شخوص المسرحية:
1- السيد
2-المستشار
3- المخرج
اصوات جلبة في الخارج، يدخل المستشار الى غرفة السيد.
المستشار: سيدي.. سيدي (يصمت قليلاً، ينظر حيث أصوات الناس الآتية من الخارج)
(الأصوات تزداد)
السيد: ما هذه الجلبة؟ ألم احذرك أن لا اسمع صوتاً وأنا نائم؟
المستشار: لم أصدر صوتاً سيدي. أنا حريص على أن تكون قيلولتك مريحة. (يقترب منه) تصور يا سيدي أنا لا امشي في المكتب الا على رؤوس اصابع قدمي.
السيد: وما هذا الصوت الذي أيقظني؟
المستشار: أنهم الناس.
السيد: ما الذي يريدونه؟ قل لهم ليغنوا بعيداً عن المكتب.
المستشار: أنهم لا يغنون. أنهم يتضورون جوعاً.
السيد: ليذهبوا الى بيوتهم ويأكلوا هناك.
المستشار: بيوتهم فارغة. لا يجدون ما يأكلونه.
السيد: وهل خلت الأسواق مما يصلح للأكل؟
المستشار: بل فرغت الجيوب من ان تأتي بما في السوق لصحونهم.
السيد: أمر مريب. من أفرغ جيوبهم؟ اذهب اليهم واسألهم. من أفرغ جيوبهم؟
المستشار: لا حاجة للذهاب لهم. أنا اعرف ما أفرغ جيوبهم.
السيد: ومن الذي تجرأ على الناس وأفرغ جيوبهم.
المستشار: البطالة يا سيدي.
السيد: ماذا؟ (يفكر قليلاً) لم اسمع بهذه من قبل. ما الذي تعنيه هذه الكلمة؟
المستشار: البطالة؟ ألا تعرفها يا سيدي؟ هي تعني ان يجلس المرء في منزله بلا عمل.
السيد: وما الذي يمنعهم عن العمل؟
المستشار: الوضع يا سيدي.
السيد: أي وضع هذا الذي يمنع الناس من ان يعملوا؟
المستشار: الوضع الاقتصادي يا سيدي.
السيد: لم ار ما يقوّض وضعنا الاقتصادي، كل شيء متوفر هنا.
المستشار: ليس هنا يا سيدي. بل هناك.
السيد: (ببلاهة) هناك؟ أين؟
المستشار: خارج المنطقة الرمادية.
السيد: تقصد الخضراء؟
المستشار: كانت خضراء وأضحت رمادية.
السيد: اتركنا من هذا، اذهب للناس واعط كل فرد منهم ما يمكن ان يسد رمقه.
المستشار: لكل فرد يا سيدي ام لكل عائلة؟
السيد: أي عائلة؟
المستشار: كل فرد منهم يعيل عائلة.
السيد: اذن اعطه خبزتين.
المستشار: خبزتان لا تكفي
السيد: ألم تقل لكل فرد عائلة. زوج وزوجة.
المستشار: والأبناء يا سيدي؟
السيد: كم عددهم؟
المستشار: لا يقل عن خمسة ابناء لكل زوج (مؤكداً) وزوجة.
السيد: (مستغرباً) خمسة؟
المستشار: وهناك من تجاوز العشرة.
السيد: قطط اولئك أم بشر؟
المستشار: شيء طبيعي يا سيدي. الفقراء أكثر الخلق انجاباً.
السيد: وما ذنبني انا؟ يفرّخون كأنهم قطط ويريدونني أن املأ بطونهم.
المستشار: أنت سيدنا ومعيلنا.
السيد: (غاضباً) ابتليت بكم. انتم بلاء لا نفع منكم وبكم. ولا بالذين وضعت ثقتي بهم.
المستشار: أتقصد الأحزاب يا سيدي؟
السيد: ومن غيرهم. تجار الدم، الأغبياء، وكّلتهم وما وفوا، لا همّ لهم الا استنزاف البلد.
المستشار: وهل بقي شيء لم يستنزف؟
السيد: البقاء للاقوى.
المستشار: لم افهم يا سيدي. من ألقوى؟
السيد: (يتلفت هنا وهناك) أولئك الجياع، رغم جوعهم هم الأقوى.
المستشار: (مستغرباً) انت تقول هذا يا سيدي؟ أنا لا ارى القوى الا هنا. أنت القوى يا سيدي.
السيد: امتصّوا ما بي من قوة.
المستشار: (مؤكداً) أراك قوياً. ما زلت قوياً.
السيد: وهل تعرف ما لا أعرفه أنا عن نفسي؟
المستشار: أنت اعرف مني يا سيدي (يؤكد) لكني اصرّ على ذلك.
السيد: ما لا تعرفه أنت وغيرك أن هناك من أوهمني أن مصائر الناس بيدي. وان ارزاقهم بيدي. وان حياتهم لن تمضي دوني فصدقت ونسيت أن يوماً سأكون وحيداً ولا أحد سيكون سنداً لي.
المستشار: لست مجبراً على شيء يا سيدي.
