2\1
ترددت قبل وضع هذا العنوان بسبب أن عبارة «قراءة جديدة» بدت لي كصيغة مقلقة وصعبة التسويغ، بالذات إزاء ويليام شكسبير. فمنذ قرون عديدة والناس في أرجاء المعمورة المتحضرة يقرؤون شكسبير ويشاهدون روائعه، كما أن إنتاجه الأدبي قد تمت إضاءته من جميع جوانبه الفنية والفكرية عَبْرَ أربعمائة سنة مضت، حيث صنف كبار نقاد العالم من شتى الأمم آثاره الأدبية، وحللوا أدق تفاصيلها وكل ما احتوته جنباتها وثناياها من آلاف الإيماضات النفاذة التي أنبأت عن نبوغ وموهبة عالية، وخبرة فائقة بتقنية المسرح التالية للنص أو السابقة لتدوينه.
ومبعث الصعوبة في تسويغ عبارة «قراءة جديدة» ناجم أيضاً عن كوننا- بصورة عامة - أمام تراث كلاسيكي ترسب خلال مصفاة العصور والأجيال ليستقر في تحديدات أو مصنفات أدبية شبه ثابتة، رجعت في الماضي مئات المرات، وتبوأت مكانة أو مرتبة لا يختلف حول مقاصدها الغزيرة إثنان.
وسوف نلاحظ استحالة أدارج مجهود من هذا النوع الذي نبذله الآن ضمن الـ «فيلولوجيا» - وهي علم دراسة الإنشاء والأساليب والرموز والأبنية التركيبية والدلالية في النصوص - للأسباب التي أوردتها ، وفوق ذلك لأن الـ«فيلولوجيا» بالرغم من جواز تناولها لنصوص حديثة، باعتبارها نهجاً أكاديمياً يقارب النقد الأدبي ولا يقتصر على سبر الأثريات المدونة، يكون أكثر نموذجية كلما أقترب من نصوص قديمة، سامقة الشأو، كتبها أصحابها في ماضي الزمان، بلغات عتيقة أو ميتة لم تعد مستعملة في التأليف المعاصر أو على الألسن الحية، حتى وإن ظلت منهلاً لغوياً للمصطلحات في العلوم والتكنولوجيا والفنون والآداب والفلسفات، مثل اللغة السنسكريتية في «الفيدا» و«الرامايانا» و«المهاراتا» و«الأوبنشاد» و«الهندية» واللغة الفهلوية فارسية النسب في «أوستا» زر ادشت، واللغة الصينية القديمةـ منذ خمسة آلاف سنةـ في كتاب الـ «إيشنغ»، واللغة السومرية مع سليلتها الأكادية المسمارية في ملحمة «غلغامش» الشهيرة، واللغة اليابانية القديمة في «سجلات الأمور الماضية»، واللغات: الديموطيقية والهيراتيكية والهيروغليفية المصرية في «حجر رشيد» و«كتاب الموتى و«نصوص الأهرام» ومأثورات الحكيم بتاح حوتيب، ثم - أخيراً - اللغة اللاتينية في كتاب «فن الحب» لأوفيد، وغيرها..
ونخلص من ذلك إلى أن الدهليز الوحيد المتاح والمقبول هو التعبير عن تذوق خاص لجمال Aesthetics ومغازي النص الكلاسيكي باغواره النفسية semantics مع إبداء آراء حول ملاحظات وأحكام أدبية سابقة صدرت بشأنه مما يجعل العنوان المختار مستساغاً كقراءة جديدة تقترن بتبين جملة مسائل تكنيكية وفكرية بثها شكسبير في نسيج عمله الفني الزاخر بالكنايات الكثيفة، وبذلك يكون المجهود في مجمله قد أحتوى على معايير النقد الأدبي الموضوعية.
وتتكون مسرحية وليام شكسبير التي ندرسها الآن «حلم ليلة صيف» من خمسة فصول، يضم كل فصل منها منظرين ماعدا الفصل الخامس المقتصر على منظر واحد، آثر المترجم تعريبه - دون سواه - بكلمة «المشهد» ، أما عدد أشخاص المسرحية فيبلغ سبعة وعشرين شخصاً، يضاف إليهم ما يمكن أن نسميه بكيانات أو كائنات تشخيصية «تمثيلية» تكتسب حجوماً غير حقيقية أو خيالية لضرورة الإظهار، وهي على التوالي:1 - زهرة البازلاء
2 عنكبوت 3 - فراشة 4 -حبة الخردل
وعلاوة على ذلك يتشكل «الكومبارس» - وهم لفيف يكونه أشخاص ثانويون بلا أسماء - من أتباع الدوق - وهو لقب فخامة كالكونت والبارون والباشا - وخطيبته ملكة الأمازون، ومعهم عدد آخر من أتباع ملك وملكة الجن.
ومن المستغرب أنه ليس معروفاً على وجه الإطلاق تاريخ الطبعة العربية أو تاريخ الطبعة الانجليزية المنقول عنها، فالمترجم ودار النشر العربية معاً لم يكلف كلاهما نفسه بإيراد أي إشارة إلى ذلك .
بيد أنه غير متعذر التكهن بأن الطبعة العربية تعود إلى عقد الثمانينات من القرن الماضي اعتماداً على نمط الطباعة الحديثة المضاهي للتصوير الفوتوغرافي، إلا أن وما يلفت النظر حقاً وتترتب عليه تبعات كثيرة هو المقدمة التي تتصدر الطبعة العربية وقد أغفلت تماماً انتسابها إلى أي مصدر، هل هو ناشر الطبعة الانجليزية، أم فقرات من موسوعة ما، أم أنها من إعداد المترجم العربي أو من قريحته؟! وفي كل الأحوال يبقي قارئ الكتاب حائراً يضرب أخماساً بأسداس بصدد معرفة اسم كاتب المقدمة التي جاءت مكتظة بالأحكام النقدية المنهمرة جزافاً في فقرات تفتقر الى الاتساق والتفصيل والمطابقات النصية، فقد ورد في المقدمة ما نقتطعه كمثال للتدليل على الأحكام النقدية الجزافية التي تساق بغير تبصر أو قاعدة، كما يلي:
«يمكننا أن نقول إن المسرحية في عمومها تمثل مزيجاً من فن التنكير - ولابد أن كاتب المقدمة يعني التنكر أو الماكياج وموديلات الأزياء - الذي كان يعتبر التسلية المفضلة في البلاط في ذلك الوقت، وهو فن أكثر ما كان يقوم على الأزياء والبالية والموسيقى والرقص والشعر» ! ص 6.
وفي موضع آخر من المقدمة : «إن هذا العمل شعر في المرتبة الأولى، ومسرح في المرتبة الثانية» ص5 .
وواقع الحال أن نص شكسبير «حلم ليلة صيف» لم يتضمن أي قدر من الاحتفاء الكرنفالي الذي يجعله مسرحاً استعراضياً حافلاً بالبهجة والضوضاء اللطيفة المنظمة إلى حد يسمح بادارجه في فن «الاوبريت» أو غيره من الفنون الاستعراضية الغنائية، ولا توجد في النص الشكسبيري أية تعيينات خاصة بالملابس وألوانها وموديلاتها باستثناء إشارة واحدة مقتضبة وعاجلة في تيار الحوار وقتما خاطب «أوبيرون» ملك الجن نظيره الآخر قائلاً : (( ستتعرف إلى ذلك الرجل بالملابس الأثينية التي يرتديها )) الفصل الثاني ص 31 .
