عن يوسف إبننا وأحلامه التافهة تلك..
الام: ليست تافهة..هذه دكتورة فمن أنت...
الاب: صحيح...ولكن ..ولكنني لا أصدق...يوسف؟..هل أنت متأكدة أنها تقصد يوسف...العجل الذي يقضي جل وقته داخل غرفته أو متسكعاً في المقاهي؟
الأم: دعني أسمع...
صوت التلفزيون: الآن ننتقل إلى الروائي العالمي أرتيور بلخوف... (حديث بلغة أجنبية تتم ترجمته بصوت مترجم)
صوت المترجم: ااااااااا..الررروااااية تحقق أعلى مبيعاااات خلال بضعة أس..أسابييع...هناك حكومااااات دكتاتورية قامت بحظ..بحظ..بحظرها .... إنني لست متف....اج...ئا...فالرواية ضربت كل أكاذيب الماضي...المعسكرين الرأسمالي والشيوعي...إن السيد يوسف فيلسوف حقيقي
صوت التلفاز: ننتقل الآن إلى السيد رئيس الحزب الشيوعي..ما رأيك سيدي...
رئيس الحزب الشيوعي: هذه ضجة مفتعلة..هذه ليست رواية بل قمامة...
الأم: (ترفع حذاءها وترميه تجاه التلفزيون) أنت القمامة أيها الحسود..
الأب: عادي ..ما كنت لأصدق أنه شيوعي إن لم يقل هذا الكلام...
(يرن جرس هاتف الأب)
الأم: من هذا الغبي الذي يتصل في هذا الوقت..
الأب: (يرد على الهاتف) إنه زوج أختك..
الأم: (تضحك بخجل) هاته..ألو...حسن...ألو..ألو... لا أسمعك جيدا...الشبكة ضعفة... نعم..أسمعك الآن... نعم...حقاً؟!! نعم نحن نشاهد التلفزيون الآن...نعم لا ليست تلك القناة بل قناة العصرية...ماذا... هل فعلا هناك قنوات أخرى تتحدث عنه...أي القنوات أفضل...
(يدخل يوسف)
(ينهض الأب والأم وينظرا له برهبة شديدة)
يوسف: ماذا هناك....هل هناك خطب ما؟
(يظلا ينظران إليه بخشوع)..
يوسف: بالله عليكما ماذا هناك... مالذي دهاكما...
الأم: يوسف...ابني حبيبي...
(ترتمي في أحضانه..ويتبعها الأب)
الأب: كم ظلمتك يا بُني..كنت أناديك بالعجل تارة..وأمك تناديك بالمفعوص...لكننا كنا أغبياء.. معنا فيلسوف بكل هذا الحجم..كل هذا الحجم المهول الضخم...ونحن كنا نحتقرك...يا إلهي..لم أكن أعتقد أن رأسك هذا يزن ذهباً...
يوسف: آه... حسن...تقصدا روايتي.. أنا سعيد بسعادتكما...لكنني أتقبل أن تصفاني بالعجل وبالمفعوص..إن ذلك أحب عندي من أي وصف آخر...
الأم: الحقيرة نعمات...الحسودة الحاقدة إنها لم تكلف نفسها الاتصال بي وتهنئتي...يبدو أن الصدمة قد أحدثت لها جلطة...
الأب: أرجووك لا تتحدثي عن أختي هكذا..وأين أختك الحقودة التي هي بدورها لم تتصل...
الأم: مؤكد أنها لم تشاهد التلفزيون...
الأب: إنها تفتح التلفزيون منذ الصباح وخاصة قناة العصرية...لكن النار تأكل أعماقها...
الام: دعنا من الناس ولنحتفل بهذا اليوم...سأعد لك ممباراً محشواً بلحم الضأن...كما تحبانه كلاكما...
الأب: حقا ستفعلين ذلك...؟
الأم: بالتأكيد..رغم أنه مجمد في الديبفريزر لكنني سأبذل ما في وسعي لفك تجمده...
(تخرج)
الأب: جيد...فائدة مباشرة لنجاحك يا بُني..(يقهقه)..
يوسف: صحيح...(يجلس مطرقاً)..
الأب: لِمَ لا تبدو سعيداً..
يوسف: إنني سعيد يا أبي...كل مافي الأمر أنني مرهقٌ قليلاً...
الأب: صحيح..لقد كانت كل وسائل الإعلام تلاحقك منذ الصباح...أنا أيضا متعب...سأرتاح قليلا...
(يخرج)
(يظل يوسف جالساً في مكانه وعيناه حائرتان...)
(يرن الهاتف فيرد عليه)
يوسف: ألو...
سوسو: افتح الباب...
يوسف: من أنتِ؟
سوسو: افتح الباب فقط...
(تغلق الخط)
(ينهض بدهشة ويغادر ثم يسمع صوته)
يوسف: من؟
سوسو: مفاجئة ..أليست كذلك؟
يوسف: كيف ..كيف عرفتِ منزلي..بل ..بل كيف عرفتِ رقم هاتفي...
(تضع نصفي ساعديها على كتفيه ويمتد النصفان الآخران وراء ظهره)
سوسو: أيها الكاتب الروائي المشهور..كل العالم الآن يعرف مكانك...ستبدأ متاعب الشهرة...هل ..هل تخجل من تواجد مومس مثلي في منزلك؟
يوسف: (يمتقع وجهه)..ء..ء.. لا .. ولكن... والداي هنا...
سوسو: لا شأن لك بوالديك..لم تعد صغيراً لكي تأخذ إذن استقبال صحفية مثلي منهما...
يوسف: صحفية؟..هل أنت صحفية؟
سوسو: (تضحك ضحكة سوقية عالية)...كم أنت بريء... ألا تعرف كيف تكذب على والديك..
يوسف: حسنٌ..ولكن...ولكن اخفضي جلجلة ضحاكتك قليلاً...هذا محرج..ثم أنها ضحكات لا تتفق مع تهذيب الصحفيات...
سوسو: (تتركه وتلقي بحقيبتها الصغيرة في استهتار على الأريكة ثم تتهالك فيها)...كم انت ممل...ألا تعرف كيف تتحدث إلى الأنثيات..
يوسف: أعرف..ولكن .. ولكن..
سوسو: لماذا تقف هكذا؟ تعال وأجلس جانبي...
(يجلس على طرف الأريكة)
سوسو: أكثر أكثر (تضحك ضحكة عالية) أنت خجول..مدهش...اقترب مني... اقترب ولا تخف.. (يقترب منها قليلا ثم قليلاً)..لسة...اقترب اكثر...
يوسف: هذا يكفي...
سوسو: حقاً....هل أنت صادق؟
يوسف: ولكن..ولكن والداي في المنزل...
سوسو: حسنٌ..على العموم أنا لن ابقَ طويلا معك...هل هذا يسرك...
يوسف: (بحزن) بل على العكس..أنا أحتاج للحديث معك في هذا الوقت...
سوسو: ماذا تريد أن تقول....
يوسف: (يبدو مترددا) أريد..أريد أن...أن اسألك سؤالاً...
سوسو: اسأل..
يوسف: ماذا ماذا لو ..لو أن شخصاً ..نال شهرة بسبب عمل ينسبه زوراً إلى نفسه...هل...هل يكون سعيداً...
سوسو: (تضحك) هذا ما يفعله العالم كله...
يوسف: ماذا تقصدين...
سوسو: أقصد أن الجنود الذين يموتون في المعارك لا يسمع عنهم أحد..أما رئيس دولتهم هو الذي ينسب النصر لنفسه...كل حياتنا هكذا..كل من يملك القوة يسرق مجهود الضعفاء...
يوسف: من أين تعلمتِ كل ذلك..؟
سوسو: (تنظر للبعيد بأسى) ومن تظنني.. ألست إنسانة في هذا العالم..ولي الحق في أن أحاول فهمه لجمع رزقي...الا تعرف كم المعاناة والقسوة التي جابهتهما في حياتي لأستطيع توفير قطعة خبز لي ولوالدتي المريضة... عليك أن تمر بتجارب قاسية لتكتب عنا نحن الضعفاء..(تخرج منديلاً وتمسح عينيها)..
