لا أحتاجُ إلى ورقةٍ وحبرٍ سائلٍ كي أكتبَ عنها
ما دمتُ أكتبُ تنهدَّاتي على الهواءِ المتردِّدِ بيننا
وأُوزِّعُ الأحلامَ على الأشجارِ
فيما هيَ تتصدَّقُ على الشعراءِ الكذبةِ بتفاؤلها السخيِّ
وبالمدائحِ المغلَّفةِ بسيلوفان الهجاءِ
ليستْ امرأةً بطابقينِ
وربَّما تحملُ شبهاً غامضاً من ليلى العامريَّةِ
لكنها طويلةٌ كبحورِ قيسِ بن الملوَّحِ
وأجملُ ما فيها عناقيدها وشرفاتها
*
تجمعُنا عُزلةٌ في القصائدِ كونيَّةٌ
وتفرِّقُنا لهفةٌ في الأصابعِ..
قالَ الوحيدُ: الرمادُ الحياديُّ يفصلُ ما بيننا..
ردَّتْ امرأةٌ: لا تغبْ عن شفاهي ولو لحظةً
إنَّ أحلى الحدائقِ مسكونةٌ بالزوابعِ
والقلبُ مشتعلٌ برذاذِ الحياةِ ونثرِ التعبْ
خُذْ سمائي الخفيضةَ
خُذْ عنبَ الليلِ عنِّي
وتوتَ البراري
وشهدَ طريقِ الذهبْ
*
أتذكَّرُ الأحلامَ مشغوفاً وُلدتُ بأوَّلِ الأنهارِ
بالشجرِ الأحنِّ عليَّ من صدرٍ وخاصرةٍ
وبالمطرِ الخفيفِ وبالصباحاتِ الكسولةِ في الخريفِ..
بجملةٍ شعريَّةٍ تذوي لتنضجَ في القصيدةِ
بالفخاخِ وبالطيورِ..
بسندبادٍ وهو يشعلُ دمعةً في ريحهِ الخضراءِ
بالمعنى المراوغِ.. بالمجازِ وتورياتِ الحُبِّ
أو بمخيَّلاتِ العابرينَ نظيفةً وشفيفةً
كعبارةٍ صيفيَّةِ الرؤيا..
كأوَّلِ قُبلةٍ في الأرضِ تتركُ سرَّها الشبقيَّ في جسدينْ
*
السعادةُ أن تخبِّئَ في نصفِ قلبكَ
سمكةً ضلَّتْ طريقها في الصحراءِ
وتضعَ زهرةَ غاردينيا حمراءَ في النصفِ الآخرِ
أن تقرأَ الوجوهَ العارية وأقراصَ عبَّادِ الشمسِ
قبلَ القصائدِ والرواياتِ والفواتيرِ الليليَّةِ
أن ترسمَ همَّكَ القديمَ على جدارِ الحلمِ
وتحضنهُ كمن يحضنُ نهراً في لوحةٍ
السعادةُ أنوثةٌ تركتها مدام بوفاري في السريرِ
وقُبلةٌ عجنتها بطمي الحياةِ فلَّاحةٌ شرقيَّة
*
أكتبُ عن لهفةِ الغرباءِ إلى البيتِ
عن وحمِ الكائناتِ التي التحفتْ بالظلامِ
عن القططِ المستهامةِ في ليلِ فبرايرَ المتسكِّعِ
تحتَ الشتاءِ بنعلٍ من الوردِ
أكتبُ عن نزقِ الشعراءِ وعن طيشهم في الكهولةِ
عن قهوةٍ.. كيفَ تشربها الشمسُ موشومةً بالضبابِ وبالريحِ
عن بصمةٍ في قصائدَ من غيرِ اسمٍ
وعن كلِّ شيءٍ..
فتحضرَ في لغتي امرأةٌ من سرابِ الكنايةِ
تطردَ عن شفتي المفرداتُ التي لا تشيرُ لقمصانها
كي تظلَّ بمفردها في الكلامِ
وكي لا تنامَ ضفائرها
بينَ متنِ الهديلِ وهامشِ يقظتها في هبوبِ الحمامْ
*
أنتِ لا تُكتبينَ ولا تُرسمينَ ولا تُشربينَ على عجلٍ
مثلَ قهوةِ هذا الصباحِ الخفيفِ على القلبِ
لا تقنعينَ بنصفِ معلَّقةٍ فيكِ
لا تكتفينَ بمدحِ ضفيرةِ ذيلِ الحصانِ
وسرِّ ابتسامتكِ الذهبيَّةِ
كامرأةٍ تتململُ من مطرٍ في الغناءِ
ومن عمرها والرجالِ ومن حيرةِ الأربعينْ
*
من أوَّلِ الحبرِ في أقصى المجرَّةِ.. من
شتاءِ جلجامشِ المنسيِّ، أنفضُ عن
شفاهِ عشتارَ أحلامَ الغبارِ كمن
يُغمى عليهِ من الرؤيا ليصعدَ في
معارجِ الأرقِ الصافي.. يغالبهُ
سهدُ الحياةِ، وجسمٌ يستوي حُلُما
ليتَ الفتى مطرٌ.. ليتَ الترابَ سما
*
أُصغي لصرخةِ شاعرٍ قبلي
كمن يُصغي إلى مطرٍ
وأنسجُ من تأمُّلٍ وردةٍ لغتي
ومن قُبَلي قميصكِ كيْ أدلَّ على فمي في الليلِ
أو أمشي على هديِ الكناياتِ البعيدةِ في خطاكِ..
