لا بابَ يَفْتَحُهُ أمامي البَحرُ..
قُلتُ: قَصيدتي
حَجَرٌ يَطيرُ إلى أبي حَجَلاً. أتَعْلَمُ يا أَبي
ماحَلَّ بي? لا بابَ يُغْلقُهُ عَلَيَّ الْبحْرُ, لا
مرْآة أكْسِرُها لِيْنتشرَ الطّريقُ حَصىً.. أَمامِي
أو زَبَدْ...
هل مِنْ أَحَدْ..
يبكي على أحَدٍ لأحْمِلَ نَايَهُ
عنْهُ, وأْظْهِرَ ماتَبطَّنَ مِنْ حُطَامِي?
أنا مِن رُعاة الْملح في الأَغْوَارِ. يَنْقُرُ طائرٌ
لُغتي, ويَبْني عُشَّ زُرْقَتِهِ المُبَعْثَرَ في خِيامي..
هل مِنْ بَلَدْ
يَنْسَلُّ منّي كي أراهُ, كما أُريدُ، وكَي يَراني
في الشاطئ الْغرْبيِّ من نَفْسي على حَجَرِ الأبَدْ?
هذا غيابُكَ كله شَجَرٌ, يُطلُّ عليكَ مَنك ومِنْ دُخاني
نامَتْ أريحا تَحْتَ نَخْلَتها القديمةِ, لَمْ أَجدْ
أَحَداً يَهُزُّ سَريرَها: هَدأتْ قَوافلُهُم فَنامي..
وَبَحثْتُ لاسْميْ عن أَبٍ لاسمي, فشَقَّنني عَصاً
سحْريةٌ, قتْلاي أمْ رؤياي تَطْلُعُ منْ مَنامي?
الأنْبياءُ جَميعُهُمْ أهْلي, ولكنَّ السَّماءَ بَعيدةٌ
عَنْ أرْضها, وأنا بعيدٌ عَنْ كَلَامي..
لا ريحَ تَرفَعُني إلى أعْلى من الماضي هُنَا
لا ريحَ تَرفعُ موْجةً عن ملْح هذا البحْر, لا
راياتِ للموْتى لكي يسْتسْلِمُوا فيها, ولا
أصْوات للأحْياء كي يَتبادلوا خُطُب السَّلامِ..
والْبحْرُ يَحْمِلُ ظلِّي الفضّيَّ عِندَ الْفَجْرِ، يُرْشدُني إلى
كلماتي الأَولى لثدْي المرْأة الأُولى, ويَحْيا مَيِّتاً
في رَقْصة الوَثَنيِّ حول فَضائِهِ،
ويَموتُ حَيّاً في ثُنائِيِّ القَصيدةِ والحُسامِ,
مابيْنَ مصرَ وبينَ آسيا والشَّمالِ.. فَيا غَريبُ
أوقفْ حِصانَكَ تَحْتَ نَخْلَتِنا! على طُرُق الشَّآمِ
يَتَبادَلُ الغُرَباءُ في ما بَيْنَهم خُوَذاً سَيَنْبُتُ فَوْقَها
حَبَقٌ يُوَزِّعُهُ على الدُّنْيا حَمَامٌ قد يَهُبُّ من البُيُوت
والبحرُ مَات, من الرَّتابَة, في وصَايَا لا تَمُوتْ
وأَنا أَنا, إنْ كنتَ أنتَ هُناك أنتَ, أنا الغَريبُ
عن نَخْلَةِ الصَّحْراءِ مُنْذُ وُلِدْتُ في هذا الزَّحَامِ
وأنا أنا, حَرْبٌ عليَّ وفيَّ حَرْبٌ.. ياغريبُ
عَلِّقْ سِلاحَكَ فوقَ نَخلَتِنَا, لأزْرَعَ حِنْطَتِي
في حَقْل كَنْعانَ المُقْدِّس.. خُذْ نبيذاً من جرَاري
خُذْ صفحةً من سِفْر آلهَتي.. وقْسطاً من طَعَامِي
وخُذِ الغَزالةَ من فِخاخ غنائنا الرَّعويّ, خُذْ
صَلواتِ كنْعانيَّة في عيد كَرْمَتِهَا, وخُذْ عَادَاتِنَا
في الرِّيِّ, خُذْ منِّا دُرُوس البيْتِ. ضَعْ
حَجَراً من الآجُرِّ, وارْفع فَوقَهُ بُرْجَ الْحَمَام
لتكونَ منّا إن أرَدْتَ, وجارَ حِنْطتِنَا وخُذْ
منَّا نُجوم الأبْجديَّة, ياغَريبُ
واكتُبْ رسالاتِ السَّماء مَعي إلَى
خَوْفِ الشُّعوبِ من الطَّبيعَة والشَّعوبْ،
وأتْرُك أَريحَا تحْت نَخلتها, ولاتَسْرقْ منامِي
وَحليبَ امرأتي, وقُوتَ النَّمْل في جُرْحِ الرُّخامِ!
