بعد أسبوع من وفاة الجمل، كتب جمال الغيطاني مقالًا (عبد الفتاح الجمل.. غروب حقبة، أخبار الأدب، 27 فبراير 1994) يوجّه فيه رجاءً للدكتور سمير سرحان والفنان فاروق حسني، قائلًا: «أرجو أن يقدم الدكتور سمير سرحان على إصدار أعماله الكاملة والتي لن يتجاوز جمعها مجلدًا واحدًا، بما فيها آخر ما كتب، مقالاته التي نشرها في «أخبار الأدب» مع صدورها ولم يتوقف إلا مع بدء مرضه الذي لم يكن يدري حجم خطورته. ومن ناحية أخرى أرجو من الفنان فاروق حسني أن يبادر باتخاذ الإجراءات لكي تقوم وزارة الثقافة باقتناء مكتبته التي تضم نفائس فريدة من الأدب العربي والعالمي أخشى ما أخشاه أن يتبدد تراثه، سواء ما جمعه من كتب أو ما أبدعه من نثر جميل، ولن يهدأ لنا بال إلا بصدور أعماله، وباستقرار ما خلفه من كتب في مكان يليق بها، وبين أيد تعرف قيمتها».
وقبل نهاية العام التالي كتب عدلي رزق الله (الجمل.. الرجل الذي علمني الكتابة، 1995): «لم يكتب عبد الفتاح إلا دررًا، وحين أفكر في ذكراه الثانية التي ستحل بعد شهور قليلة لا أجد لائقًا للاحتفاء والاحتفال غير تقديم «كل» أعمال عبد الفتاح لمصر والمصريين الذين عشقهم، ولا أجد الآن غير المجلس الأعلى للثقافة لكي أتوجه إليه بتلك المهمة الجليلة التي تشرف من يفعلها. جابر عصفور أعرف أنك قادر عليها وأعدك بالإخراج الفني لمن أحب ولكتابات عشقتها حين كنت أتبادل الحديث مع إدوار الخراط عن حلمي لعبد الفتاح وأعماله الكاملة، قال: لا تنسوا جمع مقالات الرجل حتى لا يضيع تراثه بالتقادم. عبد الفتاح، إلى لقاء مع أعمالك الكاملة لجمهور متعطش هذه الأيام ليعرف أن هناك عشاقًا لمصر لا للمال».
وبعد عشر سنوات، تساءل محمد كامل القليوبي (في الذكرى العاشرة لوفاة عبد الفتاح الجمل.. دعوة لإنقاذ عقل مصر، أخبار الأدب، 22 فبراير 2004): «أين أعمال عبد الفتاح الجمل؟»، وطالب في مقاله أدباء ومثقفي مصر بتحدي قرار ورثة عبد الفتاح الجمل بمنع نشر كتاباته وأن يشاركوا جميعًا بدفع مبالغ مالية، كل حسب قدرته، لتمويل نشر أعماله الكاملة والمشاركة التضامنية في مسئولية النشر.
في عام 2015 كرر القليوبي مطلبه، مع توضيح لمسألة قرار الورثة بمنع نشر الكتابات (زمن عبد الفتاح الجمل، الأهرام، 13 فبراير 2015): «مما يدعو للحسرة، أن أعمال عبد الفتاح الجمل جميعها ممنوعة من النشر، إذ سيطر أحد السلفيين على عقول ورثته وأدخل في روعهم أن كتابات الجمل تنطوي على (كُفر) بيّن وينبغي منع نشرها، وهكذا حال هؤلاء الورثة دون نشر إبداعات الجمل وكتاباته، ورفضوا نشر أعماله الكاملة رغم موافقة د.سمير سرحان رئيس الهيئة العامة للكتاب وسعيه لذلك، وفشلت وساطة الكاتب الكبير محمد البساطي في إقناع ورثته بالموافقة على النشر».
