نمر سعدي - وقتٌ لأنسَنةِ الذئبِ.. ديوان كامل

إهداء
إلى الهباء
وقتٌ لأنسنةِ الذئبِ I

تمنَّيتُ لو كنتُ ظلَّاً لشمسكِ

تمنَّيتُ لو كنتُ ظنَّاً جميلاً لحدسكِ
ماءً لأنهارِ نفسكِ
أنت التي لا أُسمِّي شذاها الصباحيَّ
أو فتنةَ المخملِ المتوحِّشِ فيها..
دمي كانَ ضوءاً خفيفاً شفيفاً لهجسكِ
روحي تعيشُ على قيدِ عينيكِ
قلبي على قيدِ حبِّكِ
قيدِ القصيدةِ والزعفرانِ النسائيِّ
أنتِ جميعُ النساءِ اللواتي أُحبُّ
ولا لن أُسمِّيكِ يا امرأتي
فأنا مرهقٌ بزهورِ رؤايَ وزهوِ الرجالِ من العنفوانِ
ومن شدَّةِ الحربِ بينَ دمي ودمِ الأقحوانِ
أنا مُرهقٌ مُتعبٌ مثلُ غيمٍ كسولٍ
يسابقُ حوريَّةً في السماءِ
أرى فيكِ كلَّ النساءَ اللواتي تغلغَلنَ فيَّ وفي الياسمينِ
اللواتي نعَفنَ الشموسَ بأوردتي..
لم يُصادقنَ يوماً خطايَ
أقولُ أحبُّكِ..أو ربمَّا لا أقولُ أحبُّكِ
لا وقتَ للحُّبِ
لكنني سأُغنِّي كأنِّي صديقُ الغيومِ
التي تتكوَّنُ حولَ خطاكِ..ليخَضَرَّ قلبي وقلبُكِ
أيتها المرأةُ المتردِّدةُ الكاذبةْ
طاشَ قلبي الصغيرُ وراءَ التماعاتِ روحكِ كالسهمِ
أيتها المرأةُ المستحيلةُ
والأغنياتُ التي سمَّرَتني على خشبِ الحبِّ
والأمنياتُ التي هدْهَدَتْ طفلَ حريَّتي
آهِ أيتها الأنجمُ الذهبيَّةُ في القلبِ
والأسهمُ المرمريَّةُ تلكَ التي لم تكن صائبةْ
لن أُحبَّكِ لن أشتهي برقَ جسمكِ
حتى تُرقِّصَ بريَّتي المهرةُ السائبةْ
لن أُحبَّكِ كيما أُرتِّبَ هذا النهارَ على ذوقِ فوضايَ
أو ذوقِ زهرتكِ المستقيلةِ من عطرها
وعلى قدرِ فضَّتكِ الذائبةْ
تمنَّيتُ لو كنتُ ظلَّاً لشمسكِ في غابةِ الليلِ
تأكلُني وردةُ الفلِّ
مستسلماً لمرايا حضوركِ
أو لغيابِ الفراشةِ عن ماءِ نوركِ
أيتها اللغةُ المشتهاةُ أو المنتقاةُ من القبلةِ الغائبةْ

********

سآوي إلى نخلها

سآوي إلى ظلِّها
يومَ لا ظلَّ يعصمني من سماءِ العصافيرِ في فلِّها المتأنِّقِ
قلبي الغريبُ يدقُّ مرايا خطاها وبسمتَها الليلكيَّةَ
في ليلها المتملِّقِ
في منتهى قمَرٍ من خشَبْ
سأوي إلى نخلها وأجيءُ يديها
بشمسٍ خريفيَّةِ الانكسارِ وعشقٍ كذِبْ
هل تركتُ على خصرها وردةَ الروحِ مأهولةً بالندى
وعلى عنقها قُبلةً من لهَبْ؟
يا لعطرِ زليخةَ..يا مشيةَ الظبيِ.. والفرسِ العربيَّةِ
لا أذكرُ الآنَ هل عطرها كانَ ليمونَ نارْ؟
أُغلقُ القلبَ عن وجهها فأرى قمَراً في النهارْ
هيَ شفَّافةُ الروحِ بحريَّةٌ
كصغارِ السنونو التي لم تعُدْ مرَّةً من سِفارْ
ووحشيَّةٌ مثلُ ذئبِ القفارْ
لا تُراودني بل تُطاردني علناً في جميعِ السمواتِ والأرضِ
تحكمُ كلَّ الرجالِ بياقوتها الجُلَّنارْ
وتحكمني باسمها المستَعارْ

********

أزهارٌ من سدومْ

نثرتُ فوقَ لهيبِ الماءِ أسئلتي
هل كانَ نثرُكِ ما أدمى قرنفلتي؟
وهل شعاعُ رؤى عينيكِ صوَّبَني
سهماً إلى نحركِ المنسابِ في لغتي؟
وهل خطايَ إلى الفردوسِ يحرُسُها
جحيمُ أحلامكِ المخزونُ في رئتي؟
أنهى دمي عنكِ مسحوراً فتأمرُهُ
قبائلُ النحلِ في قلبي وفي شَفَتي
أصونُ فيكِ شذى بحري فيهتكني
حبرُ الغوايةِ في ليلي وليلكتي
ويعتريني هواءٌ شاخَ ينعفُ من
شموسِ جسمكِ فُلَّاً ملءَ أوردتي
حملتُ صخرَ سمائي فوقَ سوسنتي
ودونَ أجراسها علَّقتُ أفئدتي
نثرتُ فوقَ لهيبِ الماءِ أسئلتي
هل كانَ شِعرُكِ ما أدمى قرنفلتي؟
*******
أجُرُّ خلفي فضاءً من هوايَ ومن
ما فيكِ أُبدعُ من تاريخِ أنسَنَتي
هل أنتِ غيمُ ضلالاتي وزخرُفُها
وعنفوانُ عذاباتي وجُلجُلتي؟
وما تبخَّرَ بي من جنَّةٍ نَسَلَتْ
ذئبَ امرئَ القيسِ يعوي..أينَ مملَكتي؟
كأنَّ أعداءَ زهرِ اللوزِ قد رفعوا
فوقَ القصائدِ والأحلامِ جمجمتي
رجمتُهُمْ في جحيمِ الأرضِ مُذْ مُسخوا
فطالعونيَ في صحوي وفي سِنَتي
أمُرُّ بالملحِ في أجسادهم فأرى
جمرَ الشياطينِ حيَّاً بعدُ لمْ يمُتِ
عنقاءَ عامورةٍ نامي فكُلُّ سنا
دنيا سدومَ سوى يومينِ لمْ يَبِتِ
ربَّتْ دليلةُ فيها مكرَ عاهرةٍ
راحتْ تُغطِّي بزهرِ الماءِ مقصلتي
********
أقتاتُ من شَغَفي عشباً يُضيءُ خطى
جلجامشِ السرِّ في أدغالِ ذاكرتي
أقتاتُ من لهَفي حُبَّاً ينازعني
إلى السماءِ كنجمٍ فوقَ خاصرتي
وأنحني مثلَ جون كيتسِ المريضِ على
ماءٍ يضيءُ ثرى منقارِ قُبَّرتي
رميتُ خضرةَ بحرِ السندبادِ إلى
حرائقِ التيهِ في روحي وصاريتي
أنحَلُّ مثلَ رذاذِ الشمسِ من قَلَقٍ
كيما أُعلِّقَ فوقَ الريحِ أغنيتي
إني تأبَّطتُ سيفَ الشعرِ تحتَ دمي
وعلَّقتني على ناري مُعلَّقَتي
كُلُّ الذينَ ذووا في الكشفِ أو صُلبوا
كانوا استمدُّوا الرؤى من وحيِ صعلَكتي
لن أرتضي قمَراً في الجسمِ يصهرُني
حتى تصيرَ لأنكيدو قرنفلتي
لن أرتضي قدَراً ..قُضبانُهُ ذهبٌ
حتى تصيرَ إلى فاوستَ معرفتي
لن أرتضي شجرَاً في القلبِ أو حجَراً
حتى تصيرَ إلى العنقاءِ فلسفتي
عُشبٌ كلامي.. رذاذُ الضوءِ يحملُهُ
يخُطُّ فوقَ ندى عينيكِ مظلمَتي
حضَنتُ صوتَكِ بالعينينِ ألثمهُ
يا مسحةَ الشفقِ العُلويِّ في لغتي
نثَرتُ فوقَ لهيبِ الماءِ أسئلتي
هل كانَ سحرُكِ ما أدمى قرنفلتي؟

**********

شكراً للأمل

شكراً لموسيقا حواسكِ في المساءِ الفوضويِّ
لنبتةِ النارنجِ في شغَفِ ابتسامتكِ الجميلةِ كالصغارِ
لمائكِ الكحليِّ في زغَبِ القصيدةِ
للضحى الكُليِّ / للشمسِ الصديقةِ / للخطى القمريَّةِ الأسماءِ
شكرا لانتباهِ يديكِ لي في زحمةِ الأشياءِ
شكراً للحياةِ ولاشتهاءِ طيوركِ الزرقاءِ
أقماراً معذَّبةً وراءَ الكونِ
شكراً للجمالِ الغامضِ الشفَّافِ
في أزهارِ مخملكِ المفخَّخِ والمريبِ
وألفَ شكرٍ لانهياراتِ القصائدِ فيكِ
كيْ تهبَ الظلامَ بهاءَهُ الضوئيَّ
للأحلامِ إذْ تخضَّرُ في دنيا حرائقكِ المطيرةِ
كُلُّ ما أسعى لفتنةِ قولهِ
هو أنني وحدي أعيشُ مُعلَّقاً بالروحِ من عينيَّ
فوقَ لهيبِ هاويتينِ من فشَلٍ ومن أملٍ
أروِّي بالسرابِ دمي وأُطعمهُ صدى قُبَلٍ
تهبُّ من الشموسِ أو البحارِ عليَّ
أو كذِبَ الغزَلْ
شكرا ليأسِ العاطلينَ عن اجتراحِ الحُبِّ
شكراً للأملْ
شكرا لضحكتكِ المضيئةِ كلِّها
شكرا لزهرِ يديكِ هذا الأبيضِ المشغولِ بالأنهارِ
والحزنِ الجميلِ العبقريِّ السرِّ والأشعارِ
شكرا لاستدارتكِ الخفيفةِ كاعتلالِ الغيمِ
شكراً للسماءِ المرمريِّةِ
للخريفِ السُكريِّ وكلِّ أسرابِ الحجَلْ
شكراً ليأسِ العاطلينَ عن العمَلْ
شكرا لنيسانيَّةٍ ختَمَتْ دمي بجميعِ أختامِ القُبَلْ

********

هل هنالكَ من يحتفي بالألمْ؟

هل هنالكَ من يحتفي بالمساءِ
ولو كانَ خالي الوفاضِ
سوى من أصابعِ هذا الهواءِ
التي تتقرَّى وجوهَ العدَمْ؟
هل هنالكَ من يحتفي- مثلما أحتفي عادةً- بالألمْ؟
بالقصيدةِ وهيَ سرابُ دموعِ الندى والندمْ؟
بعصافيرَ بيضاءَ تفتحُ نافذةَ الليلِ
حتى تمرَّ العروسُ إلى غيمها...
لا تُخرمشُ قلبَ البياضِ بماءِ مناقيرها
وهيَ تعبرُ من ذَهبِ الرأسِ حتى خزامِ القدَمْ
هل هنالكَ من يحتفي بالأنوثةِ أو بورودِ السأم؟
آهِ أبريلُ يا وجَعَ الشِعرِ.. يا خضرةَ النارِ
يا شفقَ القلبِ..يا فضَّةَ الصبحِ
يا أيها الليلكُ..الشاعرُ المتصعلكُ
يا قمراً للفراشةِ..أو لمجازِ الهشاشةِ
يا نَسرَ ذروةِ روحي ألا تحتفي بالقممْ؟