أأتيْتَ... ثُمَّ قَتَلْتَ.. ثُمَّ وَرِثْتَ, كَي
يَزْدادَ هذا البحْرُ مِلْحاً?
وأنا أنا أخضرُّ عاماً بعد عامٍ فوْقَ جِذْع السَّنديانِ
هذا أنا, وأنا أنا, هنا مَكاني في مَكاني
والآن في الماضي أراكَ, كما أتيْت, ولا تَرَانِي
والآن في الماضي أُضيءُ لحاضِرِي
غده.. فَينْأَى بي زَماني عَنْ مَكاني
حيناً, ويَنْأَى بي مكاني عَنْ زَماني
والأَنْبَياءُ جَميعُهُمْ أَهْلي, ولكِنَّ السَّماءَ بَعيدَةٌ
عَنْ أَرْضِها, وأَنا بَعيدٌ عن كَلامي
والبَحْرُ يَنْزِلُ تَحْتَ سَطْحِ الْبحْر كَيْ تَطْفُو عِظامي
شَجَراً. غيابي كُلُّهُ شَجرٌ. وبابي ظِلُّهُ
قَمَرٌ. وكَنْعانيَّةٌ أُمِّي. وهَذا البَحْرُ جِسْرٌ ثابِتٌ
لِعُبورِ أَيَّامِ القيامَةِ يا أبي كَمْ مَرَّةً
سَأَموتُ فوْقَ فِراش إِمْرَأَةِ الأَساطيرِ الَّتي
تَختَارُهَا "آناثُ" لي، فَتَشُبُّ نارٌ في الْغَمامِ
كَمْ مَرَّةً سَأَموتُ في نَعْناعِ أَحْواضي القَديمَةِ كُلَّمَا
فَرَكَتْهُ رِيحُ شَمالِكَ الْعالي رَسائِلَ من يمامِ؟
هَذَا غَيابي سَيِّدٌ يَتْلُو شَرائِعَهَ على
أحْفادِ لُوطَ, ولا يَرى لِسَدومَ مَغْفِرَةً سِوَايْ
هذا غِيابي سَيِّدٌ يَتْلو شَرائِعَهُ، ويَسْخَرُ من رُؤايْ
ما قيمةُ الْمرْآةِ لِلْمرْآةِ ؟ لي وَجْهٌ عَليكَ, وأَنتَ لا
تَصْحو منَ التَّاريخِ، لا تَمْحو بُخارَ الْبَحْرِ عَنْكْ..
والْبَحْرُ, هذا الْبَحْرُ، أَصْغَرُ من خُرافَتِهِ وأَصْغَرُ مِنْ يَدَيْكْ
هو بَرْزَخُ البلُّورِ, أَوَّلُهُ كآخِرِهِ، وَلاَ مَعْنًى هُنا
لِدخولِكَ اُلعبثِيِّ في أْسْطورَةٍ تَرَكَتْ جُيوشاً للرُّكَامِ
لِيَمُرَّ جَيْشٌ آخَرٌ يَرْوي رِوايَتَهُ وَيَحْفِرَ لاِسْمِهِ
جَبَلاً، ويَأْتي ثالِثٌ ويَخُطُّ سِيْرَةَ زَوْجَةٍ خَانَتْ, ويَمْحُو رابعٌ
أَسْماءَ مَنْ سَبَقوا هُنَاك لِكُلِّ جَيْشٍ شاعِرٌ
ومُؤَرِّخٌ, ورَبابَةٌ لِلرَّاقصاتِ السَّاخِراتِ مِنَ الْبِدايَةِ والخِتامِ...
