يقول هنري ميلر في لقاء معه : أتمنى هذه الأيام إعادة قراءة حياة غوته ، وقصة حبه الأخيرة ، أريد أن أعرف بماذا أحس ـ ذاك الرجل العظيم والأوروبي العظيم ـ عندما وقع في غرام فتاة صغيرة رفضته ، في حين كان العالم بأسره يعتبره إلهاً .
رينيه دو مونترلان صاحب خماسية الصبايا والتي قرأتها بشغف في الثمانينات ، عرفت فيما بعد كيف أنتهت حياته ، رجل كان معبوداً للنساء للدرجة التي كان يملي شروطاً غريبة على من يراسلنه طلباً لقضاء ليلة واحدة معهن ، وعندما طاردته فتاة بعد أن تركت الكنيسة من أجل ليلة واحدة تقضيها معه ، قال لها من أرغب فيها يجب أن تكون : شقراء ، وطويلة ، ومكتنزة الوسط ، وغير مثقفة .. الخ ، وانت للأسف لا تملكين أياً من هذه المواصفات ، ويتحدث في الجزء الأخير من خماسيته عن رفيقته المغربية خديجة المصابة بالجذام ويعتبرها أفضل علاقاته على الإطلاق لأنها كانت تضاجعه دون أن تناقشه عن كتبه ، أو بالأحرى دون أن تعرف أنه كاتب .. هذا الرجل بعد أن بلغ الستينات تعثر في الشارع وسقط ، فضحكت فتاة جميلة كانت تمر بقربه ، ومن لحظتها عرف أن حياته يجب أن تتوقف ، فابتاع مسدساً وتابوتاً ، رقد في التابوت وأطلق عياراً على رأسه بعد أن ترك ورقة صغيرة حول الحادثة ،
هنري ميللر ـ الذي أحب في بداية مراهقته امرأة تكبره بخمس عشرة سنة ، وهو الحب الذي يسميه شفقة : (إنها تجربة حب باعثة على الرثاء لأنها تقوم على الرأفة ولم أكن قادراً على فراقها وذلك رأفة بها ، لا أريد تحطيمها وكل هذا بالنتيجة سيء جداً) ولاحقاً كما يقول كانت نساؤه أصغر منه سناً ـ يتمنى أن يعرف إحساس رجل عظيم رفضته فتاة صغيرة .. لا أعرف إن كان إحساسه مثل زوربا الذي يستمتع بالعلاقات حتى وإن كانت تقوم خارج جسده ، أو مثل فتحي الشويهدي الذي ترى بريق الفرح في عينيه عندما يحدثه آخر عن مغامرة جسدية ، وكأنك تحدث بدوياً عن سقوط أمطار حتى وإن كانت في أرض بعيدة عنه ، أم كان إحساس غوته مثل الطغاة الذين اعتقدُ أن طغيانهم متأتي عن حالات رفض مثل هذه ، هنري ميلر يبدو أنه لم يختبر مثل هذا الشعور ، لذلك أحب أن يقرأه في تجربة عظيم آخر أحس للحظة بأنه جدير بأن يحصل على كل شئ ، كانت ألوهيته تتأتى من منجزه الإبداعي المرتبط بالخلق ، لكن ثمة ألوهية أكثر رهبة وسمواً تنبع من كونك قادراً على أن تحب وبعمق في أي سن من عمرك، حتى وإن كان هذا الحب من طرف واحد ، عندما تحاصر امرأة تعتقد أنها وحيدة بلسانك المعسول وكل ما وهبتك البلاغة والشعر والتجربة ، وترد عليك بهدوء : أنت مثل أخي ، عليك أن تكتشف في هذه الهزيمة أشياء لا تقدر بثمن ، ولا تقارن بهزة سرير، ثمة دائما افتراضات خاطئة يجب أن تصفعك على وجهك ، ويقين يلوي في يدك مثل سلك نحاسي ، كان من البديهي والمنطقي والمسلم به أن تستجيب تلك الفتاة الصغير النكرة لرغبة غوته وتدخل التاريخ ، لكن المنطق يضرب في الصميم ، لأن الفتاة من الممكن أن تعبد غوته دون أن تعطيه روحها ، الروح ملكية خاصة ومنحها حتى للإله يعني فقدانها ، علينا أن نحاصرها داخلنا لننعش بها الجسد ، ونحفر فيها أوهامنا المبجلة . أحب هنري ميلر أن يعرف إحساس غوته ، لكن أحب أنا أن أعرف إحساس تلك الفتاة ، فأحاسيس غوتة نابعة من التاريخ والهالة والسلطة . نحن كثير اً ما نأسف دائماً لزواج غير متوازن ونرجعه لأصله المرضي ، عقدة إلكترا ، أو عقدة أوديب .. يبدو أن الحياة علمتنا التوازن ، والعلاقات المنطقية بشكل يجعلنا نعتبر كل ما ينتهكها مرضاً .. عقدنا مرة ندوة على هامش إحدى المهرجانات ، مجموعة من الكتاب الليبيين والعرب ، وكان المحور الأساسي ؛ أن يحدثنا كل شخص عن تجربته الجنسية الأولى ، وتسعون في المائة من التجارب كانت اغتصاباً في بداية الصبا من نساء ناضجات ، هل يرجع ذلك لضغط مجتمعات الكبت ، أم لعقدة أوديب مقلوبة ، أم للجو الآمن الذي يحيط بهذا الطقس بالنسبة للنساء ، أم لطقس أمومي يختبر نكهة اللذة المحرمة .. ما أعرفه أن التوازن والمنطق يضرب في صميمه ، وأن تجاربنا الأولى لا تخلو من الجنون الذي نستقبله بدهشة يشوبها الخوف .