********

هل حياتي حقيقيَّةٌ ؟

إلهي الذي في السماواتِ يخذلني المتقاربُ حينَ أُناديكَ
تأخذني دمعتي من يدي
أنا عبدٌ لمجدكَ وردٌ مُراقٌ لوعدكَ وعدٌ لسرِّ علاكَ أنا
هل لهذا العذابِ المُعلَّقِ فوقَ مرايايَ من آخرٍ..؟
- قد تطاوَلَ موتي هنا - هل حياتي حقيقيةٌ؟
هل خطى الناسِ حولي حقيقيةٌ ؟
هل خطى العالمِ المتحدِّرِ من ظلمةِ الكهفِ
والمتحضِّرِ حولي حقيقيَّةٌ ؟
أتحسَّسُ نفسي..يدي.. شغفي.. لهَفي.. قلَقي.. نزَقي.. حبَقي..
خيطَ هجسي.. خطايَ.. هوايَ.. رؤايَ.. دمي.. رملَ حدسي..
فمي.. ماءَ شمسي.. ندى الذكرياتِ الصغيرةِ والأغنياتِ الفقيرةِ
هل كُلُّ تلكَ التفاصيلِ في عالمي يا إلهي حقيقيَّةٌ روحها أم كذِبْ؟
يا لشمسِ السرابِ الطفوليَّةِ الدمِ والمشتهى.. يا لعطرِ العِنَبْ
هذهِ الأرضُ معجونةٌ بدمي.. بصراخي..
بدمعِ الطيورِ التي انقرَضَتْ من بكائي..
بمائي.. بسرِّ بهائي الذي شاخَ في بئرِ روحي قديماً ولم يتحمَّل غنائي
بما ظلَّ منِّي ومن شبَحي تحتَ بابِ السماءِ
إلهي الذي هو أقربُ منِّي إليَّ
أُناديكَ من هذهِ الغابةِ الحجريَّةِ من هذهِ الأرضِ - مهدِ الشياطينِ-
يخذلني الشِعرُ حينَ أُناديكَ
تأخذني دمعتي من يدي
وابتسامةُ لوركا إلى قمرِ البحرِ تأخذني
- هل أطيرُ على ماءِ قلبي..؟ -
التماعاتُ روحي
انهياراتُ هذا الصباحِ المُضمَّخِ بالزنجبيلِ
ورائحةِ المسكِ والهالِ تأخذني
هل حياتي حقيقيَّةٌ ؟
هل جميعُ تفاصيلِ روحي حقيقيَّةٌ أم كذِبْ؟
هل حقيقيَّةٌ كلُّها..وحقيقيَّةٌ مثلُ هذا التعب؟

********

قصيدةٌ إلى عبَّاد الشمس

حلمتُ فردوسُكِ الكحليُّ يصلبني
وجسمُكِ الناعسُ الموَّارُ لي خشَبُ
أنامُ والبحرُ مرميٌّ على شفتي
وفي عروقي غيومُ الطيرِ تنسكبُ
هل تسمعينَ صراخَ القلبِ إنَّ بهِ
مليونَ حوريةٍ عذراءَ تُغتصبُ؟
كأنَّ وردةَ أعضائي غدَتْ كِسفاً
على الثرى وكأنَّ الطلَّ بي لَهَبُ
تحفُّني الشعلةُ الخضراءُ.. تأكلني
أحلى الطيورِ ونارُ الشعرِ والكُتُبُ
ويطلعُ الشاعرُ المدفونُ من جسَدي
أو أسفلِ البئرِ تهمي حولَهُ السُحُبُ
يُقبِّلُ الأرضَ بالعينينِ.. يُنطقها
بدمعةِ الصمتِ..حيثُ الشِعرُ يحتجبُ
ويحتوي من دخانِ الروحِ مُخمَلَ من
شدَّتْ على طيفها الأضلاعُ والهُدُبُ
تُآلفينَ دمي الليليَّ فيكِ وذا
عبَّادُ شمسكِ في عينيَّ يغتربُ
وتنفضينَ فتاتَ الماءِ عن لغتي
فيقتفي العطرَ بي طيرٌ وينسربُ
وكلَّما مسَّ سهواً برقُها جسَدي
بكتْ زليخةُ حتى يدمعَ العِنَبُ
حتَّامَ تشربُ يا ديكَ الجنونِ أجبْ
رمادَ وردكَ يجلو خمرَها الذَهبُ ؟
بيضاءُ زنَّرها البدرُ المُعذَّبُ في
جسمي وغارَ شذىً من ريقها الحبَبَبُ
كأنَّها وردةٌ لوزيَّةٌ رقصَتْ
في حضرةِ النارِ..حفَّتْ ماءَها الشُهُبُ
تهزُّ أجراسَ قلبي كلَّما انتبَهتْ
من يقظةِ الحلمِ.. أو يُدمي دمي طرَبُ
نداءُ وضَّاحَ مزروعٌ على شفَتي
فما لروضةَ نامَتْ وانتهى السبَبُ ؟

*********

شاعرٌ يُشبهُ الشنفرى

شاعرٌ يُشبهُ الشنفرى
يتلَمَّسُ وردَ عذاباتهِ في تجاويفِ دورتهِ الدمويَّةِ
تسكنُ أنهارهُ في مكانٍ قصيِّ الاشارةِ
في منتهى جسدي المتمزِّقِ مثلَ البيارقِ في ساحةِ المعركةْ
تجمعُ الريحُ أعضاءَهُ وتفرِّقها في أعالي الكلامِ
رؤىً بضَّةً / جوقةً من سنابلَ فضيَّة الصيفِ
شمساً شتائيَّةً تستحمِّينَ فيها
بكاملِ مرجانِ روحكِ من عقدةِ الخوفِ واليأسِ
بحراً يتيمَ القصيدةِ يقصدُهُ العاطلونَ عن الحُبِّ والصعلَكةْ
مساءً أخيراً لشمسِ سدومَ / ندىً ناعساً
قزَحاً غامضاً تستريحينَ فيهِ من الانكسارِ
على سورِ قلبي الوحيدِ الشريدِ
تذوبينَ فيهِ كقطعةِ غيمٍ
كبسمةِ ليلكةٍ للصباحِ تعُبُّ النجومَ التي نُعفَتْ في وريدي
هنالكَ معنى حنينٍ يضيءُ الظلامَ القليلَ
يُفسِّرُ أفراحَ حزني الخفيِّ
هنالكَ في القلبِ أزهارُ حورٍ
وأشجارُ نورٍ يُعرِّشُ صفصافها في غنائي
هنالكَ دهرٌ طويلٌ كليلِ امرئِ القيسِ
تحملهُ القُبُلُ المنتقاةُ بذوقٍ رفيعٍ بديعٍ يخضُّ نجومَ دمائي
ربَّما في مكانٍ قصيِّ العبارةِ في منتهى قلَقي
يقتفي شاعرٌ آخرٌ شبقَ اللوزِ في فضَّةِ الدمعِ
مُستسلماً لسكينةِ وردِ الرخامِ ومقتنعاً بخسارتهِ
ويحبُّ السماءَ إذا ما استطاعَ إليها سبيلا

*******

عطرُ القرنفلِ

قمرٌ شبَّهوكِ بهِ الشعراءُ السكارى المجانينُ
ما كانَ إلاَّ فقاعةَ ماءْ
في ترابِ السماءْ
وأنا ما تركتُ أهلَّةَ نيسانَ خلفي
وفوَّلتُ شطرَ الفراشةِ قلبي الذي شطرَتهُ الهشاشةُ
إلاَّ لأحملَ ما خفَّ من وجعِ العشبِ في وحشةِ الدربِ وحدي..
وأُشعلَ ما شفَّ من زهرةِ الهندباءْ
قمرٌ نزَّهوكِ بهِ في الطفولةِ عن شُبهةِ الظلِّ
مستعرٌ..أخضرُ القلبِ يسبحُ في هالةٍ
من دخانِ السجائرِ أو هالةٍ من رمادِ البكاءْ
يا لعطرِ الضياءْ
ليسَ نيسانُ أقسى الشهورِ
أقولُ لإليوتَ في لحظةٍ من تجلِّيكِ فيَّ
وفي ماءِ عينيَّ يا امرأتي المشتهاةْ
مثلَ حوريَّةٍ ينبتُ الوردُ من شهدِ كاحلها
جفِّفي بمناديلِ كفَّيكِ أدمعَ يوضاسَ خلفي
وفكِّي وثاقي على موجةِ الصلبِ من شدَّةِ الحبِّ..
يعدو دمي خلفَ عطرِ القرنفلِ..
يا امرأتي..
حكمتي
قلبُ أيلولَ أقسى القلوبِ التي لم تُلوِّح لعطر الندى بعدنا
بينما دمعُكِ المجدليُّ الأنيقُ يحفُّ دمي
ثُمَّ يمسحُ جرحي ويحرقُ إكليلَ شوكِ الحياهْ
بحنينِ المياهْ.

********

لن أُصدِّقَ إلاَّ دمي

إفعلي ما تشائينَ
ربِّي الطيورَ القويَّةَ في دمكِ الحرِّ مثلي أنا
منذُ حبِّي أُربِّي المواويلَ في أُصصِ القلبِ
أو أحتفي في نهاراتِ هذا الربيعِ البديعِ
بما يترقرقُ فينا من الفضَّةِ الأبديَّةِ
مُرِّي على قلَقي مثلَ سائحةٍ
وانعفي ماءَ أحلى الفراشاتِ
أو فاشتمي حكمةَ اليومِ
من دونِ أيَّةِ عفويَّةٍ كممثلَّةٍ تُتقنُ الدورَ
أمَّا أنا لن أُصدِّقَ إلاَّ دمي.. لن أُفكِّرَ إلاَّ بقلبي
اذهبي في اتجَّاهِ القرنفلِ أو زهرةِ الخوخِ
كُلُّ اتجَّاهٍ سواكِ يعاكسُ مجرى القصائدِ
كُلُّ انتباهٍ بغيرِ أصابعكِ العشرِ مغرورقٌ بمياهِ الكوابيسِ
مثلَ النجومِ التي لا تنامُ
انهبي بحرَ نيلوفرٍ نافرٍ من خطى القلبِ يطلعُ
لا تسحبي لوعةَ الوردِ منِّي
وغنِّي بقربي بصمتِ الخُواءِ المقفَّى
ومن تعبِ الحُبِّ نامي بقربكِ أو لا تنامي

********

وقتٌ لأنسنةِ الذئبِ

ضاعفيني لأُولدَ في أوجِ عرسِ حزيرانَ
كي أتأمَّلَ تلكَ النجومَ
التي حرسَتْ شمسَ خصركِ من شبهةِ الانحدارِ
وكي أتقرَّى بعينيَّ لوعةَ كفَّيكِ
تلكَ التي تتعهَّدُ وردَ القصائدِ بالماءِ والخبزِ...
لا تطلقي ذئبَ شِعري عليَّ
فقلبي مهاةٌ حليبيَّةٌ كعروقِ الغمامِ
وبحرُ السماءِ حدودي التي أتدحرَجُ منها
إلى كاحلِ الأرضِ معتنقاً قدَري مثلَ سيزيفَ..
هل صخرةُ الحُبِّ قد أدمنَتْ عشقَ ظهري؟
وهل تذهبُ الكلماتُ إلى فمكِ الطفلِ كي تُزهرَ الكلماتْ..؟
عانقيني لكي يهدأَ الذئبُ فيَّ
ويسكنَ طفلاً وديعاً إلى القمرِ الأنثويِّ
وكي أتأمَّلَ هذا المساءَ الجميلَ
الذي يستظلُّ بعينيكِ
كي يرتوي الذئبُ فيَّ أُريدكِ نضَّاحةً
بالنبيذِ المعتَّقِ والزنجبيلِ وعطرِ الحليبِ..
وأحتاجُ فهمَ مزاميرَ بسمتكِ الصامتةْ
وأحتاجُ ماءً شريدَ النهاياتِ كيما أُحبُّكِ
حينَ أُمسِّدُ عينيَّ بالمعصمينِ..
فأسمعُ خفقَ العصافيرِ أو بوحَ صرختكِ الخافتةْ
لن أقولَ أُحبُّكِ إذ تُنجبينَ أنايَ
وإذ تصنعينَ مسائي على طبَقٍ من حبَقْ
ذراعايَ صحراءُ محروقةُ الرملِ تُسندُها قطرةُ الفُلِّ
في ظلِّ ما تُهرقينَ من الصهدِ خلفَ الشفَقْ
أُسكُبي ماءَ صوتكِ فوقَ الهجيرِ المشِّعِ بناري
التي تتناسلُ من فجوةٍ أرجوانيَّةٍ في أقاصي الشبَقْ
طاوعيني قليلاً لأنهرَ عن ليلكِ المرمريِّ الأنيقِ
سرابَ فراشاتِ هذا النهارِ الأخيرِ الذي في يديكِ احترَقْ
عانقيني لأنسنةِ الذئبِ فيَّ.