يوسف: آسف لم أقصد أن أحزنك..أرجوك لا تبكي..
سسو: إنني لا أبكي بل أمسح عيني من الآي لاين الرخيص الذي يذوب متسللا لعيني..لقد فات أوان البكاء يا فتى...
يوسف: هذا حسن...
(يصمت ثم يحدق فيها)
سوسو: سأذهب الآن...اسعد بانجازك ولا تحاول تنغيصه بالتفكير ..
(تنهض وتغادر بسرعة .. يبقى يوسف حائراً مكفهر الوجه)
(يرن جرس الباب...ولكن يوسف لا يسمعه)
(يُسمع صوت الأم والأم)
الاب: ألا تسمع هذا الجرس يا ولد..
الأم: إذهب أنت وافتحه...ولا تناديه بالولد مرة أخرى ..هل فهمت؟
الأب: آه..فهمت فهمت...سأذهب وأرى من الطارق...
(يدخل بعد برهة)
الأب: يوسف... يوسف..
يوسف: نعم..
الاب: يبدو أنك شارد الذهن.. لقد جاء رجل لزيارتك...
يوسف: أي رجل...
الأب: رجل محترم...يبدو محترماً...
(يخرج الأب ويعود وخلفه المدير)
يوسف: (بدهشة) أنت؟!!!
المدير: نعم أيها الكاتب الكبير..آه..يبدو أنني اخطأت في تقدير مكانتك..وكم أنا آسف يا عزيزي...(يقولها بتمسكن وخنوع)..
الأب: حسن..سأترككما وحدكما.. تشرفت بلقائك سيدي..
المدير: وأنا كذلك...
(يغادر الأب ، ويظل يوسف صامتاً)
المدير: كنت متأكداً من أنك ستصفح عني... لقد سألني الكثير من الناس عن دار النشر التي نشرت كتابك..كنت أشعر بالخزي حين أخبرهم بأنها ليست دار نشري...وبالخزي أكثر عندما أتذكر أنني طردتك بحماقتي وعجرفتي... إنه انتقام يسعدك بالطبع..فهو مؤلم جداً بغير ما يمكن لأي رجل صالح أن يتوقع حدوثه في ألدِّ أعدائه...صحيح هذا لا يعني أن هنالك عدالة سماوية بالضرورة ولكنه يحدث وإن كان نادراً...
يوسف: إنني لست سعيداً.. ولست حزيناً في نفس الوقت...لكنني لا أعرف ما الفائدة من قدومك لتتملقني هكذا..أنت تعرف أن دار نشر عالمية قد اشترت كل حقوق الطبع والنشر وبالتالي فلم يعد بإمكاني تقديم شيء لك...
المدير: آااااه حسنٌ... بل يمكنك أن تقدم لي خدمة بسيطة..فأنا لدي صحيفة سياسية انشأتها قبل عدة أشهر...صحيفة لا زالت في البداية..وأريد منك أن تعطني حق إجراء لقاءات صحفية معك بشكل احتكاري..(يقول بسرعة) وسأدفع لك ما تريد...
يوسف: إنني لست عاهرة لتغريني بالمال..أنت تعرف تماماً أنه لا يوجد كاتبٌ يهتم بالمال..
المدير: أنا لا أغريك يا سيدي العزيز.. أنا أتعامل معك وفق الأصول ومعايير البزنس...
يوسف: أنا لست رجل أعمال بل وفاشل في التجارة...فوق هذا فأنا لا أشعر بأي قيمة لهذا الكتاب..بل أنني.. بل أنني أمقته...
المدير: هذا طبيعي..فما أن يبلغ الإنسان الحلم الذي كان يسعى وراءه حتى يزهد فيه بل ويكرهه...هكذا نحن البشر..حتى عندما نلهث وراء المرأة ونزحف بركبنا ضارعين للسماء لكي ترضى عنا وتحبنا فإنه ما أن بحدث ذلك..حتى تتحول ذات هذه المرأة إلى كائن قبيح وممل...ثم نندم ونبحث عن أخرى..أو حتى نكره النساء ونبحث عن أشياء أخرى...أصدقك القول أن المرأة ليست هكذا..ليست مثلنا...فهي عندما تمتلك حبيبها تزداد تمسكاً به...بل وتتحول إلى كلبة شرسة تدافع عن حبيبها كما لو كان جروها الصغير...(يقهقه) نحن نظلم المرأة كثيرا أليس كذلك...مع ذلك فالمرأة ليست وفية لحبيبها بل لنفسها...إنها لا تخونه لأن لديها اعتقاد بأن هذا الحبيب كنزٌ ما... إيييه...المرأة كائن لا يفهم حتى نفسه...
يوسف: لا أعرف شيئا عن المرأة لكنني أصدقك القول بأن هذا الكتاب بدا لي كما لو لم أكن أنا من كتبه...وإن نفسي لا تستسيغ أن تنال الشرف على حساب غيرها...
المدير: أوووه إنه إضطراب الصدمة الأولى..صدمة النجاح السريع والساحق...مع ذلك فمن يكترث للآخرين...(يقهقه) لو قرأت تاريخ البشرية فستجد المنتصر يسرق المهزوم ثم يشوه صورته ويشيطنه...يشيطنه ويطلق عليه وصف البربري... هل تعرف عدد الشعوب التي وصفت أعداءها بالبرابرة ثم أصبحت بعد هزيمتها هي نفسها موصوفة بالبربرية..دعني أخبرك يا صديقي العزيز...الاتراك..الكلت..الامازيغ..الفرس المصريين..الميديين الفينيقيين الايرلنديين .. السلاف..المغول (يقهقه) كانوا يسرقون حضارات بعضهم ثم يشتمون بعضهم...
(صمت)
المدير: (يتأوه).. هل توافق على طلبي يا صديقي...أرجوك وافق... ستقفز صحيفتي المغمورة إلى الأضواء ..وسوف تكون أنت منقذها وفي نفس الوقت ستكون صحيفتك أنت...كل مقالاتك وقصصك القصيرة ونقدك الأدبي مما لا تنشره في الكتب....ها ما رأيك...هل توافق...
يوسف: (يصرخ) أنا لا أحتمل كل هذا... لا أحتمل كل هذا...
(يغادر..ويسمع صوت اصطفاق الباب)
(يبقى المدير واقفاً بحيرة.. ثم يتلقى اتصالاً)
المدير: ألو..
سوسو: نفذ ما أقوله لك بالحرف الواحد...
المدير: هل هذا ضروري..إنه لا زال صبياً..
سوسو: ولذلك يجب أن نصحح خطأنا...اسرع ولا تتأخر..
المدير: حسنٌ...
(يخرج من المنزل... يدخل الأب)
الأب: أين اختفى ابنك الفيلسوف...
(تدخل الأم)
الأم: لا وقت له ليضيعه مع أمثالنا.. إنه مع أشخاص مهمين بالتأكيد...
الأب: آه ..حمدا لله..كنت أخاف أن يضيع مستقبله لو مت وتركته ورائي..
الأم: لا أحب سيرة الموت...
الأب: صحيح...فلنسعد بهذا النجاح...دعينا نرى إن كانوا يتحدثون عنه في التلفزيون...
(يحمل الريموت كنترول ويزيد الصوت)
صوت التلفزيون: أنباء عاجلة ..فقد وجد الكاتب الروائي الشاب يوسف الكدراوي ميتا على حافة الطريق الصحراوي..وتقول إحدى الشهود أنها رأته يطلق الرصاص على نفسه قبل أن توقف سيارتها وتبلغ البوليس...
(يصرخ الأب والأم ويقعان مغشياً عليهما في حين يستمر الصوت من التلفزيون)
الروائي الشاب كان قد نال شهرة واسعة بعد روايته التي اثارت ضجة كبيرة..ويقول بعض أصدقائه ممن فضل حجب اسمه أنه كان يلاحظ على الفقيد اضطرابات نفسية في الآونة الأخيرة فقد ...