قميصُكِ الشغفيُّ ليسَ يكادُ يُخفي ملتقى النهدينِ
ليسُ يضيءُ غيرَ يديَّ في هذا الخواءِ
كأنهُ الشمسُ التي تنحلُّ أو تجري عميقاً
في رخامِ الليلِ أو وجعِ الكلامْ
*
في الطابقِ الأرضيِّ من دهليزِ مستشفى
مريضٌ دائمُ الدورانِ حولَ البحرِ أو حيفا
يقولُ: حبيبتي ضَخُّوا دمَ الأزهارِ في يدها النحيلةِ
فاستوى جسدي لها وطنا يعانقها
وروحي أصبحتْ في جسمها منفى
*
صديقةُ ليلِ امرئ القيسِ تبحثُ عن نفسها في قصائدهِ
ها هيَ الآنَ تقبسُ جمرتهُ ثمَّ تدخلُ في ظبيةٍ تستريحُ
من الولهِ الجاهليِّ قليلاً لتكملَ دورتَها
وتعلِّقَ زينتها وهواها على مشجبِ العائلةْ
معلَّقةٌ تخلعُ الماءَ عنها وتخرجُ من ثوبِ حوريَّةٍ
كيْ تنادي على نجمةٍ آفلةْ
طريقٌ / سرابٌ إلى قيصرِ الرومِ
محفوفةٌ بغناءِ الذئابِ وتسلكها رغبةٌ ذابلةْ
*
نورسٌ خائفٌ في ضفيرةِ إحدى النساءِ
يُفتِّشُ عن أوَّلِ البحرِ أو آخرِ الاشتهاءِ
قصائدُ نثرٍ نسائيِّةٌ لاصطيادِ الرجالِ
تفتِّشُ في رغوةِ الحبرِ عن سروةٍ في الشتاءِ
كمنجةُ ليلٍ تُفتِّشُ عن أثرِ الحُبِّ فوقَ ثيابِ السماءِ
صدى شعراءٍ يتامى يُفتِّشُ عن صوتهِ
في ندا كلِّ أُمٍّ على طفلها..
طائرٌ جائعٌ في شفاهِ الوحيدِ يُفتِّشُ عن حبَّتيْ توتٍ
الصيفُ أغلقَ أبوابهُ واستراحَ
لعلَّ الجراحَ الخفيَّةَ في النايِ تغفو على حجرٍ
وتعلِّمني كيفَ أكتبُ عن زهرةِ البرتقالِ
وعن قُبلةٍ في الهواءْ
*
أُخبِّئُ قصائدَ آنا أخماتوفا
وصوتها الناريَّ المعجونَ بالنعناعِ والثلجِ
في معطفي المطريِّ
كامرأةٍ تخبِّئُ شامةً من ضوءٍ أسودَ
أو حبَّةَ هالٍ في صدرها
أُشبهُ عصفوراً مراهقاً
وقصائدُ آنا غالباً ما تقيني بردَ ديسمبرَ
أو نظراتِ النساءِ المصاباتِ بالانفلونزا
أو بالشبقِ والسُعارِ الموسميِّ
لن أمسَّ وجوههنَّ بآهةٍ
طالما في البيوتِ والمشافي البعيدةِ نسوةٌ غيرهنَّ
يتأوَّهنَ من وطأةِ عذابِ الحياةِ
*
حياتي قصيدةٌ عن امرأةٍ تهوي في ثقبٍ أسودَ
أو في هاويةِ روايةٍ منسيَّةٍ لهمنغواي
لم أُصادقْ سوى صوتها الأجشِّ كنايٍ محترقٍ
ولم أنتظرْ موتها المفاجئَ بمرضٍ غامضٍ
لأرثيها رثاءَ الشعراءِ للأُمَّهاتِ
هيَ ضيِّقةٌ كرغبتها بالتدخينِ تحتَ المطرِ
وقلبي متَّسعٌ كقبلةٍ تتمدَّدُ في نهايةِ الكونِ
*
أصطادُ موسيقى برائحةِ النصاعةِ
كيْ أشمَّ كثعلبٍ خطوَ الكمنجةِ في الرياحِ
وعندَ أطرافِ الأصابعِ
أو أقولَ لغائبٍ عني: أعدني لاحتمالاتِ الغناءِ
لأنَّ للأشجارِ ذاكرةً تحنُّ إلى تقاسيمِ الشتاءِ
*
أعودُ إلى غرفتي في الظهيرةِ
كيما أُعدِّلَ مجرى شتاءِ القصيدةِ
أو أُرهفَ السمعَ للصدَفِ المتراكمِ في صورةِ البحرِ
وهو يقولُ لإحدى العذارى: أُرقصي في المطرْ
ليبتلَّ ظهركِ بالملحِ أو بأغاني الرعاةِ القدامى..