********

شهرزادُ التي نسيتُ اسمَها II

طوَّقتُ القصيدةَ بالضباب

في خلسةٍ من عنفوانِ جمالكِ الكُليِّ طوَّقتُ القصيدةَ بالضبابِ
مُطوِّحاً بالأغنياتِ عن الحنينِ إلى السكينةِ
ها أنا وحدي ألمُّ نثارَ قلبي عن يديكِ
مُلوِّحاً بكلامكِ السحريِّ عن قلقِ المجازِ
- فإنني في الأصلِ لا أهوى مقاربةَ البديعِ من الكلامِ -
مُلوَّعاً بشذى خطاكِ على المياهِ
مُجرَّعاً بصراخكِ المكتومِ في شريانكِ التاجيِّ أو مرجانكِ العاجيِّ
إذ أستلُّ من شفتيكِ نارَ الشعرِ
أو أنحلُّ في نورِ التجلِّي ذرَّةً من مرمرٍ في الكوكبِ الليليِّ
ها أنا ها هنا وحدي أغنَّي ضائعاً ومضيَّعاً
طيراً يُحلِّقُ في دمائكِ رائعاً ومروَّعا
أنحازُ للألمِ الخفيفِ وللشقاوةِ فيكِ
أرعى الأقحوانَ الفظَّ في مرمى انكساركِ مثلَ أنكيدو
وأكتبُ ما تمخَّضَ بي من الأحلامِ أو وجعِ الحياةِ
وجدتُ معنايَ العميقَ لديكِ أنتِ
ورحتُ أستافُ التماعاتِ القصيدةِ
من رؤى عينيكِ حينَ تروِّضانِ الليلكَ القاسي..
أحبُّكِ في حضورِ الماءِ والوردِ الشفيفِ وفي الغيابِ
وفي احتراقاتِ الدمِ الشعريِّ في شمسِ السرابْ
لعلاكِ أو لشذى أنوثتكِ النبيَّةِ والبهيَّةِ والوضيئةِ
لانسكابِ خطاكِ فوقَ خطايَ...
طوَّقتُ القصيدةَ بالضبابْ

*******

يا اشتهاءَ الندمْ

(مسوَّدة مجهولة لديك الجنِّ الحمصيِّ)

كم أحبُّكِ أو لا أحبُّكِ كمْ
يا انطفاءَ دمي في قناديلِ عتمتكِ البرزخيَّةِ
يا قلقي المتشرِّدَ في الأرضِ أرضِ الأنوثةِ
يا حُلُمي يا اخضرارَ الخطى يا اشتهاءَ الندمْ؟
كم أحبُّكِ أو لا أحبُّكِ كمْ؟
لستُ أرتورَ رمبو لكيْ أتأمَّلَ وردتكِ الليلكيَّةَ
عندَ مصبِّ الشفاهِ
ولكنني إذ أمرُّ بشهقةِ قلبي
كآخرِ طيرِ الغيومِ على ليلكِ المُشتبهْ
أُحسُّ بأنَّ التي أدخلتني إلى كهفِ أقمارها قتلَتني ولم أنتبهْ
آهِ يا وردُ يا وردةَ الروحِ
يا عطشي الأبديُّ إلى قزحٍ يتوهُّجُ في ماءِ صدركِ
هل تسمعينَ صراخَ الغوايةِ في جسدي
وأنينَ الهواءِ الخفيَّ الذي يتراكمُ في رئتينا؟
إسمعي ديكَ جنِّي الذي جُنَّ من ولهِ الحبِّ
أو شدَّةِ الانهيارِ الجميلِ أمامَ جمالكِ
يا وردُ فوقَ الظلامِ النديِّ
لثمتُ خطى قلبكِ الكوثريِّ
الخطى تلكَ أعشقُ غزلانها
فاحمليها إليَّ كما تحملينَ التماعاتِ خوفكِ تحتَ الثيابِ..
امسحي خنجري بتلابيبِ وردتكِ المخمليَّةِ..
واستنطقي صمتَ روحي الذي شاخَ حولَ رمادكِ..
يا شَغَفاً في الأصابعِ يا لعنةَ الياسمينْ
إمسَحي خنجري بشفاهكِ أو بأنينِ الأنينْ
هل دموعكِ من ذهبٍ قاتلٍ قابلٍ للبنفسجِ
أيتها المرأةُ المستحيلةُ والفتنةُ البكرُ واللعنةُ السرُّ
أيتها الطعنةُ المستقيلةُ من شمسها
آخرَ الليلِ أو أوَّلَ الحبِّ يا شهقةَ القلبِ
يا عطشَ الروحِ للضوءِ في غبشٍ من حنينْ؟

*********

الدونجوان

الدونجوانُ مضى لغايتهِ بكلِّ هشاشةِ الشعراءِ والعشَّاقِ والمتصوِّفينَ
مضى لغايتهِ ولم ينبسْ بأيَّةِ رغبةٍ بيضاءَ
لم يجرَحْ ثيابَ اللوزِ لم يكسِرْ زجاجَ الحكمةِ الجوفاءِ...
لم يخدشْ عصافيرَ الأنوثةِ في مهبِّ البحرِ
لم يحملْ متاعاً واحداً / لم يعترفْ بهواهُ
هذا الدونجوانُ كصخرةٍ ليستْ تحرِّكهُ النساءُ
ولا شذى الفودكا يُرقِّصُ قلبَهُ الحافي على جمرِ الهواءِ
مضى لغايتهِ كنجمٍ ذابَ في ماءِ السماءِ
كطرفةِ ابنِ العبدِ محمولا على ريحِ النبوءةِ في خضَّمِ النارِ
مسكوناً بلوعتهِ وأضواءِ الأساطير الخفيَّةِ والعصافيرِ الشقيَّةِ
رائياً أو عاشقاً أو شاعراً أو ماجناً
الدونجوانُ مضى لغايتهِ.. استباحَ حليبَ وردتهِ
بلا خوفٍ من الآتي
يشفُّ كأنَّهُ سهمٌ يخاتلُ مهجةَ الأيامِ
أو برقٌ حزينٌ في أعالي الروحِ أو طيرٌ صغيرٌ ضائعُ الرؤيا يكابدُ مصرعَهْ
الدونجوانُ مضى لغايتهِ فقم من قاعِ صمتكَ أو جحيمكَ واتبَعهْ
الدونجوانُ مضى ولكن أينَ شمعُ النسوةِ المسكوبُ فوقَ يديهِ
أينَ الشاعرُ الضلِّيلُ أينَ خميرةُ الأزهارِ في عينيهِ
أينَ خريفُهُ المنخوبُ بالنعناعِ أينَ الدونجوانْ؟
قدَّستُ في أشعارهِ الزرقاءِ حزنَ السنديانْ

********

شهرزادُ التي نسيتُ اسمها

شهرزاد التي افترستْ قلبَ عاشقها...
أشعلتْ شمعَ أجفانهِ حينَ قبَّلها ..شهرزادْ
لم تكن في براءةِ فضَّتها قطَّةً فظَّةً مثلَ بعضِ النساءِ
ولا روحَ أفعى سدوميَّةٍ في خرائبِ فردوسها المستعادْ
رمتْ غيمها في ترابٍ شهيٍ وحلَّت نصاعةَ أشيائها وتراً وتراً..
قلبها.. زهرَ ليمونها الغجريِّ ..اقحوانَ صباها.. يديها..خطاها..شذاها..
ندى دمعها ودمي ..نارَ ينبوعها ..برقها الأنثويَّ..
خواتمها والهواءَ الشقيَّ..النحيبَ الخفيَّ الذي شعَّ من أربعاءِ الرمادْ
آهِ كانت لأسبوعَ في كرملِ الروحِ تسقي دمي سونيتاتِ شكسبيرَ
طالبةً في كولومبيا العريقةِ للأدبِ العالميِ المقارنِ.. حتى نسيتُ اللغة
من تكونُ إذنْ تلكما الطفلةُ الأبديَّةُ من جعلَتْ عامَ ألفين نرجسةً
ثمَّ نورسةً من سحابٍ خفيفٍ وأزهارِ لوزٍ ستُسندُ أسئلتي المفرغةْ؟
شهرزادُ التي يمَّمتْ شطرَ قلبي جدائلها كلَّها
جاءني صوتها بعدَ عشرَ سنينَ وأكثرَ
مرتجفاً كفراشاتِ عصرِ الشتاءِ التي احترقَتْ في جحيمِ الثلوجْ
ما فهمتُ سوى أنَّها قتلَتْ فلَّها
شهرزادُ التي كنتُ أنكرتُها في منامي
وقلتُ لها لا مساسَ
اختفتْ من دمي ثمَّ طارتْ إلى آخرِ الأرضِ
تعملُ في بلدةٍ قد نسيتُ اسمها الآنَ
ما تعملُ النسوةُ الفاتناتُ هناكْ
أغلقي يتُها الريحُ هذي القصيدةَ أو بحرَها ...يا لحبرِ الهلاكْ

********

قبلَ أكثرَ من قُبلةٍ

قبلَ عشرَ سنينٍ وأكثرَ ..
كالطفلِ لا أتذَّكرُ منكِ سوى
كيفَ كنتِ تجيدينَ سكبَ الحروبِ الحديثةِ
في رقصةِ الفلامنكو
تماماً كعصفورةِ النارِ
لا أعرفُ الآنَ هل كنتِ أكبرَ منِّي بعشرَ سنينَ وأكثرَ
لكنني كنتُ أحملُ عشرَ قصائدَ فضيَّةً في دمي
كنتُ لا أتذمَّرُ من حملِ كوكبكِ الأنثويِّ على كتفيَّ وأمضي..
تماماً كسيزيفَ نحوَ النجومِ التي لا تُرى
ما تغيَّرتِ لكنْ أنا من تغيَّر
قبلَ أكثرَ من قُبلةٍ لا تُفسَّر