(ستار)
✍ أمل الكردفاني
(المنظر الأول)
المسرح
مكتب طولي واسع...في الزاوية اليسرى طاولة مكتب بنية وثيرة يجلس أمامها رجل في حوالى الستين من عمره...وخلفه على الحائط صورة كبيرة له معلقة باتزان دقيق.
طنافس ووسائد على الطراز الحديث...وأمامه على طاولته علامة ذهبية منحوت عليها وظيفته بالأسود/ المدير العام لدار نشر الحداثويون للنشر.
يدخل يوسف وهو شاب نحيل يرتدي ملابس عادية..قميص وبنطلون ويحمل رزمة من الورق..يقف بعيداً ويسلم على المدير العام.
يوسف: نهار سعيد...
المدير العام: (ينظر بسرعة ومن فوق نظارته للشاب ثم يعود لقراءة ورقة أمامه وهو يبدو عليه عدم الاكتراث) أهلاً...
يوسف: (يتحدث إلى نفسه) إنه حتى لم يدعُني للجلوس...(يتقدم للجلوس)صباح الخير سيدي..إنني كاتب روائي يا سيدي...
المدير: (يقاطعه) ليس لدينا وقت لروايات الأطفال...أستمحيك عذراً ولكنني مشغول..
يوسف: (يظهر على ملامحه السخط الممتزج بالدهشة) ولكنها ليست روايات أطفال...
المدير: (ينظر من وراء نظارته نظرات تحذيرية) استميحك عذرا ..ليس لدي وقت...
يوسف: (بغضب) الأمر لم يعد يتعلق بالرواية..بل بآداب التعامل (يرفع صوته) وأنت قليل الأدب...
(يدير ظهره ليغادر)
المدير: تعال هنا يا ولد...
يوسف: (يلتفت إلى المدير بغضب) أنك تصر على قلة الأدب أيها العجوز...
المدير:إن أهلك لم يربوك جيدا...
يوسف: لقد ربوني بما يكفي لأتعلم آداب التعامل مع المحترمين...وأنت لست منهم...
المدير: يبدو أنك مضطرب عقلياً يا ولد...
يوسف: أتركني أذهب...
المدير: بل لن أتركك تذهب..تعال واجلس هنا...يبدو أنك استطعت لفت انتباهي بقلة الأدب أكثر من الأدب..(يقهقه)..حسنٌ...لا بأس...إجلس (يظل يوسف واقفاً) .. قلت لك إجلس..ستعلمك الأيام كيف تتنازل عن كرامتك شيئاً فشيئاً ..
يوسف: هذا لن يحدث أبداً...
المدير: إيييه.. كلنا قلنا ذلك أيام الشباب...على أية حال إجلس لأعلم مشكلتك بالتحديد...يبدو أنك صعب المراس...وعصبي...وهذا مؤشر على أنك كاتب رديئ الكتابة...فأصحاب الادمغة قليلة المرونة لا يستطيعون بلوغ حكمة الحياة التي يحتاجها الكاتب العظيم...
(يجلس يوسف)
المدير: عليك أن تفهم أيها الشاب الصغير أن هناك مئات ممن يعتقدون أنهم أدباء عظماء..يأتون وهم يحملون أحلامهم بالشهرة والمجد لأنهم كتبوا بضعة أوراق مليئة بمرض الشعور بالعظمة الوهمية بلغة تافهة متهافتة ومقعرة..أو سطحية ساذجة...أما الأدباء العظماء أصحاب الذكاء فهم قلة...وفي الواقع هم منعدمون في وقتنا الراهن...وأنت لن تكون منهم وأتمنى ألا تكون منهم حتى لا تعاني..مع ذلك ففيك خصال جيدة كالأنفة والكبرياء ولكنها لا تصلح لزماننا هذا...اعطني ما كتبته...(يمد له يوسف الأوراق فيأخذها)..هل لديك نسخة أخرى؟
يوسف: نعم لدي...
المدير: (يمزق الورق مجموعة مجموعة)..
يوسف: (بجزع) ماذا تفعل..؟
المدير: أفعل ما يجب أن تفعله بالنسخ الأخرى...عليك أن تقتنع بأنك لن تصل لشيء في هذا الطريق..عليك أن تبحث عن وظيفة حقيقية أيها الشاب...
يوسف: (بغضب) إنك حتى لم تلقِ إليها نظرة..
المدير: أيها الشاب الطيب...(ينهض من كرسيه ويذهب إلى النافذة فيفتحها) هل تعتقد أن هناك مديراً واحدا لدار نشر يقرأ كل ما تنشره داره من كتب..
يوسف: ماذا تقصد...؟
المدير: أقصد ما قلته بالضبط يا فتى...كم أنت ساذج...
يوسف: ولكن..ولكن كيف ينشرون الكتب..كيف يعلمون أنها جيدة أم ..أم سيئة...
المدير: (يقهقه بصوت عالٍ) يا لك من طيب...لا أعرف أساسا لِمَ أخبرك بهذا..ولكنهم لا يقرؤون منها شيئا..ودعني أخبرك بسر آخر...(ينحني ويضع كفيه على الطاولة بذراعين مستقيمين) هم لا يهتمون أساسا بما إذا كانت جيدة أم سيئة..إنهم ليسوا منظمة خيرية...إنهم يسعون للمال..المال وليس غير ذلك...إنهم ليسوا عباقرة في النقد وإلا كانوا نقادا..ولا هم عباقرة في أي شيء سوى التسويق..الجيد والسيئ كلاهما يخلقون منه عملاً عظيماً ويصدقهم الجمهور الأحمق...
يوسف: ولكنهم يملكون لجاناً لتقييم المخطوطات؟
المدير: (يقهقه) وهل رأيت هذه اللجان من قبل.. يا ولد.. لا مكان لك في هذا العالم لو ظللت أحمقاً هكذا...
يوسف: إنك شرير...
المدير: على العكس تماماً... ما كنتَ لتجد صاحب دار نشر يخبرك بما أخبرتك به.. ولذلك فإنني أقول لك بكل إخلاص بأن تجد وظيفة أخرى غير الكتابة...أما لو أردت أن تجد دار نشر تقبل بهرائك هذا فعليك أن تملك السمعة ..والسمعة لا تأتي إلا إن كنت صاحب سلطة أو مال...يجب أن يجد فيك الناس ما يأخذونه منك ليقبلوا إعطاءك شيئاً منهم...لكن أن تأتِ هكذا... عاريَ اليدين إلا من أوراق تافهة وأنت تظن أنك فعلت ما لم يفعله غيرك عبر التاريخ فأنت إذاً لست سوى أحمق.... هناك ملايين حول العالم يكتبون مثلك أو أفضل منك أو حتى أقل منك فهذا لا يهم...فإن كنت تنتظر أن أنشر لك..فأنت حقا ستكون أحمقاً...هل تعتقد أنه في عصر تولستوي لم يكن هناك من هو أفضل منه؟.. لا يا أحمق.. كل مافي الأمر أن توسلتوي كان في الوقت نفسه إقطاعيا مليونيرا بحسابات اليوم...هل تعتقد أن الكتاب في عصرنا هذا لم يقدموا مقابلاً لينالوا الشهرة...يبدو أنك أحمقٌ إن كنت تظن ذلك...لا تصدق أن هناك صدفاً ومعجزاتٍ في هذه الحياة تخلق من حشرة مثلك شخصاً عظيماً...يا لك من صبي غِر...هيا أغرب عن وجهي يا ولد...برا...برا...
(يقفز يوسف من مقعده كالملسوع ويغادر المكتب)
(ستار)
...
(المنظر الثاني)
المسرح:
حانة بها ترابيز وكراسي. يجلس يوسف أمام بنك الحانة وأمامه البائع يمزج الأقداح للزبائن. وهناك مجموعة شباب ؛ أربعة ذكور على الطاولة يمين المسرح ، وفتاتان وشابان في الطاولة الثالثة ، والطاولة الثانية التي تتوسط الطاولتين ليس بها أحد وإن كان عليها كأسان وزجاجتا جعة تبقى في أحداهما بعض الشراب.
