✍ من أين يأتي الأدباء الروس بكل تلك القدرات الخارقة حين يكتبون؟.. في مسرحية الوعد ل(الكسي أربوزوف)، يسطر الأخير حوارات تقول كل شيء بجمل لا تقول أي شيء، حوارات شملت كل أحاسيس الحب، دون أن ينطق أبطال المسرحية الثلاثة بكلمة الحب صراحة، وبدون سماجة ولا مباشرة، يعزف أربوزوف لحن الحياة، فينزع المعنى ثم يضيف المعنى ويقنع القراء دون أي منطق سوى الحب. أربوزوف ينسج بيننا روابط الحنين بالجدران ، بالخراب ، بالأنقاض، ثم يعيد بناءها بتؤدة، فنناشده أن يتم بناءه على عجل دون أن يعجل هو. اللغة عند اربوزوف مزمار مقدس، تستجيب له الكائنات..اللغة المتوترة ، الضاحكة، التي تخفي زهرة حزنها داخل برعم لم يتفتح بعد.
في عام ١٩٤٩ يعود مارات لغرفته القابعة بالمبنى الوحيد الذي لم تهدمه الحرب، ليجد فتاة هدم بيتها ، وقد لجأت إليه. الفتاة لايكا التي ستبلغ السادسة عشر من عمرها بعد أيام قليلة، وسيبلغ هو الثامنة عشر، يختبئ الإثنان في الغرفة من القصف الذي يمطر لينينجراد ، وتسري عاطفة خرساء بينهما، يقطعها زائر ثالث، هو ليونيديك الفتى الذي قتل جميع اهله في الحرب. وتنشأ بين الثلاثة قصة حب وصراع، حب لايكا وصداقة كلٍّ من الغلامين لبعضهما. لا يحسم الثلاثة ذلك الوضع، فيتنازل مارات ويغادر للحرب وهو الذي يحلم يوماً ببناء الجسور، ثم يهرب ليونيديك الذي يرغب في امتهان الشعر، بدوره بعد إحساسه بالخزي من شجاعة صديقه. ثم يعود الأثنان بعد نهاية الحرب ويعود الصراع الاخرس حول لايكا في ذات الغرفة، وللمرة الثانية، يضحي مارات بحبه ويغادر فيتزوج ليونيديك بلايكا. وتمضي ثلاثة عشر عاماً، يعود بعدها مارات، ليكتشف الثلاثة أنهم قد فشلوا، فمارات الذي بنى الجسور هرب من بناء اعظم جسر عندما شعر باللا جدوى من الحياة، وليونيديك، ادرك انه ليس شاعراً ذو شأن لأن قلب لايكا لم يكن له، ولايكا، بدورها فشلت في أصطناع سعادتها مع ليونيديك. وهكذا يتخذ الأخير قراره الشجاع ليغادر المشهد. وتستقيم الحياة، وتتخذ لها أخيراً معنى عند لايكا ومارات..
مع ذلك فالقصة ليست بهذه البساطة، فمما يكشف عن عبقرية أربوزوف ان الحوارات لم تتضمن اعترافاً واحداً بالحب، لكنها كانت كالعدسة المحدبة، تعكس أحاسيس الأبطال الثلاث وهي تمخر لب الجرح، دون ان تصرح به. وخلال ساعتين ونصف، يخلق اربوزوف روابط بين المشاهد وبين المكان والزمان والأشخاص، لينينجراد، غرفة مارات، الحرب، الموت والحب والتضحيات. وكل ذلك داخل إطار زماني بلغ ثمانية عشر عاماً. وتحدث الفجوات بينها، ذات ما يحدثه مرور إنسان بأطلال منزله القديم. بل أن اربوزوف يجعلنا نحن -في عام ١٩٥٩- وقد قادنا الحنين إلى عام ١٩٤٢، حيث تلك اللحظة التي دخل فيها مارات إلى غرفته ليجد تلك الفتاة المرعوبة من الحرب وقد احرقت جميع صوره وذكرياته لتدفأ بها في شتاء تلك الحرب العالمية الثانية. لا يربطنا أربوزوف بالسياسة، بالمخطئ أو المصيب، بالعدو والمعتدى عليه، بل ربطنا بالجانب الإنساني من تلك الحقبة الدموية في تاريخ أوروبا والإتحاد السوفيتي. وسنجد خلال- الفصول الثلاثة تطورات ما بعد الحرب، المنعكسة على التكنولوجيا، حيث الهاتف والمصاعد وخلافه تنتظم في أداء عملها، مما يشعرنا بحركة الزمن. يستفيد أربوزوف من ذلك كله ومن حبكته ومن ثلاث شخصيات فقط، ليخلق باقة مسرحية أقرب للشعر منها إلى الحوارات العادية.
