(هاري ترومان أول من اعترف بدولة إسرائيل)
التاريخ الذي أحمله على ظهري ماء الحياة.. أو كل شيئ له تاريخ..
هي العبارة التي قلبت تفكيره رأسا على عقب، هكذا قال الدكتور سيد عويس، عالم الإجتماع المصري، الرجل الذي حمل التاريخ على ظهره في كتابه "ماء الحياة"، و لعل تأثره بهذه العبارة سببه تأثره بأفكار العالم "فريزر " لاسيما كتابه الغصن الذهبي، و كتاب فجر الضمير للعالم برستد، كانت هذه الكتب من اقتراح الدكتور جون لويس لقراءتها، و من خلال هذه الكتب عرف سيد عويس كيف تقدم الإنسان منذ الماضي السحيق و حتى الوقت المعاصر أن يكتشف القوانين التي تسيطر على الظواهر الطبيعية و على الظواهر الإنسانية ليتسلط هو عليها، يقول سيد عويس: ما أبعد المسيرة الثقافية التي يجب أن يقفزها أعضاء الشعب المصري لكي يلاحقوا المسيرة الإنسانية في تقدمها و في تطهير مجتمعاتها من أدران الترهات و الأفكار البالية و الأساطير، و لعلنا نقف وقفة تأييد لرؤية سيد عويس و نقول أن الشعوب كلها و ليس الشعب المصري وحده، و سيد عويس في طرحه هذه الأفكار يقدم للقارئ مثالا بسيطا و هو كيف نجح الإغريق في الماضي في تطهير معارفهم من الأساطير، فتقدمت حضارتهم و تقدم الغرب الذي أخذ منهم هذه الحضارة، و هو يتكلم تحضر في خاطره أسماء أعلام بمختلف مشاربها العلمية و الدينية و الفلسفية ، و كان أول اسم يذكره هو: أخناتون أول الموحدين الذي دعا إلى الإصلاح الديني قبل مارتن لوثر بتسعة و عشرين قرنا من الزمان ، فكان أكثر حيرة بعدما عجزت الفلسفة على أن تساعده على التحرّر و لو أنها وسعت من آفاق تفكيره كباحث عن الحقيقة، و لا شك أن فلسفة البراجماتيزم أو فلسفة الذرائع، التي تَحَدَّثَ عنها أستاذه في مادة الفلسفة يعقوب فام، الذي كان أول من عرف المصريين بهذه الفلسفة.
ما يتميز به الدكتور سيد عويس أنه لم يتأثر بأفكار الغرب و الذي قضى معظم حياته في لندن يدرس و يبحث بين الجامعات و المخابر، و زياراته للمتاحف، بل كان يشعر بالتخمة الفكرية للغرب كما قال هو في الصفحة 110 من كتابه ماء الحياة"، كتبه بأسلوب سلس يسهل على القارئ البسيط فهمه، و هذه مهمة الأستاذ أو المعلم لبسط فكرته أمام طلبته، و لعل مفهوم التخمة استمدها من أستاذه " خالد محمد خالد " و هو يردد أمامهم مرة أنه أخذ يقرأ حتى اتخم من القراءة، و هذا أمر يحول إلى السلبية بالنسبة له هو ، لأنه في المهجر وجد نفسه متفرغا للقراءة من الصباح حتى المساء المتأخر، لا يَمِلُّ من القراءة، و لا يحس إلا بصفاء الذهن، و هذا يدعونا إلى التساؤل: هل الغرب أكثر حبا منّا للقراءة؟ و ماذا تعني لنا القراءة و المقروئية في بلد لا يجد قوت يومه، أي معدته ما تزال جوفاء؟، و لعل العبارة التي استخدمها سيد عويس كمنهج علمي في حياته (حياة المهجر) هي عبارة "ما يمكن أن يكون و ما يجب أن يكون" حتى يفهم الإنسان ما حوله و من حوله فهما علميا.