كان د.جابر عصفور آنذاك هو وزير الثقافة، فقرر نشر أعمال الجمل، حسبما جاء في خبر بالصفحة الأولى لجريدة الأهرام (عصفور ينقذ أعمال الجمل، 19 فبراير 2015): «تقديرًا لمكانة الأديب والروائي عبد الفتاح الجمل الأدبية، تفاعل الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة، مع مقال المخرج محمد كامل القليوبي بملحق «أهرام الجمعة» عنه في ذكرى رحيله الحادية والعشرين، حيث قرر تبني الدولة نشر أعماله الكاملة بعد أن أدخل أحد السلفيين في روع ورثة الأديب أن كتاباته تنطوي على (كُفر) بيّن وينبغي منع نشرها. وكلّف عصفور رئيس دار الكتب حلمي النمنم بنشر هذه الأعمال».
حينما عُدت لورثة عبد الفتاح الجمل، نفوا تمامًا ما تردد حول منعهم للنشر أو أن هناك من وصف كتابات عبد الفتاح بالكُفر، وأكد عوض الجمل أن أحدًا لم يتواصل معهم قبل عام 2008، حينما ذهب مع البساطي إلى دار الشروق لإصدار طبعة جديدة من «محِّب»، ثم فيما بعد عام 2015 عندما تقابل مع الشاعر شعبان يوسف والمخرج د.محمد كامل القليوبي وذهبا إلى د.جابر عصفور والكاتب الصحفي حلمي النمنم.
ومما يدلل على ما قاله عوض الجمل، أنه في الذكرى الأولى لرحيل عمّه، كتب عزت القمحاوي (بكل أدب بعد عام من وفاته، أخبار الأدب، 19 فبراير 1995)، مشيرًا إلى مخطوطات عبد الفتاح التي تُنشر لأول مرة بمبادرة من عوض: «ترجم خرافات أيسوب وأحبها، ونسج على منوالها خرافاته هو التي لم تُنشر من قبل، وحملها إلى أخبار الأدب عوض الجمل ابن شقيقه لنزين بها صفحاتنا في ذكراه، آملين أن ترى النور في كتاب ضمن أعماله الكاملة هذا العام».
أما القرار الخاص بعام 2015، فيقول عنه د.جابر عصفور: «كان ضمن المشاريع التي أعمل عليها أن ننشئ مركزًا لجمع التراث الأدبي الحديث في مصر، لكن الوقت لم يسعفني لاستكماله، وحينما خرجت من الوزارة ضاعت هذه الفكرة مع بقية الأفكار والمشاريع».
ويشير شعبان يوسف إلى أن القليوبي كانت لديه بالفعل عدة مجلدات قام بتجهيزها من مقالات الجمل، ولولا معارضة أخيه المتشدد لنُشرت أعمال عبد الفتاح منذ زمن، إذ كان سمير سرحان مرحبًا بذلك. وعما صار في 2015 يقول: «تقابلنا أنا وعوض ود.كامل القليوبي مع حلمي النمنم، وكان حينها رئيس دار الكتب، لكن في ذات اليوم أقيل د.جابر عصفور وتولى مسئولية وزارة الثقافة د.عبد الواحد النبوي».
من جهته، يقول د.عبد الواحد النبوي إن هذا الأمر لم يُعرض عليه إطلاقًا أثناء وجوده في الوزارة، ويضيف: «لم يأت أحد لمناقشته معي، ولم أر قرارًا يتحدث عن إنشاء ذلك المركز. وإنما كنا نفكر في شيء آخر، وهو عمل ذاكرة للأدباء والمفكرين المصريين، وكنت سأسند تنفيذه للمجلس الأعلى للثقافة، لكن الوقت لم يسعفنا لاتخاذ خطوات إجرائية في هذا الأمر».
توجهتُ للكاتب الصحفي حلمي النمنم، لسؤاله «لماذا مات الموضوع وأنت رئيس لدار الكتب؟ ولماذا لم يتجدد عندما صِرت وزيرًا للثقافة؟» فأجابني: «الموضوع لم يمت، لأنه من الأساس كان مجرد كلام بدون اتخاذ أية إجراءات. كان من المفترض أن يتم إنشاء المركز في دار الكتب، وهذا يتطلب قرارًا جمهوريًا، وبيانًا لماهيته؛ هل سيتبع دار الكتب أم أحد المراكز بها، خاصة أننا لدينا مركز تحقيق التراث، لذلك ظل الأمر مجرد كلام».