ونري بشأن الماكياج أو التنكر الذي تنعته المقدمة بـ«التنكير» أن هذا الأمر محدود في نطاق العفاريت ومحكوم بـ((موديل التراث)) ولذا فلا وجود له إطلاقا في المسرحية المكتوبة حيث عمد (( ويليام شكسبير )) في ((حلم ليلة صيف )) إلى استخدام الأقنعة الساتورية نسبة إلى الـ«SATORI » الإغريقي ذي الأقنعة - وهو بخلاف المصطلح البوذي المماثل لغويا - والمنبثق قبل نشوء المسرح الدرامي في اليونان القديمة. وهذا النوع من الرقص المقنع مرتبط بالإنشاد والأداء الجماعي في الهواء الطلق قبل ظهور خشبة أو منصة أو مسطبة المسرح (( الركح )) وقبل تشييد أو عشية ظهور المعابد الوثنية مترائياً - على مستويات عديدة - كتسلية وترفيه أو طقوس سحرية، أو تأدية لنسق صاخب من شعائر معتقدات بدائية تتحضر بجذورها إلى مجتمعات الصيادين ورعاة الماشية ومغامري الأحراش الأكثر قدماً.
وقد لجأ شكسبير إلى الأقنعة لثلاث مرات استغرقت بمجموعها وقتاً قصيراً جداً من الزمن العام للمسرحية وجاءت بالترتيب التالي : حمار وحائط وأسد وأشتمل قناع الأسد على كامل البدن، في حين لاح قناع الحمار كقلنسوة على الرأس.
ونلاحظ أن شكسبير لم يستخدم تلك الاقنعة مع مصاحبه موسيقية أو مع الرقص أو مع تشكيلات جماعية أو مع غناء سواء أكان منفرداً أو ضمن جوقه بل اقترن ذلك بالحوار وبسياق الأحداث حيث نقرأ أو نشاهد العامل الحرفي بوتوم أحد شخوص المسرحية يلعب دور المسخ بعدما أرتدى قناعاً محدداً ولا علاقة له سوى بالدور المنساب عبر الحوار والمتجه وفق تطورات الحدث بما فيه من غمزات وكنايات ورموز..
سناوت : ماهذا الذي أراه على رأسك يا «بوتوم»؟! لقد تغيرت!
بوتوم: ماذا ترى!؟ أنه رأس حمار كرأسك!... أليس كذلك؟ الفصل الثالث - المنظر الأول ص41
وبالنسبة للجن فلهم في المدونات أشكال تقليدية كانت سائدة في تأليف القرون الوسطى، وهم ليسوا في حاجة إلى أقنعة مبتدعة، حيث يتكفل «الماكياج» بإظهارهم في هيئة غامضة ومخيفة دون أن يحيلهم ذلك إلى شياطين، وقد سبق لـ شكسبير معالجة أمثال تلك الأمور ببراعة متجنباً الابتكارات ذات الشطَط في مسرحيات أخرى شهيرة.
وحول الرقص والأغاني فلا نعثر في كامل «حلم ليلة صيف» على ما يدلنا إلى هُوية غنائية أو استعراضية راقصة تَسِم العمل الأدبي بمُجمله، وسبيلنا للتحقق من ذلك هو «الإرشادات المسرحية» التي بدونها المؤلفون عادة في نصوصهم بجانب الحوار لتشمل إيضاحات عن الخلفية وهي ظهير مرسوم في الغالب الأعم، أو مصمم مجسم «ديكور» للحيطان والنوافذ والأبواب والشوارع وغيرها مما يوفر الإيهام بواقعية وعمق حقيقي للمشهد، ثم أوضاع «الإكسسوار» أي نوع وكيفية توزيع قطع الأثاث وما شابه ذلك من موجودات على الخشبة، وترتيب دخول الممثلين ومغادرتهم للمسرح وتصرفاتهم وتحركاتهم وفق أدوارهم، وغيره من شؤون. ولكل كاتب حقيقي إبداعه الخاص به في هذا المضمار، إلا أن النهج العام من شأنه في جميع الأحوال إلزام المؤلف - بحكم الضرورة الفنية - بإيراد ما تيسر من هذه الإرشادات. وعندما نحصي تلك الإرشادات المسرحية في «حلم ليلة صيف» فسنجد أنها بالتمام مائة واثنان وعشرون إرشاداً يتكون من ثلاثمائة وسبعين كلمة تقريباً، وهذا كم قليل بالنسبة لمسرحية كاملة.
*****
قراءة جديدة لـ"شــكـسبيـر" 2\2
ومن أمثلة الإرشادات المختصرة نقرأ إرشاداً مسرحياً شديد الإيجاز في بداية الفصل الأول كما يلي «المنظر- أثينا وغابة بالقرب منها » ص1، ثم «أثينا - قصر ثيسيوس» ص2 وهكذا دواليك على مدار الفصول الخمسة ما خلا إرشاداً واحداً في الفصل الرابع يطالعنا بتفصيل دقيق كالتالي: «أوبيرون من الخلف لا يرى» ص62
وعل هذا الاقتصاد الشديد الذي مارسه شكسبير في الإرشادات أنه كان يكتفي بالإيماءات لكونه هو الذي يستطيع - دون وسيط وبسعة تنفيذ أكبر وأكثر مرونة - نقل تلك الإرشادات إلى موجودات وما جريات الخشبة وممثليها. بواقع أنه كان يشتغل مع الفرق التمثيلية الكبرى التي أسسها أو ساهم في العمل معها، وهذا النطاق الذي يلي تأليف النص المدون - والذي لم يسنح لمعظم كتاب المسرح الكبار في تاريخ الإنسانية - سنح لشكسبير فاكسبه دراية بكل المتطلبات والتعديلات الواقعية لإنتاج وإخراج وتوضيب مسرحية ناجحة، حيثما غاص بمعايشته للفرق إلى تفاصيل تلك التنضيدات الجميلة الصعبة فعرك وإختبر وعرف أسرارها وكل ما تطويه تلافيفها المتوارية مهما كان ضئيلاً، ولم يخل ذلك - في جميع ظروف ممارسته - بنصه الأدبي أو يفضي إلى مفارقة بين مدوناته الأدبية المسرحية وبين التمثيلية الجارية على المسرح أمام أنظار المشاهدين، فنصوصه المستقلة عن التمثيل هي أساساً لغة وأدب إنجليزي وعالمي يقرأ أو يشاهد دونما فروق يؤبه بها.
ولا يشير هذا الأمر إلى الجانب النفعي، إنما يدل على الخبرة العملية إضافة إلى الرصيد النظري وقد أتاح له معاً السيطرة على البوْن ما بين النص الأدبي والتأدية بكافة عناصرها وتجهيزاتها فحاز القدرة على إدراك سيكولوجية المتفرج من جهة مؤثرات الإيحاء، والفهم العميق لبواعث السأم، وإستكناه منبهات الفضول والشغف، ومتابعة معدلات الاندماج في المعروض للفرجة، دون أن يجئ النص - بالرغم من تلك الاعتبارات - تلبية لأهواء المتفرج العابرة والسطحية، فالمسرح العظيم يصوغ - على نحو من الإنحاء - جمهوره ومتفرجيه.
ولكي نطابق ملاحظاتنا السابقة عن الهوية التصنيفية بالنص الشكسبيري ونبرهن بالتالي على سلامتها يلزمنا حصر وتعداد وتحليل ما ورد من أغنيات ورقصات في متن المسرحية ذاتها، حيث يمر الفصل الأول بكامله دونما غناء أو رقص، وكذلك يتتابع المنظر الأول من الفصل الثاني خالياً بدوره من الأغاني والرقصات، وحين نصل إلى المنظر الثاني من الفصل الثاني نعثر على أغنية واحدة تغنيها الجنيات لملكة الجن «تيتانيا» وهن يرقصن في شكل دائرة، بمعنى حلقة غير قابلة للانفراط طيلة الأداء.