أعودُ إلى لوحتي آخرَ الليلِ كيما أُغيِّرَ شكلَ الغيومِ
التي تمضغُ العشبَ كالماعزِ الجبليِّ
وكيما أُتمِّمَ طقسَ تيمُّمِ حوريَّةٍ بالحجَرْ
أعودُ لأكتبَ عن نسوةٍ في المدينةِ
يشربنَ قهوتهنَّ على شرفةِ الشمسِ ليلاً
وتمتدُّ أمواجهنَّ لمحوِ كلامِ النهارِ
الذي كتبتهُ رمالُ الضجَرْ
*
لستُ من الشعراءِ الطواويسِ إذ يرقصونُ لجذبِ العيونِ
ويستعرضونَ على الأُخرياتِ الحزيناتِ ريشَ المذلَّةِ
لستُ أبيعُ الأغاني على العابرينَ العجالى لتدبيرِ بعضِ شؤونِ الحياةِ
تعبتُ وجيتارتي صخرتي والأغاني القصيرةُ أجملُ ما في فمي
وحياتي لهاثٌ لأجنحةِ الطيرِ يعلو ويخفقُ فوقَ سنابلِ ليلِ المجازِ
وأشرعةٌ قدَّها السندبادُ لمجرى الرياحِ التي في دمي
*
العاطلونَ من الرجالِ عن المحبَّةِ ها هنا كثرٌ
تقولُ المرأةُ العمياءُ في المشفى:
أضأتُ لهُ الأصابعَ كالشموعِ سُدىً وأهداني الظلامَ
تقولُ أُخرى: هدَّني فكسحتُ
لا مطرٌ لأرقصَ فيهِ
أو لأُكحِّلَ الأشجارَ بالسُهدِ الشتائيِّ الطويلِ
ولا حبيبَ لكيْ أُعانقهُ فأركضَ
أو أُصدِّقهُ فتحملني من الأحلامِ ريحُ
العاطلونَ همو الإضافيُّونَ في كلِّ الفصولِ
قلوبهم حطبٌ..
ولا ضلعٌ نسائيٌّ يقوِّمهم ولا نثرٌ جريحُ
*
أُخفي عن الغرباءِ رائحةَ الدموعِ
كمن تخبِّئُ أرنبينِ بصدرها
وأقولُ: لا تأمنْ لشاعرةٍ
تُربِّي جرحَها بجمالها الفاني
وتنهرُ كلَّ يومٍ ظامئينَ مُضلَّلينَ
من السُرى عن بئرها
يهتاجُ مثلَ فراشةٍ ناريَّةٍ فمها
وتتركُ في القصائدِ والكؤوسِ
ثمالةً من شَعرها أو خمرها
*
لم تتغيَّر بعدكَ امرأةٌ
(إلى بدر شاكر السيَّاب)
عشبٌ طريٌّ على خدِّ القصيدةِ..
لا أكادُ أمسحُهُ بالضوءِ أو بندى
ذرى النخيلِ فلا تبعدْ.. بويبُ سرى في الليلِ..
والأرقُ المائيُّ مؤتلقُ
من التأمُّلِ في عينينِ.. بحرهما
كأنَّهُ من عذابِ القلبِ يحترقُ
لا شيءَ.. لم تمتِ الأُنثى بقلبكَ أو قلبي
ولم تتغيَّرْ بعدكَ امرأةٌ
أضاءها شغفُ الغاوينَ والحبقُ
حزني طويلٌ كأحلامِ الضفائرِ أو
كغابةِ الحورِ.. سهمٌ في دمائيَ من
أعلى غنائكَ يأتيني.. ومن مطرٍ
لقهقهاتِ الصبايا السُمرِ ينبثقُ
*
ما دمتُ أكتبُ تنهدَّاتي على الهواءِ المتردِّدِ بيننا
وأُوزِّعُ الأحلامَ على الأشجارِ
فيما هيَ تتصدَّقُ على الشعراءِ الكذبةِ بتفاؤلها السخيِّ
وبالمدائحِ المغلَّفةِ بسيلوفان الهجاءِ
ليستْ امرأةً بطابقينِ
وربَّما تحملُ شبهاً غامضاً من ليلى العامريَّةِ
لكنها طويلةٌ كبحورِ قيسِ بن الملوَّحِ
وأجملُ ما فيها عناقيدها وشرفاتها
*
تجمعُنا عُزلةٌ في القصائدِ كونيَّةٌ
وتفرِّقُنا لهفةٌ في الأصابعِ..