********

ذئب ديك الجنِّ الحمصي

وردُ التي أحببتُها عصفورةٌ
خضراءُ ..أزهارٌ غفتْ في ظلِّها
تجتاحُ خاصرتي زنابقُها التي
تهتاجُ في فَمِها ..وقسوةُ فُلِّها
أنا ديكُ جنِّ الحُبِّ قلبي قبضةٌ
من خمرِ فتنتها وجذوةِ طلِّها
الذئبُ فيَّ يعُبُّ عطرَ رمادِها
ويرُبُّ مخملَها السخِيَّ مُدلِّها
متوشِّحاً بالمسكِ منتشياً بهِ
وبما تناثرَ من حباحبِ ليلها
هيَ دمعُ مرآةٍ يُلمِّعُ روحَها
ويجسُّ بالأظفارِ روعةَ وعلها
الطفلةُ الأولى التي قبَّلتُها
رجحَتْ على شغفي الرصينِ بجهلها
مسَّت بعشرِ أصابعٍ ورديةٍ
قلبي فأشعلَتِ الدماءَ بفَتلها
تبكي سماءُ قصيدتي..هل يحتفي
جسدٌ بأشياءِ الأنوثةِ كلِّها؟

********

عبد الوهاب البياتي

لمحتكَ في رؤايَ أبا عليٍّ
وحزنُكَ ناعسُ القسماتِ يرنو
تحدِّثني متى كُنَّا سمعنا
حفيفَ عباءةِ امرأةٍ نُجَّنُ
أُحبَّكَ في القصيدةِ وهيَ سرٌّ
لنبضِ رفيفكَ العلويِّ رهْنُ
يحُفُّكَ من شذى روحي فضاءٌ
ومن قلبي سماواتٌ تحِنُّ
قصائدُ ليسَ ينقصُها نساءٌ
كما لا ينقصُ الأوتارَ لحنُ
يُهدهدني عذابُ الحُبِّ فيها
وأنتَ الطائرُ الغَرِدُ المُفِنُّ

********

يا اشتهاءَ دمي سراباً

أنا ابنُ عذابكِ.. المصلوبُ قلبي
تتارُ النارِ قد سملوا عيوني
ستنشرني غيابةُ كلِّ حبٍّ
فأصرخُ دثرِّيني..دثرِّيني
متى سيجيءُ يا ليلايَ يومٌ
وأشفى من غرامكِ أو جنوني
أضمُّكِ يا اشتهاءَ دمي سراباً
وراءَ الغيمِ يُشعلُ لي وتيني
أيا أنثى تُجسِّدُ نارَ روحي
رمادَ قصائدَ العنقاءِ كوني
غريبُكِ علِّميني كيفَ أغفو
طريدَ الريحِ إذ تهمي عيوني ؟
وكيفَ أصوغُ من ثلجٍ خيوطاً
لوجهكِ أنتِ في نارِ الحنينِ؟
سجى قلبي فتشرينُ انتظارٌ
يكونُ على شفا جرفِ الظنونِ

*********

فراشةُ قلبي وأفعى الرئةْ

تقولُ النجومُ / الروايةُ / متنُ كتابِ الحنينِ
الظنونُ / اليقينُ / القصائدُ / طيرُ الشذى
المُتعبونَ من الحُبِّ / نثرُ الهُواةِ / ومن يعشقونَ الغيومَ
الرياحُ / الصباحُ الذي فيكِ
لا تثقي بمدائحِ عشَّاقكِ الألفِ أو بجمالكِ
لا تثقي يا امرأةْ
أنتِ أجملُ ممَّا تظنِّينَ تائبةً / مخطئةْ
فراشةُ قلبي وأفعى الرئةْ.

*******

هيَ/ هوَ

هيَ من عصرَتْ حبَّةَ العنَبِ السكريَّةَ في روحهِ
علَّمت قلبَهُ سرَّ جوعِ الذئابِ وكلَّ صفاتَ الندى
وترابيَّةَ الحبِّ والمستحيلْ
يا لأسمائها المستغيثةِ بالأقحوانةِ...
يا لصباحِ الجليلْ

هو من رفعَ الغيمَ عن شمسها
كي يلُّمَ فتاتَ القصيدةِ في الليلِ...
أمسكَ ماءَ انفعالاتها من تلابيبهِ
شمَّ شاماتها وردةً وردةً
وأزاحَ الدموعَ التي علقَتْ في ابتسامتها بخفيِّ العويلْ
تنقصُ الروحَ فسحةُ حبٍّ خريفيَّةٌ مثلُ هذا المساءِ
لتكتبَ أشقى اعترافاتها ومجازَ الذهولْ

*********

سُدِّي طريقَ الحرير

على قدرِ حزنكِ مدِّي سماءكِ
مدِّي خطاكِ على قدرِ وردتكِ المستقيلةِ من عطرها
وشموسِ الندى في حزيرانَ..
مدِّي حنينَكِ من أوَّلِ الأرضِ والانعتاقِ إلى آخرِ القُبلةِ الذابلة
على قدرِ ما في دمائكِ من ولَهِ الاحتراقاتِ
والأنجمِ الذهبيَّةِ.. والشِعرِ.. والأنهرِ المستحيلةِ
سُدِّي طريقَ الحريرِ إلى الجنةِ القاحلة
على قدرِ ما يذبحُ القلبَ
من مهرجانِ بنفسجكِ المتوحشِ
قُدِّي الصباحَ الذي يتردَّدُ مثلَ القميصِ الشفيفِ أمامكِ
في حضرةِ الجمرةِ الهائلة
بعدَ هذا المساءِ المدجَّجِ بالسحرِ والليلكيَّاتِ
لستُ كما يفعلُ اليائسونَ من الجندِ بعدَ الهزيمةِ أفعلُ..
لا لن أُعلِّقَ شلاَّلَ حزني
كسيفٍ وحيدٍ شهيدٍ على شجرِ العائلة

********

هوى الفيسبوك

تركتِ على حوافِ القلبِ حمَّى
زنابقُ نارها البيضاءِ تدمى
وضوءاً سكريَّاً في عروقي
يضيءُ دمَ الحنينِ إذا ادلهمَّا
شفاهكِ وردتا ماءٍ ونارٍ
شذى إكسيرِ حبٍّ لا يُسمَّى
سأرجعُ من ظلامِ سدومَ حيَّاً
لأُفنيَ خصركِ الشمسيَّ لثما
رؤى كذِبٍ هوى الفيسبوكَ حتى
ليَجعلُ شهدَ ذاكَ الحبِّ سُمَّا

********

القصيدةُ بيضاءُ

القصيدة بيضاءُ بيضاءُ من غيرِ سوءٍ
عليها غبارُ النجومِ رذاذُ البحارِ المضيءْ
القصيدةُ خضراءُ خضراءُ في آخرِ الصيفِ
يستلُّها عبقُ الحبِّ من شبقِ الأرجوانِ الجريءْ
القصيدةُ حمراءُ حمراءُ مشغولةٌ بالدماءِ
على شفةِ الانتحارِ البطيءْ
القصيدةُ زرقاءُ زرقاءُ يحرسُها قمرٌ أنثويٌّ
ويسكنها مطرٌ لا يجيءْ

*********

مفخَّخةٌ بالحجارةِ والوردِ III

رجلٌ في الثلاثين

يتأمَّلُ أحلامَهُ واحداً واحداً كأصابعهِ...
وبهجسِ الغريبِ يحدِّثُ آخرَهُ
ثمَّ يحفنُ في شغفٍ طائشٍ باليدينِ وبالمقلتينِ
الذي يتقطَّرُ من ضحكاتِ الصبايا ومن أوجهِ السابلةْ
رجلٌ في الثلاثينَ يغرقُ في ذاتهِ
ها هنا في الصباحِ الربيعيِّ في صخَبِ الحافلةْ.

********

ليسَ لي

ليسَ لي أن أمشِّطَ أمواجَ عينيكِ
بالنظرةِ المستريبةِ والقبلةِ الغائبةْ
ليسَ لي أن أطوِّقَ مرجانَ خصركِ
في الشارعِ العامِ باللهفةِ الصاخبةْ
قلقي كائنٌ ليسَ يوصفُ / قنديلُ شمعٍ فمي
ودمي لا تروِّضهُ نسوةُ الكونِ...
مثلُ الحصانِ العنيدِ تعذِّبهُ المهرةُ السائبةْ
ليسَ لي من حلولِ الحمامِ بفتنةِ جسمكِ
أو في عروقِ الخزامِ سوى البسمةِ الكاذبة.

*******

ندَمٌ أعمى

ندَمٌ أعمى هو الشعرُ/ بكاءٌ دائمُ الرؤيا
ونبعٌ من فراشاتٍ ومن نارٍ تواسيني وتكويني
رذاذٌ قاحلٌ ينهلُّ كالطفولةِ البيضاءِ من ضحكةِ مزمارٍ...
ثغاءُ الرغبةِ المبحوحُ / بستانُ خرافاتٍ
هلالٌ ناحلٌ أو قاتلٌ كالخنجرِ العاشقِ في خاصرةِ الكونِ
سماءٌ من قرابينَ / حليبٌ زاجلٌ في أخمصِ القلبِ
وماءٌ ذابلٌ في بسمةِ العينينِ
أشياءٌ تجرُّ الروحَ كالخيولِ في المجرَّةِ الخضراءْ.

*********

تكوين

من عالمِ حالمٍ تنهلُّ عيناها
من عالمِ السِحرِ... من أوجاعِ معناها

طُردتُ من جنَّةِ الفردوسِ يا امرأةً
أمشي إلى سقَرِ الدنيا وإيَّاها
ولا أثوبُ ولا ألوي لأشيائي
وفتَّحتْ في يديها وردَ أهوائي
يعبُّ قطرَ دمي في يقظةِ السحَرِ
يربُّهُ.. فعليهِ شبهُ لألاءِ
ورعشةُ القلبِ في الأغصانِ والزهَرِ
تمشي تضعضعُ أحلامي وترضعُها
ودربُ عينيَّ مشبوبٌ بأضواءِ

العمرُ خلفي هواءٌ لا يُعدُّ ولا
يطفو ويرسبُ في ميزانِ إغوائي
وليسَ يبرقُ في عينيَّ مخملُها
ذاكَ الذي نجمهُ في مهجتي تاها
وكانَ صخرةَ معراجي وإسرائي

من عالمِ حالمٍ تنهلُّ عيناها
من السديمِ ومن غيمِ النعيمِ ومن
رؤى الجحيمِ ومن أبوابِ أعضائي
ومن ظلالِ الأفاعي السودِ في زمنٍ
رمادُهُ نابضٌ في ألفِ عنقاءِ
وحلمُهُ خافقٌ في ألفِ عذراءِ

لكنَّنا آهِ محرومونَ منكِ ولم
نُسقَ السعادةَ والأوهامَ أمواها
معذَّبونَ نجرُّ الروحَ في دعةٍ
محطَّمونَ على فردوسنا الخالي
وفي خرابنا العالي.. نجرُّ سدى
قلوبنا في حروبِ النارِ والماءِ

إنَّ الحياةَ التي عبَّتْ شراييني
ماءٌ ترقرقَ في نفسي فأظماها
من قبلِ تكوينكِ الأسمى وتكويني
وفاتني الوِردُ من عينيكِ والصدَرُ.