سُدىً أُفَتِّشُ عَن غِيابي, فهو أَبْسَطُ من حَمِيرِ
الأَنْبِياء تَمُرُّ فَوقَ السَّفْحِ حامِلَةً سَماءً للأنامِ..
والْبَحْرُ، هذا الْبَحْرُ, في مُتنَاوَل الأَيْدي سَأَمْشي فَوْقَهُ
وأَسُكُّ فِضَّتَهُ, وأَطْحَنُ مِلْحَهُ بِيَدَيَّ هَذا الْبَحْرُ لا
يَحْتَلُّهُ أَحَدٌ. أَتى كِسْرَى وَفرْعَوْنٌ وقَيْصَرُ والنَّجاشيّ
والآخَرُونَ, لِيَكْتُبُوا أَسْماءَهم, بيديْ، على ألْواحِهِ
فَكَتَبْتُ: لاِسْمي الأَرْضُ، واُسْمُ الأرضِ آلِهةٌ تُشاركُني مَقَامِي
في الْمَقْعَدِ الْحَجَريِّ. لَمْ أَذَهَبْ ولَمْ أَرْجِعْ مَعَ الزَّمَنِ الهُلامي
وأَنا أَنا، ولو انْكَسَرْتُ.. رَأَيْتُ أَيَّامي أَمَامي
ذَهَباً على أَشْجاريَ الأْولَى, رَأَيْتُ رَبيعَ أْمِّي، يا أبي
وَرَأَيْتُ رِيشَتَها تُطَرِّزُ طائِريْنِ: لِشالِها، وَلشالِ أَخْتي
وفَراشَةً لَمْ تَحْتَرِقْ بِفَراشَةٍ مِنْ أَجْلِنا, وَرَأَيْتُ لاسْمِي
جَسَداً: أَنا ذَكَرُ الْحَمامِ يَئنُّ في أُنْثَى الْحَمامِ.
ورَأَيْتُ مَنْزلَنا المُؤثَّثَ بِالنَّباتِ, رَأَيْتُ باباً للِدُّخولْ
ويأيتُ باباً للخرُوج، رأيتُ باباً للخُروجِ وللدُّخولْ..
هَلْ مَرَّ نوحٌ مِنْ هُناكَ إلى هُناكَ لِكيْ يَقُولْ
ما قال في الدُّنْيا: لَها بابانِ مُخْتَلِفان, لكنَّ الْحِصانَ يَطيرُ بي
ويَطيرُ بي أَعْلى وأسْقُطُ مَوْجَةً جَرَحَتْ سُفوحاً، يا أبي
وأنا أَنا وَلَوِ اُنْكَسَرْتُ, رَأَيْتُ أَيَّامي أَمامِي
ورَأَيْتُ هاويَةً, رَأَيْتُ الْحَرْبَ بَعْدَ الْحَرْبِ, تِلْكَ قَبيلَةٌ
دالَتْ, وتِلْكَ قَبيلَةٌ قَالَتْ لِهولاكو الْمُعاصِر: نَحْنُ لَكْ
وأَقُولُ: لَسنا أْمَّةً أَمَةً، وأَبْعَثُ لاِبْنِ خَلْدونَ احْتِرامِي
وأَنَا أَنَا وَلَوِ اُنْكَسَرْتُ على الْهَواءِ المَعْدِنِيِّ.. وأَسْلَمَتْنِي
حَرْبُ الصَّليبِيِّ الجَديدَ إلى إلهِ الانْتِقامِ
وإلى المَغوليِّ المُرابِطِ خَلْفَ أقنِعَةِ الإمامِ
وإلى نِساءِ المِلْحَ في أُسْطورَةٍ نَخَرَتْ عِظامِي..
وأَنا أنا, لا بابَ يُغْلقُهُ عَليَّ الْبَحْرُ. لا
مِرْآةَ أَكْسرُها لِتَنْتَشِر الطَّريقُ رُؤىً.. أَمامي
والأِنْبِياءُ جَمِيعُهُمْ أهْلي، ولكنَّ السَّماءَ بَعيدَةٌ عن
أَرْضِها، وأَنَا بَعيدٌ عَنْ كَلامي..