السيد: حين تكون البندقية فوق راسك ستكون حتماً مجبراً
المستشار: أن تعاني يا سيدي أكثر منا.
السيد: ربما اكثركم معاناة.
المستشار: بيدك السلطة يا سيدي.
السيد: وما نفع السلطة بلا ارادة. أنهم يتحكمون بكل شيء.
المستشار: كن مع الناس يا سيدي. خذ قوتك من الناس.
السيد: لا يمكن للصفحات السود أن تكون بياضاً
المستشار: لكن صفحتك بيضاء.
السيد: كانت بيضاء قبل أن أكون بينهم.
المستشار: الزمن كفيل بالنسيان. الناس تصطف مع من يقف معهم.
السيد: ما سببوه للناس من الم لا يمكن نسيانه.
المستشار: أؤكد لك يا سيدي أن الطيبين لا يضمرون لأحد شراً. الطيبة والحقد لا يجتمعان في جسد واحد. هذا ما اعرفه.
السيد: (يقف. ينظر له صامتاً)
المستشار: اعتذر يا سيدي. تماديت كثيراً ونسيت نفسي في حضرتك.
السيد: كنت أفكر فيما قلته.
المستشار: هل أغضبتك يا سيدي.؟
السيد: لم تقل ما يغضبني.
المستشار: اعتذر ثانية يا سيدي.
السيد: ما قلته هو وجه الحق. غاب عن ذهني كثير من الفهم. لم اسمع من قبل ما سمعته منك الآن. كل من يأتيني لم يقل الا ما يعجبني. اولئك أخطر من صادفته. (يصمت) من علمك كل هذا؟
المستشار: الحياة يا سيدي. علّمتني الحياة كل ذلك.
السيد: (بحسرة) ليتها علّمتني ما تعلمته.
المستشار: عذراً سيدي. أنت استاذنا ومعلمنا.
السيد: لا تكن مثل أولئك الأبواق المصفقين دائماً. كن كما أنت ولا تميل الى ما يرغب الآخر أن يسمعه منك.
المستشار: لأنك صاحب فضل عليّ.
السيد: لم يكن فضلا. كان تحدياً. (يصمت قليلاً) أتدري لماذا اخترتك مستشاراً.؟
المستشار: لأنني محظوظ.
السيد: (باسماً) لأن هناك من أراد الإيقاع بك. هذا كان التحدي. رفعوا أكثر من تقرير عنك وكلها تشير الى أنك جوكر!
المستشار: جوكر؟ وما هو الجوكر يا سيدي؟
السيد: المتأمرك بثياب وطنية.
المستشار: (يصمت) لم افهم.
السيد: الذي له علاقة بالخارج.
المستشار: (ضاحكا) الحمد لله لم يكن لي أي علاقة بأحد في الشرق أو الغرب.
السيد: الشرق لا يعنيهم لأن لهم أرباب هناك. لا بل ستكون مقبولا بينهم. فهم مخلوقون من اجل شرق بلادهم. لا يهمهم ما يحل هنا من بلاء شرط أن تكون تلك الجارة في أمان.
المستشار: يا سبحان الله. أرجو أن لا تكون انت منهم يا سيدي.
السيد: (ضاحكاً) لست منهم لكن الناس يضعون الجميع في تلك الخانة.
(أصوات الناس تعود من جديد)
المستشار: (يلتفت حيث مصدر الصوت) هل أدعو ممثلي الناس أن يدخلوا يا سيدي؟
السيد: (يقف منتصباً) الآن تيقنت أن الله اذا أحبّ عبداً رفع الغشاوة عن عينيه وعن قلبه ليعرف أين يضع خطواته. سأخرج انا للناس لأني اشعر ان مكاني بينهم هناك، في الشارع، وليس في هذه المنطقة الغبراء!
المستشار: وماذا ستقول للأحزاب ان سألوا؟
السيد: هم بلاء الأمة. سأتركهم يخوضون في عميهم حتى يأتي الوقت الذي لا ينفعهم فيه الندم. (يضع يده على كتف المستشار) اعلم ايها المستشار المخلص أنك هبة الله لي ولولاك لما استطعت أن أصل الى بر الخلاص.
(صوت المخرج من الخارج): احسنتم.. احسنتم يا رفاق!
المستشار: (مع المخرج الذي يدخل للمسرح) ألم تقل أن هناك تكملة للمسرحية.؟
المخرج: (وهو يتصفح أوراق النص) لم يرسل المؤلف الفصل الثاني منها. أرى أنكما ابليتما بلاء حسناً في هذا الفصل. أما الفصل الثاني فسيقدمه الجمهور هناك في الساحات، لأنهم هم من سينهي المسرحية التي ابتلوا بها منذ سنوات وهم سيكونون مصدر الهام لمن غرر بهم لكي ينفضوا عنهم غبار الخديعة والكذب والتبويق والتصفيق لحثالات الزمن الأغبر. لنصفق لهم .
السيد والمستشار: (يصفقان)
اظلام
ستار
البصرة في 7 شباط 2020