الحقيقة و أنا أتابع ما كتبه سيد عويس ، فحياة هذا الرجل تشبه إلى حد ما حياة الرَّحَّالَة، فمن لندن إلى باريس، لكسب تجارب جديدة، و نلاحظ أن اللغة كأداة تواصل لها جانب مهم في حياة الإنسان و هو يتنقل من مكان إلى مكان، أو بالأحرى من بلد إلى بلد تختلف لغته عن البلد الآخر، فهو كما يقول لا يتقن اللغة الفرنسية، خاصة و أن الغرب ينظرون إلى العرب بنظرة استهزاء، باريس تختلف عن لندن برائحة مأكولاتها، و هنا يمكننا ان نقف على أوجه الإختلاف بين لندن و باريس، أي أن ثقافتهما مختلفتان، فالخير موجود و الشر موجود و هما في صراع دائم، صراع الغرب و الشرق، لكن كاتبنا يجمع بين الإثنين، تارة يقرأ للغرب، و تارة أخرى يقرأ للشرق و بالخصوص توفيق الحكيم و نجيب محفوظ، الذي لم يكن معروفا في بداية حياته الأدبية ، لولا روايته عصفور من الشرق، فالتزاوج بين الثقافتين الغربية و العربية كانت ميزة سيد عويس، لا لشيئ إلا لمعرفة الآخر، و كيف يفكر؟، لا شك أن سيد عويس بتنقلاته و رحلاته قد أخذ فكرة عن ثقافة المجتمع المصري و ثقافة المجتمع الفرنسي، و توصل إلى موقف حاسم و هو أن الضرورة تحتم على المصريين أن يتحركوا و يفعلوا شيئا من أجل مصر ضد الإستعمار المعوق للتقدم المنشود، و لعل الخطوة ألأولى كما تراءت له هي إلغاء معاهدة 1936، لم يكن سيد عويس و كمواطن عربي راض عن ممارسات الحكومة الإنجليزية، خاصة تجاه ثوار "الملايو " التي كانت تلقبهم بالرعاع ، و هي بذلك تسير على خطى أمريكا و معاملتها لسكان كوريا الشمالية، مثلما فعلت فرنسا مع ثوار الهند الصينية و ثوار الجزائر.
لم تكن رحلة سيد عويس من أجل الإغتراب فحسب و إنما من أجل التغرب ثقافيا و إضافة إلى عناصر ثقافته عناصر الثقافة الغربية ، و من ثم دراسة ثقافة بلاده و دراسة علم الإنتروبولوجيا كهواية، كما دأب على دراسة علم الإجرام، و أكسبته هده التجربة أن من الصفات التي تصنع رجال الأعمال و رجال السياسة ليست فقط المغامرة و الإقدام بل ايضا الرغبة في الكسب، و لعل هذه الصفات هي التي تكوّن المجرمين العتاه، لكن ما سر ربط سيد عويس الإجرام بعلاقة محمد نجيب بجمال عبد الناصر عندما عين مديرا لمكتب الرئيس محمد نجيب، نلاحظ هنا تداخل الثقافة بالسياسة و الجمع بين الدورين في سبيل تكوين المواطن المصري الصالح، لقد كانت الثورة العربية رغم فشلها قد تركت بصمتها في تاريخ مصر، فهي أنجبت كوادر و قادة مصريين منهم عبد الله النديم، قاسم أمين، سعد زغلول، و جاء من بعدهم مصطفى كامل و سيد درويش و طلعت حرب، و أحمد شوقي و حافظ ابراهيم و أمين الخولي، و غيرهم، فهؤلاء على الرغم من الخلافات بسبب المسؤولية، و بالرغم من أن الثورة لم تحقق أحلام الأمة ، فقد ضرب القادة المصريين المثل العليا و بذلوا من التضحيات النفس و النفيس.