قُلتُ: قَصيدتي
حَجَرٌ يَطيرُ إلى أبي حَجَلاً. أتَعْلَمُ يا أَبي
ماحَلَّ بي? لا بابَ يُغْلقُهُ عَلَيَّ الْبحْرُ, لا
مرْآة أكْسِرُها لِيْنتشرَ الطّريقُ حَصىً.. أَمامِي
أو زَبَدْ...
هل مِنْ أَحَدْ..
يبكي على أحَدٍ لأحْمِلَ نَايَهُ
عنْهُ, وأْظْهِرَ ماتَبطَّنَ مِنْ حُطَامِي?
أنا مِن رُعاة الْملح في الأَغْوَارِ. يَنْقُرُ طائرٌ
لُغتي, ويَبْني عُشَّ زُرْقَتِهِ المُبَعْثَرَ في خِيامي..
هل مِنْ بَلَدْ
يَنْسَلُّ منّي كي أراهُ, كما أُريدُ، وكَي يَراني
في الشاطئ الْغرْبيِّ من نَفْسي على حَجَرِ الأبَدْ?
هذا غيابُكَ كله شَجَرٌ, يُطلُّ عليكَ مَنك ومِنْ دُخاني
نامَتْ أريحا تَحْتَ نَخْلَتها القديمةِ, لَمْ أَجدْ
أَحَداً يَهُزُّ سَريرَها: هَدأتْ قَوافلُهُم فَنامي..
وَبَحثْتُ لاسْميْ عن أَبٍ لاسمي, فشَقَّنني عَصاً
سحْريةٌ, قتْلاي أمْ رؤياي تَطْلُعُ منْ مَنامي?
الأنْبياءُ جَميعُهُمْ أهْلي, ولكنَّ السَّماءَ بَعيدةٌ
عَنْ أرْضها, وأنا بعيدٌ عَنْ كَلَامي..
لا ريحَ تَرفَعُني إلى أعْلى من الماضي هُنَا
لا ريحَ تَرفعُ موْجةً عن ملْح هذا البحْر, لا
راياتِ للموْتى لكي يسْتسْلِمُوا فيها, ولا
أصْوات للأحْياء كي يَتبادلوا خُطُب السَّلامِ..
والْبحْرُ يَحْمِلُ ظلِّي الفضّيَّ عِندَ الْفَجْرِ، يُرْشدُني إلى
كلماتي الأَولى لثدْي المرْأة الأُولى, ويَحْيا مَيِّتاً
في رَقْصة الوَثَنيِّ حول فَضائِهِ،
ويَموتُ حَيّاً في ثُنائِيِّ القَصيدةِ والحُسامِ,
مابيْنَ مصرَ وبينَ آسيا والشَّمالِ.. فَيا غَريبُ
أوقفْ حِصانَكَ تَحْتَ نَخْلَتِنا! على طُرُق الشَّآمِ
يَتَبادَلُ الغُرَباءُ في ما بَيْنَهم خُوَذاً سَيَنْبُتُ فَوْقَها
حَبَقٌ يُوَزِّعُهُ على الدُّنْيا حَمَامٌ قد يَهُبُّ من البُيُوت
والبحرُ مَات, من الرَّتابَة, في وصَايَا لا تَمُوتْ
وأَنا أَنا, إنْ كنتَ أنتَ هُناك أنتَ, أنا الغَريبُ
عن نَخْلَةِ الصَّحْراءِ مُنْذُ وُلِدْتُ في هذا الزَّحَامِ
وأنا أنا, حَرْبٌ عليَّ وفيَّ حَرْبٌ.. ياغريبُ
عَلِّقْ سِلاحَكَ فوقَ نَخلَتِنَا, لأزْرَعَ حِنْطَتِي
في حَقْل كَنْعانَ المُقْدِّس.. خُذْ نبيذاً من جرَاري
خُذْ صفحةً من سِفْر آلهَتي.. وقْسطاً من طَعَامِي
وخُذِ الغَزالةَ من فِخاخ غنائنا الرَّعويّ, خُذْ
صَلواتِ كنْعانيَّة في عيد كَرْمَتِهَا, وخُذْ عَادَاتِنَا
في الرِّيِّ, خُذْ منِّا دُرُوس البيْتِ. ضَعْ
حَجَراً من الآجُرِّ, وارْفع فَوقَهُ بُرْجَ الْحَمَام
لتكونَ منّا إن أرَدْتَ, وجارَ حِنْطتِنَا وخُذْ
منَّا نُجوم الأبْجديَّة, ياغَريبُ
واكتُبْ رسالاتِ السَّماء مَعي إلَى
خَوْفِ الشُّعوبِ من الطَّبيعَة والشَّعوبْ،
وأتْرُك أَريحَا تحْت نَخلتها, ولاتَسْرقْ منامِي
وَحليبَ امرأتي, وقُوتَ النَّمْل في جُرْحِ الرُّخامِ!