********

أُنوثة

أبحثُ في سريَّةٍ موغلةٍ في الحزنِ
مثلَ الناسكِ الممسوسِ بالحكمةِ والصمتِ
فلا أعثرُ في قلبي على حقيقةٍ ملساءِ
كالدُرَّةِ أو كالخزَفِ الرخيصِ
لكنِّي أرى أنوثةَ الأشياءِ في مخدعها
واضحةً جليَّةً حمراءَ مثلَ زنبقِ الهواءْ
ورغمَ ما في الكونِ من ذكورةٍ
لستُ أرى سوى نساءِ الماءْ

*********

الدماءُ تدقُّ النوافذ*

في الشمالِ المدجَّجِ بالنارِ والغضبِ المشتعلْ
ليسَ في مصرَ أو تونسَ الكبرياءْ
في الشمالِ المدجَّجِ أعني سوريا.. شمالِ الدماءْ
يسحلونَ الصغارْ
يسحلونَ ملائكةً نائمينْ
وأسمعُ تكسيرَ أضلاعهم تحتَ دبَّابةِ الظالمينْ
في الشمالِ المفخَّخِ بالانتصارِ... ونارِ القُبلْ
الدماءُ تدقُّ النوافذَ دقَّاً عنيفاً
تدقُّ الهواءَ تدقُّ العيونَ تدقُّ السماءَ
وتغتصبُ الفرَحَ المكتملْ

في الشمالِ العصيِّ على ما يخطُّ الرصاصُ على أضلعِ الحالمينْ
والسياطُ على أوجهِ الناسِ...
ثلَّةُ شرٍّ من الخائنينْ
يقتلونَ الحياةَ بأوجِ الربيعِ وكاملِ فتنتها في الصغارْ
لا مغولٌ همو أو تتارْ
فلماذا إذنْ يزرعونَ الرصاصَ ويغتصبونَ الأمَلْ؟

الدماءُ تدقُّ النوافذَ أو شاشةَ التلفزيونِ عبرَ قناةِ الجزيرةِ
تلكَ التي لا تُراعي الأحاسيسَ لحظةَ تصويرها للجحيمِ...
اختنقتُ بدمعي... احترقتُ بعاري
وفي الشامِ شبِّيحةٌ وزبانيةٌ غامضونْ
يحرقونَ الرجالَ على مسمعِ الكاميراتِ ومرأى جميعِ الدُوَلْ
وشبِّيحةٌ يذبحونَ النساءَ كما يذبحونَ فراخَ الحجَلْ
وشبِّيحةٌ يطحنونَ عظامَ الضحايا التي نبتتْ في الشوارعِ
مثلَ سيوفِ القُرنفلِ...
شبِّيحةٌ دمُهم أسودُ اللونِ مثلُ العناكبِ
والعالمُ الحرُّ ينظرُ مثلَ الذي يتفرَّجُ في ساحةِ السينما
على فيلمِ رعبٍ قديمٍ قديمْ
بكلِّ حياديَّةٍ.. وبغيرِ فضولٍ وغيرِ خجلْ

وداعاً وداعاً لأرضِ الأملْ.

• اسم مجموعة شعرية للشاعر السوري ممدوح عدوان.

***************

مفخَّخةٌ بالحجارةِ والوَردِ

إلى فرجينيا وولف

(1)

أراكِ تحملينَ خلفَ خرَزِ الظهرِ هلالاً من فراشاتٍ
وباقاتٍ من الأزهارِ والخبزِ.. وتذهبينَ كالعروسِ
نحوَ النهرِ والبياضِ
يا شفَّافةَ الخطى كتقبيلِ الطيورِ بعضها لبعضها
هناكَ كنتِ تلمعينَ تحتَ سرِّ الماءِ كالزمرُّدِ المهتاجِ
في ظُفرِ ذئابِ الموتِ أو في قلبِ ماءِ الليلِ..

هل أكملتِ في الصباحِ شربَ الشايِ؟
أو كتابةَ الوصيَّةَ السريَّةَ
القصيدةَ / العنقاءَ؟
هل أعددتِ كوكباً صغيراً سابحاً هناكَ في مجرَّةٍ عمياءَ
لاستقبالكِ المنظورِ والمكسورِ مثلَ شهوةِ النارنجِ والرخامِ؟
هل أحرقتِ في مدفأةِ الصقيعِ أضلاعَكِ؟
هل غزَلتِ من دفءِ شرايينكِ معطفاً يُذيبُ الثلجَ
وانتعَلتِ جمرَ الحبِّ في متاهةِ القطبِ ؟
وهل روَّضتِ أحلامكِ في نهايةِ المنامِ ؟
أو غفرتِ للحياةِ ؟
أو كتبتِ ذنبَها على المياهْ؟

(2)

يصرخُ الماءُ فرجينيا ما الذي تفعلين
في الصباحِ المشَبَّعِ حتى أصابعِ أقدامهِ بعبيرِ النعاسْ؟
كانَ عشبٌ حبيبٌ يُتوِّجُ حلمَكِ أو كاحليكِ
وأنتِ مفخَّخةٌ بالحجارةِ والوردِ مثلَ الهلالِ المقدَّسِ
منذورةٌ لضحى المستحيلْ
قيلَ ما قيلَ عنكِ بأنَّكِ كنتِ تمدَّينَ روحكِ
فوقَ الضبابِ الكثيفِ كحبلٍ من القلَقِ المعدنيِّ.. وتحضنكِ الهاويةْ

(3)

يصرخُ الماءُ فرجينيا والسماءُ خلاسيَّةُ الجلدِ
والماءُ مشتعلٌ بتلابيبِ قلبكِ حتى الجنونْ
آهِ فرجينيا ما الذي تفعلين؟
صرختي في الليالي غبارٌ مضيءٌ على شجَرٍ واضحٍ
ودمي آخرَ النهرِ يُقعي كذئبٍ قتيلٍ
وأحلامُ جسمي وحولْ
تعرِّي كحوريَّةٍ من ذنوبِ الكتابةِ والندمِ المشتهى
ودعي الماءَ يجري إلى المنتهى
ثُمَّ غوصي إلى قاعِ عقلكِ وانتظري سمَكاً طيِّباً
في الظهيرةِ يأتي لكيْ يصطفي شمسَ عينيكِ كالدُرَّةِ الذاويةْ

(4)

يصرخُ الماءُ بي في المنامِ
وفي يقظةِ الدمِ عندَ حدودِ الكلامِ
فيهرعُ قلبي بأوتارهِ كرياحِ السنونو يُبلِّلها مطرُ القافيةْ

(5)

الهواءُ النظيفُ يعذِّبُ روحَكِ بالذكرياتِ
ويستنبتُ العشبُ دمعَ أصابعكِ المخمليَّةِ
فوقَ الطريقِ المؤدِّي إلى موتكِ العبثيِّ كفخِّ الطيورِ..

سماؤكِ عيناكِ / أرضُ الخطيئةِ تنبتُ مثلَ السنابلِ فوقَ خطاكِ
ويبزغُ نجمٌ وحيدٌ لبسمتكِ الصافيةْ
على صفحةِ الماءِ
أيتها المرأةُ / اللغزُ
أيتها القبلةُ الحافيةْ

(6)

تتنفَّسينَ هواءَكِ المنقوعَ مثلَ سفرجلِ الإسفنجِ بالأوهامِ والرؤيا
فتأخذكِ الإشارةُ نحوَ حبٍّ ما.. وتخذلكِ العبارةُ
في الكتابةِ عن شتاءٍ مرَّ مثلَ البرقِ في عينيكِ
ثُمَّ طفا على أطرافِ روحكِ مثلَ جسمكِ في البحيرةِ...

أينَ تأخذكِ الكتابةُ من دخانِ اليأسِ
وهيَ حقيقةٌ بيضاءُ نورانيَّةُ المعنى؟
وأينَ وراءَ هذا الليلِ يحملكِ الضبابُ
أو الجنونُ أو الحنينُ إلى سماءِ اللهِ؟
كيفَ تضمِّدينَ بقبلةٍ عمياءَ روحَكِ في الصباحِ؟

بنجمةٍ مشقوقةٍ كالأقحوانةِ فوقَ خصركِ
تَنهضينَ من الرمادِ وتُكملينَ روايةَ الأمواجِ...

ما أبهاكِ نائمةً
كأنَّكِ في المياهِ فراشةٌ بيضاءُ يصرعُها النعاسُ..

تأمَّلي فرجينيا ما حلَّ بالقَمرِ المريضِ
وبالرخامِ القُرمزيِّ حيالَ صمتكِ
كيفَ في الريفِ البعيدِ تفتَّحتْ أزهارُ موتكِ..
يصرخُ الماءُ الوحيدُ الآنَ
لا تُلقي بنفسكِ في سراجِ حقيقةٍ بيضاءَ
لا تُلقي بنفسكِ في السرابْ

(7)

تمشينَ هادئةً على جمرِ الصقيعِ
تمسِّدينَ هناكَ أطفالاً هلاميِّينَ.. هادئةً
وتحتشدينَ بالنورِ الخفيفِ
وتهبطينَ إلى فضاءٍ غائمٍ بالزرقةِ الخضراءِ
تنحلِّينَ في النهرِ العظيمِ كذَّرةٍ من فضَّةٍ
وتواصلينَ الحلمَ هادئةً...
وهادئةً كحبَّةِ حنطةٍ بخميرةِ الأشواقِ تندلعينَ

آهِ كأنَّ روحَكِ لم تزَلْ فينا..
كأنَّكِ لم تذوبي في خضَّمِ اللهِ..
ضلعُكِ مهدُ آلامِ النساءِ
المثقلاتِ بحبرهنَّ وعطرهنَّ وصخرهنَّ إلى القيامةْ

(8)

تمشينَ هادئةً وحالمةً بحبٍّ ما
فتخذلكِ العبارةُ في الكتابةِ عن شتاءٍ مرَّ
مثلَ البرقِ في عينيكِ
ثُمَّ طفا على أطرافِ روحكِ
مثلَ جسمكِ في البحيرةِ...
ها هنا تتوزَّعينَ إلى نساءٍ أخرياتٍ واثقاتٍ
بالجمالِ وبالحياةِ وبالصدودِ
تأمَّلي فرجينيا ما حَلَّ بالقَمرِ المريضِ
وكيفَ في الموتِ البليغِ تفتَّحتْ أزهارُ صمتكِ
كيفَ تنسلِّينَ من طُهرِ الرمادِ الآنَ
ساحرةً كعنقاءٍ وعابقةً برائحةِ الطيورِ أو البحارِ..؟

الآنَ تكتملُ الأنوثةُ فيكِ
حتى لا نرى امرأةً تعذِّبها المحبَّةُ في ثيابكِ...
بلْ حمامةْ.

كانون ثاني 2011

************

للدماءِ رائحةُ الياسمين
(قصيدة إلى محمد البوعزيزي)

محمد البوعزيزي مُشعلُ الثورة التونسيَّة.ومفجِّرُ تسونامي الغضب الذي ما زالَ يزحفُ نحوَ الطغاةِ بقوَّةٍ هائلة. قامَ بحرقِ نفسهِ احتجاجاً على صفعِ شرطيَّةٍ تونسيَّةٍ له أمامَ المارَّة ومصادرةِ عربتهِ الخاصَّة التي كانَ يبيعُ عليها الخضار.. ويلاحظُ القارئُ كيفَ ممدتُ خيطاً رفيعاً بينَ الشرطيَّةِ التي صفعت بوعزيزي وبينَ ليلى بن علي سيِّدةِ تونس المخلوعة.

