هي ذاك النوع النادر من الروايات المعروفة باسم الرواية "الدرامية" ترصد الحدث تعكف على تفاصيله معنية بالصراع و أطرافه لا تفلتك لتلتقط أنفاسك تفرقك وتجمعك " تلك الحلقة " التي تنضب من كم لا يستهان به من الروايات لنجدها على نحو الاستهلاك والدوران حول الفكرة كالزار بلا جدوى لاستدراك القارئ في لغط عميق
يرجع تصنيف هذه الرواية بالدرامية لطبيعة الكاتب نفسه "المستشار/أشرف العشماوي" والذي امضى السواد الأعظم من حياته متوسدا ضفتي صراع باعتباره قاضياً فنقل خبرته الشعورية المتراكمة إلى مرمى الصورة بشكل مباشر بلا تحفظ ودون أي تمويه او أي محاولة لتفادي هدفه و هو "الحقيقة" مهما كانت موجعة و أياً ما كانت
فن الإسقاط جلس على مقاعده المرتبكة أغلب الروائيين الباحثين عن الحقيقة و الذين أثقلتهم علامات الاستفهام في محنة ومنحة الابداع ..اتخذ الكاتب مقعده مستفيضاً متفرداً متقدماً كل الصفوف بقضيته مستحوذاً على أخطر آليات الإسقاط كي يتربص بتحايل القارئ اذا ما حاول بتر لسان ضميره ووطنيته
راقني كثيراً تجسيده لمصر في شخصية البطلة " هدى حبيب" وعلى نحو آخر راقني ذكاءه الروائي المتقد في اختيار العنوان " بيت القبطية" وحسه الأدبي الرفيع الذي لا يخالطه أي تناص مع أهرامات الرواية عربية كانت أو مصرية أو عالمية رغم أني أجزم بكل يقين أنه يُعَد امتداداً طبيعيا حيا وغنيا لنجيب محفوظ اقولها بلا تحفظ فقد استأثر بقلب محفوظ وهو يفتح حواسك على مصراعيها لاستقبال مصر لا تغالطك رائحتها بين السطور بانتقائية عفوية ومتعمدة بكل مفاتن الواقعية السحرية ليفض عليها سحب خياله الوثير فيذهلك بلوحة فنية تكسر المألوف بل إنه زاد على أدب محفوظ بإثارة التساؤل دون الوقوع في فخ التأرجح على ستائر السياسة بصبغتها التي أرهقته و أرهقتنا معه لعقود طويلة
اختياره لمفردة القبطية لم يكن يعني بها إلا عناقاً طويلا وصادقا لتاريخ لا تشوبه ذرة شك في اننا جميعا مسيحين ومسلمين "أقباط" وأظنه أيضا أشار لمصر بمفردة البيت
هدى حبيب التي تَنازع هويتها و انتماءها لربها كلا الفريقين
"مسيحين و مسلمين " فاتخذت من الصمت سلاحاً ومأوىً قبل أن يكون جرحاً لتصد سقوطهم و انشطارهم تشكوهم إلى الله وحده دون سواه فهو السلام خالقه وكافله لعباده كما كفل لهم حرية العقيدة ..فقسموها وفتتوها لتقع فريسة لأحزان بلا رادع ولا طائل لافظة أنفاسها طاهرة بريئة مرجومة بخطاياهم فيها بلا أدنى عدل او رحمة ولا صدق في محبة او فهم لرسالة الله في الأرض وكان هذا هو الصراع الأعقد و الاخطر الذي دقت ناقوسه الرواية بشفافية لا تضاهى" الصراع " الموحش ..الدقيق والدامي بين العدل والرحمة نقله لنا الكاتب بكل مفرداته المعجزة بعد أن قلبه على جنباته بين واقعنا المرير المتواتر و أملنا في لحظة اهتداء نلتمس فيها وطن وشعب مغايرين ..وبعد أن نالت "سجالات المنطق " المتعبة المضنية منه هو كقاصٍ وقاضٍ ومواطن فعصرت روح حنكته الانسانية لتجد نفسك تتناول وجبة شاسعة لها " نَفَس الطاهي المخضرم" ومع ذلك تحار في مذاقها بين ظلك وحقيقتك لا تعرف إن كان أراحك وأرضاك بالوضوح أم أعياك بكشفه؟! واضعا أمامك تساؤل مهيب كهيبة القضاء والتاريخ فينا وكأنه أراد أن يعيد صياغة جملة هنري بريستد " مصر منبت نشوء الضمير " حيث لقب المصري القديم ب "أبانا الإنسان " في كتابه العظيم فجر الضمير
