على حزين - شبح كورونا.. قصة قصيرة

ليلة أمس هرب النوم مني , جلست مُتأرقاً , والفكر في رأسي ـ كالعادة ـ كلاب سعرانة تنهش وتجري .. سحبتني قدماي نحو المكتبة , أمسكت احد الكتب .. ديوان " لابن جرير" اشتريته من معرض الكتاب , قرأت المقدمة .. وبعضاً من قصائده الجميلة التي راقت لي....

ولما شعرت بالملل , فكرت في الخروج أشم الهواء الطلق , لكني تراجعت عن هذه الفكرة في آخر لحظة , فأنا لم أزل مريض , وأحتاج إلي الراحة .....

قمت , فتحت التلفاز , فرأيت نفس الوجوه التي أراها كل ليلة , والتي لا أظن أن تتغير إلا بتغير هذا العالم , وجوهًا مججتها وسئمتها جميعا .. وجوهًا تتكلم في كل شيء وعن أي شيء .. وجوهًا تدعى بأنها النخبة المثقفة , وبأنها تملك الحقيقة المطلقة , وتعرف أي شيء عن أي شيء , وكأنهم أنبياء أوحي لهم من السماء .. حقاً أنه مُر هذا الواقع الأليم......

تقلبت على أريكتي كالمحموم , وذكرياتي القديمة تؤرقني .. وأنا اسأل نفسي .. ألاف ألأسئلة .. متى ..؟! .. وأين..؟! .. وكيف ..؟!.. ولم أجد إجابة تشفى غليل , وفى النهاية ضربت كفاً بكف , وتقلبت على أريكتي , وأنا كلي ضايق , وضجر , وحنق , متبرماً حتى الثمالة.....

((الإحداث التي أراها على الساحة لا تسر أحد , وكلها تبعث على الخوف , والقلق العدو انقلب إلي حبيب , والحبيب انقلب إلي عدو, حروب , مجاعات , وأزمات طاحنه تعُم كل أرجاء العالم .. مرض , فقر , جهل .. هذا الثالوث المدمر .. والذي ذاد وغطى شبح " كرونا " هذا الفيروس الشرس الذي ظهر فجأة , وراح يغزو العالم .. هذا الوباء القاتل الذي لم لا يُرى , ولم يتوصل العلماء ـ وإلي الآن ـ إلي نصل أو عقار ناجع له .. والناس في ظنون , وشكوك , ومخاوف , وأوهام ليس لها أي مبرر ... حنانيك يا الله )) ....اختنقت .. زهقت .. وشعرت بالملل .. فألقيت بـ " الريم ونت " من يدي , قفزت كالمجنون صوب الحاسوب.....

" لا جديد في المجلدات .. دخلت على " الانترنت " هذا العالم الأزرق الافتراضي , الجميل في الأمر, الأصدقاء من كل أصقاع الأرض " .. علقت على بعض الأشياء,

أذكر وأنا طفل صغير ــ من أربعين عاماً تقريباً ــ سمعتُ الناس وهم يتحدثون عن القيامة التي ستقوم .. لأن الحديد أصبح يتكلم , وذلك حين اخترع الراديو , وكثر القفش , والنكات الظراف , والسخرية من هذا الأمر , ولكن العالم اليوم صار قرية صغيرة , بل أصبحت الكرة الأرضية في غرفتك الصغيرة , وبين متناول يديك صوت وصورة , مباشر الآن , من كان يعقل هذا..؟!! .. وكيف لو حُدث به في القديم ..؟!. أكان الناس يصدقون هذا .. ؟! .. العالم اليوم صعد إلي الفضاء , وحط على النجوم والكواكب , وغاص في أعماق البحار , وصعد إلي ما بعد المريخ , ويطمح إلي المزيد , ومع كل ذلك يقف مكتوف الأيدي أمام فيرس ضعيف , لا حول له ولا قوة غريبٌ أمر هذا الإنسان .. ما أضعفه ، وما أظلمه , وما أجهله .. " وما أتيتم من العلم إلا قليلا"... "......

