نتسلل إلى الرواق الصغير، المكدس بالنساء والصبايا، نرى الفرقة التي تقود الحفل وتبعث في أجواء الحارة صخبًا منغَّمًا على وقع الدفوف والطبول الكبيرة، نرقب هؤلاء اللواتي يرقصن مترنحات، ومعذبات بشبق خفي، في محاولات متكررة، كي يستجيب الضيف المجهول. إحداهن، تعتمر طربوشًا داكن الحمرة، كشارة رمزية لجذب عاشق هذا الجسد المدكوك.
الرجال السود يضبطون الإيقاع بمهارة، أعينهم معلقة بإيحاءات (الكودية) تلك المرأة التي تقودهم. لقد أمرت بهذا اللحن، ربما كان المحب تركيًّا، عاملة على استرضائه بمحاكاة تقاليد بلاده. "الحاجة" كانت كنيتها المستعارة، أما اسمها الحقيقي فلا أحد يعرفه.
التشنجات الحادة تنتاب بعضهن، قبل انطراحهن أرضًا، رافسات الهواء بأيديهن وأرجلهن، متحولات إلى جثث منهكة نتيجة هذا السقوط، الذي يبدو مفتعلًا في معظمه، لكنه يمثل متعة بصرية مقرونة بالجمال الوحشي، الذي تجري وقائعه على نحو فولكلوري خالص: ذبائح، ولائم، قرابين متنوعة لترضية سدنة الكائنات الهلامية، طلبات عسيرة المنال، لكنها تقدم ببذخ رغم التعسف. خروف لونه بني محروق، ذو عينين زرقاوين لكنه محروم من الحنان، عجل صغير يعيش تجربة هوى قاتم، أو ذكر بط، أبيض اللون، وذو منقارلونه أحمر مشبع برائحة الصندل، ومحشو بنثارات حجر جهنم.
واحدة منهن، تندمج في هذه الرقصات اللاهثة، متمنية في قرارة نفسها، أن تكون معشوقة لأحد ذكور هذا العالم، حتى تؤكد للجميع، بطريقة ما، أنها مرغوبة بقوة من الإنس والجن، وعلى قدر كافٍ من الأنوثة. القلق متجمد، وبادٍ على وجوه أسرة المريضة، فتكتيكات الردع غير متوافرة على نحو يبث الطمأنينة حيال هذا المتيم، الذي قد يقتحم المكان في أي لحظة عبر هذا التعلق بالحلول الفريدة، وهو ما قد حدث، عندما ظهر جني شرس، وأعلن عن حضوره العاصف، ولكن من خلال إحدى المدعوات التي انضمت إلى (الزَّار) مصادفة تحت إلحاح وضغط أمها، كان حضورًا بالغ العنف، أطاح بكل شيء أمامه، أطفأ المصابيح، ودمر الدفوف والطبول، طارد الفرقة، وجعلهم يفرون وهم يبرطمون بلغات غريبة.
المرأة التي أقيمت من أجلها الاحتفالية، أفاقت من ذهولها الزائف ومن حالة الوجد والمرض المرسومين على ملامحها، تجمد الدم في عروقها، فارقها الكرب، وسيماء الوحدة والانعزال، و تلك الانفعالات المصطنعة التي كانت تغذي تصرفاتها طوال الوقت، كأسيرة لهذا العالم، وراحت تسرع مع الريح، باحثة عن الضوء، وهى تتقافز مذعورة، كأنها تطأ أرضًا من الجمر، بينما تهدر في أذنيها دقات طبول صاخبة، كصدى مرعب لزلزال.
www.facebook.com
4
الرجال السود يضبطون الإيقاع بمهارة، أعينهم معلقة بإيحاءات (الكودية) تلك المرأة التي تقودهم. لقد أمرت بهذا اللحن، ربما كان المحب تركيًّا، عاملة على استرضائه بمحاكاة تقاليد بلاده. "الحاجة" كانت كنيتها المستعارة، أما اسمها الحقيقي فلا أحد يعرفه.
التشنجات الحادة تنتاب بعضهن، قبل انطراحهن أرضًا، رافسات الهواء بأيديهن وأرجلهن، متحولات إلى جثث منهكة نتيجة هذا السقوط، الذي يبدو مفتعلًا في معظمه، لكنه يمثل متعة بصرية مقرونة بالجمال الوحشي، الذي تجري وقائعه على نحو فولكلوري خالص: ذبائح، ولائم، قرابين متنوعة لترضية سدنة الكائنات الهلامية، طلبات عسيرة المنال، لكنها تقدم ببذخ رغم التعسف. خروف لونه بني محروق، ذو عينين زرقاوين لكنه محروم من الحنان، عجل صغير يعيش تجربة هوى قاتم، أو ذكر بط، أبيض اللون، وذو منقارلونه أحمر مشبع برائحة الصندل، ومحشو بنثارات حجر جهنم.
واحدة منهن، تندمج في هذه الرقصات اللاهثة، متمنية في قرارة نفسها، أن تكون معشوقة لأحد ذكور هذا العالم، حتى تؤكد للجميع، بطريقة ما، أنها مرغوبة بقوة من الإنس والجن، وعلى قدر كافٍ من الأنوثة. القلق متجمد، وبادٍ على وجوه أسرة المريضة، فتكتيكات الردع غير متوافرة على نحو يبث الطمأنينة حيال هذا المتيم، الذي قد يقتحم المكان في أي لحظة عبر هذا التعلق بالحلول الفريدة، وهو ما قد حدث، عندما ظهر جني شرس، وأعلن عن حضوره العاصف، ولكن من خلال إحدى المدعوات التي انضمت إلى (الزَّار) مصادفة تحت إلحاح وضغط أمها، كان حضورًا بالغ العنف، أطاح بكل شيء أمامه، أطفأ المصابيح، ودمر الدفوف والطبول، طارد الفرقة، وجعلهم يفرون وهم يبرطمون بلغات غريبة.
المرأة التي أقيمت من أجلها الاحتفالية، أفاقت من ذهولها الزائف ومن حالة الوجد والمرض المرسومين على ملامحها، تجمد الدم في عروقها، فارقها الكرب، وسيماء الوحدة والانعزال، و تلك الانفعالات المصطنعة التي كانت تغذي تصرفاتها طوال الوقت، كأسيرة لهذا العالم، وراحت تسرع مع الريح، باحثة عن الضوء، وهى تتقافز مذعورة، كأنها تطأ أرضًا من الجمر، بينما تهدر في أذنيها دقات طبول صاخبة، كصدى مرعب لزلزال.
صابر رشدي
صابر رشدي ist bei Facebook. Tritt Facebook bei, um dich mit صابر رشدي und anderen Nutzern, die du kennst, zu vernetzen. Facebook gibt Menschen die Möglichkeit, Inhalte zu teilen und die Welt...
4