«أيتها الحيات المرقشة «2» ذوات اللسانين»
«إحتجبي أنت والقنافذ ذات الأشواك»
وأنت أيتها السمادل والديدان العمياء أكففن شروركن»
«ولا تقتربن من مليكتنا»
«غن يافيلو ميل بصوتك الموقع»
«نشيد نومنا العذب»
وهنا بالضبط، يدون ويليام شكسبير عند منتصف الأغنية ما يلي:
«لُولا ...لُولا... لُو لأبى»
وتلك مقاربة موسيقية بواسطة حروف اللغة... أي لغة كانت، لأن ما دونه عبارة عن « فونيمات» خالصة ثم تستمر الأغنية الراقصة:
«لا أذى»
«لا سحر ولا رقية 3
لاتقترب من سيدتنا الجميلة»
« أيتها العناكب الناسجة لا تقتربي من مليكتنا»
ولاتقتربي أيتها الخنافس السوداء »
«وأنت أيتها الذيدان والقواقع لا تلحقي أذى بها»
«غن يافيلوميل مع الجماعة»
أما الأغنية الثانية فنلاقيها في المنظر الأول من الفصل الثالث ويغنيها «بوتوم» - أحد أشخاص المسرحية - بمفرده دون جوقة وبلا رقص، وهي قصيرة جداً لا تستغرق سوى عشرة سطور من أصل ستمائة وأربعين سطراً هي كامل الفصل الثالث.. ثم تطالعنا الأغنية الثالثة والأخيرة مدونة في خمسة عشر سطراً من الفصل الخامس ومصحوبة برقصة جماعية يؤديها «كورس» الجن ومعهم ملكهم «أبيرون» وملكتهم «تيتانيا» وتجئ تلك الأغنية في نغمات كثيرة وفقاً لرغبة ملكة الجن :«لتكن لكل كلمة نغمة مميزة » ص 88 - كالآتي:
«والآن حتى ينبلج الصباح»
«على كل جني أن يهيم في هذا المنزل»
«ويدعو لكل ذرية4 تنشأ فيه بالسعادة الأبدية»
«لنبارك فراش خير العرائس»
«ونرجو أن يدوم الحب للأزواج الثلاثة إلى الأبد وألا تقف يد» الطبيعة الملطخة عثرة في طريق أبنائهم فلا يظهر فيهم خال 5
«أو شفة مشرومة 6 أو ندب7»
«ولا أي علامة ظاهرة»
«مما يستهجن من الطبيعة»
«ليأخذ كل جني طريقه»
«ويبارك كل غرفة في هذا القصر ويدعو أن يختم عليها السلام»
«ولصاحب القصر بالسعادة » «وأن يستقر فيه في أمن إلى الأبد»
«ثم تعودون مرة أخرى دون تأخير»
«لتقابلوني عند انبلاج الفجر»
ونجد أن الرقصة الأخيرة في الفصل الخامس لا تدوم أكثر من بضع دقائق معدودة على أصابع اليد الواحدة ، والتنبيه إليها يتم بمعزل عن الإرشادات المسرحية، وذلك حينما يقول «ثيسيوس» دوق أثينا وحاكمها مخاطباً الممثلين من حوله: « تعالوا بالرقص الإيطالي» ص84
وعند هذا الحد يكون حصر وإحصاء وتحليل الأغاني والرقصات الواردة في النص قد اكتمل. والخلاصة أن هناك ثلاث أغنيات قصيرة وثلاث رقصات أيضاً إذا ما قسناها إجمالاً بالزمن العام للمسرحية المدونة أو المعروضة. وتلك النتيجة لا تأذن بتصنيف مسرحية «حلم ليلة صيف» كمسرحية غنائية استعراضية راقصة على غرار ما ورد في التقييم النقدي الجزافي الذي ذكرناه سالفاً من مادة مقدمة الطبعة المترجمة. ونضيف إلى تلك الشظايا النقدية ما دبجه كاتب المقدمة في الصفحة السادسة كالآتي: «جاءت المسرحية شبيهة بالرقص الجماعي المؤسس على الحركة» وواضح مقدار استهتار ومجافاة ذلك لعناصر النص الشكسبيري وهويته الأدبية.
وعندما نقف قبالة الشعر أو الصيغة الشعرية أو القالب الشعري للحوار نرى المقدمة وقد انزلقت إلى إصدار حكم نقدي آخر شديد الاقتضاب والغرابة لا يند إلا عن العوام أو الأدعياء. وقد سبق أن أدرجناه هكذا: «إن هذا العمل شعر في المرتبة الأولى، ومسرح في المرتبة الثانية» ص5.
والمعروف على مدى أربعة قرون أن «حلم ليلة صيف» مسرحية وليست قصيدة أو ديواناً من الشعر ومثل ذلك «ألفية إبن مالك» التي لم يضعها أحد منذ أن كتبها صاحبها في نطاق النتاج الشعري ولم يعقد أحد مقارنة نقدية منهجية بين موضوع تلك الألفية وبين الشعر بحيث يفاضل فيما بينهما ثم يتجاسر ويصنفها شعراً في المحل الأول. والسبب أنها - في الأصل المانح لهويتها غير الشعرية - ذوبان تام في مجال لغوي، فحوي «إسكولائي» لا تخرج عنه قيد أنملة ، ولا يهمها من جماليات الشعر وأغراضه ووجدانه سوى العروض والقالب الشكلي الذي يفي بمراميها التعليمية.
والأمر عينه من ناحية تغليب الفحوى بالنسبة لـ«الإلياذة» اليونانية الشهيرة التي كتبها «هوميروس» قبل ثلاثة آلاف سنة مضت في ستة عشر ألف بيت من الشعر .
وبالرغم من طابع النظم الشعري الذي بسط ظله على كامل النص الهوميري فقد ظل ثابتاً وجليا ومقررا أن «الإلياذة» ليست عملاً شعرياً بل ملحمة روائية - في المحل الأول والأخير - زاخرة بالأحداث والمواقف السردية، وكذلك «الأوديسا» للمؤلف ذاته. ولم يزحزح هذا الطابع التصنيفي المطلق عبر الدهور كون «هوميروس» قد إستعمل أنساق النظم الموزون غير المقفى في تدوينها.
ومثل ذلك « ملحمة غلغامش» السومرية المكتوبة شعراً قابلاً للإنشاد «الحكواتي» والمنقوشة باللغة السومرية وسليلتها «الأكادية» بالخط المسماري على الطين المحروق «الآجر الصلب» قبل أربعة آلاف عام والمؤلفة من أثنى عشر لوحاً حجرياً كبيراً، في كل لوح منها حوالي ثلاثمائة سطر، صنفها علماء الاختصاص- ومنهم « كرامر S.N Kramer » في مرجع « الميثولوجيا السومرية» إصدار 1961م بقولهم «إن الملحمة من ناحية الفن القصصي جاءت على هيئة وحدة متكاملة «ويضيفون» « إنها وحدة فنية مطردة» ومعنى ذلك أنها رواية فليس ثمة من يعتبرها بمثابة تراتيل أو قصائد عتيقة من أشعار العصور الغابرة.
