يخوض في سبل الليل والمطر، وحوله كانت خفقات الماء المنهمر تغيب في ألق الماء الجاري، تبعثر تلاوين الضوء المنثورة بين المصابيح المتواترة، تهيل على الشوارع المطفأة ظلاً كثيفاً، يمتزج بخطاه الموغلة في صرامة الرذاذ، فلا يملك رجوعاً لترانيمه، التي يحدو بها ذاته في سفره، فيخوض في طوفان الضوء السابح في عتمة الماء، يتلمس رسمها المتروك على الجدار، يُنصت لنشيج انتظارها المنقوش في تفاصيل نافذة بعيدة، ويمضي، يواجهه الطريق، رائحةُ الجدران العالقة ببقاياه، تناوش ليله البيوت الواجمة، فيأتيه طائف من ليلها، يُظهره على بقائها، في مكانها، ترقب سكون المداخل، وترتقب مجيئه، لتحل في لحظة وصوله كالفرح المباغت، وفي جسده يحسُّها، كالحزن القديم، وفي روحه يشعر بوخز البعد، والطريق يغشاه المطر الآخذ في الهطول بطيئا لامعا، يعكس في حنايا قطراته ملامح وجهه المسافر، يقصد موطن اللقاء، يحمل إلى كفيها بعضاً من برودة المطر، وأزمان غيبته.