يوسف: اعطني شراباً...
البائع: أي نوع...
يوسف: نوعٌ كافٍ لتغييب هذا الدماغ...
البائع: حسنٌ..يبدو أنك جديد...مع ذلك فسأعطك نبيذ العنب...إنه يصلح للمبتدئين..
يوسف: بل اعطني شراباً يصلح للمدمنين..شراباً يمحو ذاكرتي وعقلي تماماً..
البائع: لن تتحمل يا عزيزي..وستتقيأ فور الكأس الثالث وقد يغمى عليك وتتسبب لنا في مشكلة...أرجو أن تستمع لنصيحتي..هو شراب (واين)..خفيف ويحسن مزاجك..
يوسف: حسنٌ...
(يدور البائع على عقبيه ثم يعود مقدماً الشراب ليوسف).
يوسف: روايات الأطفال...فلنفترض أنها روايات أطفال...هذا البليد المتخلف وغير المثقف...هل يعتقد أن الكتابة للأطفال أقل سهولة من الكتابة للكبار...إنه كائن مادي حقير...لولم أرد على وقاحته لما تحدث معي مرة أخرى..إنه كلب..كلب..(يشرب النبيذ)..
البائع: النبيذ لا يشرب يا سيدي.. بل يُجرع.. هكذا..(يتناول البائع كأسا ويجرع منه حانياً رأسه للوراء بسرعة قبل أن يعيدها) قبل ذلك عليك ان ترج الكأس رجة خفيفة ثم تشم المحتوى أيضاً بسرعة.. عليك أن تتعلم أصول الشرب..فهنا الكل محترف..والكل سيعرف أنك جديد في الشرب وقليل الخبرة...
يوسف: هذا كل شيء؟
البائع: نعم في الوقت الراهن...
يوسف: (يجرع جرعة سريعة).. هل هذا جيد..
البائع: وكأنك سكير مخضرم (يضحك)..
يوسف: حسنٌ....كل الأشياء لها خباياها...مثل دور النشر تماماً...(بسخرية) لا توجد لجان قراءة هنا أيضاً...هة؟!!..يا للسخرية.. ولكن كيف؟!! كيف وصل كل هؤلاء للشهرة..؟
(تدخل فتاة متبرجة هي سوسو المومس وتجلس قرب يوسف متحدثة للبائع)
سوسو: هيا يا عزيزي..تعرف ماذا أشرب..
البائع: بالتأكيد...
سوسو: (تنظر ليوسف)..يبدو أنك جديد في هذه الحانة...
يوسف: هل هذا واضح لهذه الدرجة؟
سوسو: جداً..إنك لا تعرف حتى كيف تمسك الكأس...
يوسف: (ينظر للبائع) لقد كنتَ تكذب عليَّ إذاً فلم تخبرني بكل شيء؟
البائع: (يحاول إخفاء ضحكته)لا يا عزيزي..دعني أخبرك أنني أنا نفسي لا أشرب...ما أخبرتك به كان نتاج خبرتي من مجرد ملاحظة الآخرين..
يوسف: آه حسناُ...
سوسو: يبدو أنك تضايقت من ملاحظتي يا شاب؟
يوسف: قليلاً..قليلاٌ..
سوسو: آه..لماذا لا تبتعد عن هذا الطريق....إنت تبدو شاباً لطيفا وابن ناس...
يوسف: لا تحددي لي خياراتي في الحياة...
سوسو:(تمد شفتيها علامة على الدهشة)..أووووو... يبدو أنك من النوع العصبي كذلك...
يوسف: لماذا يكررون كلهم ذات الوصف لي هذا اليوم؟!!..
سوسو: ماذا تقصد؟
يوسف: أقصد أنتِ ومدير دار النشر..وصفتماني بأنني عصبي..
سوسو: وماذا في ذلك..إنهم يصفونني بأنني عاهرة منذ أن نما ثدياي..ما المشكلة..لا تكن حساساً...
يوسف: لست حساساً...
سوسو: (بصوت خفيض ودلال مصطنع)ماذا لو.. لو قضينا ليلة لطيفة في منزلك....
يوسف: (بفزع) ماذا؟!!
سوسو: لماذا أنت فزِع هكذا؟ هل أنت طفل؟..
يوسف:(بغضب) يا إلهي..يبدو أنك ابنة ذلك المدير...أو أنني بالفعل لازلت طفلاً غراً وأحمقاً...
سوسو: لا أفهم قصة المدير هذه..ولكن..ألا تبدو حساساً أكثر من اللازم؟
يوسف: أنا آسف..ولكنني أعيش مع والديًّ وبالتالي لا استطيع جلبك معي للمنزل..ومن ناحية أنا مفلس..
سوسو: يا لحظي النحس...وأنا كذلك مفلسة..تعرف ظروف البلد..وعلى ما يبدو أن الرجال فقدوا فحولتهم...
يوسف: هذا بلد حقير..حقير...
سوسو: يبدو أنك حانق على هذا البلد...
يوسف: حانق كلمة لا تكفي لوصف ما يمور في داخلي من لهب..إن رجلاً حقيرا كذلك المدير يحدثني عن أن الشهرة لا تأتِ بالعبقرية بل بأن ندفع مقابلاً...
سوسو: هل قال لك ذلك؟
يوسف: نعم...
سوسو: يبدو أنه رجل حكيم..
يوسف: (ينظر إليها بامتعاض) ماذا تقولين بحق الجحيم..
سوسو: أقول أنه رجل حكيم فلا شيء بلا مقابل في هذه الحياة....دعني أخبرك بأنني في الثامنة والعشرين من عمري... جميلة بل حسناء...مع ذلك فتلك العقربة استطاعت أن تصبح أكبر ممثلة بورنو في العالم وهي أقل جمالا مني في حين بقيت أنا متعفنة في هذه الحانة لالتقط الزبائن...حسنٌ..إنها ليست صدفة..كل مافي الأمر أنها استطاعت الوصول لمخرج مشهور..دفع بها إلى النجومية وحاز هو على الملايين..صحيح أنها هجرته بعد ذلك..ولكن بعد ماذا؟ بعد أن لم تعد في حاجة إليه...أما أنا (بحزن) فلم أجد فرصة واحدة للالتقاء بمخرج ولا حتى بمصور لكي استفيد من مؤهلاتي..لكن لا بأس...إن السماء تقسم الأرزاق ولا اعتراض لنا على حكمها...
يوسف: أوووو...يجب أن تفهمي أنني لست في مثل وضعك..إنني لست مومساً...إنني كاتب ..كاتب روائي..هل تفهمين...
سوسو:(تقهقه قهقات رنانة)..واااو...عظمة...
يوسف: تسخرين مني؟
سوسو: لا لا... في الواقع كنت اقرأ الروايات العاطفية في سن السادسة عشر...كانت تثير غريزتي بعنف...(تضع ظفر صباع يدها الصغير بين سنيها السفليين وتسرح في الأفق) إيييه.. أصبحت اليوم لا أشعر حتى بجسد الرجل الحي وهو في أحضاني...ماذا حدث لي...لماذا انطفأت تلك الأحاسيس الرائعة...؟
يوسف: كم أخاف من اليأس والإحباط...فأنا لا أجيد شيئاً في هذه الحياة غير الكتابة...
سوسو: كلنا نعمل في مهن لا نجيدها فلا تخف...
يوسف: (ينظر لها بدهشة) حقاً؟
سوسو: حقاً يا عزيزي..ألم يخبرك النادل بأنه لا يعرف شيئاً عن عمله سوى ما تلقاه بالملاحظة...أنا كذلك..وهذا وذاك...أما الأعمال التي نجيدها حقاً فهي التي لم نمارسها أبداً ..
يوسف: ولكن..ولكن..العظماء...إنهم مشهورون لأنهم يجيدون أعمالهم...
سوسو: بل لأنهم قدموا أشياء مقابل الشهرة...
يوسف: تقصدين مثل فاوست؟
سوسو: لا أعرف من هو فاوست...