يسأل شارطاً عقلك " هل الدين والقانون في خدمة المجتمع أم ان المجتمع والقانون هما اللذان في خدمة الدين ؟؟!!!" قذف بالسؤال صراحة جهرا كأنما أراد ان يستفيقنا من هدرة نتائج " نظرية البيضة ولا الفرخة " التي مزقت أوصالنا لحقب زمنية لا تغلق أبوابها أبداً
" الفاعل دائماً مجهول " هذه الجملة الملتهبة المخدومة في نار الفتنة كسيد جلاد أخذت تنتقل في صراع الرواية وفي بؤرة الدراما ..الفاعل انا و انت ..هي وهو ..وليسوا فقط الذين استخدموا الطائفية كمخلب قط لاقتلاع الهوية من جذورها ولكن أيضا الذين سكتوا وغذوا جبنهم بغول الخرس ..هولاء هم الاكثر فتكاٍ وقتلا فينا ..من عرفوا فادركوا فسكتوا مع سبق الإصرار مستحضرين مارد الطائفية لإشعال سمومها
الشخصيات في الرواية رغم كثافتها لكنك لا تغادرها الا وقد طُبعت فيك عن ظهر قلب.. حتى الشخصيات الثانوية .. أذاع صوتها الذي يلعب في أعصابك وكادرات عقلك بحذافير غير مستترة وان كانت بالفعل كذلك..
حتى الكلب جعل لنباحه شخصية و أطرها بفضول لا يصدق
واستطاع بخفة عجيبة أن يجعل لشخصية الخفير نبوي الديب حضورا أراق دموعي وشفقتي كما لو كان أمامي بشحمه ولحمه
النبات والبيوت و… ..و…… حتى حفيف الاوراق كان لكل منهم دوره الملهم..
اللغة السردية للعشماوي بعيداً عن كونها لا تستعير أي عضلات او كونها حصيفة رصينة فهي فصيلة مبهرة ، رائعة ونابضة لدم الابداع الروائي ،مُلهمة تشد الرحال إلى غايتها في نفس القارئ كفرس أصيل لا يُحْجِم ..مفرداته تارة ترقص كباليرينا وتارة تعدو كخيَّال نبيل وتارات أخرى تستريح على عاتقك من وطأة "الحقيقة" لتباغتك كمقاتل مغوار .. صوره تحرضك على الاقرار والتجلي بلون فارق في مروءتك وانسانيتك المجردة .. يعرف متى يبكيك ومتى يترك لك ابتسامة معجونة بالألم الشديد
الحوار " الماستر " في نهاية الرواية الذي دار بين "هدى " وصراعها و خذلانها وروحها المترامية الأحزان " ملمح مدهش " تناجي بانكسارها "أم النور "وهي تجلس وحيدة على ضفة النيل الذي وهبه البديع لنا كوثيقة لحبه ودمغ لهويتنا.. حوار عاصف يشج الصدور ينكأ الجراح و يستعرضها ولو أن للأرض لساناً لما قالت سوى ما قاله الكاتب على لسانها بكل شجن و ايمان
أجمل علاقة بين الكاتب وطرحه الأدبي أن يحاكم شخوصه بحيادية دون الوقوع في فخ الذاتية والنرجسية الابداعية والتقليدية المتفزلكة ..فقدم سنبلته بالسهل الممتنع ..لقد بسط لنا اليد التي احترنا في تقرفصها .. قدم الوجه العاطفي المدفوس في حياء القضاء وأراق بكاء العدالة وهي ترتدي سترة القانون بحيثياته التي قد تظلم وانت عاجز عن اتهامها بذلك .."قلب القضاء الجريح في صدور ولاته" لا لتشك في نزاهة القضاء ولكن لتترسخ ونُفَعِّل معها قانونا أرحب و أحكم "الرحمة فوق العدل" ..مهد لك السبل لتثق بالسيناريو الإلهي الذي يطوي بجناحيه كل الثغرات
"النيابة تطلب تطبيق مواد الاتهام " الجملة التي أثارها على لسان المحقق القضائي والخوض في تبعات هذه الجملة والدخول لفلاترها التي وقفت بالمرصاد للبطل أمام نفسه وعشقه لمهنة القضاء..شكرا للشجاعة وجرأة التناول إعمالاً أيضاً للنزاهة والضمير
بيت القبطية عمل درامي جدير بأكرم الجوائز ..أتمنى يوما أن تتفيأه شاشتنا وتتناوله جهة فنية نزيهة وجادة بالتعاون مع وزارة الثقافة لتتحرر بجدية من خبوها و روتينها وميوعتها..