ووقتما كتب شكسبير مسرحيته «حلم ليلة صيف» ومسرحيات أخرى على منوالها، أستخدم - مثلما أستخدم «هوميروس» في الإلياذة» وقبله بكثير في ملحمة غلغامش - نمطاً من النظم الشعري المعروف في تاريخ الآداب الإنسانية القديمة (8) يتتالى موزوناً بحذافيره لكنه بدون قافية. وهذا النمط العريق معروف أيضاً في تاريخ الأدب الإنجليزي بإسم « الشعر المرسَل» الذي توفرت نماذجه في زمن « شكسبير» وتميز - علاوة على تحررِه من القافية المألوفة آنذاك بامتلاك حرية تصرف واسعة في تشطير البيت الواحد واقتضاب الأوزان المتباينة أو تكرارها كاملة أو الانتقال إلى غيرها وتشكيلها في ثنائي من بيتين أو أربعة أبيات حسب دبيب الإبداع الفني ومقدرة المؤلف وإختياره. وكانت تلك التقنية شائعة - وفقَ الكشوف الأثربة- في آداب وأساطير اليونانيين واللاتينيين والسومريين قبل أربعين قرناً من الزمان.
وعند شكسبير لم يأتِ ذلك الاستخدام الشعري لذاته، إنما تم التوسل به - كقالب ملتحم بعناصر أخرى أكثر أهمية - لغرض إنجاز مسرح درامي في الاعتبار الأول والأخير.
وأحداث هذه المسرحية البديعة تقع - ضمن مراوحة تكنيكية- في مكانين هما : قصر الدوق حاكم أثينا والغابة، أما المكان الثالث فئانوي بجميع المقاييس .. مجرد غرفة في مسكن عمال فرقة مسرحية. وكان الدوق وخطيبته ملكة الأمازون في القصر يتأهبان لحفلة زفاف عظيمة. وقبل الحفلة جاء أحد معارف الحاكم ليجار على مسمعه بشكوى معقدة، فإبنته لا ترغب في الزواج ممن إرتآه مناسباً لها، وهو يحاول بحق الأبوة أن يُرغمها على ذلك ويدعى أنها مخدوعة بحب شخص آخر والجميع جاؤوا برفقته : الشابان المتنافسان، والإبنة وفتاة أخرى من خارج السرب مُغرمة بمن حبذه الأب زوجاً لإبنته.
أما ما تبقى من وقائع فهو أُس المسرحية أو المسرحية ذاتها، حيث لا سبيل إلى تلخيصها لأنها كيان أدبي ونسيج متداخل ومصقول من البراعة والإيناس حتى أن المرء ليترك طواعية جميع شؤونه الضرورية ويظل مشدوداً إلى شكسبير ورائعته هذه التي تناظر سائر روائعه المسرحية الأخرى مثل « هاملت» و «ماكيبث» «والعاصفة» و«تاجر البندقية» و«عطيل» و«يوليوس قيصر» و«رميو وجولييت».
والحق أن سير الأحداث في «حلم ليلة صيف» لا يأخذ نزعة إنشادية خالصة تبوح بحكاية ما أو مجموعة حكايات تحزمها وتربط أو اصرها وحدة روائية كما في ألواح «ملحمة غلغامش» أو «هزار أفسانه» الفارسية وهي «ألف ليلة وليلة» ذات الأصول الإنسانية المتعددة في الإرث الفولكلوري لأمم شتى .
وهكذا فعلى نحو مختلف عما مضى من الميراث الأسطوري والملحمي كانت«حلم ليلة صيف» دراما بالمعنى الدقيق للكلمة، عمد فيها «ويليام شكسبير» إلى بناء مواقف دراما تيكية ذات وجه غرائبي إنبثقت بلا إبتسار من أجواء الحقبة الإجتماعية التاريخية ومن تأزم وإنفراج الأحداث المتساوقة، وهي أحداث متفاعلة ومفتوحة ومتجهة نحو آخر مشهد من المسرحية على خط درامي متنامٍ ومتوتر وبالغ التشويق، وذلك حقاً هو ما ظل يشد القارئ طيلة النص، أعنى صيرورة الحدث وليس أوزان الشعر كما زعمت - عكس ذلك - المقدمة الجوفاء للطبعة العربية التي ترجمها د « يونس عوض» وأصدرتها » دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، بلبنان والتي ما لبثبت أن بنت على زعمها السابق حكما جرد النص الشكسبيري من جوهره الدرامي بجرة قلم، حيث ورد في الصفحة السادسة «وهكذا أستطاع الدرامي أن يتخلى عن مسؤوليته الفنية».
ومن نافلة القول التنويه المعاصر بويليام شكسبير فهو أحد عمالقة الدراما في تاريخ الآداب العالمية، وقد أطلقوا اسمه على عصر كامل، وأعتبر في مجمل تاريخ النقد الأدبي امتداداً خلاقاً لـ «إسخيلوس» كما هو ـ أيضاً - أحد أجداد المسرح العالمي الحديث المتوج - على سبيل المثال لا الحصر - بـ «إيبسن» و«جوجول» و«موليبر» و«برناردشو» و« تشيكوف» و« غارسيا لوركا » على نحو من الأنحاء و« بيكيت» و« تنسي ويليامز» و« ارثر ميلر » وتوفيق الحكيم وغيرهم من أساطين هذا الفن الرفيع وجهابذته في الغرب والشرق .
«1» ورد في الميثولوجيا العامة - وفق ما نقله الاختصاصي الكبير « رنيه تاتون» عن موسوعة العالم «أو ليس أندرو فاندي» من القرن السابع عشر - أن مفردة سانتور (santor) بمعنى «كائن خرافي نصفه إنسان ونصفه الآخر حصان» المجلد الثاني - من تاريخ العلوم العام ويمكن أن نضيف إلى عداد التصنيف الميثولوجي السابق «أبو الهول» - خارج الحالة الإعرابية - ككائن خرافي مجسد، وكذلك تماثيل وأقنعة الآلهة الوثنية الفرعونية، ثم في الدهور التالية أقنعة الرقص اليوناني المستخدم في المسرح القديم، وهي تتحدر نحو أصول مختلطة بطقوس السحر الاستعراضي وفأل الطرائد وغير ذلك من ترسبات عصور الصيادين المنقحة. ويتضح من الفروق الإملائية- بالحرف اللاتيني - تباين الإستعمالات والدلالات بإستثناء المشتركات الإصطلاحية.
«2» المزخرفة أو المنقطة بسواد وبياض.
«3» تدل - في إطارها الإجتماعي التاريخي - على كل ما يتوسل به الناس من حيل وأساليب وتعاويذ مكتوبة أو مقرؤة للشفاء من مرض غامض أو لإزالة أثر عين حاسدة أو لطرد الأرواح الشريرة.
« 4» نسل الإنسان .
« 5» بثرة صغيرة بنية اللون أو سوداء على بشرة الوجه أو الجسم، غير مرضية .
«6» أخدود طبيعي كالشق أو الحفرة المستطيلة في إحدى الشفتين.
«7» تشوهات خلقية - طبيعية منذ الميلاد.
«8» قادت دراسات العالم « هنري برستد» ورفيقه عالم البرديات « جاردنر» إلى إستثناء الأناشيد المصرية القديمة المدونة، حيث كانت أوزان الشعر ذات نظام مختلف عما سواه إلى حد ما، ويقوم النظام على تناسب أوصال القطعة الأدبية.