(1)

أخي بوعزيزي
عندما تنـزلُ المطرقةْ
على رأسِ شعبي وشعبكَ في الساحةِ الضيِّقةْ
قُل لليلى التي صفعتْ يدُها الأفعوانيةُ الدمِ وجهَكَ أو روحَكَ المشرقةْ
اصفعي كيفَ شئتِ فأنتِ وكلُّ الجمالِ الخبيثِ ومالِ الحرامِ إلى المحرقةْ

(2)

أخي في الكفاحْ
طالعاً مثلَ قنديلِ خبزٍ من القمقمِ المتصدِّعِ ملءَ الصباحْ
من دخانِ مراراتِ أيامنا
من خساراتِ أحلامنا
ورمادِ رؤانا وآلامنا
طالعاً من دمِ الطاغيةْ
عارياً.. لابساً روحكَ الحافيةْ
حاضناً جمرةَ الهاويةْ
طازجاً مثلَ قنبلةِ الغازِ في حرمِ الجامعةْ
أخي في الدماءِ وفي القهرِ والفقرِ والغضبِ الحرِّ والنارِ والثورةِ الرائعةْ
قل لليلى التي قتلتكَ التي نهبتكَ التي صفعت يدُها الأفعوانيةُ الدمِ
وجهَكَ أو شمسَ فضَّتكَ المحرقةْ
اقتلي كيفَ شئتِ / انهبي كيفَ شئتِ / اصفعي كيفَ شئتِ
فأنتِ وكلُّ الجمالِ الخبيثِ إلى المشنقةْ

(3)

قُل لليلى وقُل لظلامِ نهارِ الطغاةِ الرهيبِ
وظلمِ الطغاةِ الذي لا يغيبُ هنا أو هناكَ عن الشعبِ
(لا بُدَّ أن يستجيبَ القدَرْ)
لحريَّةِ البشَرِ الطيِّبينَ أو البشَرِ الحالمينْ
بجرعةِ ماءٍ وكسرةِ خبزٍ وضحكِ حياةٍ وهمسِ قمَرْ
( ولا بُدَّ لليلِ أن ينجلي ولا بُدَّ للقيدِ أن ينكسرْ)
أخي في الظلامِ وفي الظلمِ والحلمِ والعدَمِ المنتصرْ
أخي في ربيعِ الحياةِ وخصبِ الدمِ المنتظَرْ

(4)

أخي إنَّ ليلَ الخفافيشِ يخنقُ سوسنةَ الروحِ أو فُلَّ قرطاجَ
يخنقُ بوحَ السنونو الذي يسكنُ الأوردةْ
فتنهارُ فوقي حدائقُ عينيكِ أيتُّها المرأةُ الواحدةْ
وتنهارُ فوقَ خطاياكِ أضلاعيَ / الأعمدةْ
الخفافيشُ تطلعُ من فجوةِ النومِ لي
والأفاعي تُسمِّمُ ماءَ الحنينِ إلى فمِ عاشقةٍ مُجهدةْ
آهِ أيتُّها المرأةُ الواحدةْ

(5)

للدماءِ وللغازِ رائحةُ الياسمينِ الصباحيِّ
ذاكَ المشبَّعِ بالماءِ ملءَ أكفِّ النساءِ على شرفاتِ الندى
قالها ثائرٌ لأخيهِ..
أبٌ لابنهِ
شاعرٌ في خضَّمِ الشموسِ
فتى لجمالِ العروسِ
وأُمٌّ لطفلتها في السريرِ
فتاةٌ تُزيِّنُ آلامها بزُمرُّدةٍ.. وتعلِّقُ أحلامها فوقَ حبلِ الخريفِ
ملاكٌ يعُدُّ العشاءَ الأخيرَ..
هنا للهواءِ وللماءِ للكبرياءِ الأنوثيِّ رائحةُ الياسمينْ

(6)

أخي بوعزيزي
عندما تنـزلُ المطرقةْ
على أُمِّ رأسي ورأسكَ في الساحةِ الضيَّقةْ
قُل لليلى التي اغتصبَتْ ياسمينَ الحياةِ المرصَّعَ بالدمِ في مقلتيكَ
وفُلَّ الصباحِ الأنيقَ على راحتينِ من الجمرِ
لن تهربي من دمي
فأمامَ ذنوبكِ ضيِّقةٌ هذهِ الأرضُ ضيِّقةٌ ضيِّقةْ
والسماواتُ مُغلقةٌ مُغلقةْ.

يناير 2011

(الأبيات التي بينَ الأقواس هيَ لشاعر تونس الخالد أبي القاسمِ الشابي)

***********

رمادُ الكوابيس

دمي مُصابٌ بدوارِ الحمام
عينايَ بحيرتانِ داميتان
يداي تتقصَّفانِ كغصنينِ يابسينِ من الصفصاف
عاجزتانِ حتَّى عن رفعِ صليبي وحملهِ عدَّةَ أمتار
وفمي مصابٌ بالخرَس
أعيشُ كمحمَّد الماغوط في أواخرِ حياتهِ
على فتاتِ الكوابيسِ والأحزانِ والعزلةِ والأحلامِ

أحلمُ فقط بكتابةِ قصيدةٍ واحدةٍ ليست جميلةً ولا عصماءَ
بقدرِ ما تعبِّرُ بصدقٍ مرهفٍ عن حالتي
وأنا مستلقٍ على كنبةٍ من أوجاعِ الحياةِ
أستمعُ إلى أغنيَّةٍ تركيَّةٍ عذبةٍ لا أفهمُ شيئاً من كلماتها
أحلمُ فقط بحياةٍ تشبهُ حياةَ تشي جيفارا
أحلمُ كما كانَ يحلمُ عشَّاقُ القرونِ الوسطى بمحبوباتهم
بعاطفةٍ محترقةٍ وسذاجةٍ بالغةٍ
وأتخيَّلُ ذراعينِ من النعناعِ تعانقانِ وحدتي
وبحيرتينِ من الزمرُّدِ كعَينيِّ امرأةٍ في لوحةٍ من لوحاتِ رفائيل
تستقبلانِ جسدي التائهَ والمصابَ بألفِ نابٍ وسهمٍ وقوسٍ
وشظيَّةٍ من شظايا الحبِّ

كأنَّ كوابيسَ السامريِّ كلَّها تعشِّشُ في دمي
وتحشو قلبي برمادها غيرِ المرئيِّ.

**********

في الجسمِ متكأٌ لروحكِ IV

حيرةُ هاملت

ما سأكتبُ تلكَ هيَ المسألةْ
ما سأفعلهُ / ما سأحملهُ في دمي
من حليبِ البروقِ الصغيرةِ
ما سوفَ يُنبتهُ ماءُ ذاكرتي
مثلَ نبتةِ خُبَّيزةٍ في حدائقِ آذارَ
تلكَ هيَ المشكلةْ

أدُّقُ الهواءَ الذي لا يُدَّقُ
تماماً كأعمىً يفتِّشُ عن شمسِ أنثاهُ في لعناتِ السرابِ
أدُّقُ الهواءَ المريضَ وأكسرهُ فوقَ عينيَّ حنظلةً حنظلةْ

ما سأرفعهُ كالصليبِ على غيمةِ الندمِ المرسلةْ
ما سيرفعني فوقَ شوكِ النساءِ الوحيداتِ يوماً إلى الجلجلةْ
ما سيقتلُ فيَّ انتباهَ الظباءِ إلى قُبلةِ الصبحِ أو وردةٍ مُقفلةْ
تلكَ هيَ المسألةْ

وجعُ الروحِ بي ليسَ يوصفُ
بحرٌ من التيهِ يسحبني للقرارِ الرهيبِ
وأجملُ ما في مجازِ الرؤى
لهبٌ مُتعبٌ في مرايا الندى وخطايا الكلامِ
وآخرُهُ آكلٌ أوَّلَه
وأجملُ ما في مجازِ الحياةِ- التي أحرقتني على جذعها
مثلَ قدِّيسِ حُبٍّ يُراودها في القصيدةِ عن نفسها- مقصلةْ

ما سأكتبُ تلكَ هيَ المسألةْ
ما أُفكِّرُ فيهِ هنا في بلادٍ تنامُ على خصرِ قُنبلةٍ مُرجأةْ
وتحلمُ طولَ الحروبِ وطولَ الدماءِ
كما يحلمُ المرهقونَ من الانتصارِ بياقوتةٍ وامرأةْ

ما سأحلمُ فيهِ هو المسألةْ
يومَ لا شمسَ تحرسُ فتنةَ أوفيليا في الظهيرةِ
أو شمعَ أعضائها وبكاءَ يديها
فقط سمكٌ هائجٌ في البحيرةِ / أو أخطبوطٌ قبيحٌ
على وردةٍ تتمدَّدُ في الماءِ ظمآنةً مُهمَلةْ
تتحرَّرُ من طينِ آلامِها / ملءَ أحلامِها
أيُّ شِعرٍ يليقُ بخفقِ ابتسامتها
كالحمامِ على صفحةِ القمحِ ؟
أو أيُّ نثرٍ سأنثرهُ كالترابِ على قبرها
وهيَ في سحرها موغلةْ ؟
ما سأحلمُ فيهِ هو المسألةْ.

************

في الجسمِ متَّكأٌ لروحكِ

بعبارةٍ شفَّافةٍ كالأقحوانةِ
أو كبوحِ الثلجِ حاولتُ التماهي في القصيدةِ
كيْ أُزيحَ غبارَها المتراكمَ الألفاظِ
لم أجدْ الحقيقةَ في الوضوحِ وفي السرابِ
بلهفةِ المحمولِ فوقَ النهرِ أعبرُ ضفَّتي الأخرى
أُحاولُ أن أُمسِّدَ ذكرياتِ غدي
بما يرِثُ الحمامُ من الحنينِ أو التوجُّعِ...

مُثقلاً كالسندبادِ أجُرُّ صاريتي إلى بحرٍ بلا ماءٍ
وأرفعُ من خطيئاتي بيارقَ لا سماءَ لها لتخفقَ في هدوءِ الغيمِ
أهجسُ مرَّةً أخرى بهذا الشاعرِ المنسيِّ يسكنُ فسحةَ اللا وعيِ
هل فعلاً أنايُ الشاعريَّةُ في الحياةِ أنا..؟
وهل من شُرفةٍ لترابِ ذاكرتي لكَيْ أرتاحَ فوقَ الزهرِ من وجعِ التأمُّلِ
مُرهفاً قلبي إلى اللا شيءِ مثلَ بكاءِ نورسةٍ..؟

وهل متأبِّطاً ندَمي وحزنَ دمي وسرَّ النشوةِ الكبرى
أطيرُ إلى النهايةِ ؟
ما النهايةُ قلتُ ؟
ما هذا الطريقُ الأوَّلُ الأبديُّ
نحوَ الحبِّ في معراجهِ الأزليِّ ؟
حيثُ خُطايَ تنقرُ وجهَ هذا الليلِ مثلَ الطائرِ الدوريِّ
تبصرُ صفحةَ الأيامِ كيفَ تشيخُ
من هولِ الذنوبِ
وكيفَ تنحلُّ ابتساماتُ النساءِ
كرغوةِ الصابونِ في ثبجِ الهواءِ
وفي أديمِ العطرِ حينَ يُزاوجُ الليمونَ والنعناعَ..
ملتُ على يدينِ صغيرتينِ تُلوِّحانِ لفتنةِ الإيقاعِ
ملتُ على حريرٍ أجنبيٍّ ناصعٍ كالإثمِ
لا ينصاعُ إلاَّ للغوايةِ
ما الغوايةُ قلتُ ؟
أفراسٌ مطَّهمةٌ تطيرُ إلى حدودِ الغيمِ
والجسدِ المعبَّأِ بالسَفرجلِ والرياحِ...
وألفُ مجمرةٍ يضيءُ بياضُها السحريُّ أنثى الليلِ
في أقصى دماءِ الشاعرِ الملعونِ
أطيارٌ وأزهارٌ مقاتلةٌ
وبحرٌ من رمادِ الجسمِ
أسئلةٌ محنَّطةُ الرؤى في متحفِ الشمعِ القديمِ
وخطوةٌ عمياءُ أو ندَمٌ خجولٌ أبكمٌ...

