هناك صلات ووشائج عميقة تربط بيني وبين كتاب " مائة ليلة وليلة" الذي أصدرته دار بيت الياسمين أخيرا في القاهرة للكاتب العراقي عائد خصباك. يكتب عائد عن وقائع واحداث ومغامرات مضى علي أغلبها نحو نصف قرن. يكتب نفسه وماعاشه وحياة أصحابه التي انخرط فيها بعشق وافتتان ومحبة ومعرفة أيضا.
عرف عائد وخبر جيدا السينما المصرية والغناء. لم يعرف الفنانين فقط، بل عرف الكتاب والموسيقيين والعازفين والممثلين كل أحدا باسمه. وإذا اضاف الواحد أنه لم يكتف بالمعرفة الدقيقة وحدها، إنما مزجها بمحبة وعشق حقيقي، لعرفنا إلى أي مدى هذا الكتاب فاتن وممتع ومترام.
عائد خصباك كاتب عراقي، صدرت له عدة أعمال روائية وقصصية لافتة، آخرها روايته" يادنيا ياغرامي" العام الماضي، وعرفته الحياة الأدبية في مصر مبكرا في أوائل سبعينيات القرن الماضي، عندما عاش في القاهرة لنحو عامين طالب يدرس دراسات عليا في كلية الآداب جامعة عين شمس.
أما الوشائج والصلات التي تربط بيني وبين الكتاب، فمن بينها مثلا أن بعض الوقائع الواردة فيه شاركتُ فيها ، وأوردها الكاتب وأتذكرها على نحو غائم، وبعضها كنت شاهدا عليه في أوائل سبعينيات القرن الماضي. ومن بينها أن عمري لم يتجاوز وقتها أوائل العشرينيات، أي أنني كنتُ في " شرخ الشباب" كما يقال، فتزداد دهشتي من كل تلك المباهج والمسخر والمقالب والأماكن والأبطال المجانين حرفيا مثل يحي الطاهر عبد الله، أحد الشخوص الأساسية في الكتاب، ومثل نجيب محفوظ نفسه، وكيف انتحى مثلا بسعيد الكفراوي على الجانب الآخر من شارع سليمان باشا أمام مقهى ريش، الذي غادره مبكرا ساعة كاملة عن موعده الحديدي، كما دخّن سيجارة في غير موعدها أيضا، وأمسكه من ياقة قميصه، ومضي يعّنفه ويزجره لأنه هو وعفيفي مطر ذكرا الست أم كلثوم بسؤ أمامه، وهو مايعني بالنسبة له أقصى درجات السفاهة وقلة الأدب!!
ومنذ اليوم الأول لوصوله القاهرة، لم يضيّع الفتى عائد وقته في الدراسة والكلام الفارغ، بل انطلق من فوره إلى مقهى ريش، حيث التقى بغالي شكري الذي سبق له التعرف عليه في بغداد، وفي اليوم التالي كان في مجلة الطليعة ليتعرّف على لطفي الخولي، وبعد أيام من التسكع والصعلكة، ينتهي به الأمر إلى استئجار شقة صغيرة في الدقي، في البناية نفسها التي يستأجر فيها غالب هلسا وحده شقة أخرى.. وللقارئ أن يتخيل حجم المساخر التي يمكن أن تحدث عندما يلتقي كل هؤلاء المجانين: يحي وابراهيم منصور وأمل دنقل وابراهيم أصلان والبساطي وعبد الحكيم قاسم وجميل عطية وخيري شلبي ونجيب سرور وغيرهم وغيرهم، وقبل الجميع أبو علي عبد الوهاب البياتي في محله المختار في" لاباس" في شارع قصر النيل.
مائة ليلة وليلة اختارها عائد، لاتتجاوز الليلة الواحدة صفحتين إلا ليلة واحدة على الأرجح، تضم لقطات ووقائع ازداد تألقها وجنونها، عندما يتأملها الواحد بعد مرور نصف قرن على حدوثها. الأمر المؤكد في ليالي عائد أنه محب ومفتون وعاشق لتلك الفترة التي يتذكرها بكل عذوبة، ويصحب القارئ معه ليتجولا معا كصديقين قديمين في وسط البلد و امبابة وشبرا وتُرب الإمام الشافعي والمجاورين والمجاورين والمعادي.