عمل أدبي لابد وأن يحصل على البوكر العالمية و…
يوماً ما سينال المبدع " المصري جدا" أشرف العشماوي جائزة نوبل للأدب
يرجع تصنيف هذه الرواية بالدرامية لطبيعة الكاتب نفسه "المستشار/أشرف العشماوي" والذي امضى السواد الأعظم من حياته متوسدا ضفتي صراع باعتباره قاضياً فنقل خبرته الشعورية المتراكمة إلى مرمى الصورة بشكل مباشر بلا تحفظ ودون أي تمويه او أي محاولة لتفادي هدفه و هو "الحقيقة" مهما كانت موجعة و أياً ما كانت
فن الإسقاط جلس على مقاعده المرتبكة أغلب الروائيين الباحثين عن الحقيقة و الذين أثقلتهم علامات الاستفهام في محنة ومنحة الابداع ..اتخذ الكاتب مقعده مستفيضاً متفرداً متقدماً كل الصفوف بقضيته مستحوذاً على أخطر آليات الإسقاط كي يتربص بتحايل القارئ اذا ما حاول بتر لسان ضميره ووطنيته
راقني كثيراً تجسيده لمصر في شخصية البطلة " هدى حبيب" وعلى نحو آخر راقني ذكاءه الروائي المتقد في اختيار العنوان " بيت القبطية" وحسه الأدبي الرفيع الذي لا يخالطه أي تناص مع أهرامات الرواية عربية كانت أو مصرية أو عالمية رغم أني أجزم بكل يقين أنه يُعَد امتداداً طبيعيا حيا وغنيا لنجيب محفوظ اقولها بلا تحفظ فقد استأثر بقلب محفوظ وهو يفتح حواسك على مصراعيها لاستقبال مصر لا تغالطك رائحتها بين السطور بانتقائية عفوية ومتعمدة بكل مفاتن الواقعية السحرية ليفض عليها سحب خياله الوثير فيذهلك بلوحة فنية تكسر المألوف بل إنه زاد على أدب محفوظ بإثارة التساؤل دون الوقوع في فخ التأرجح على ستائر السياسة بصبغتها التي أرهقته و أرهقتنا معه لعقود طويلة
اختياره لمفردة القبطية لم يكن يعني بها إلا عناقاً طويلا وصادقا لتاريخ لا تشوبه ذرة شك في اننا جميعا مسيحين ومسلمين "أقباط" وأظنه أيضا أشار لمصر بمفردة البيت
هدى حبيب التي تَنازع هويتها و انتماءها لربها كلا الفريقين
"مسيحين و مسلمين " فاتخذت من الصمت سلاحاً ومأوىً قبل أن يكون جرحاً لتصد سقوطهم و انشطارهم تشكوهم إلى الله وحده دون سواه فهو السلام خالقه وكافله لعباده كما كفل لهم حرية العقيدة ..فقسموها وفتتوها لتقع فريسة لأحزان بلا رادع ولا طائل لافظة أنفاسها طاهرة بريئة مرجومة بخطاياهم فيها بلا أدنى عدل او رحمة ولا صدق في محبة او فهم لرسالة الله في الأرض وكان هذا هو الصراع الأعقد و الاخطر الذي دقت ناقوسه الرواية بشفافية لا تضاهى" الصراع " الموحش ..الدقيق والدامي بين العدل والرحمة نقله لنا الكاتب بكل مفرداته المعجزة بعد أن قلبه على جنباته بين واقعنا المرير المتواتر و أملنا في لحظة اهتداء نلتمس فيها وطن وشعب مغايرين ..وبعد أن نالت "سجالات المنطق " المتعبة المضنية منه هو كقاصٍ وقاضٍ ومواطن فعصرت روح حنكته الانسانية لتجد نفسك تتناول وجبة شاسعة لها " نَفَس الطاهي المخضرم" ومع ذلك تحار في مذاقها بين ظلك وحقيقتك لا تعرف إن كان أراحك وأرضاك بالوضوح أم أعياك بكشفه؟! واضعا أمامك تساؤل مهيب كهيبة القضاء والتاريخ فينا وكأنه أراد أن يعيد صياغة جملة هنري بريستد " مصر منبت نشوء الضمير " حيث لقب المصري القديم ب "أبانا الإنسان " في كتابه العظيم فجر الضمير
يسأل شارطاً عقلك " هل الدين والقانون في خدمة المجتمع أم ان المجتمع والقانون هما اللذان في خدمة الدين ؟؟!!!" قذف بالسؤال صراحة جهرا كأنما أراد ان يستفيقنا من هدرة نتائج " نظرية البيضة ولا الفرخة " التي مزقت أوصالنا لحقب زمنية لا تغلق أبوابها أبداً
" الفاعل دائماً مجهول " هذه الجملة الملتهبة المخدومة في نار الفتنة كسيد جلاد أخذت تنتقل في صراع الرواية وفي بؤرة الدراما ..الفاعل انا و انت ..هي وهو ..وليسوا فقط الذين استخدموا الطائفية كمخلب قط لاقتلاع الهوية من جذورها ولكن أيضا الذين سكتوا وغذوا جبنهم بغول الخرس ..هولاء هم الاكثر فتكاٍ وقتلا فينا ..من عرفوا فادركوا فسكتوا مع سبق الإصرار مستحضرين مارد الطائفية لإشعال سمومها
الشخصيات في الرواية رغم كثافتها لكنك لا تغادرها الا وقد طُبعت فيك عن ظهر قلب.. حتى الشخصيات الثانوية .. أذاع صوتها الذي يلعب في أعصابك وكادرات عقلك بحذافير غير مستترة وان كانت بالفعل كذلك..