بإشارةٍ شفَّافةٍ خبَّأتُ برقاً تائباً في مقلتَيْ قلبي
ولم أنبسْ بأيَّةِ رغبةٍ في الحزنِ
أو في نشوةِ الفرَحِ المعتَّقِ دونما سببٍ
ولم أسلُكْ طريقاً سالكاً

مُتأبِّطاً ندَمي وشرَّ إشارتي الأولى وماءَ الشعرِ...
ماءَ القبلةِ المنقوعَ بالنارِ الخفيفةِ والرضابِ الحلوِ..
هل في الجسمِ متَّكأٌ لروحكِ
حينَ تحملُ لعنةَ التعبِ الجميلةَ ألفَ عامٍ؟

صائمٌ جسدي عن الحبِّ
انتظاري صائمٌ ومرتَّبٌ شغفي على رفِّ النهارِ
كما تُرتِّبُ في القصيدةِ نسوةُ الأحلامِ والصُدفِ الصغيرةِ
ما تناثرَ من فراشٍ طائشٍ في الأفقِ
أو أصصَ الزهورِ على اختلاجاتِ الصباحِ
يدايَ صائمتانِ عن حجرِ الفراغِ الناصعِ الشفَّافِ
عن عشبِ التأمُّلِ والرؤى
عينايَ صاريتانِ تشتعلانِ في يمٍّ يؤرجحهُ
غيابُ الطيرِ بينَ سماءِ هاويتينِ
قلبي مركبٌ سكرانُ في أشعارِ رمبو
خرقةٌ جسدي تخاطُ إلى أديمِ الأرضِ مثلُ أبي العلاءِ
وليسَ هذا البحرُ في عينيكِ أقربَ لي إلى الرؤيا
ولا السرُّ المعتَّقُ في الدماءِ وفي غصونِ الروحِ
ليسَ البرُّ أبعدَ لي من الكُحليِّ
حيثُ يدايَ كالمهرِ الجموحِ تطرِّزانِ أهلَّةَ الأشياءِ
في الجسدِ/ الغدِ / الأملِ الذبيحِ
وحيثُ مهدُ الأقحوانِ وقبرُ أسئلتي
وما نثرَ المسيحُ عليَّ من ماءٍ ومن حَبقٍ
تجفِّفهُ خطايا الأرضِ والقلقُ السريعُ

كأنني أمضي إلى ما ليسَ لي
أزنُ الهباءَ بحكمةِ الضلِّيلِ في ميزانِ خسراني
أُروِّضُ وردتي.. تلكَ التي أدمنتُ نشوةَ ذنبها
حتى لتقتُلني مخالبُها
أنا لن أمشي مثلَ الإبلِ فوقَ صراطِ تحناني
لكَيْ أصلَ الحقيقةَ فوقَ نارِ الحبِّ أو سيفِ السكينةِ...

أطمئنُّ إلى النجومِ المستديرةِ كالفقاعاتِ الصغيرةِ
أطمئنُّ إلى غيومٍ ضاحكاتٍ كابتساماتِ الصبايا...
أو إلى الجبلِ المعبَّأِ بالنشيدِ الليلكيِّ وبالطيورِ
وبالصراخِ الأبكمِ المكتومِ...
من وحلٍ تلفَّعَ بالنصاعةِ شعَّ نجمٌ في مدى جسدي
ومن قُزحٍ بلا جذرٍ شمختُ
كأنني بُرجٌ من الضوءِ الخفيفِ الماءِ

جسمي كوكبٌ في الكونِ يسبحُ
أو كبوحِ الثلجِ ينبضُ في المجرَّةِ
كيفَ صُغتُ عبارتي
ودمي على دَرَجِ الطفولةِ بعدُ لم يحبو
ولم يجدْ القصيدةَ بعدُ في المجهولِ
لم يندمْ على شيءٍ من الأشياءِ أو يفهمْ إشارةْ ؟
الماءُ ملءُ فمي وملءُ دمي وأخيلَتي
فهل لي بعدَ طوفانِ الأحاسيسِ الغريبةِ والرؤى...
هل من عبارة ؟
في الجسمِ متكأٌ لروحكِ.

نيسان – أيَّار 2011

*************

أنهارٌ مُنوَّمة

أيُّ شيءٍ يُنوِّمُ أنهارَكِ الذهبيَّةَ في يقظاتِ الأعالي
ويمنحها لذَّةً لا تُفسَّرُ ؟
كلُّ المجازِ الإيروسيِّ يغدو فقيراً ذليلاً... كرملِ البحارِ
إذا قيسَ يوماً بماءِ ابتسامتكِ السكريِّ
ولكنني حينَ أحلمُ يوماً بأنهاركِ المستغيثةِ
بالكهرمانِ النبيلِ أمامَ يديكِ
أرى قدمي كيفَ تغطسُ في ذهبٍ سائلٍ أخضرَ اللونِ
كالسمكِ المتسلِّحِ بالعنجهيَّةِ والانبهارِ
أرى ندمي وهو يزحفُ فيَّ على وجههِ
أتقرَّى دمي مثلما يتقرَّى لهيبُ السيوفِ على شفتيَّ أصابعَ ليلايَ
صمتُ الفراشاتِ فوقَ يديَّ
وحلمي يُتوِّجُ قتلايَ بالوردةِ المستحيلةِ
أنهضُ من موتِ رؤيايَ في سكراتِ القبيلةِ
لا اليومَ خمرٌ ولا الغدَ أمرٌ
وليسَ لعينيَّ أن تحملا شبقَ الشعرِ
فوقَ الطريقِ الذي ليسَ يُفضي سوى لمفاتنِ فاطمَ
أو لنداءاتِ ضلِّيلها وكتابِ اليمامِ

سأختمُ ما ظلَّ من مسكِ أنفاسكِ الرخصِ
ثمَّ أصومُ عن الغمغماتِ التي لن تُصادقَ كذبَ نواياكِ
أو ربَّما لن تُصدِّقَ دمعَ التماسيحِ في آخرِ الفجرِ...

ماذا وراءَكِ من قلقٍ ناصعٍ لا يُصاغُ
ومن خضرةٍ لا تنامُ سوى فوقَ صوتي..
ومن رميةٍ حاذقةْ
تتهادى بسهمٍ نحيلٍ وتنشبُ في رئتي العاشقة ؟

أيُّ شيءٍ يُنوِّمُ أسرارَكِ المستقيلةَ من شمسها
في ذرى الروحِ مثلَ السفائنِ مُتعبةً مُتعبةْ ؟

أتراكمُ مثلَ الأهلَّةِ فوقَ سماءِ حزيرانَ
ينهرُها ألفُ ذئبٍ قتيلٍ وتدركها لعنةُ التجربة
كلُّ أفكارِ قلبي وأشعارهِ
سوفَ يُعلنها الحبُّ فيَّ وتنكرها الموهبةْ
كلُّ ما يتراخى وراءَ التماعاتِ وجهكِ يضربني كالزلازلِ
يُشعلُ ما في دمي من هشيمٍ ومن خشَبٍ قاحلٍ
في حياةٍ خلَت كانَ شوقاً عنيفاً إلى قُرطبةْ
ما الذي يتوالدُ من هذهِ اللمسةِ الرعويَّةِ
والضحكةِ المستديرةِ حولَ يديكِ الملوكيَّتينِ
قفيراً من النحلِ يحملُني كيْ أنامَ على غيمةٍ طيِّبةْ ؟

أيُّ شيءٍ يُهوِّمُ بي فوقَ هذي البحيرةِ كالطائرِ المستهامِ
ويمنحني شفقاً من كلامٍ ؟
وأيُّ شتاءاتكِ الأنثويَّةِ يعصفُ بي في مرايا الظلامِ ؟
وأيُّ نداءاتكِ العاطفيَّةِ يرمقني من علٍ كالملاكِ الحنونِ
ويمسحني بالأناشيدِ..
أو برذاذِ البحارِ المشبَّعِ بالدمعِ والاشتهاءِ
كعينيكِ في ذروةِ الحبِّ...؟

هذا الرمادُ قليلٌ على نزوةِ النارِ فينا
وليسَ يُغطِّي كما ورقِ التينِ سوءةَ عنقائنا
لا يُغطِّي الذنوبَ التي يبسَتْ فوقَ أشيائنا...
كلُّ هذا الحطَبْ
ليسَ يكفي ليوقدَ في دمكِ القبلةَ الباردةْ
كلُّ هذا التعَبْ
ليسَ إلاَّ طريقي وفاكهتي وحنيني
الذي كثَّرتهُ الحياةُ لأندلسٍ واحدةْ

أيُّ شيءٍ يُنوِّمُ أنهارَكِ المخمليَّةَ
في هاوياتِ السماءِ وفي شُرفاتِ الأنوثةِ ؟
حتى لتجهشَ بالشمسِ والوردِ والطيرِ والاخضرارِ
وتنحلَّ في عتمةِ الشغفِ الأرجوانيِّ
أو في بكاءِ اليدينِ على دمنا الكهلِ
ماءً كعطرِ السفرجلِ...
مفردةً مفردةْ.

أيَّار 2011

************

شمسُ زليخة


لا تُراودْ زليخةَ عن شمسها في المساءِ
فما دامَ قلبُكَ قدْ قُدَّ من قُبُلٍ
فصَدَقْتَ ... وكانتْ من الكاذبينْ

لا تُراود زليخةَ عن نفسها
فالسماءُ التي أمطرتكَ
زهوراً وناراً/ وصخراً وغاراً / ومجداً وعاراً
تميلُ على نقطةٍ من حنينْ

لا تُراودْ زليخةَ فالعطرُ ما زالَ ينبضُ في معصميها
وفي مقلتيها تفحُّ فحيحَ الأفاعيَ أنهارُ سودِ العيونْ

قلبُها قبلةٌ فوقَ حبلِ الحياةِ مجفَّفةٌ
ودمائي موزَّعةٌ في الفصولِ
مفرَّقةٌ في الحقولِ
معلَّقةٌ فوقَ حبلِ سرابٍ وطينْ

لا تراودْ زليخةَ واتركْ لعينيكَ أن تنعما بهدوءٍ رصينْ
بعدَ كلِّ الذي حفَّ روحَكَ من نارها...
آنَ أن تستكينْ

لا ترُاودْ زليخةَ عن شمسها
لا تُراودْ زليخةَ عن مطرٍ زاجلٍ في خطاها
ولا عن شذىً هاطلٍ فوقَ صحراءِ روحكَ
لا عن قميصٍ يشفُّ عن الكهرمانِ العميقِ
ولا عن رخامِ البروقِ
ولا عن بياضِ الغمامِ السحيقِ
ولا عن رؤى عاشقٍ أو نبيٍّ
فما زالَ في كاحلِ الأرضِ وردٌ ووشمٌ لمعزوفةِ الماءِ
ما زالَ في رمَقِ الشعرِ بعضُ حليبِ الكلامْ

دَعْ وصايا ابنِ حزمٍ
ودَعْ ما يقولُ الفلاسفةُ القُدماءُ عن الحبِّ..
والجسديِّ الذي ليسَ يوصفُ إلاَّ بحسِّيةِ الشهدِ فيهِ
ودَعْ فرَسَ النارِ تجري إلى منتهاها
إلى مبتدى النهرِ في دمِكَ المتحدِّرِ من رفرفاتِ اليمامْ
دَعْ وصايا ابنِ حزمٍ
ودَعْ ما يقولُ الندى الذكريُّ لأنثى الخزام