يوسف: أقصد أنهم باعوا أنفسهم للشيطان..
سوسو: يمكنك أن تقول ذلك...كل ذنبي أنني لم أجد بيئة نظيفة التقي فيها بزبائن محترمين .. الفرصة التي نالتها تلك العقربة...
(يدخل المدير إلى الحانة ، ينظر يوسف نحوه لكن المدير لا يلاحظه ، يجلس أمام البائع)
المدير- جعة من فضلك...
يوسف- كنت أتوقع أن تكون من مرتادي هذه الأماكن..
المدير : من أنت وماذا تقصد.؟
يوسف: احقاً لا تتذكرني...
المدير: (يتأمل قليلا في وجه يوسف) ها..انت الولد قليل الأدب...
يوسف: قليل ادب با يكفي لارتياد الحانات الرخيصة...
المدير: ومن هذه..صديقتك؟
سوسو: (بدلال) بل عشيقته...ومع ذلك فلا مانع لديه في بعض الحرية...أليس كذلك؟
المدير: هل هذا صحيح..ألا تمانع في بعض الحرية لعشيقتك...
يوسف: (بضيق) إنها ليست عشقتي...
سوسو: (تنحدث وهي تتضم شفتيها كما لو كانت تخاطب طفلاً) حقاً... لست عشيقتك؟..إنك قاسي القلب..
يوسف: يمكنك أن تعتبرين نفسك عشيقتي..لا مانع لدي ..
المدير: (يضحك بسخرية) علاقتكما ممتازة...كنت أحسبك طفلاً...ولكن يبدو أنك قادرٌ على اجتذاب الفراشات إليك بسهولة...(يجرع من الكأس ويخرج سجارة ثم يهمس)..كاتب روائي...ها...جيد...
يوسف: نعم كاتب روائي..ولن أحيد عن طريقي هذا أبداً..أعرف أن هذا الشعب يعمل على تدمير كل عبقرية تحاول الخروج من مخروط العفن هذا..لكنني مع ذلك لن أيأس..
المدير: جيد يا فتى..جيد...
يوسف: (بعصبية) نعم جيد..
المدير: وكيف ستفعل ذلك؟
يوسف: (يبدو حائراً) هة!!!..كيف!!..سأجد حلاً...سأجد من يؤمن بي ويمولني لكي أحقق النجاح...سأبحث في الانترنت عن دور نشر غربية...أو مِنَح...هم يؤمنون بالفن...
المدير: (يقهقه بصوت عالٍ)..شاب لطيف أنت...
يوسف: (بغضب) لماذا تضحك..
المدير: لأنك كغيرك من بني شعبنا..تعتقد أن الغربيين ملائكة وليسوا مثلنا..بل انت لا تعرف أن هذه النزعة الفجة والتي تسمى رأسمالية هي في الواقع إنتاج غربي بامتياز...هل تعرف لماذا سموها رأسمالية..لكي لا يسمونها نهباً بارداً للفقراء وأموال الشعوب...كيف تكون كاتباً روائياً وأنت سطحي هكذا...
يوسف: لست سطحياً...ولا تحاول إحباطي فقد مررت بأمثالك كثيراً في حياتي...
المدير: حسنٌ (يشير للنادل) شراب آخر...(يلتفت لسوسو) عليك ألا تشربي كثيراً هذا المساء لكي تتمكني من العودة لمنزلك يا فتاة....الوضع الأمني متوتر في الخارج...الصراع حول السلطة على أشده..
يوسف: ما اسمك يا فتاة؟
سوسو: سوسو...أختك سوسو (تضحك بسخرية)..
يوسف: (بغضب) لماذا تضحكين دائماً بهذه الطريقة الفجة؟
سوسو: حسنٌ...لن أضحك مرة أخرى...سأعود لمنزلي الآن....
يوسف: (بتردد)..هل..هل أصطحبك لهناك..
سوسو: (تنظر في وجهه) أهذه شهامة مفاجئة أم أنك.........
يوسف: بل...بل .....
سوسو: حسنٌ فهمتك...رغم أنني مرهقةٌ وأنت مفلس...
يوسف: الأمر ليس كذلك...لكنني...لكنني أود أن أرافقك فقط...شيء ما ...أو ..أو هي حاجة لكي أكون مع أنثى لأطول فترة ممكنة...الوحدة تقتلني وتلقي بي في الكآبة...
المدير: دعيه يذهب معك..وإن كان مفلساً فيمكنني أن أدفع له..
يوسف: لا أريد منك شيئا ولا تتدخل في هذا الموضوع...
سوسو: (تغمز بعينها اليسرى) دعه يدفع....
يوسف: لا.. لن أفعل..كرامتي لا تسمح لي...لو دفع لك فلتذهبي لوحدك...
المدير: الكرامة!! (يقهقه)..كلامك يجعلني أظن بأنني سَكِرت..
يوسف: طبعا فأنت لا تفهم هذه اللغة...
المدير: بل أفهمها ولكنها لغة مثالية..فحتى القديسين انحنوا لتمر الريح فوقهم...
يوسف: هم ليسو قديسين إذاً..
المدير: بل قديسون..ولكنهم يعطوننا دروساً في واقعية الحياة يا ولد...في بعض الأحيان عليك ان تخسر جزءً من كرامتك لتحتفظ بالجزء الأكبر منها...وإلا فالحياة ستجبرك على خسارة كل شيء...قلت لك بأنك تفتقر إلى مرونة العباقرة....
سوسو: (تتوسل) دعه يدفع لي..أرجوك...
يوسف: (ينظر في عينيها) أنت جميلة....
سوسو:أعرف ذلك...
يوسف: ولماذا إذاً....؟
المدير: (يقهقه بصوت عالٍ)..
يوسف: (بغضب) ولماذا تضحك الآن...
المدير: (يشعل سجارة ويمسح شفتيه بكم جاكيتته)..إنك تسأل اسئلة طفولية حقاً...يمكنها أن تحكي لك الآن تراجيديا طويلة من الأكاذيب...وأنت لربما ينفطر قلبك...يا لك من طفل..
سوسو: لن أحكي له أكاذيب..إنك رجل وقح حقاً..يبدو أن وصف هذا الشاب لك حقيقي...
المدير: (يزدد ضحكا) إنكِ حتى لا تعرفين اسمه...
سوسو: بل أعرف...
المدير: كذابة...
سوسو: لست كذابة...إن اسمه يوسف...
يوسف: اللعنة ..كيف عرفتِ اسمي؟
(يظل المدير واجماً)
سوسو: لن أخبرك...
يوسف: من حقي أن أعرف...
سوسو: لن أستطيع إخبارك في كل الأحوال....
المدير: (بحيرة)..انت فتاة خطرة...
سوسو: (تضحك)..سأذهب الآن..(تلتفت ليوسف) ولن تذهب معي ولكننا سنلتقي..(تغادر ونظرات الرجلين تتبعانها)..
يوسف: كل النساء خطرات...لكنهن بلا معنى كباقي البشر..
المدير: أنت مغرور أيها الصبي...هل تعتقد أن كل هؤلاء البشر لم يبحثوا يوماً عن معناهم كما تفعل...لقد فعلوا ثم اكتشفوا الحقيقة فاستسلموا للمعنى الحيواني للحياة..العمل الروتيني الممل..الزواج ..الانجاب...وأنت ستحمل خزعبلاتك الورقية وستصل لذات النتيجة...جد عملاً حقيقياً بدلاً عن هذا الهراء ..
يوسف: ولكن غيري نجح..نجح الكثيرون ووجدوا معناهم..
المدير: (يقهقه).. لا أحد ينجح..بل هناك أشخاص يتم إنجاحهم...تنجحهم مؤسسات لا يمكنك رؤيتها بالعين المجردة....سأذهب الآن..وداعاً وسنلتقي...
(يخرج)
....
(المنظر الثالث)
حجرة مكتب مظلمة ليس فيها سوى طاولة عريضة وكرسيين..متقابلين وسط الحجرة..تتسلط عليهما الإضاءة.. تجلس سوسو على أحد الكرسيين...في حين يظل الكرسي الآخر خالياً...