أأتيْتَ... ثُمَّ قَتَلْتَ.. ثُمَّ وَرِثْتَ, كَي
يَزْدادَ هذا البحْرُ مِلْحاً?
وأنا أنا أخضرُّ عاماً بعد عامٍ فوْقَ جِذْع السَّنديانِ
هذا أنا, وأنا أنا, هنا مَكاني في مَكاني
والآن في الماضي أراكَ, كما أتيْت, ولا تَرَانِي
والآن في الماضي أُضيءُ لحاضِرِي
غده.. فَينْأَى بي زَماني عَنْ مَكاني
حيناً, ويَنْأَى بي مكاني عَنْ زَماني
والأَنْبَياءُ جَميعُهُمْ أَهْلي, ولكِنَّ السَّماءَ بَعيدَةٌ
عَنْ أَرْضِها, وأَنا بَعيدٌ عن كَلامي
والبَحْرُ يَنْزِلُ تَحْتَ سَطْحِ الْبحْر كَيْ تَطْفُو عِظامي
شَجَراً. غيابي كُلُّهُ شَجرٌ. وبابي ظِلُّهُ
قَمَرٌ. وكَنْعانيَّةٌ أُمِّي. وهَذا البَحْرُ جِسْرٌ ثابِتٌ
لِعُبورِ أَيَّامِ القيامَةِ يا أبي كَمْ مَرَّةً
سَأَموتُ فوْقَ فِراش إِمْرَأَةِ الأَساطيرِ الَّتي
تَختَارُهَا "آناثُ" لي، فَتَشُبُّ نارٌ في الْغَمامِ
كَمْ مَرَّةً سَأَموتُ في نَعْناعِ أَحْواضي القَديمَةِ كُلَّمَا
فَرَكَتْهُ رِيحُ شَمالِكَ الْعالي رَسائِلَ من يمامِ؟
هَذَا غَيابي سَيِّدٌ يَتْلُو شَرائِعَهَ على
أحْفادِ لُوطَ, ولا يَرى لِسَدومَ مَغْفِرَةً سِوَايْ
هذا غِيابي سَيِّدٌ يَتْلو شَرائِعَهُ، ويَسْخَرُ من رُؤايْ
ما قيمةُ الْمرْآةِ لِلْمرْآةِ ؟ لي وَجْهٌ عَليكَ, وأَنتَ لا
تَصْحو منَ التَّاريخِ، لا تَمْحو بُخارَ الْبَحْرِ عَنْكْ..
والْبَحْرُ, هذا الْبَحْرُ، أَصْغَرُ من خُرافَتِهِ وأَصْغَرُ مِنْ يَدَيْكْ
هو بَرْزَخُ البلُّورِ, أَوَّلُهُ كآخِرِهِ، وَلاَ مَعْنًى هُنا
لِدخولِكَ اُلعبثِيِّ في أْسْطورَةٍ تَرَكَتْ جُيوشاً للرُّكَامِ
لِيَمُرَّ جَيْشٌ آخَرٌ يَرْوي رِوايَتَهُ وَيَحْفِرَ لاِسْمِهِ
جَبَلاً، ويَأْتي ثالِثٌ ويَخُطُّ سِيْرَةَ زَوْجَةٍ خَانَتْ, ويَمْحُو رابعٌ
أَسْماءَ مَنْ سَبَقوا هُنَاك لِكُلِّ جَيْشٍ شاعِرٌ
ومُؤَرِّخٌ, ورَبابَةٌ لِلرَّاقصاتِ السَّاخِراتِ مِنَ الْبِدايَةِ والخِتامِ...