يوسف القويري
www.facebook.com
ترددت قبل وضع هذا العنوان بسبب أن عبارة «قراءة جديدة» بدت لي كصيغة مقلقة وصعبة التسويغ، بالذات إزاء ويليام شكسبير. فمنذ قرون عديدة والناس في أرجاء المعمورة المتحضرة يقرؤون شكسبير ويشاهدون روائعه، كما أن إنتاجه الأدبي قد تمت إضاءته من جميع جوانبه الفنية والفكرية عَبْرَ أربعمائة سنة مضت، حيث صنف كبار نقاد العالم من شتى الأمم آثاره الأدبية، وحللوا أدق تفاصيلها وكل ما احتوته جنباتها وثناياها من آلاف الإيماضات النفاذة التي أنبأت عن نبوغ وموهبة عالية، وخبرة فائقة بتقنية المسرح التالية للنص أو السابقة لتدوينه.
ومبعث الصعوبة في تسويغ عبارة «قراءة جديدة» ناجم أيضاً عن كوننا- بصورة عامة - أمام تراث كلاسيكي ترسب خلال مصفاة العصور والأجيال ليستقر في تحديدات أو مصنفات أدبية شبه ثابتة، رجعت في الماضي مئات المرات، وتبوأت مكانة أو مرتبة لا يختلف حول مقاصدها الغزيرة إثنان.
وسوف نلاحظ استحالة أدارج مجهود من هذا النوع الذي نبذله الآن ضمن الـ «فيلولوجيا» - وهي علم دراسة الإنشاء والأساليب والرموز والأبنية التركيبية والدلالية في النصوص - للأسباب التي أوردتها ، وفوق ذلك لأن الـ«فيلولوجيا» بالرغم من جواز تناولها لنصوص حديثة، باعتبارها نهجاً أكاديمياً يقارب النقد الأدبي ولا يقتصر على سبر الأثريات المدونة، يكون أكثر نموذجية كلما أقترب من نصوص قديمة، سامقة الشأو، كتبها أصحابها في ماضي الزمان، بلغات عتيقة أو ميتة لم تعد مستعملة في التأليف المعاصر أو على الألسن الحية، حتى وإن ظلت منهلاً لغوياً للمصطلحات في العلوم والتكنولوجيا والفنون والآداب والفلسفات، مثل اللغة السنسكريتية في «الفيدا» و«الرامايانا» و«المهاراتا» و«الأوبنشاد» و«الهندية» واللغة الفهلوية فارسية النسب في «أوستا» زر ادشت، واللغة الصينية القديمةـ منذ خمسة آلاف سنةـ في كتاب الـ «إيشنغ»، واللغة السومرية مع سليلتها الأكادية المسمارية في ملحمة «غلغامش» الشهيرة، واللغة اليابانية القديمة في «سجلات الأمور الماضية»، واللغات: الديموطيقية والهيراتيكية والهيروغليفية المصرية في «حجر رشيد» و«كتاب الموتى و«نصوص الأهرام» ومأثورات الحكيم بتاح حوتيب، ثم - أخيراً - اللغة اللاتينية في كتاب «فن الحب» لأوفيد، وغيرها..
ونخلص من ذلك إلى أن الدهليز الوحيد المتاح والمقبول هو التعبير عن تذوق خاص لجمال Aesthetics ومغازي النص الكلاسيكي باغواره النفسية semantics مع إبداء آراء حول ملاحظات وأحكام أدبية سابقة صدرت بشأنه مما يجعل العنوان المختار مستساغاً كقراءة جديدة تقترن بتبين جملة مسائل تكنيكية وفكرية بثها شكسبير في نسيج عمله الفني الزاخر بالكنايات الكثيفة، وبذلك يكون المجهود في مجمله قد أحتوى على معايير النقد الأدبي الموضوعية.
وتتكون مسرحية وليام شكسبير التي ندرسها الآن «حلم ليلة صيف» من خمسة فصول، يضم كل فصل منها منظرين ماعدا الفصل الخامس المقتصر على منظر واحد، آثر المترجم تعريبه - دون سواه - بكلمة «المشهد» ، أما عدد أشخاص المسرحية فيبلغ سبعة وعشرين شخصاً، يضاف إليهم ما يمكن أن نسميه بكيانات أو كائنات تشخيصية «تمثيلية» تكتسب حجوماً غير حقيقية أو خيالية لضرورة الإظهار، وهي على التوالي:1 - زهرة البازلاء
2 عنكبوت 3 - فراشة 4 -حبة الخردل
وعلاوة على ذلك يتشكل «الكومبارس» - وهم لفيف يكونه أشخاص ثانويون بلا أسماء - من أتباع الدوق - وهو لقب فخامة كالكونت والبارون والباشا - وخطيبته ملكة الأمازون، ومعهم عدد آخر من أتباع ملك وملكة الجن.
ومن المستغرب أنه ليس معروفاً على وجه الإطلاق تاريخ الطبعة العربية أو تاريخ الطبعة الانجليزية المنقول عنها، فالمترجم ودار النشر العربية معاً لم يكلف كلاهما نفسه بإيراد أي إشارة إلى ذلك .
بيد أنه غير متعذر التكهن بأن الطبعة العربية تعود إلى عقد الثمانينات من القرن الماضي اعتماداً على نمط الطباعة الحديثة المضاهي للتصوير الفوتوغرافي، إلا أن وما يلفت النظر حقاً وتترتب عليه تبعات كثيرة هو المقدمة التي تتصدر الطبعة العربية وقد أغفلت تماماً انتسابها إلى أي مصدر، هل هو ناشر الطبعة الانجليزية، أم فقرات من موسوعة ما، أم أنها من إعداد المترجم العربي أو من قريحته؟! وفي كل الأحوال يبقي قارئ الكتاب حائراً يضرب أخماساً بأسداس بصدد معرفة اسم كاتب المقدمة التي جاءت مكتظة بالأحكام النقدية المنهمرة جزافاً في فقرات تفتقر الى الاتساق والتفصيل والمطابقات النصية، فقد ورد في المقدمة ما نقتطعه كمثال للتدليل على الأحكام النقدية الجزافية التي تساق بغير تبصر أو قاعدة، كما يلي:
«يمكننا أن نقول إن المسرحية في عمومها تمثل مزيجاً من فن التنكير - ولابد أن كاتب المقدمة يعني التنكر أو الماكياج وموديلات الأزياء - الذي كان يعتبر التسلية المفضلة في البلاط في ذلك الوقت، وهو فن أكثر ما كان يقوم على الأزياء والبالية والموسيقى والرقص والشعر» ! ص 6.
وفي موضع آخر من المقدمة : «إن هذا العمل شعر في المرتبة الأولى، ومسرح في المرتبة الثانية» ص5 .
وواقع الحال أن نص شكسبير «حلم ليلة صيف» لم يتضمن أي قدر من الاحتفاء الكرنفالي الذي يجعله مسرحاً استعراضياً حافلاً بالبهجة والضوضاء اللطيفة المنظمة إلى حد يسمح بادارجه في فن «الاوبريت» أو غيره من الفنون الاستعراضية الغنائية، ولا توجد في النص الشكسبيري أية تعيينات خاصة بالملابس وألوانها وموديلاتها باستثناء إشارة واحدة مقتضبة وعاجلة في تيار الحوار وقتما خاطب «أوبيرون» ملك الجن نظيره الآخر قائلاً : (( ستتعرف إلى ذلك الرجل بالملابس الأثينية التي يرتديها )) الفصل الثاني ص 31 .