(صوت رجل من الجانب المظلم للحجرة)
الصوت: لقد أتينا به يا سيدتي...
يظهر في بقعة الضوء يوسف وهو معصوب العينين ومقيد اليدين...
سوسو: اجلس...
(تشير برأسها للرجل الآخر فيخرج)
يوسف: من أنتم؟..لماذا اختطفتموني...لست سياسياً...إنني مجرد كاتبٍ روائي...
سوسو: لن تتعرض للسوء لو كنت ذكياً كفاية...
يوسف: لا أفهم شيئاً..إنني خائف...أتركوني وشأني...
سوسو: يبدو أنك لست ذكيا كفاية ... لقد دخلت هنا بملء إرادتك...وعليك أن تتحمل قرارك..
يوسف: هذا غير صحيح...أنا لا أعرفكم...هل تسجلون ما أقول..لو كنتم تفعلون..فأنا مصر على أقوالي..أنا لا أعرفكم...أتركوني وشأني..أرجوكم...(يبكي)...
سوسو: كن رجلاً أيها الولد وتوقف عن البكاء...إن عمرك واحداً وعشرين عاماً...تقطن مع والديك...والدك رجل متوسط الحال كان موظفاً بالإرصاد الجوي..أمك ربة منزل...ولا أخ لك ولا أخت...مع ذلك فأنت شخص نرجسي..أناني ولا تأبه لوالديك...لديك طموحات خيالية بأن تكون كاتباً مرموقاً...لديك روايتان قصيرتان تافهتان...
يوسف: (يقاطعها) ليستا تافهتين...
سوسو: معذرة ولكن لجنة القراءة والتحليل وصلتا إلى أنك لا تصلح روائيا ولو بعد مائتي سنة... أنت مثلاً لا تمتلك خبرة كافية في الحياة.. من ناحية ثانية فكتاباتك ساذجة .. وفوق هذا فلغتك ركيكة وليس فيها أي ذكاء مجازي..أنت مباشرٌ وشخصي جداً... لا تملك قدرة لتحليل الوقائع لتخلق حبكة تفضي لدهشة القارئ..هل أواصل أم أتوقف..(صمت).. حسن.. خيالك ضعيف جداً...ضعيف الربط بين العلامات ولا تجيد التفكيك والتجذير...واضح أنك قليل الإطلاع على الكتب الفلسفية والأدبية الأخرى...لقد كانت خلاصة التحليل أنك لا تصلح إلا أن تكون إسكافياً...
يوسف: (يصرخ) من أنتم...من أنتم..وماذا تريدون مني..؟
سوسو: نريدك أن تكون كاتباً روائياً..
(صمت)
يوسف: ماهذا...أتسخرين مني...؟ ارجوك..أنا لم امارس السياسة من قبل...لقد أخطأتم في شخصيتي..
سوسو: لم نخطئ يا سوسف...
يوسف: لسد ضد النظام..أقسم لكم...
سوسو: نحن دولة ديموقراطية...أم أنك لا تعرف ذلك...
يوسف: أنا لا أعرف ولا أريد أن اعرف..حتى الرواية سأتوقف عن كتابتها...أتركوني أعيش بسلام...
سوسو: (تضرب على الطاولة بعنف) بل ستكتب الرواية..
(يصدر صوت تجهيز بندقية وصوت رجل)
صوت الرجل: سيدتي..هل هناك مشكلة...
سوسو: لا... (توجه حديثها ليوسف بصوت خفيض) اسمعني أيها الجحش الصغير...لا وقت لدي لأضيعه معك وأنت مذعور هكذا...(تخرج رزمة أوراق من درج مكتبها) هذه الرواية ستنشر باسمك...هل تفهم....ما عليك إلا أن تكون مستعداً لتلقي الشهرة..إنك لن تكتب حرفا واحدا...كل ما عليك هو أن تقرأ الروايات قبل نشرها باسمك لتحفظها...
يوسف: ماذا تقصدين..كيف أكون روائياً ولا أكتب...
سوسو: لا يوجد روائيون في هذا العالم...نحن الذين نكتب الروايات عبر خبراء متخصصين لتنشر باسم قلة من المحظوظين ممن سمعت بهم وبشهرتهم...وأنت ستكون واحداً منهم الآن.....ونحن لا نطلب منك القبول..لأن رفضك يعني أننا سنضطر لوضعك في مشفى المجانين....هل تريد أن يحدث لك ذلك...
يوسف: يا إلهي..ماهذا..هل هذه كاميرا خفية..إنني لا أفهم شيئاً..
سوسو: ستفهم بمرور الوقت...الآن خذ هذه الرواية وانطلق بها لتقرأها...وبعد غد افتح الصحف والقنوات الفضائية... هيا...(ترمي له الرواية في حجره...ثم تصيح) أنت يا عسكري...تعال وخذ هذا الشاب معصوب العينين وأرمه في المكان الذي أخذتموه منه..
.
.
(المنظر الرابع)
صالة جلوس منزلية..هناك أريكة وأربعة مقاعد أسفنجية ليست حديثة ولا قديمة..الأريكة على اليمين تتوجه نحو حائط المسرح الأيسر والمقاعد في المنتصف بين التلفزيون على الحائط الأيسر والمقاعد.
تهرول امرأة في الخامسة والخمسين وتشرع في فتح التلفاز بشغف...صورة التلفاز لا تظهر لجمهور المسرح.
صوت من التلفاز: أثارت رواية جديدة للكاتب الشاب يوسف الكدراوي نقاشاً حادا في وسائل التواصل الاجتماعي...
(أثناء الصوت الصادر من التلفاز تحمل الأم هاتفا جوالاً وتتحدث)
الأم: حليمة..افتحي قناة العصرية بسرعة... إنهم يتحدثون عن ولدي يوسف...
(تجري اتصالاً آخر)
الأم: يا رجل...يتحدثون عن ولدك الآن...أين؟ طبعاً في التلفزيون..افتح قناة العصرية...أنت قريب من المنزل..في السلم؟ حسناً..تعال بسرعة...
صوت التلفزيون: رواية "تكاثر عرضي" أثارت العديد من اللغط بين العلمانيين والدينيين في كل وسائل التواصل الاجتماعي...بل وصل الصراع إلى اليساريين والليبراليين...الشاب الروائي يوسف مختفٍ منذ أسبوع..لقد حاول البرنامج الإتصال به لكن هاتفه مغلق.. وتقول أسرته أنه مختفٍ منذ أيام...
الأم: متى قلنا هذا يا كذاب؟
(يدخل الأب وهو يحمل بطيخة وكيس موز)
الأب: كم أنا متعب...
الام: ضع البطيخة والموز وتعال لتشاهد ولدك المفعوص...
الأب: ماذا تقولين يا امرأة...
الأم: سيرة ابنك أصبحت على كل لسان...
الأب: (بجزع)..هل ارتكب العجل جريمة...
الأم: لن تناده بالعجل مرة أخرى..إنه أفضل منك...أنظر واستمع...
صوت التلفاز: سنلتقي بالدكتورة إيناس أستاذة علم الاجتماع...نرجو أن تحدثينا عن أسباب إثارة رواية الشاب يوسف الكدراوي لكل هذه الضجة؟
د.إيناس: الرواية مست الجهاز العصبي للمجتمع ككل..وليس مجتمعنا المحلي فقط..بل المجتمعات في كل دول العالم..الصراع الأزلي بين العلمانية والدين وهما كأيدولوجيات توتاليتارية تتقاطع دون أن تحقق الديالكتيك الهيجيلي بقدر ما تهزم النظرية الهيجلية خالقة مزيدا من التنافر دون ان تنبثق نظرية وسط...إن الرواية نهاية للديالكتيك وبداية لعصر ما بعد بعد الحداثة..
الأب: ماذا تقول هذه المرأة..إنني لم أفهم شيئاً..هل حقاً هي تتحدث عن يوسف إبننا وأحلامه التافهة تلك..