سُدىً أُفَتِّشُ عَن غِيابي, فهو أَبْسَطُ من حَمِيرِ
الأَنْبِياء تَمُرُّ فَوقَ السَّفْحِ حامِلَةً سَماءً للأنامِ..
والْبَحْرُ، هذا الْبَحْرُ, في مُتنَاوَل الأَيْدي سَأَمْشي فَوْقَهُ
وأَسُكُّ فِضَّتَهُ, وأَطْحَنُ مِلْحَهُ بِيَدَيَّ هَذا الْبَحْرُ لا
يَحْتَلُّهُ أَحَدٌ. أَتى كِسْرَى وَفرْعَوْنٌ وقَيْصَرُ والنَّجاشيّ
والآخَرُونَ, لِيَكْتُبُوا أَسْماءَهم, بيديْ، على ألْواحِهِ
فَكَتَبْتُ: لاِسْمي الأَرْضُ، واُسْمُ الأرضِ آلِهةٌ تُشاركُني مَقَامِي
في الْمَقْعَدِ الْحَجَريِّ. لَمْ أَذَهَبْ ولَمْ أَرْجِعْ مَعَ الزَّمَنِ الهُلامي
وأَنا أَنا، ولو انْكَسَرْتُ.. رَأَيْتُ أَيَّامي أَمَامي
ذَهَباً على أَشْجاريَ الأْولَى, رَأَيْتُ رَبيعَ أْمِّي، يا أبي
وَرَأَيْتُ رِيشَتَها تُطَرِّزُ طائِريْنِ: لِشالِها، وَلشالِ أَخْتي
وفَراشَةً لَمْ تَحْتَرِقْ بِفَراشَةٍ مِنْ أَجْلِنا, وَرَأَيْتُ لاسْمِي
جَسَداً: أَنا ذَكَرُ الْحَمامِ يَئنُّ في أُنْثَى الْحَمامِ.
ورَأَيْتُ مَنْزلَنا المُؤثَّثَ بِالنَّباتِ, رَأَيْتُ باباً للِدُّخولْ
ويأيتُ باباً للخرُوج، رأيتُ باباً للخُروجِ وللدُّخولْ..
هَلْ مَرَّ نوحٌ مِنْ هُناكَ إلى هُناكَ لِكيْ يَقُولْ
ما قال في الدُّنْيا: لَها بابانِ مُخْتَلِفان, لكنَّ الْحِصانَ يَطيرُ بي
ويَطيرُ بي أَعْلى وأسْقُطُ مَوْجَةً جَرَحَتْ سُفوحاً، يا أبي
وأنا أَنا وَلَوِ اُنْكَسَرْتُ, رَأَيْتُ أَيَّامي أَمامِي
ورَأَيْتُ هاويَةً, رَأَيْتُ الْحَرْبَ بَعْدَ الْحَرْبِ, تِلْكَ قَبيلَةٌ
دالَتْ, وتِلْكَ قَبيلَةٌ قَالَتْ لِهولاكو الْمُعاصِر: نَحْنُ لَكْ
وأَقُولُ: لَسنا أْمَّةً أَمَةً، وأَبْعَثُ لاِبْنِ خَلْدونَ احْتِرامِي
وأَنَا أَنَا وَلَوِ اُنْكَسَرْتُ على الْهَواءِ المَعْدِنِيِّ.. وأَسْلَمَتْنِي
حَرْبُ الصَّليبِيِّ الجَديدَ إلى إلهِ الانْتِقامِ
وإلى المَغوليِّ المُرابِطِ خَلْفَ أقنِعَةِ الإمامِ
وإلى نِساءِ المِلْحَ في أُسْطورَةٍ نَخَرَتْ عِظامِي..
وأَنا أنا, لا بابَ يُغْلقُهُ عَليَّ الْبَحْرُ. لا
مِرْآةَ أَكْسرُها لِتَنْتَشِر الطَّريقُ رُؤىً.. أَمامي
والأِنْبِياءُ جَمِيعُهُمْ أهْلي، ولكنَّ السَّماءَ بَعيدَةٌ عن
أَرْضِها، وأَنَا بَعيدٌ عَنْ كَلامي..