لا أعرف إن كانت اللغة الروسية تتمتع بخصائص تجعلها لغة أدبية رفيعة بذاتها أم بعبقرية الأدباء الروس المحضة، فالترجمة العربية لا ولم تُفقد تلك الأعمال عبق إبداعها اللا محدود، الإبداع الذي يمكن عبره إحتواء المتناقضات بأسرها، الحب والحرب، والموت والنجاة..إن كل شيء ممكن عندهم..عند من يعرفون استغلال الحَرف.
في عام ١٩٤٩ يعود مارات لغرفته القابعة بالمبنى الوحيد الذي لم تهدمه الحرب، ليجد فتاة هدم بيتها ، وقد لجأت إليه. الفتاة لايكا التي ستبلغ السادسة عشر من عمرها بعد أيام قليلة، وسيبلغ هو الثامنة عشر، يختبئ الإثنان في الغرفة من القصف الذي يمطر لينينجراد ، وتسري عاطفة خرساء بينهما، يقطعها زائر ثالث، هو ليونيديك الفتى الذي قتل جميع اهله في الحرب. وتنشأ بين الثلاثة قصة حب وصراع، حب لايكا وصداقة كلٍّ من الغلامين لبعضهما. لا يحسم الثلاثة ذلك الوضع، فيتنازل مارات ويغادر للحرب وهو الذي يحلم يوماً ببناء الجسور، ثم يهرب ليونيديك الذي يرغب في امتهان الشعر، بدوره بعد إحساسه بالخزي من شجاعة صديقه. ثم يعود الأثنان بعد نهاية الحرب ويعود الصراع الاخرس حول لايكا في ذات الغرفة، وللمرة الثانية، يضحي مارات بحبه ويغادر فيتزوج ليونيديك بلايكا. وتمضي ثلاثة عشر عاماً، يعود بعدها مارات، ليكتشف الثلاثة أنهم قد فشلوا، فمارات الذي بنى الجسور هرب من بناء اعظم جسر عندما شعر باللا جدوى من الحياة، وليونيديك، ادرك انه ليس شاعراً ذو شأن لأن قلب لايكا لم يكن له، ولايكا، بدورها فشلت في أصطناع سعادتها مع ليونيديك. وهكذا يتخذ الأخير قراره الشجاع ليغادر المشهد. وتستقيم الحياة، وتتخذ لها أخيراً معنى عند لايكا ومارات..
مع ذلك فالقصة ليست بهذه البساطة، فمما يكشف عن عبقرية أربوزوف ان الحوارات لم تتضمن اعترافاً واحداً بالحب، لكنها كانت كالعدسة المحدبة، تعكس أحاسيس الأبطال الثلاث وهي تمخر لب الجرح، دون ان تصرح به. وخلال ساعتين ونصف، يخلق اربوزوف روابط بين المشاهد وبين المكان والزمان والأشخاص، لينينجراد، غرفة مارات، الحرب، الموت والحب والتضحيات. وكل ذلك داخل إطار زماني بلغ ثمانية عشر عاماً. وتحدث الفجوات بينها، ذات ما يحدثه مرور إنسان بأطلال منزله القديم. بل أن اربوزوف يجعلنا نحن -في عام ١٩٥٩- وقد قادنا الحنين إلى عام ١٩٤٢، حيث تلك اللحظة التي دخل فيها مارات إلى غرفته ليجد تلك الفتاة المرعوبة من الحرب وقد احرقت جميع صوره وذكرياته لتدفأ بها في شتاء تلك الحرب العالمية الثانية. لا يربطنا أربوزوف بالسياسة، بالمخطئ أو المصيب، بالعدو والمعتدى عليه، بل ربطنا بالجانب الإنساني من تلك الحقبة الدموية في تاريخ أوروبا والإتحاد السوفيتي. وسنجد خلال- الفصول الثلاثة تطورات ما بعد الحرب، المنعكسة على التكنولوجيا، حيث الهاتف والمصاعد وخلافه تنتظم في أداء عملها، مما يشعرنا بحركة الزمن. يستفيد أربوزوف من ذلك كله ومن حبكته ومن ثلاث شخصيات فقط، ليخلق باقة مسرحية أقرب للشعر منها إلى الحوارات العادية.
لا أعرف إن كانت اللغة الروسية تتمتع بخصائص تجعلها لغة أدبية رفيعة بذاتها أم بعبقرية الأدباء الروس المحضة، فالترجمة العربية لا ولم تُفقد تلك الأعمال عبق إبداعها اللا محدود، الإبداع الذي يمكن عبره إحتواء المتناقضات بأسرها، الحب والحرب، والموت والنجاة..إن كل شيء ممكن عندهم..عند من يعرفون استغلال الحَرف.