الام: ليست تافهة..هذه دكتورة فمن أنت...
الاب: صحيح...ولكن ..ولكنني لا أصدق...يوسف؟..هل أنت متأكدة أنها تقصد يوسف...العجل الذي يقضي جل وقته داخل غرفته أو متسكعاً في المقاهي؟
الأم: دعني أسمع...
صوت التلفزيون: الآن ننتقل إلى الروائي العالمي أرتيور بلخوف... (حديث بلغة أجنبية تتم ترجمته بصوت مترجم)
صوت المترجم: ااااااااا..الررروااااية تحقق أعلى مبيعاااات خلال بضعة أس..أسابييع...هناك حكومااااات دكتاتورية قامت بحظ..بحظ..بحظرها .... إنني لست متف....اج...ئا...فالرواية ضربت كل أكاذيب الماضي...المعسكرين الرأسمالي والشيوعي...إن السيد يوسف فيلسوف حقيقي
صوت التلفاز: ننتقل الآن إلى السيد رئيس الحزب الشيوعي..ما رأيك سيدي...
رئيس الحزب الشيوعي: هذه ضجة مفتعلة..هذه ليست رواية بل قمامة...
الأم: (ترفع حذاءها وترميه تجاه التلفزيون) أنت القمامة أيها الحسود..
الأب: عادي ..ما كنت لأصدق أنه شيوعي إن لم يقل هذا الكلام...
(يرن جرس هاتف الأب)
الأم: من هذا الغبي الذي يتصل في هذا الوقت..
الأب: (يرد على الهاتف) إنه زوج أختك..
الأم: (تضحك بخجل) هاته..ألو...حسن...ألو..ألو... لا أسمعك جيدا...الشبكة ضعفة... نعم..أسمعك الآن... نعم...حقاً؟!! نعم نحن نشاهد التلفزيون الآن...نعم لا ليست تلك القناة بل قناة العصرية...ماذا... هل فعلا هناك قنوات أخرى تتحدث عنه...أي القنوات أفضل...
(يدخل يوسف)
(ينهض الأب والأم وينظرا له برهبة شديدة)
يوسف: ماذا هناك....هل هناك خطب ما؟
(يظلا ينظران إليه بخشوع)..
يوسف: بالله عليكما ماذا هناك... مالذي دهاكما...
الأم: يوسف...ابني حبيبي...
(ترتمي في أحضانه..ويتبعها الأب)
الأب: كم ظلمتك يا بُني..كنت أناديك بالعجل تارة..وأمك تناديك بالمفعوص...لكننا كنا أغبياء.. معنا فيلسوف بكل هذا الحجم..كل هذا الحجم المهول الضخم...ونحن كنا نحتقرك...يا إلهي..لم أكن أعتقد أن رأسك هذا يزن ذهباً...
يوسف: آه... حسن...تقصدا روايتي.. أنا سعيد بسعادتكما...لكنني أتقبل أن تصفاني بالعجل وبالمفعوص..إن ذلك أحب عندي من أي وصف آخر...
الأم: الحقيرة نعمات...الحسودة الحاقدة إنها لم تكلف نفسها الاتصال بي وتهنئتي...يبدو أن الصدمة قد أحدثت لها جلطة...
الأب: أرجووك لا تتحدثي عن أختي هكذا..وأين أختك الحقودة التي هي بدورها لم تتصل...
الأم: مؤكد أنها لم تشاهد التلفزيون...
الأب: إنها تفتح التلفزيون منذ الصباح وخاصة قناة العصرية...لكن النار تأكل أعماقها...
الام: دعنا من الناس ولنحتفل بهذا اليوم...سأعد لك ممباراً محشواً بلحم الضأن...كما تحبانه كلاكما...
الأب: حقا ستفعلين ذلك...؟
الأم: بالتأكيد..رغم أنه مجمد في الديبفريزر لكنني سأبذل ما في وسعي لفك تجمده...
(تخرج)
الأب: جيد...فائدة مباشرة لنجاحك يا بُني..(يقهقه)..
يوسف: صحيح...(يجلس مطرقاً)..
الأب: لِمَ لا تبدو سعيداً..
يوسف: إنني سعيد يا أبي...كل مافي الأمر أنني مرهقٌ قليلاً...
الأب: صحيح..لقد كانت كل وسائل الإعلام تلاحقك منذ الصباح...أنا أيضا متعب...سأرتاح قليلا...
(يخرج)
(يظل يوسف جالساً في مكانه وعيناه حائرتان...)
(يرن الهاتف فيرد عليه)
يوسف: ألو...
سوسو: افتح الباب...
يوسف: من أنتِ؟
سوسو: افتح الباب فقط...
(تغلق الخط)
(ينهض بدهشة ويغادر ثم يسمع صوته)
يوسف: من؟
سوسو: مفاجئة ..أليست كذلك؟
يوسف: كيف ..كيف عرفتِ منزلي..بل ..بل كيف عرفتِ رقم هاتفي...
(تضع نصفي ساعديها على كتفيه ويمتد النصفان الآخران وراء ظهره)
سوسو: أيها الكاتب الروائي المشهور..كل العالم الآن يعرف مكانك...ستبدأ متاعب الشهرة...هل ..هل تخجل من تواجد مومس مثلي في منزلك؟
يوسف: (يمتقع وجهه)..ء..ء.. لا .. ولكن... والداي هنا...
سوسو: لا شأن لك بوالديك..لم تعد صغيراً لكي تأخذ إذن استقبال صحفية مثلي منهما...
يوسف: صحفية؟..هل أنت صحفية؟
سوسو: (تضحك ضحكة سوقية عالية)...كم أنت بريء... ألا تعرف كيف تكذب على والديك..
يوسف: حسنٌ..ولكن...ولكن اخفضي جلجلة ضحاكتك قليلاً...هذا محرج..ثم أنها ضحكات لا تتفق مع تهذيب الصحفيات...
سوسو: (تتركه وتلقي بحقيبتها الصغيرة في استهتار على الأريكة ثم تتهالك فيها)...كم انت ممل...ألا تعرف كيف تتحدث إلى الأنثيات..
يوسف: أعرف..ولكن .. ولكن..
سوسو: لماذا تقف هكذا؟ تعال وأجلس جانبي...
(يجلس على طرف الأريكة)
سوسو: أكثر أكثر (تضحك ضحكة عالية) أنت خجول..مدهش...اقترب مني... اقترب ولا تخف.. (يقترب منها قليلا ثم قليلاً)..لسة...اقترب اكثر...
يوسف: هذا يكفي...
سوسو: حقاً....هل أنت صادق؟
يوسف: ولكن..ولكن والداي في المنزل...
سوسو: حسنٌ..على العموم أنا لن ابقَ طويلا معك...هل هذا يسرك...
يوسف: (بحزن) بل على العكس..أنا أحتاج للحديث معك في هذا الوقت...
سوسو: ماذا تريد أن تقول....
يوسف: (يبدو مترددا) أريد..أريد أن...أن اسألك سؤالاً...
سوسو: اسأل..
يوسف: ماذا ماذا لو ..لو أن شخصاً ..نال شهرة بسبب عمل ينسبه زوراً إلى نفسه...هل...هل يكون سعيداً...
سوسو: (تضحك) هذا ما يفعله العالم كله...
يوسف: ماذا تقصدين...
سوسو: أقصد أن الجنود الذين يموتون في المعارك لا يسمع عنهم أحد..أما رئيس دولتهم هو الذي ينسب النصر لنفسه...كل حياتنا هكذا..كل من يملك القوة يسرق مجهود الضعفاء...
يوسف: من أين تعلمتِ كل ذلك..؟
سوسو: (تنظر للبعيد بأسى) ومن تظنني.. ألست إنسانة في هذا العالم..ولي الحق في أن أحاول فهمه لجمع رزقي...الا تعرف كم المعاناة والقسوة التي جابهتهما في حياتي لأستطيع توفير قطعة خبز لي ولوالدتي المريضة... عليك أن تمر بتجارب قاسية لتكتب عنا نحن الضعفاء..(تخرج منديلاً وتمسح عينيها)..