ونري بشأن الماكياج أو التنكر الذي تنعته المقدمة بـ«التنكير» أن هذا الأمر محدود في نطاق العفاريت ومحكوم بـ((موديل التراث)) ولذا فلا وجود له إطلاقا في المسرحية المكتوبة حيث عمد (( ويليام شكسبير )) في ((حلم ليلة صيف )) إلى استخدام الأقنعة الساتورية نسبة إلى الـ«SATORI » الإغريقي ذي الأقنعة - وهو بخلاف المصطلح البوذي المماثل لغويا - والمنبثق قبل نشوء المسرح الدرامي في اليونان القديمة. وهذا النوع من الرقص المقنع مرتبط بالإنشاد والأداء الجماعي في الهواء الطلق قبل ظهور خشبة أو منصة أو مسطبة المسرح (( الركح )) وقبل تشييد أو عشية ظهور المعابد الوثنية مترائياً - على مستويات عديدة - كتسلية وترفيه أو طقوس سحرية، أو تأدية لنسق صاخب من شعائر معتقدات بدائية تتحضر بجذورها إلى مجتمعات الصيادين ورعاة الماشية ومغامري الأحراش الأكثر قدماً.
وقد لجأ شكسبير إلى الأقنعة لثلاث مرات استغرقت بمجموعها وقتاً قصيراً جداً من الزمن العام للمسرحية وجاءت بالترتيب التالي : حمار وحائط وأسد وأشتمل قناع الأسد على كامل البدن، في حين لاح قناع الحمار كقلنسوة على الرأس.
ونلاحظ أن شكسبير لم يستخدم تلك الاقنعة مع مصاحبه موسيقية أو مع الرقص أو مع تشكيلات جماعية أو مع غناء سواء أكان منفرداً أو ضمن جوقه بل اقترن ذلك بالحوار وبسياق الأحداث حيث نقرأ أو نشاهد العامل الحرفي بوتوم أحد شخوص المسرحية يلعب دور المسخ بعدما أرتدى قناعاً محدداً ولا علاقة له سوى بالدور المنساب عبر الحوار والمتجه وفق تطورات الحدث بما فيه من غمزات وكنايات ورموز..
سناوت : ماهذا الذي أراه على رأسك يا «بوتوم»؟! لقد تغيرت!
بوتوم: ماذا ترى!؟ أنه رأس حمار كرأسك!... أليس كذلك؟ الفصل الثالث - المنظر الأول ص41
وبالنسبة للجن فلهم في المدونات أشكال تقليدية كانت سائدة في تأليف القرون الوسطى، وهم ليسوا في حاجة إلى أقنعة مبتدعة، حيث يتكفل «الماكياج» بإظهارهم في هيئة غامضة ومخيفة دون أن يحيلهم ذلك إلى شياطين، وقد سبق لـ شكسبير معالجة أمثال تلك الأمور ببراعة متجنباً الابتكارات ذات الشطَط في مسرحيات أخرى شهيرة.
وحول الرقص والأغاني فلا نعثر في كامل «حلم ليلة صيف» على ما يدلنا إلى هُوية غنائية أو استعراضية راقصة تَسِم العمل الأدبي بمُجمله، وسبيلنا للتحقق من ذلك هو «الإرشادات المسرحية» التي بدونها المؤلفون عادة في نصوصهم بجانب الحوار لتشمل إيضاحات عن الخلفية وهي ظهير مرسوم في الغالب الأعم، أو مصمم مجسم «ديكور» للحيطان والنوافذ والأبواب والشوارع وغيرها مما يوفر الإيهام بواقعية وعمق حقيقي للمشهد، ثم أوضاع «الإكسسوار» أي نوع وكيفية توزيع قطع الأثاث وما شابه ذلك من موجودات على الخشبة، وترتيب دخول الممثلين ومغادرتهم للمسرح وتصرفاتهم وتحركاتهم وفق أدوارهم، وغيره من شؤون. ولكل كاتب حقيقي إبداعه الخاص به في هذا المضمار، إلا أن النهج العام من شأنه في جميع الأحوال إلزام المؤلف - بحكم الضرورة الفنية - بإيراد ما تيسر من هذه الإرشادات. وعندما نحصي تلك الإرشادات المسرحية في «حلم ليلة صيف» فسنجد أنها بالتمام مائة واثنان وعشرون إرشاداً يتكون من ثلاثمائة وسبعين كلمة تقريباً، وهذا كم قليل بالنسبة لمسرحية كاملة.
*****
قراءة جديدة لـ"شــكـسبيـر" 2\2
ومن أمثلة الإرشادات المختصرة نقرأ إرشاداً مسرحياً شديد الإيجاز في بداية الفصل الأول كما يلي «المنظر- أثينا وغابة بالقرب منها » ص1، ثم «أثينا - قصر ثيسيوس» ص2 وهكذا دواليك على مدار الفصول الخمسة ما خلا إرشاداً واحداً في الفصل الرابع يطالعنا بتفصيل دقيق كالتالي: «أوبيرون من الخلف لا يرى» ص62
وعل هذا الاقتصاد الشديد الذي مارسه شكسبير في الإرشادات أنه كان يكتفي بالإيماءات لكونه هو الذي يستطيع - دون وسيط وبسعة تنفيذ أكبر وأكثر مرونة - نقل تلك الإرشادات إلى موجودات وما جريات الخشبة وممثليها. بواقع أنه كان يشتغل مع الفرق التمثيلية الكبرى التي أسسها أو ساهم في العمل معها، وهذا النطاق الذي يلي تأليف النص المدون - والذي لم يسنح لمعظم كتاب المسرح الكبار في تاريخ الإنسانية - سنح لشكسبير فاكسبه دراية بكل المتطلبات والتعديلات الواقعية لإنتاج وإخراج وتوضيب مسرحية ناجحة، حيثما غاص بمعايشته للفرق إلى تفاصيل تلك التنضيدات الجميلة الصعبة فعرك وإختبر وعرف أسرارها وكل ما تطويه تلافيفها المتوارية مهما كان ضئيلاً، ولم يخل ذلك - في جميع ظروف ممارسته - بنصه الأدبي أو يفضي إلى مفارقة بين مدوناته الأدبية المسرحية وبين التمثيلية الجارية على المسرح أمام أنظار المشاهدين، فنصوصه المستقلة عن التمثيل هي أساساً لغة وأدب إنجليزي وعالمي يقرأ أو يشاهد دونما فروق يؤبه بها.
ولا يشير هذا الأمر إلى الجانب النفعي، إنما يدل على الخبرة العملية إضافة إلى الرصيد النظري وقد أتاح له معاً السيطرة على البوْن ما بين النص الأدبي والتأدية بكافة عناصرها وتجهيزاتها فحاز القدرة على إدراك سيكولوجية المتفرج من جهة مؤثرات الإيحاء، والفهم العميق لبواعث السأم، وإستكناه منبهات الفضول والشغف، ومتابعة معدلات الاندماج في المعروض للفرجة، دون أن يجئ النص - بالرغم من تلك الاعتبارات - تلبية لأهواء المتفرج العابرة والسطحية، فالمسرح العظيم يصوغ - على نحو من الإنحاء - جمهوره ومتفرجيه.
ولكي نطابق ملاحظاتنا السابقة عن الهوية التصنيفية بالنص الشكسبيري ونبرهن بالتالي على سلامتها يلزمنا حصر وتعداد وتحليل ما ورد من أغنيات ورقصات في متن المسرحية ذاتها، حيث يمر الفصل الأول بكامله دونما غناء أو رقص، وكذلك يتتابع المنظر الأول من الفصل الثاني خالياً بدوره من الأغاني والرقصات، وحين نصل إلى المنظر الثاني من الفصل الثاني نعثر على أغنية واحدة تغنيها الجنيات لملكة الجن «تيتانيا» وهن يرقصن في شكل دائرة، بمعنى حلقة غير قابلة للانفراط طيلة الأداء.
