فتحي مهذب - ثلاث محاولات فاشلة لملك الموت.. قصة قصيرة

بلغ قمة الجبل رغم قساوة الصخور وكثافة الأشجار وسقوط المطر بشكل متقطع وظهور بنات آوى من حين إلى آخر.
هكذا كان مسكونا بارتياد القمم الوعرة موقنا أن الله قريب جدا من الجبال الشاهقة وبمقدوره أن يتجاوز شرطه المحفوف بالنقصان والمزالق ويرى الله جالسا على كرسي من الذهب الخالص محاطا بسرب من الملائكة والقديسين.
حينئذ يمكن أن يرفع عينيه الثاقبتين إلى أعلى شريطة أن يعقل عقله بحبل دقيق جدا لئلا ينفرط الكيس المليء بالأسرار.
في هذه البرية الشاهقة مزق نعيق الغراب الأجواء المكتنزة بالصمت فارتعدت قطعان حواسه.
وبفجاءة مربكة برز ثعبان عملاق مجنح أشيب مكسو بشعر كثيف تتقطر عيناه البلوريتان شررا.
زحف بخفة ومرونة وانتحى ناحيته.كانت نواقيس قيامية تتبجس من حنجرته الشبيهة بعامود من المرمر.
قال الثعبان للراعي لا تجزع أنا ملك الموت كلفتني العناية الإلاهية بقبض روحك.
لقد حاولت مرتين سابقتين طبقا لمرسوم إلاهي قبض روحك ولكن فشلت في ذلك فشلا ذريعا.
الأولى لما إنزلقت قدماك وسقطت من الطابق الرابع وشبت معركة فظيعة بيني وبين الحكيم الذي أشرف على علاجك وقد وفق في إنقاذك وتخليصك من مخالبي.
والثانية لما غرقت في مسبح وأنقذك سباح ماهر بسرعة قياسية.
وقد وجه الله لي إنذارا بعزلي وإعادتي إلى العمل مثل بستاني في جنته الغناء.
توسلت إليه بكل ما أوتيت من قوة بأن ألتزم بتطبيق القوانين
وأكون مستيظا على مدار الليل والنهار.
وهانذا اليوم في قمة هذا الجبل العظيم في أحياز هذه العزلة الوارفة سأقبض روحك وبذلك أكون قد أنجزت شيئا عظيما وأتخلص من عقدة الذنب التي ما فتئت تلاحقني.
لقد مسخني الله ثعبانا هجينا لتقصيري في العمل والتراخي الذي يعتريني من حين إلى آخر بسبب اللهو واللامبالاة والسفسطة.
هذه فرصتي الذهبية لاستعادة جوهري المشتق من معدن الذات الكبرى .
كان الراعي يكره فكرة الموت ويعترض على إنشائها وبخاصة قبل إنجاز أشياء مهمة.
حدق في تقاطيع ذؤابة الثعبان المرعبة.
أرجوك أيها الثعبان ذرني وشأني.
إن لي زوجة وصغارا هم في مسيس الحاجة لي ولم أتم بناء الجسر الذي أشرف على إنجازه.
وبذلك يكون شرف لي ولبني جنسي شرف تجاوز القوة إلى الفعل.وإسناد المعنى لعالم اللامعقول.
ضحك الثعبان كما لو أنه أمير مسحور.
وقد سخر من فكرة البناء والفعل.
وعد هذا ضربا من قش اليوطوبيا.
ثم أطلق دويا يشبه نفير يوم الساعة.
الثعبات : ستموت الآن أيها الغبي.
الراعي : مصطفقا مثل نافذة مشرعة.
لا أرغب في الموت الآن.
أجل موتي إلى يوم آخر.
الثعبان : أتسخر مني أيها الفاني المتغطرس.
الراعي : كلا يا مولاي.
وبينما إشتعل الحوار بين الراعي والثعبان.
قدم صيادون غلاظ شداد مصوبين بنادقهم إثر خنزير وارتفعت الجلبة إلى حد لا يطاق وهبت ريح عاصف فاختفى الثعبان داخل أغوار الجبل الرمادي ونجا الصياد من قبضته المحكمة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...