وأنهى النمنم حديثه مؤكدًا على أن مقالات الجمل إذا كانت جُمعت وعُرضت عليه لنشرها على الفور من دار الكتب أو هيئة الكتاب، لكن ذلك لم يحدث.
ما الوضع الآن؟
عرضتُ الأمر على الشاعر والكاتب الصحفي جرجس شكري، أمين عام النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، فأبدى ترحيبه الشديد بنشر أعمال عبد الفتاح الجمل في الهيئة، تقديرًا منه لقيمة الكاتب الراحل ودوره العظيم في تقديم جيل الستينيات.
وقبل نهاية العام التالي كتب عدلي رزق الله (الجمل.. الرجل الذي علمني الكتابة، 1995): «لم يكتب عبد الفتاح إلا دررًا، وحين أفكر في ذكراه الثانية التي ستحل بعد شهور قليلة لا أجد لائقًا للاحتفاء والاحتفال غير تقديم «كل» أعمال عبد الفتاح لمصر والمصريين الذين عشقهم، ولا أجد الآن غير المجلس الأعلى للثقافة لكي أتوجه إليه بتلك المهمة الجليلة التي تشرف من يفعلها. جابر عصفور أعرف أنك قادر عليها وأعدك بالإخراج الفني لمن أحب ولكتابات عشقتها حين كنت أتبادل الحديث مع إدوار الخراط عن حلمي لعبد الفتاح وأعماله الكاملة، قال: لا تنسوا جمع مقالات الرجل حتى لا يضيع تراثه بالتقادم. عبد الفتاح، إلى لقاء مع أعمالك الكاملة لجمهور متعطش هذه الأيام ليعرف أن هناك عشاقًا لمصر لا للمال».
وبعد عشر سنوات، تساءل محمد كامل القليوبي (في الذكرى العاشرة لوفاة عبد الفتاح الجمل.. دعوة لإنقاذ عقل مصر، أخبار الأدب، 22 فبراير 2004): «أين أعمال عبد الفتاح الجمل؟»، وطالب في مقاله أدباء ومثقفي مصر بتحدي قرار ورثة عبد الفتاح الجمل بمنع نشر كتاباته وأن يشاركوا جميعًا بدفع مبالغ مالية، كل حسب قدرته، لتمويل نشر أعماله الكاملة والمشاركة التضامنية في مسئولية النشر.
في عام 2015 كرر القليوبي مطلبه، مع توضيح لمسألة قرار الورثة بمنع نشر الكتابات (زمن عبد الفتاح الجمل، الأهرام، 13 فبراير 2015): «مما يدعو للحسرة، أن أعمال عبد الفتاح الجمل جميعها ممنوعة من النشر، إذ سيطر أحد السلفيين على عقول ورثته وأدخل في روعهم أن كتابات الجمل تنطوي على (كُفر) بيّن وينبغي منع نشرها، وهكذا حال هؤلاء الورثة دون نشر إبداعات الجمل وكتاباته، ورفضوا نشر أعماله الكاملة رغم موافقة د.سمير سرحان رئيس الهيئة العامة للكتاب وسعيه لذلك، وفشلت وساطة الكاتب الكبير محمد البساطي في إقناع ورثته بالموافقة على النشر».
كان د.جابر عصفور آنذاك هو وزير الثقافة، فقرر نشر أعمال الجمل، حسبما جاء في خبر بالصفحة الأولى لجريدة الأهرام (عصفور ينقذ أعمال الجمل، 19 فبراير 2015): «تقديرًا لمكانة الأديب والروائي عبد الفتاح الجمل الأدبية، تفاعل الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة، مع مقال المخرج محمد كامل القليوبي بملحق «أهرام الجمعة» عنه في ذكرى رحيله الحادية والعشرين، حيث قرر تبني الدولة نشر أعماله الكاملة بعد أن أدخل أحد السلفيين في روع ورثة الأديب أن كتاباته تنطوي على (كُفر) بيّن وينبغي منع نشرها. وكلّف عصفور رئيس دار الكتب حلمي النمنم بنشر هذه الأعمال».