سوفَ يلزمُها قمرٌ راعشٌ في الشفاهِ
لتقضمَ تفَّاحةَ الإثمِ
يلزمُها قدَرٌ حارسٌ
أملسٌ كنداءِ المياهِ التي طفرَتْ
من أصابعها ملءَ أسطورةِ الرملِ
يلزمُها شجرٌ عاشقٌ
خافقٌ كالقلوبِ الصغيرةِ
في كلِّ أعضائها
واثقٌ بأنوثتها... كيْ تكونْ

حزيران 2011
***********


مقدودةٌ من بكاءٍ خفيٍّ


خُلاسيَّةٌ مثلُ وردةِ آسٍ
رُخاميَّةٌ مثلُ بابِ السماءِ
حليبيَّةٌ كالغيومِ الصغيرةِ أو كالطفولةِ
ناصعةٌ كدماءِ القصيدةِ
واثقةٌ من أُنوثتها / من دموعي التي غَسلَتها
كما يغسلُ البحرُ شمسَ الخريفِ
رصاصيَّةُ الضَحِكِ المشتهى
وبدائيَّةُ الحبِّ والمنتهى
حينَ تلمَسُ كفَّ الترابِ وتمسحُ صلصالَ قلبي
بلا رهبةٍ أو صقيعٍ يحفُّ خطى مائها
يركضُ النهرُ في دمها
يركضُ الشبَقُ الحرُّ / والندَمُ المرُّ
في لُجَّةِ البرقِ من رُكبتَيْ قَمرٍ أُنثويٍّ
وفي خرَزِ الظَهْرِ والشِعرِ منِّي

مُسيَّجةٌ بشظايا يقيني وظنِّي
خُلاسيَّةٌ مثلُ نهرِ البكاءِ الذي ضاعَ في جسدي
حينَ خلَّفتُ أندلسَ الروحِ في الليلِ وحدي
تذوبُ ابتسامتُها في يدي كابتسامةِ لوركا
التي يبسَتْ في مهبِّ النجومِ
على قلبِ زيتونةٍ تُتقنُ العربيَّةَ والحزنَ
منذُ ملوكِ الطوائفِ...

مائيَّةٌ في هبوبِ طيورِ الرمالِ على شفتيَّ
وموشومةٌ بالفراشاتِ في أسفلِ الظَهْرِ
تبكي بغيرِ دموعٍ
كأنَّ الدموعَ التي تتوالدُ في مقلتيها هوائيَّةٌ كالغيومِ الفقيرةِ
أو أنَّها لا تُفسَّرُ إلاَّ بعطرِ العذابِ المقدَّسِ...

ناريَّةٌ تحملُ الشمسَ في قلبها مثلَ حبَّةِ قمحٍ
ولكنها لا تهادنُ ماءَ الرخامِ الطريِّ
الذي حَبسَتهُ الأُنوثةُ في قلبها
لا تهادنُ ما ظلَّ من ذئبها
في دمي المتنصِّلِ من دمِها
وهو يـبزغُ من سمَكٍ هائجٍ
يتقافزُ مثلَ الطيورِ الصغيرةِ في ثوبها
هيَ من ذهَبٍ وادعٍ / من رياحٍ طقوسيَّةٍ
من نهاراتِ أورَ ومن نينَوَى
من سماءِ الحنينِ إلى اللا مكانِ وعطرِ بخارى
وأمطار دلفي ورائحةِ العنفوانِ / وأمجادِ روما وممفيسَ
مقدودةٌ من بكاءٍ خفيٍّ
على ألفِ أندلسٍ ضائعةْ

هيَ ما يتساقطُ من لهفتي في الطريقِ إلى جنَّةِ البيتِ
أيقونةٌ فوقَ صدرِ الفضاءِ
هواءٌ مُضاءٌ بأوجاعهِ
قمرٌ ليِّنٌ / شرفةُ الإثمِ / مقصلةُ الأقحوانِ
انتباهُ القصيدةِ من حُلمِها وفظاظةِ كابوسِها
لغةٌ من حريرٍ ومن فضَّةٍ كحليبِ العنَبْ
شهوةٌ من بياضِ الذهَبْ
جسَدٌ ناصعٌ كالأهلَّةِ لكنَّهُ من رُطَبْ.


تمَّوز 2011

*********

* كتبت هذه القصائد بين الأعوام 2011 - 2013


** نبذة عن الشاعر الفلسطيني نمر سعدي

نمر أحمد سعدي شاعر وكاتب فلسطيني من مواليد أكتوبر عام 1977. يقيم في قريته بسمة طبعون الواقعة شرق مدينة حيفا، وهي قرية جليلية معروفة بجمال موقعها، ومناظرها الطبيعية الخلابة، وتأثيرها الساحر على نفس الشاعر القلقة، لكنها مرهفة الإحساس والرؤية، والنازعة أبدًا إلى الحرية والجمال الكوني، مما يبقي نوافذه مفتوحة على العالم القريب والبعيد في آن. ليطل، من خلالها وباستمرار على مجالات الحياة، وفضاءات الكون كافة، لاسيما على كل ما هو إبداعي وعصري وحداثي. وعن سؤاله في موقع "القدس" هل أثّرت الطبيعة المحيطة بك في أشعارك؟ أجاب "بالطبع كان التأثير كبيرًا. هناك نزوع طبيعي لديّ واستعداد نفسي لاستيعاب كل ذرات الجمال الخارجي للطبيعة، أو تقاسم التناسق الجمالي لهذه البقعة الطيّبة، التي تمتد على جسد الجليل كله حتى بحر حيفا غربًا. قلت: إن نصف موهبتي يرجع إلى الجمال الطبيعي الذي يتصف به شمال فلسطين، بجباله وسهوله وتضاريسه المكونة لجزء من طبيعة بلاد الشام، يتميّز بغناه وصفاء هوائه وروعته. يمتد حتى أعالي لبنان مارًا بشرقي سوريا. في النهاية، كل أشعاري تستند على هذا الإرث الجمالي الطبيعي الهائل، الذي ورثته النفس وتمتعت به وتغنت بحسنه"
بدأت جذوة الشعر تتوهج في قلبه في مرحلة مبكرة، ولم تخبُ إلى اليوم، بعدما أذكتها عواصف الأحلام والحب والرؤى. بدأ بنشر بواكير أشعاره، بعد اختمار التجربة ونضوجها، جنبًا إلى جنب الموهبة والثقافة، في صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية، وكذلك في صحيفتي "كل العرب" و"الأخبار" الناصريتين منذ عام 1999. يتميز شعر سعدي بقدرة على التعبير اللغوي، والتصوير الفني على حد سواء، متكئًا، في هذا وذاك، على خيال جامح منفتح على الاتجاهات كافة. يمتح من تناصات ذات حمولات متعددة: موروثات ثقافية، وإشارات إيحائية، وأخرى رمزية وأسطورية، منها الخاصة: عربية وشرقية، ومنها العامة: أجنبية وغربية، تحيل إلى دلالات متعددة، قد تنأى عن كل ما هو نمطي أو متعارف عليه، أي وفق المنظور الحداثي. ولا يعدم القارئ في ثنايا شعره: فكرًا وذوقًا وإحساسًا ومعرفة ورؤيا.
من أهم المحاور في أشعاره: مكاشفة الوجود واكتناه أسراره، وإثارة التساؤلات بغية فهم المتناقضات المحيطة، وصولا إلى سبر أغوار الذات الشاعرة والذات الإنسانية، بوصفها وعيًا وموضوعًا معًا، إلى درجة تبلغ حد التماهي أحيانًا. يقول أدونيس "لعل خير ما نعرّف به الشعر الجديد هو أنه رؤيا. والرؤيا، بطبيعتها، قفزة خارج المفهومات السائدة. هي إذًا، تغيير في نظام الأشياء وفي نظام النظر إليها. هكذا يبدو الشعر الجديد، أول ما يبدو، تمردًا على الأشكال والطرق الشعرية القديمة". ويقول كذلك "إن الشعر الجديد، باعتباره كشفًا ورؤيا، غامض، متردد، لا منطقي" والبعد العالمي محور أساسي في أشعاره، يقول في مقابلة له مع موقع "رابطة أدباء الشام" "أنا أعبِّر عمّا يحدث في كل بقعة موبوءة بالظلم في العالم بصورة مغايرة وجماعية أكثر" وتعد تلك العناصر من أهم مقومات الشعر الحداثي.
يعد الشاعر نمر سعدي واحدًا من أصحاب الأصوات الجديدة في الساحة الشعرية المحلية، لما يمتاز شعره به من: طاقة إبداعية، وغزارة في النتاج، ومخزون ثرّ من الموضوعات المتعددة. وهو يكتب القصيدة في الشعر التفعيلي الحر، ومن حين لآخر، أيضًا القصيدة العمودية. كما أنه ناشط في الحراك الأدبي، ومتابع لنشاطات الحركة الأدبية المحلية.
وعن شعره يقول هو نفسه في مقابلة له مع موقع "رابطة أدباء الشام" "في النهاية آمنت بمدرسة الشعر الحر ورأيت في شعر التفعيلة أفقًا جديدًا، رغم كتابتي لشعر النثر والقصيدة العمودية أنا من أتباع التفعيلة التي أعتبرها الوريثة الشرعية الوحيدة للشعر العربي"
هنالك من يعتقد بأن الشاعر نمر سعدي لم ينل، كما يجب، ما يستحقه كشاعر عصامي مبدع، أثبت نفسه بنفسه في مشهد أدبنا المحلي والثقافي، ولم يحظ بالقدر الكافي من الاهتمام، ولا من الدراسة أو الكتابة والبحث، كسائر أقرانه من الشعراء، لذلك بقي يواجه أو يعاني من التعتيم والتهميش الإعلامي. وبعيدًا عن الأضواء والشهرة، على الرغم من أن نتاجه الأدبي والشعري، في منظور ما، يثبت بأنه يمكن لا بل قد يستحق أن يتبوأ مكانه في درجة متقدمة بين صفوف الشعراء المحليين. تُرى، هل تجنَّى بعض شعرائنا المشهورين، باستحواذهم على كامل أضواء الشهرة والنجومية، طبعًا من دون أي قصد أو مسؤولية من جانبهم؟ وكذلك بعض نقادنا، ربما عن قصد أو بدون قصد، في ما يحدث من تجاهل وتهميش لبعض شعرائنا الواعدين؟ هل نتوقف عند شعرائنا المشهورين فقط ولا نبرحهم؟ إلى متى سيبقى ذلك الغبن، ونظل نتذكر ونردد صرخة عنترة بن شداد في معلقته: هل غادر الشعراء من متردم؟
له عدة إصدارات شعرية منها:
موسيقى مرئية 2008 منشورات مجلة مواقف/ الناصرة
كأني سواي 2009 ( ديوان في ثلاثة أبواب ) منشورات دائرة الثقافة العربية / دار نشر الوادي / حيفا
يوتوبيا أنثى 2010 منشورات مركز أوغاريت للترجمة والنشر / رام الله
ماء معذَّب 2011 منشورات مجلة مواقف / الناصرة
تُرجمت له عدة قصائد الى اللغات الانجليزية والرومانية والصينية والعبرية وصدرت في أنطولوجيات شعرية.
نشر مئات القصائد وعشرات المقالات في الكثير من المجلات والصحف المحلية والعربية مثل القدس العربي وصحيفة عكاظ السعودية وصحيفة الخليج الاماراتية وصحيفة العرب اللندنية.
(من مقال للكاتب والناقد الفلسطيني الدكتور محمد خليل بعنوان ( تجلِّيات الحداثة عند الشاعر الفلسطيني نمر سعدي).




تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...