«أيتها الحيات المرقشة «2» ذوات اللسانين»
«إحتجبي أنت والقنافذ ذات الأشواك»
وأنت أيتها السمادل والديدان العمياء أكففن شروركن»
«ولا تقتربن من مليكتنا»
«غن يافيلو ميل بصوتك الموقع»
«نشيد نومنا العذب»
وهنا بالضبط، يدون ويليام شكسبير عند منتصف الأغنية ما يلي:
«لُولا ...لُولا... لُو لأبى»
وتلك مقاربة موسيقية بواسطة حروف اللغة... أي لغة كانت، لأن ما دونه عبارة عن « فونيمات» خالصة ثم تستمر الأغنية الراقصة:
«لا أذى»
«لا سحر ولا رقية 3
لاتقترب من سيدتنا الجميلة»
« أيتها العناكب الناسجة لا تقتربي من مليكتنا»
ولاتقتربي أيتها الخنافس السوداء »
«وأنت أيتها الذيدان والقواقع لا تلحقي أذى بها»
«غن يافيلوميل مع الجماعة»
أما الأغنية الثانية فنلاقيها في المنظر الأول من الفصل الثالث ويغنيها «بوتوم» - أحد أشخاص المسرحية - بمفرده دون جوقة وبلا رقص، وهي قصيرة جداً لا تستغرق سوى عشرة سطور من أصل ستمائة وأربعين سطراً هي كامل الفصل الثالث.. ثم تطالعنا الأغنية الثالثة والأخيرة مدونة في خمسة عشر سطراً من الفصل الخامس ومصحوبة برقصة جماعية يؤديها «كورس» الجن ومعهم ملكهم «أبيرون» وملكتهم «تيتانيا» وتجئ تلك الأغنية في نغمات كثيرة وفقاً لرغبة ملكة الجن :«لتكن لكل كلمة نغمة مميزة » ص 88 - كالآتي:
«والآن حتى ينبلج الصباح»
«على كل جني أن يهيم في هذا المنزل»
«ويدعو لكل ذرية4 تنشأ فيه بالسعادة الأبدية»
«لنبارك فراش خير العرائس»
«ونرجو أن يدوم الحب للأزواج الثلاثة إلى الأبد وألا تقف يد» الطبيعة الملطخة عثرة في طريق أبنائهم فلا يظهر فيهم خال 5
«أو شفة مشرومة 6 أو ندب7»
«ولا أي علامة ظاهرة»
«مما يستهجن من الطبيعة»
«ليأخذ كل جني طريقه»
«ويبارك كل غرفة في هذا القصر ويدعو أن يختم عليها السلام»
«ولصاحب القصر بالسعادة » «وأن يستقر فيه في أمن إلى الأبد»
«ثم تعودون مرة أخرى دون تأخير»
«لتقابلوني عند انبلاج الفجر»
ونجد أن الرقصة الأخيرة في الفصل الخامس لا تدوم أكثر من بضع دقائق معدودة على أصابع اليد الواحدة ، والتنبيه إليها يتم بمعزل عن الإرشادات المسرحية، وذلك حينما يقول «ثيسيوس» دوق أثينا وحاكمها مخاطباً الممثلين من حوله: « تعالوا بالرقص الإيطالي» ص84
وعند هذا الحد يكون حصر وإحصاء وتحليل الأغاني والرقصات الواردة في النص قد اكتمل. والخلاصة أن هناك ثلاث أغنيات قصيرة وثلاث رقصات أيضاً إذا ما قسناها إجمالاً بالزمن العام للمسرحية المدونة أو المعروضة. وتلك النتيجة لا تأذن بتصنيف مسرحية «حلم ليلة صيف» كمسرحية غنائية استعراضية راقصة على غرار ما ورد في التقييم النقدي الجزافي الذي ذكرناه سالفاً من مادة مقدمة الطبعة المترجمة. ونضيف إلى تلك الشظايا النقدية ما دبجه كاتب المقدمة في الصفحة السادسة كالآتي: «جاءت المسرحية شبيهة بالرقص الجماعي المؤسس على الحركة» وواضح مقدار استهتار ومجافاة ذلك لعناصر النص الشكسبيري وهويته الأدبية.
وعندما نقف قبالة الشعر أو الصيغة الشعرية أو القالب الشعري للحوار نرى المقدمة وقد انزلقت إلى إصدار حكم نقدي آخر شديد الاقتضاب والغرابة لا يند إلا عن العوام أو الأدعياء. وقد سبق أن أدرجناه هكذا: «إن هذا العمل شعر في المرتبة الأولى، ومسرح في المرتبة الثانية» ص5.
والمعروف على مدى أربعة قرون أن «حلم ليلة صيف» مسرحية وليست قصيدة أو ديواناً من الشعر ومثل ذلك «ألفية إبن مالك» التي لم يضعها أحد منذ أن كتبها صاحبها في نطاق النتاج الشعري ولم يعقد أحد مقارنة نقدية منهجية بين موضوع تلك الألفية وبين الشعر بحيث يفاضل فيما بينهما ثم يتجاسر ويصنفها شعراً في المحل الأول. والسبب أنها - في الأصل المانح لهويتها غير الشعرية - ذوبان تام في مجال لغوي، فحوي «إسكولائي» لا تخرج عنه قيد أنملة ، ولا يهمها من جماليات الشعر وأغراضه ووجدانه سوى العروض والقالب الشكلي الذي يفي بمراميها التعليمية.
والأمر عينه من ناحية تغليب الفحوى بالنسبة لـ«الإلياذة» اليونانية الشهيرة التي كتبها «هوميروس» قبل ثلاثة آلاف سنة مضت في ستة عشر ألف بيت من الشعر .
وبالرغم من طابع النظم الشعري الذي بسط ظله على كامل النص الهوميري فقد ظل ثابتاً وجليا ومقررا أن «الإلياذة» ليست عملاً شعرياً بل ملحمة روائية - في المحل الأول والأخير - زاخرة بالأحداث والمواقف السردية، وكذلك «الأوديسا» للمؤلف ذاته. ولم يزحزح هذا الطابع التصنيفي المطلق عبر الدهور كون «هوميروس» قد إستعمل أنساق النظم الموزون غير المقفى في تدوينها.
ومثل ذلك « ملحمة غلغامش» السومرية المكتوبة شعراً قابلاً للإنشاد «الحكواتي» والمنقوشة باللغة السومرية وسليلتها «الأكادية» بالخط المسماري على الطين المحروق «الآجر الصلب» قبل أربعة آلاف عام والمؤلفة من أثنى عشر لوحاً حجرياً كبيراً، في كل لوح منها حوالي ثلاثمائة سطر، صنفها علماء الاختصاص- ومنهم « كرامر S.N Kramer » في مرجع « الميثولوجيا السومرية» إصدار 1961م بقولهم «إن الملحمة من ناحية الفن القصصي جاءت على هيئة وحدة متكاملة «ويضيفون» « إنها وحدة فنية مطردة» ومعنى ذلك أنها رواية فليس ثمة من يعتبرها بمثابة تراتيل أو قصائد عتيقة من أشعار العصور الغابرة.