يوسف: آسف لم أقصد أن أحزنك..أرجوك لا تبكي..
سسو: إنني لا أبكي بل أمسح عيني من الآي لاين الرخيص الذي يذوب متسللا لعيني..لقد فات أوان البكاء يا فتى...
يوسف: هذا حسن...
(يصمت ثم يحدق فيها)
سوسو: سأذهب الآن...اسعد بانجازك ولا تحاول تنغيصه بالتفكير ..
(تنهض وتغادر بسرعة .. يبقى يوسف حائراً مكفهر الوجه)
(يرن جرس الباب...ولكن يوسف لا يسمعه)
(يُسمع صوت الأم والأم)
الاب: ألا تسمع هذا الجرس يا ولد..
الأم: إذهب أنت وافتحه...ولا تناديه بالولد مرة أخرى ..هل فهمت؟
الأب: آه..فهمت فهمت...سأذهب وأرى من الطارق...
(يدخل بعد برهة)
الأب: يوسف... يوسف..
يوسف: نعم..
الاب: يبدو أنك شارد الذهن.. لقد جاء رجل لزيارتك...
يوسف: أي رجل...
الأب: رجل محترم...يبدو محترماً...
(يخرج الأب ويعود وخلفه المدير)
يوسف: (بدهشة) أنت؟!!!
المدير: نعم أيها الكاتب الكبير..آه..يبدو أنني اخطأت في تقدير مكانتك..وكم أنا آسف يا عزيزي...(يقولها بتمسكن وخنوع)..
الأب: حسن..سأترككما وحدكما.. تشرفت بلقائك سيدي..
المدير: وأنا كذلك...
(يغادر الأب ، ويظل يوسف صامتاً)
المدير: كنت متأكداً من أنك ستصفح عني... لقد سألني الكثير من الناس عن دار النشر التي نشرت كتابك..كنت أشعر بالخزي حين أخبرهم بأنها ليست دار نشري...وبالخزي أكثر عندما أتذكر أنني طردتك بحماقتي وعجرفتي... إنه انتقام يسعدك بالطبع..فهو مؤلم جداً بغير ما يمكن لأي رجل صالح أن يتوقع حدوثه في ألدِّ أعدائه...صحيح هذا لا يعني أن هنالك عدالة سماوية بالضرورة ولكنه يحدث وإن كان نادراً...
يوسف: إنني لست سعيداً.. ولست حزيناً في نفس الوقت...لكنني لا أعرف ما الفائدة من قدومك لتتملقني هكذا..أنت تعرف أن دار نشر عالمية قد اشترت كل حقوق الطبع والنشر وبالتالي فلم يعد بإمكاني تقديم شيء لك...
المدير: آااااه حسنٌ... بل يمكنك أن تقدم لي خدمة بسيطة..فأنا لدي صحيفة سياسية انشأتها قبل عدة أشهر...صحيفة لا زالت في البداية..وأريد منك أن تعطني حق إجراء لقاءات صحفية معك بشكل احتكاري..(يقول بسرعة) وسأدفع لك ما تريد...
يوسف: إنني لست عاهرة لتغريني بالمال..أنت تعرف تماماً أنه لا يوجد كاتبٌ يهتم بالمال..
المدير: أنا لا أغريك يا سيدي العزيز.. أنا أتعامل معك وفق الأصول ومعايير البزنس...
يوسف: أنا لست رجل أعمال بل وفاشل في التجارة...فوق هذا فأنا لا أشعر بأي قيمة لهذا الكتاب..بل أنني.. بل أنني أمقته...
المدير: هذا طبيعي..فما أن يبلغ الإنسان الحلم الذي كان يسعى وراءه حتى يزهد فيه بل ويكرهه...هكذا نحن البشر..حتى عندما نلهث وراء المرأة ونزحف بركبنا ضارعين للسماء لكي ترضى عنا وتحبنا فإنه ما أن بحدث ذلك..حتى تتحول ذات هذه المرأة إلى كائن قبيح وممل...ثم نندم ونبحث عن أخرى..أو حتى نكره النساء ونبحث عن أشياء أخرى...أصدقك القول أن المرأة ليست هكذا..ليست مثلنا...فهي عندما تمتلك حبيبها تزداد تمسكاً به...بل وتتحول إلى كلبة شرسة تدافع عن حبيبها كما لو كان جروها الصغير...(يقهقه) نحن نظلم المرأة كثيرا أليس كذلك...مع ذلك فالمرأة ليست وفية لحبيبها بل لنفسها...إنها لا تخونه لأن لديها اعتقاد بأن هذا الحبيب كنزٌ ما... إيييه...المرأة كائن لا يفهم حتى نفسه...
يوسف: لا أعرف شيئا عن المرأة لكنني أصدقك القول بأن هذا الكتاب بدا لي كما لو لم أكن أنا من كتبه...وإن نفسي لا تستسيغ أن تنال الشرف على حساب غيرها...
المدير: أوووه إنه إضطراب الصدمة الأولى..صدمة النجاح السريع والساحق...مع ذلك فمن يكترث للآخرين...(يقهقه) لو قرأت تاريخ البشرية فستجد المنتصر يسرق المهزوم ثم يشوه صورته ويشيطنه...يشيطنه ويطلق عليه وصف البربري... هل تعرف عدد الشعوب التي وصفت أعداءها بالبرابرة ثم أصبحت بعد هزيمتها هي نفسها موصوفة بالبربرية..دعني أخبرك يا صديقي العزيز...الاتراك..الكلت..الامازيغ..الفرس المصريين..الميديين الفينيقيين الايرلنديين .. السلاف..المغول (يقهقه) كانوا يسرقون حضارات بعضهم ثم يشتمون بعضهم...
(صمت)
المدير: (يتأوه).. هل توافق على طلبي يا صديقي...أرجوك وافق... ستقفز صحيفتي المغمورة إلى الأضواء ..وسوف تكون أنت منقذها وفي نفس الوقت ستكون صحيفتك أنت...كل مقالاتك وقصصك القصيرة ونقدك الأدبي مما لا تنشره في الكتب....ها ما رأيك...هل توافق...
يوسف: (يصرخ) أنا لا أحتمل كل هذا... لا أحتمل كل هذا...
(يغادر..ويسمع صوت اصطفاق الباب)
(يبقى المدير واقفاً بحيرة.. ثم يتلقى اتصالاً)
المدير: ألو..
سوسو: نفذ ما أقوله لك بالحرف الواحد...
المدير: هل هذا ضروري..إنه لا زال صبياً..
سوسو: ولذلك يجب أن نصحح خطأنا...اسرع ولا تتأخر..
المدير: حسنٌ...
(يخرج من المنزل... يدخل الأب)
الأب: أين اختفى ابنك الفيلسوف...
(تدخل الأم)
الأم: لا وقت له ليضيعه مع أمثالنا.. إنه مع أشخاص مهمين بالتأكيد...
الأب: آه ..حمدا لله..كنت أخاف أن يضيع مستقبله لو مت وتركته ورائي..
الأم: لا أحب سيرة الموت...
الأب: صحيح...فلنسعد بهذا النجاح...دعينا نرى إن كانوا يتحدثون عنه في التلفزيون...
(يحمل الريموت كنترول ويزيد الصوت)
صوت التلفزيون: أنباء عاجلة ..فقد وجد الكاتب الروائي الشاب يوسف الكدراوي ميتا على حافة الطريق الصحراوي..وتقول إحدى الشهود أنها رأته يطلق الرصاص على نفسه قبل أن توقف سيارتها وتبلغ البوليس...
(يصرخ الأب والأم ويقعان مغشياً عليهما في حين يستمر الصوت من التلفزيون)
الروائي الشاب كان قد نال شهرة واسعة بعد روايته التي اثارت ضجة كبيرة..ويقول بعض أصدقائه ممن فضل حجب اسمه أنه كان يلاحظ على الفقيد اضطرابات نفسية في الآونة الأخيرة فقد ...
(ستار)