الكتاب حافل أيضا بتفاصيل النقاشات الطاحنة حول الواقعية الاشتراكية مثلا، أو ضرورة انتماء الكاتب للثورة العالمية، أو حق يحي الطاهر عبد الله في سجائر أصدقائه، على الرغم من أنه كان قد رفض لتوّه عرضا من فتحي غانم بالعمل في
عرف عائد وخبر جيدا السينما المصرية والغناء. لم يعرف الفنانين فقط، بل عرف الكتاب والموسيقيين والعازفين والممثلين كل أحدا باسمه. وإذا اضاف الواحد أنه لم يكتف بالمعرفة الدقيقة وحدها، إنما مزجها بمحبة وعشق حقيقي، لعرفنا إلى أي مدى هذا الكتاب فاتن وممتع ومترام.
عائد خصباك كاتب عراقي، صدرت له عدة أعمال روائية وقصصية لافتة، آخرها روايته" يادنيا ياغرامي" العام الماضي، وعرفته الحياة الأدبية في مصر مبكرا في أوائل سبعينيات القرن الماضي، عندما عاش في القاهرة لنحو عامين طالب يدرس دراسات عليا في كلية الآداب جامعة عين شمس.
أما الوشائج والصلات التي تربط بيني وبين الكتاب، فمن بينها مثلا أن بعض الوقائع الواردة فيه شاركتُ فيها ، وأوردها الكاتب وأتذكرها على نحو غائم، وبعضها كنت شاهدا عليه في أوائل سبعينيات القرن الماضي. ومن بينها أن عمري لم يتجاوز وقتها أوائل العشرينيات، أي أنني كنتُ في " شرخ الشباب" كما يقال، فتزداد دهشتي من كل تلك المباهج والمسخر والمقالب والأماكن والأبطال المجانين حرفيا مثل يحي الطاهر عبد الله، أحد الشخوص الأساسية في الكتاب، ومثل نجيب محفوظ نفسه، وكيف انتحى مثلا بسعيد الكفراوي على الجانب الآخر من شارع سليمان باشا أمام مقهى ريش، الذي غادره مبكرا ساعة كاملة عن موعده الحديدي، كما دخّن سيجارة في غير موعدها أيضا، وأمسكه من ياقة قميصه، ومضي يعّنفه ويزجره لأنه هو وعفيفي مطر ذكرا الست أم كلثوم بسؤ أمامه، وهو مايعني بالنسبة له أقصى درجات السفاهة وقلة الأدب!!
ومنذ اليوم الأول لوصوله القاهرة، لم يضيّع الفتى عائد وقته في الدراسة والكلام الفارغ، بل انطلق من فوره إلى مقهى ريش، حيث التقى بغالي شكري الذي سبق له التعرف عليه في بغداد، وفي اليوم التالي كان في مجلة الطليعة ليتعرّف على لطفي الخولي، وبعد أيام من التسكع والصعلكة، ينتهي به الأمر إلى استئجار شقة صغيرة في الدقي، في البناية نفسها التي يستأجر فيها غالب هلسا وحده شقة أخرى.. وللقارئ أن يتخيل حجم المساخر التي يمكن أن تحدث عندما يلتقي كل هؤلاء المجانين: يحي وابراهيم منصور وأمل دنقل وابراهيم أصلان والبساطي وعبد الحكيم قاسم وجميل عطية وخيري شلبي ونجيب سرور وغيرهم وغيرهم، وقبل الجميع أبو علي عبد الوهاب البياتي في محله المختار في" لاباس" في شارع قصر النيل.
مائة ليلة وليلة اختارها عائد، لاتتجاوز الليلة الواحدة صفحتين إلا ليلة واحدة على الأرجح، تضم لقطات ووقائع ازداد تألقها وجنونها، عندما يتأملها الواحد بعد مرور نصف قرن على حدوثها. الأمر المؤكد في ليالي عائد أنه محب ومفتون وعاشق لتلك الفترة التي يتذكرها بكل عذوبة، ويصحب القارئ معه ليتجولا معا كصديقين قديمين في وسط البلد و امبابة وشبرا وتُرب الإمام الشافعي والمجاورين والمجاورين والمعادي.
الكتاب حافل أيضا بتفاصيل النقاشات الطاحنة حول الواقعية الاشتراكية مثلا، أو ضرورة انتماء الكاتب للثورة العالمية، أو حق يحي الطاهر عبد الله في سجائر أصدقائه، على الرغم من أنه كان قد رفض لتوّه عرضا من فتحي غانم بالعمل في