حينما عُدت لورثة عبد الفتاح الجمل، نفوا تمامًا ما تردد حول منعهم للنشر أو أن هناك من وصف كتابات عبد الفتاح بالكُفر، وأكد عوض الجمل أن أحدًا لم يتواصل معهم قبل عام 2008، حينما ذهب مع البساطي إلى دار الشروق لإصدار طبعة جديدة من «محِّب»، ثم فيما بعد عام 2015 عندما تقابل مع الشاعر شعبان يوسف والمخرج د.محمد كامل القليوبي وذهبا إلى د.جابر عصفور والكاتب الصحفي حلمي النمنم.
ومما يدلل على ما قاله عوض الجمل، أنه في الذكرى الأولى لرحيل عمّه، كتب عزت القمحاوي (بكل أدب بعد عام من وفاته، أخبار الأدب، 19 فبراير 1995)، مشيرًا إلى مخطوطات عبد الفتاح التي تُنشر لأول مرة بمبادرة من عوض: «ترجم خرافات أيسوب وأحبها، ونسج على منوالها خرافاته هو التي لم تُنشر من قبل، وحملها إلى أخبار الأدب عوض الجمل ابن شقيقه لنزين بها صفحاتنا في ذكراه، آملين أن ترى النور في كتاب ضمن أعماله الكاملة هذا العام».
أما القرار الخاص بعام 2015، فيقول عنه د.جابر عصفور: «كان ضمن المشاريع التي أعمل عليها أن ننشئ مركزًا لجمع التراث الأدبي الحديث في مصر، لكن الوقت لم يسعفني لاستكماله، وحينما خرجت من الوزارة ضاعت هذه الفكرة مع بقية الأفكار والمشاريع».
ويشير شعبان يوسف إلى أن القليوبي كانت لديه بالفعل عدة مجلدات قام بتجهيزها من مقالات الجمل، ولولا معارضة أخيه المتشدد لنُشرت أعمال عبد الفتاح منذ زمن، إذ كان سمير سرحان مرحبًا بذلك. وعما صار في 2015 يقول: «تقابلنا أنا وعوض ود.كامل القليوبي مع حلمي النمنم، وكان حينها رئيس دار الكتب، لكن في ذات اليوم أقيل د.جابر عصفور وتولى مسئولية وزارة الثقافة د.عبد الواحد النبوي».
من جهته، يقول د.عبد الواحد النبوي إن هذا الأمر لم يُعرض عليه إطلاقًا أثناء وجوده في الوزارة، ويضيف: «لم يأت أحد لمناقشته معي، ولم أر قرارًا يتحدث عن إنشاء ذلك المركز. وإنما كنا نفكر في شيء آخر، وهو عمل ذاكرة للأدباء والمفكرين المصريين، وكنت سأسند تنفيذه للمجلس الأعلى للثقافة، لكن الوقت لم يسعفنا لاتخاذ خطوات إجرائية في هذا الأمر».
توجهتُ للكاتب الصحفي حلمي النمنم، لسؤاله «لماذا مات الموضوع وأنت رئيس لدار الكتب؟ ولماذا لم يتجدد عندما صِرت وزيرًا للثقافة؟» فأجابني: «الموضوع لم يمت، لأنه من الأساس كان مجرد كلام بدون اتخاذ أية إجراءات. كان من المفترض أن يتم إنشاء المركز في دار الكتب، وهذا يتطلب قرارًا جمهوريًا، وبيانًا لماهيته؛ هل سيتبع دار الكتب أم أحد المراكز بها، خاصة أننا لدينا مركز تحقيق التراث، لذلك ظل الأمر مجرد كلام».
وأنهى النمنم حديثه مؤكدًا على أن مقالات الجمل إذا كانت جُمعت وعُرضت عليه لنشرها على الفور من دار الكتب أو هيئة الكتاب، لكن ذلك لم يحدث.
ما الوضع الآن؟
عرضتُ الأمر على الشاعر والكاتب الصحفي جرجس شكري، أمين عام النشر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، فأبدى ترحيبه الشديد بنشر أعمال عبد الفتاح الجمل في الهيئة، تقديرًا منه لقيمة الكاتب الراحل ودوره العظيم في تقديم جيل الستينيات.