ووقتما كتب شكسبير مسرحيته «حلم ليلة صيف» ومسرحيات أخرى على منوالها، أستخدم - مثلما أستخدم «هوميروس» في الإلياذة» وقبله بكثير في ملحمة غلغامش - نمطاً من النظم الشعري المعروف في تاريخ الآداب الإنسانية القديمة (8) يتتالى موزوناً بحذافيره لكنه بدون قافية. وهذا النمط العريق معروف أيضاً في تاريخ الأدب الإنجليزي بإسم « الشعر المرسَل» الذي توفرت نماذجه في زمن « شكسبير» وتميز - علاوة على تحررِه من القافية المألوفة آنذاك بامتلاك حرية تصرف واسعة في تشطير البيت الواحد واقتضاب الأوزان المتباينة أو تكرارها كاملة أو الانتقال إلى غيرها وتشكيلها في ثنائي من بيتين أو أربعة أبيات حسب دبيب الإبداع الفني ومقدرة المؤلف وإختياره. وكانت تلك التقنية شائعة - وفقَ الكشوف الأثربة- في آداب وأساطير اليونانيين واللاتينيين والسومريين قبل أربعين قرناً من الزمان.
وعند شكسبير لم يأتِ ذلك الاستخدام الشعري لذاته، إنما تم التوسل به - كقالب ملتحم بعناصر أخرى أكثر أهمية - لغرض إنجاز مسرح درامي في الاعتبار الأول والأخير.
وأحداث هذه المسرحية البديعة تقع - ضمن مراوحة تكنيكية- في مكانين هما : قصر الدوق حاكم أثينا والغابة، أما المكان الثالث فئانوي بجميع المقاييس .. مجرد غرفة في مسكن عمال فرقة مسرحية. وكان الدوق وخطيبته ملكة الأمازون في القصر يتأهبان لحفلة زفاف عظيمة. وقبل الحفلة جاء أحد معارف الحاكم ليجار على مسمعه بشكوى معقدة، فإبنته لا ترغب في الزواج ممن إرتآه مناسباً لها، وهو يحاول بحق الأبوة أن يُرغمها على ذلك ويدعى أنها مخدوعة بحب شخص آخر والجميع جاؤوا برفقته : الشابان المتنافسان، والإبنة وفتاة أخرى من خارج السرب مُغرمة بمن حبذه الأب زوجاً لإبنته.
أما ما تبقى من وقائع فهو أُس المسرحية أو المسرحية ذاتها، حيث لا سبيل إلى تلخيصها لأنها كيان أدبي ونسيج متداخل ومصقول من البراعة والإيناس حتى أن المرء ليترك طواعية جميع شؤونه الضرورية ويظل مشدوداً إلى شكسبير ورائعته هذه التي تناظر سائر روائعه المسرحية الأخرى مثل « هاملت» و «ماكيبث» «والعاصفة» و«تاجر البندقية» و«عطيل» و«يوليوس قيصر» و«رميو وجولييت».
والحق أن سير الأحداث في «حلم ليلة صيف» لا يأخذ نزعة إنشادية خالصة تبوح بحكاية ما أو مجموعة حكايات تحزمها وتربط أو اصرها وحدة روائية كما في ألواح «ملحمة غلغامش» أو «هزار أفسانه» الفارسية وهي «ألف ليلة وليلة» ذات الأصول الإنسانية المتعددة في الإرث الفولكلوري لأمم شتى .
وهكذا فعلى نحو مختلف عما مضى من الميراث الأسطوري والملحمي كانت«حلم ليلة صيف» دراما بالمعنى الدقيق للكلمة، عمد فيها «ويليام شكسبير» إلى بناء مواقف دراما تيكية ذات وجه غرائبي إنبثقت بلا إبتسار من أجواء الحقبة الإجتماعية التاريخية ومن تأزم وإنفراج الأحداث المتساوقة، وهي أحداث متفاعلة ومفتوحة ومتجهة نحو آخر مشهد من المسرحية على خط درامي متنامٍ ومتوتر وبالغ التشويق، وذلك حقاً هو ما ظل يشد القارئ طيلة النص، أعنى صيرورة الحدث وليس أوزان الشعر كما زعمت - عكس ذلك - المقدمة الجوفاء للطبعة العربية التي ترجمها د « يونس عوض» وأصدرتها » دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، بلبنان والتي ما لبثبت أن بنت على زعمها السابق حكما جرد النص الشكسبيري من جوهره الدرامي بجرة قلم، حيث ورد في الصفحة السادسة «وهكذا أستطاع الدرامي أن يتخلى عن مسؤوليته الفنية».
ومن نافلة القول التنويه المعاصر بويليام شكسبير فهو أحد عمالقة الدراما في تاريخ الآداب العالمية، وقد أطلقوا اسمه على عصر كامل، وأعتبر في مجمل تاريخ النقد الأدبي امتداداً خلاقاً لـ «إسخيلوس» كما هو ـ أيضاً - أحد أجداد المسرح العالمي الحديث المتوج - على سبيل المثال لا الحصر - بـ «إيبسن» و«جوجول» و«موليبر» و«برناردشو» و« تشيكوف» و« غارسيا لوركا » على نحو من الأنحاء و« بيكيت» و« تنسي ويليامز» و« ارثر ميلر » وتوفيق الحكيم وغيرهم من أساطين هذا الفن الرفيع وجهابذته في الغرب والشرق .
«1» ورد في الميثولوجيا العامة - وفق ما نقله الاختصاصي الكبير « رنيه تاتون» عن موسوعة العالم «أو ليس أندرو فاندي» من القرن السابع عشر - أن مفردة سانتور (santor) بمعنى «كائن خرافي نصفه إنسان ونصفه الآخر حصان» المجلد الثاني - من تاريخ العلوم العام ويمكن أن نضيف إلى عداد التصنيف الميثولوجي السابق «أبو الهول» - خارج الحالة الإعرابية - ككائن خرافي مجسد، وكذلك تماثيل وأقنعة الآلهة الوثنية الفرعونية، ثم في الدهور التالية أقنعة الرقص اليوناني المستخدم في المسرح القديم، وهي تتحدر نحو أصول مختلطة بطقوس السحر الاستعراضي وفأل الطرائد وغير ذلك من ترسبات عصور الصيادين المنقحة. ويتضح من الفروق الإملائية- بالحرف اللاتيني - تباين الإستعمالات والدلالات بإستثناء المشتركات الإصطلاحية.
«2» المزخرفة أو المنقطة بسواد وبياض.
«3» تدل - في إطارها الإجتماعي التاريخي - على كل ما يتوسل به الناس من حيل وأساليب وتعاويذ مكتوبة أو مقرؤة للشفاء من مرض غامض أو لإزالة أثر عين حاسدة أو لطرد الأرواح الشريرة.
« 4» نسل الإنسان .
« 5» بثرة صغيرة بنية اللون أو سوداء على بشرة الوجه أو الجسم، غير مرضية .
«6» أخدود طبيعي كالشق أو الحفرة المستطيلة في إحدى الشفتين.
«7» تشوهات خلقية - طبيعية منذ الميلاد.
«8» قادت دراسات العالم « هنري برستد» ورفيقه عالم البرديات « جاردنر» إلى إستثناء الأناشيد المصرية القديمة المدونة، حيث كانت أوزان الشعر ذات نظام مختلف عما سواه إلى حد ما، ويقوم النظام على تناسب أوصال القطعة الأدبية.
يوسف القويري
الكاتب يوسف القويري- من مفكرة رجل لم يولد
الكاتب يوسف القويري- من مفكرة رجل لم يولد. Gefällt 697 Mal. الصفحة أنشئت لنشر إبداعات الكاتب الكبير يوسف القويري المتمثلة في مقالات نقدية وفكرية علاوة عن قصص قصيرة وصور قلمية ذات طابع أدبي وعلمي.