فحب الوطن كان عندهم عقيدة، يقول الدكتور سيد عويس: " إن المجتمع الصالح يصنع المواطنين الصالحين، كما أن المواطنين الصالحين يصنعون المجتمع الصالح، إنهما علاقة جدلية"، كل شيئ له تاريخ، كتاب لهولدين طبع عام 1951 ، و غيرها من الكتب التي أرخت لمصر الأحداث غير أن الدكتور في كتابه الصفحة 163 يقف موقف الشامت لخروج الملك فاروق مطرودا، لا نعرف إن كان مثقفا له وزن المثقف يمارس ثقافة الشماتة، ، يقول : تذكرت خروج الملك فاروق مطرودا و شعرت بالتفاؤل، و كنت في حقيقة الأمر شامتا، لسبب واحد هو أن الملك فاروق كان شخصا متسلطا جاهلا و لم يكن النموذج الإنساني الصالح ليكون قدوة صالحة، غير انه يرى أنه ضروري إعادة تكوين المواطنين و إعادة النظر في الثالوث الغير مقدس و هو: الفقر و الجهل و المرض، إن ممارسة الديمقراطية الحَقَّة قد عُطِّلَتْ، أمر أحزنه و هو يرى العنصر البشري في شخص أطفال المجتمع لم يلتفت إليه، و الأمية لم يبدأ مسؤول في التفكير في مواجهتها، و مع ذلك كان الأمل أن يتغير إلى الأفضل بعد أن يعيش أعضاء المجتمع حياة أكثر استقرارا في ظل إيديولوجية واضحة المعالم و الأهداف، خاصة في مجتمع يعيش كل أشكال التحرر كالولايات المتحدة الأمريكية، فقد برز دورها بشكل ملفت للإنتباه بعد الحرب العالمية الثانية و الآثار المترتبة عن هذا الدول في منطقة الشرق الأوسط،
كان هاري ترومان رئيس الولايات المتحدة في ذلك الحين أول من اعترف بدولة إسرائيل، و هو الذي وقّع أمر إلقاء قنبلتي هيروشيما و نجازاكي، و تسبب في موت أكثر من ثمانين ألفا ( 80) من الآدميين المسالمين، كان منهم أطفال و نساء و شيوخ، بدت أمريكا في أعين جماهير العالم و كأنها عملاق، كما لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دورا بارزا في عهد إيزنهاور عندما أعلن عن المفاوضات بين حكام مصر الجدد و الإنجليز، و الحياة في أمريكا شيئ آخر، كل شيئ في الحياة عند الأمريكيين له ثمن، فهم يهتمون بالنقود، كما أن الثقافة الأمريكية تميزت بثقافة التفرقة بين البيض و السود ( الزنوج)، التفرقة في كل شيئ في الخدمات و التشغيل و حتى في التدريب، أو الإلتحاق بالجامعة، و دراسة السود مع البيض، و في هذا الكتاب ذكر سيد عويس قضية أسرة براون في مدينة تكساس عندما قضت السلطات لعدم سماحها لإبنتهم دخول مدارس البيض، لكن قرار المحكمة لم يكن منصفا للزنوج، يذكر أن أول زنجي صرعه الإنجليز أيام الثورة كان عام 1770، بالرغم من أن بوستن كانت تسمى مدينة الحرية و الأحرار، لكن العنصرية كانت متفشية فيها، بحيث لم يكن يسمح للطلبة السود أن يؤجروا شققا لمتابعة الدراسة بجامعة بوستن التي أنشأت عام 1839، لم تكن حرية الرأي في المجتمع الأمريكي مسموح به، و إن مجرد نطق كلمة شيوعية أو اشتراكية كان يعتبر طامة كبرى، و لعل العديد من الأقلام التي تطرقت إلى ما كان يجري من أحداث، على غرار الكاتب بول بلانشارد صاحب كتاب "الحرية الأمريكية و قوة الكاتوليك" صدر سنة 1949 ،.
في الثورات يأكل القائمون بها عادة بعضهم البعض، كما في الثورات تسقط القلاع الحصينة، ففي منتصف 1954 سقطت قلعة ديان بيان فو التي حاصرها الفيتناميين الأحرار حصارا دام 55 يوما على قادة الولايات المتحدة السياسيين، هذه القلعة تقع في الشمال الغربي من اقليم فيتنام، و أن الذين هزموا كانوا من ضباط و جنود الجيش الفرنسي، و كما الإنتصار يولد الإنتصار، فالعنف يولد العنف، كانت الأحداث تتداخل خاصة في جانبها السياسي و الحديث عن إسرائيل و بقائها و اليهودية و الصهيونية و الإسلام و قضية تعدد الزوجات، و كل المشكلات التي كمنت موضع نقاش العلماء و رجال الدين و كيف نشات العدائية و الأسباب التي تدعو إلى إثارة الشعور بالعداوة بين الشعوب، و الشعور بالعداوة هو شعور عميق، خاصة إذا تعلق الأمر بموضوع مناهضة الإستعمار، و المؤتمرات التي عقدت من اجل تحرر الشعوب و بخاصة شعوب العالم الثالث على غرار مؤتمر "باندونغ" الذي أعده جمال عبد الناصر و نهرو و تيتو، كان موضع اهتمام النخبة الأمريكية من السياسيين و الجامعيين، و منه أوصل القادة العرب قضايا العالم الثالث إلى هيئة الأمم المتحدة.
قراءة علجية عيش