رينيه دو مونترلان صاحب خماسية الصبايا والتي قرأتها بشغف في الثمانينات ، عرفت فيما بعد كيف أنتهت حياته ، رجل كان معبوداً للنساء للدرجة التي كان يملي شروطاً غريبة على من يراسلنه طلباً لقضاء ليلة واحدة معهن ، وعندما طاردته فتاة بعد أن تركت الكنيسة من أجل ليلة واحدة تقضيها معه ، قال لها من أرغب فيها يجب أن تكون : شقراء ، وطويلة ، ومكتنزة الوسط ، وغير مثقفة .. الخ ، وانت للأسف لا تملكين أياً من هذه المواصفات ، ويتحدث في الجزء الأخير من خماسيته عن رفيقته المغربية خديجة المصابة بالجذام ويعتبرها أفضل علاقاته على الإطلاق لأنها كانت تضاجعه دون أن تناقشه عن كتبه ، أو بالأحرى دون أن تعرف أنه كاتب .. هذا الرجل بعد أن بلغ الستينات تعثر في الشارع وسقط ، فضحكت فتاة جميلة كانت تمر بقربه ، ومن لحظتها عرف أن حياته يجب أن تتوقف ، فابتاع مسدساً وتابوتاً ، رقد في التابوت وأطلق عياراً على رأسه بعد أن ترك ورقة صغيرة حول الحادثة ،
هنري ميللر ـ الذي أحب في بداية مراهقته امرأة تكبره بخمس عشرة سنة ، وهو الحب الذي يسميه شفقة : (إنها تجربة حب باعثة على الرثاء لأنها تقوم على الرأفة ولم أكن قادراً على فراقها وذلك رأفة بها ، لا أريد تحطيمها وكل هذا بالنتيجة سيء جداً) ولاحقاً كما يقول كانت نساؤه أصغر منه سناً ـ يتمنى أن يعرف إحساس رجل عظيم رفضته فتاة صغيرة .. لا أعرف إن كان إحساسه مثل زوربا الذي يستمتع بالعلاقات حتى وإن كانت تقوم خارج جسده ، أو مثل فتحي الشويهدي الذي ترى بريق الفرح في عينيه عندما يحدثه آخر عن مغامرة جسدية ، وكأنك تحدث بدوياً عن سقوط أمطار حتى وإن كانت في أرض بعيدة عنه ، أم كان إحساس غوته مثل الطغاة الذين اعتقدُ أن طغيانهم متأتي عن حالات رفض مثل هذه ، هنري ميلر يبدو أنه لم يختبر مثل هذا الشعور ، لذلك أحب أن يقرأه في تجربة عظيم آخر أحس للحظة بأنه جدير بأن يحصل على كل شئ ، كانت ألوهيته تتأتى من منجزه الإبداعي المرتبط بالخلق ، لكن ثمة ألوهية أكثر رهبة وسمواً تنبع من كونك قادراً على أن تحب وبعمق في أي سن من عمرك، حتى وإن كان هذا الحب من طرف واحد ، عندما تحاصر امرأة تعتقد أنها وحيدة بلسانك المعسول وكل ما وهبتك البلاغة والشعر والتجربة ، وترد عليك بهدوء : أنت مثل أخي ، عليك أن تكتشف في هذه الهزيمة أشياء لا تقدر بثمن ، ولا تقارن بهزة سرير، ثمة دائما افتراضات خاطئة يجب أن تصفعك على وجهك ، ويقين يلوي في يدك مثل سلك نحاسي ، كان من البديهي والمنطقي والمسلم به أن تستجيب تلك الفتاة الصغير النكرة لرغبة غوته وتدخل التاريخ ، لكن المنطق يضرب في الصميم ، لأن الفتاة من الممكن أن تعبد غوته دون أن تعطيه روحها ، الروح ملكية خاصة ومنحها حتى للإله يعني فقدانها ، علينا أن نحاصرها داخلنا لننعش بها الجسد ، ونحفر فيها أوهامنا المبجلة . أحب هنري ميلر أن يعرف إحساس غوته ، لكن أحب أنا أن أعرف إحساس تلك الفتاة ، فأحاسيس غوتة نابعة من التاريخ والهالة والسلطة . نحن كثير اً ما نأسف دائماً لزواج غير متوازن ونرجعه لأصله المرضي ، عقدة إلكترا ، أو عقدة أوديب .. يبدو أن الحياة علمتنا التوازن ، والعلاقات المنطقية بشكل يجعلنا نعتبر كل ما ينتهكها مرضاً .. عقدنا مرة ندوة على هامش إحدى المهرجانات ، مجموعة من الكتاب الليبيين والعرب ، وكان المحور الأساسي ؛ أن يحدثنا كل شخص عن تجربته الجنسية الأولى ، وتسعون في المائة من التجارب كانت اغتصاباً في بداية الصبا من نساء ناضجات ، هل يرجع ذلك لضغط مجتمعات الكبت ، أم لعقدة أوديب مقلوبة ، أم للجو الآمن الذي يحيط بهذا الطقس بالنسبة للنساء ، أم لطقس أمومي يختبر نكهة اللذة المحرمة .. ما أعرفه أن التوازن والمنطق يضرب في صميمه ، وأن تجاربنا الأولى لا تخلو من الجنون الذي نستقبله بدهشة يشوبها الخوف .