حتى الكلب جعل لنباحه شخصية و أطرها بفضول لا يصدق
واستطاع بخفة عجيبة أن يجعل لشخصية الخفير نبوي الديب حضورا أراق دموعي وشفقتي كما لو كان أمامي بشحمه ولحمه
النبات والبيوت و… ..و…… حتى حفيف الاوراق كان لكل منهم دوره الملهم..
اللغة السردية للعشماوي بعيداً عن كونها لا تستعير أي عضلات او كونها حصيفة رصينة فهي فصيلة مبهرة ، رائعة ونابضة لدم الابداع الروائي ،مُلهمة تشد الرحال إلى غايتها في نفس القارئ كفرس أصيل لا يُحْجِم ..مفرداته تارة ترقص كباليرينا وتارة تعدو كخيَّال نبيل وتارات أخرى تستريح على عاتقك من وطأة "الحقيقة" لتباغتك كمقاتل مغوار .. صوره تحرضك على الاقرار والتجلي بلون فارق في مروءتك وانسانيتك المجردة .. يعرف متى يبكيك ومتى يترك لك ابتسامة معجونة بالألم الشديد
الحوار " الماستر " في نهاية الرواية الذي دار بين "هدى " وصراعها و خذلانها وروحها المترامية الأحزان " ملمح مدهش " تناجي بانكسارها "أم النور "وهي تجلس وحيدة على ضفة النيل الذي وهبه البديع لنا كوثيقة لحبه ودمغ لهويتنا.. حوار عاصف يشج الصدور ينكأ الجراح و يستعرضها ولو أن للأرض لساناً لما قالت سوى ما قاله الكاتب على لسانها بكل شجن و ايمان
أجمل علاقة بين الكاتب وطرحه الأدبي أن يحاكم شخوصه بحيادية دون الوقوع في فخ الذاتية والنرجسية الابداعية والتقليدية المتفزلكة ..فقدم سنبلته بالسهل الممتنع ..لقد بسط لنا اليد التي احترنا في تقرفصها .. قدم الوجه العاطفي المدفوس في حياء القضاء وأراق بكاء العدالة وهي ترتدي سترة القانون بحيثياته التي قد تظلم وانت عاجز عن اتهامها بذلك .."قلب القضاء الجريح في صدور ولاته" لا لتشك في نزاهة القضاء ولكن لتترسخ ونُفَعِّل معها قانونا أرحب و أحكم "الرحمة فوق العدل" ..مهد لك السبل لتثق بالسيناريو الإلهي الذي يطوي بجناحيه كل الثغرات
"النيابة تطلب تطبيق مواد الاتهام " الجملة التي أثارها على لسان المحقق القضائي والخوض في تبعات هذه الجملة والدخول لفلاترها التي وقفت بالمرصاد للبطل أمام نفسه وعشقه لمهنة القضاء..شكرا للشجاعة وجرأة التناول إعمالاً أيضاً للنزاهة والضمير
بيت القبطية عمل درامي جدير بأكرم الجوائز ..أتمنى يوما أن تتفيأه شاشتنا وتتناوله جهة فنية نزيهة وجادة بالتعاون مع وزارة الثقافة لتتحرر بجدية من خبوها و روتينها وميوعتها..
عمل أدبي لابد وأن يحصل على البوكر العالمية و…
يوماً ما سينال المبدع " المصري جدا" أشرف العشماوي جائزة نوبل للأدب