فتحي مهذب - قتلت أمي.. (المحاكمة السريعة)

حلقوا شعر رأسها المليئ بالكدمات .. أدخلوها إلى غرفة العمليات مثل كائن هلامي على حمالة متحركة..
يتجاذبها قطبان متضادان الضوء والعتمة..
يلاحقها ذئاب المحو بمخالب حادة جدا..عيناها مصوبتان إلى عيني الملطختين بحبر غيمة كثيفة من
الهذيان..
تقول عيناها : يبدو أن العدم أقوى جنودا وعتادا من معسكر الحياة..
إعتن بنفسك جيدا أيها البوهيمي.
إختلفت إلى غرفتها صباح اليوم التالي لم تزل مخدرة حتى أقاصي الروح..شيئا فشيئا طفق الضوء يتبرعم في عينيها..
إن جراحة الرأس محفوفة بالمزالق والمخاطر والعقبات الكأداء..
لكن عينيها المتهدلتين هما وحدهما اللتان تتكلمان ببلاغة وصمت عميقين..
لن أنجو هذه المرة بسهولة..
كنت أسقيها حليبا طازجا معتقدا أن له أثرا كبيرا في رفدها بضرب من التغذية السريعة الفاعلة بينما
هذه المادة الملعونة لم تذهب إلى مستقر معدتها كم كان يخيل إلي..
بل غيرت مجراها إلى قصبة التنفس وعلى غرة إختنقت( ن)
فيما عيناها ظلتا مرشوقتين في معدن اللاشيئ كعيني تمثال قد من البرونز الخالص..
رأيت حمامة بيضاء جميلة تزرب من ذؤابة رأسها مثل طيف ..
بينما صعدت روحي مهرولة إلى قاعة المحاكمات داخل قصر العدالة في ضاحية ضميري الملعون..
لقد قتلت أمي على وجه الخطأ..
أنا مجرم أبله يستأهل الموت بطريقة قتل الرومان للأسرى المتورطين .
مثل غيمة حزينة ظللت منتظرا
صدور الحكم..
تعلن محكمة الضمير بإلقائك طعاما مستساغا لوحوش رومانية قرمة..
تبخرت مثل جمرة في النزع الأخير..
أذكر أن خفافيش صدى هاجتمني من جهة الرأس بطريقة شاقولية..
حقا أنت مجرم..
قوضت كل ما قام به الأطباء لطرد شبح الموت من عقر جسدها الناحل..
ستظل ملعونا مدحورا إلى أبد الآبدين .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...