فتحت برنامج التواصل الاجتماعي .. علقت على بعض الأصدقاء .. وشاركت بعض الأشياء, ثم فتحت غرفت الدردشة الخاصة , تحدثت مع صديق لي بعض الوقت .. وحين شعرت بالملل , اعتذرت له وخرجت من غرفة الحوار, وأغلقت "الفيسبوك"

نظر في الساعة , كانت تشير للثانية يعد منتصف الليل , والجو شديد البرد........

فتحت موقع الصحف والمجلات , تطلعت العناوين , نفس المنشطات , ونفس المواضيع , جلها عن الفنانين , ولعيبي الكرة , وعن نسب الطلاق المرتفعة , عزوف عن الزواج .. ارتفاع نسب البطالة , وارتفاع معدل الفقر والجريمة , والتحرش , وعن عالم الاقتصاد , والساسة , الخ ...

الطقس الليلة سيء جدا, والبرد شديد , وليلة أمس كدت أن أموت ـ لولا ستر الله ـ أولادي أصروا علي أن يذهبوا بي إلي المشفى , وتحت الإلحاح , وافقت , ذهبت

" هذا الدور يعاودني كل شتاء .. البرد اللعين جاءني فجأةً , ودون سابق إنذار"

ذهبت إلي المشفى الحكومي .. وأنا ارتدي الدولاب .. وبرغم ذلك كنت أتزفزف .. وقف .. وأرتعد , وانتفض من شدة البرد , وهناك في الاستقبال , وجدت بعض الحسناوات الصغيرات يرتدين " البالطو " الأبيض " دكاترة امتياز" جلسن خلف الدائرة الرخامية , وقد وضعن أيديهن في جيوبهن .. فتوجهت إلي أحداهن بالحديث وأنا لا أدري من منهن الطبيبة , ومن منهن الممرضة , فالكل يرتدي نفس الثياب الأبيض .. المهم .. شكوت لها ما أجد من شدة الألم , وقد أخرجت شريط مضاد حيوي وعلبة دواء , لا أذكر أسمها , كنت قد أخذتها قبل سابق , فذهب عني الذي أجد .. فنظرت إليَّ بابتسامة جميلة , ثم قالت :

ــ زين امشي عليهم وأنت تروق "

فضحكت وأنا أقول لها :

ــ طاب لو سمحتي اخذ كم مرة من هذا وذاك

ــ صباحاً ومساءً ..

ـ بعد الأكل ولا قبل الأكل

ـ الأفضل بعد الأكل لأن المضاد الحيوي قوي وثقيل علي المعدة .

ــ شكرا .. طاب ما فيـ ش أي حاجه أخدها هنا في المستشفي ..

ــ آه هـ تأخذ حقنه للبرد وتروق إن شاء الله

وانتظرت من يعطيني الحقنة , وعندما لم يجدوا رجل , تطوعت واحدة منهنَّ لتعطينيها .. فسكن الألم قليلاً , ثم عودت إلي البيت , لكن سرعان ما عاودني الدور وبدأت رحلت البحث عن طبيب ماهر .. ومن عيادة لعيادة , ومن شارع لشارع , حتى استقر بنا المطاف عند طبيب حاذق , وبالفعل ذهبت إليه , وانتظرت دوري الذي تأخر كثيراً , وبعد الفحص جيدا , اكتشف المرض .. وشخصه

ــ نزلة برد حادة , جعلت حلقي يلتهب ويكون صديدا ..

التعب والإعياء مازالا يسكنا جسدي , وأنا أريد أن أنام , ولكن لا أستطيع ..

أغلقت الحاسوب , أطفأت المصباح .. استرخيت على فراشي .. وضعت الغطاء علي جسدي , شعرت بأسناني تَصْطكَّ " تك تك تك " ..

ــ " تبا لهذا المرض العين "

********

تمت مساء الخميس 27 / 2 / 2020

على السيد محمد حزين / طهطا / سوهاج / مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...