قالَ الوحيدُ: الرمادُ الحياديُّ يفصلُ ما بيننا..
ردَّتْ امرأةٌ: لا تغبْ عن شفاهي ولو لحظةً
إنَّ أحلى الحدائقِ مسكونةٌ بالزوابعِ
والقلبُ مشتعلٌ برذاذِ الحياةِ ونثرِ التعبْ
خُذْ سمائي الخفيضةَ
خُذْ عنبَ الليلِ عنِّي
وتوتَ البراري
وشهدَ طريقِ الذهبْ
*
أتذكَّرُ الأحلامَ مشغوفاً وُلدتُ بأوَّلِ الأنهارِ
بالشجرِ الأحنِّ عليَّ من صدرٍ وخاصرةٍ
وبالمطرِ الخفيفِ وبالصباحاتِ الكسولةِ في الخريفِ..
بجملةٍ شعريَّةٍ تذوي لتنضجَ في القصيدةِ
بالفخاخِ وبالطيورِ..
بسندبادٍ وهو يشعلُ دمعةً في ريحهِ الخضراءِ
بالمعنى المراوغِ.. بالمجازِ وتورياتِ الحُبِّ
أو بمخيَّلاتِ العابرينَ نظيفةً وشفيفةً
كعبارةٍ صيفيَّةِ الرؤيا..
كأوَّلِ قُبلةٍ في الأرضِ تتركُ سرَّها الشبقيَّ في جسدينْ
*
السعادةُ أن تخبِّئَ في نصفِ قلبكَ
سمكةً ضلَّتْ طريقها في الصحراءِ
وتضعَ زهرةَ غاردينيا حمراءَ في النصفِ الآخرِ
أن تقرأَ الوجوهَ العارية وأقراصَ عبَّادِ الشمسِ
قبلَ القصائدِ والرواياتِ والفواتيرِ الليليَّةِ
أن ترسمَ همَّكَ القديمَ على جدارِ الحلمِ
وتحضنهُ كمن يحضنُ نهراً في لوحةٍ
السعادةُ أنوثةٌ تركتها مدام بوفاري في السريرِ
وقُبلةٌ عجنتها بطمي الحياةِ فلَّاحةٌ شرقيَّة
*
أكتبُ عن لهفةِ الغرباءِ إلى البيتِ
عن وحمِ الكائناتِ التي التحفتْ بالظلامِ
عن القططِ المستهامةِ في ليلِ فبرايرَ المتسكِّعِ
تحتَ الشتاءِ بنعلٍ من الوردِ
أكتبُ عن نزقِ الشعراءِ وعن طيشهم في الكهولةِ
عن قهوةٍ.. كيفَ تشربها الشمسُ موشومةً بالضبابِ وبالريحِ
عن بصمةٍ في قصائدَ من غيرِ اسمٍ
وعن كلِّ شيءٍ..
فتحضرَ في لغتي امرأةٌ من سرابِ الكنايةِ
تطردَ عن شفتي المفرداتُ التي لا تشيرُ لقمصانها
كي تظلَّ بمفردها في الكلامِ
وكي لا تنامَ ضفائرها
بينَ متنِ الهديلِ وهامشِ يقظتها في هبوبِ الحمامْ
*
أنتِ لا تُكتبينَ ولا تُرسمينَ ولا تُشربينَ على عجلٍ
مثلَ قهوةِ هذا الصباحِ الخفيفِ على القلبِ
لا تقنعينَ بنصفِ معلَّقةٍ فيكِ
لا تكتفينَ بمدحِ ضفيرةِ ذيلِ الحصانِ
وسرِّ ابتسامتكِ الذهبيَّةِ
كامرأةٍ تتململُ من مطرٍ في الغناءِ
ومن عمرها والرجالِ ومن حيرةِ الأربعينْ
*
من أوَّلِ الحبرِ في أقصى المجرَّةِ.. من
شتاءِ جلجامشِ المنسيِّ، أنفضُ عن
شفاهِ عشتارَ أحلامَ الغبارِ كمن
يُغمى عليهِ من الرؤيا ليصعدَ في
معارجِ الأرقِ الصافي.. يغالبهُ
سهدُ الحياةِ، وجسمٌ يستوي حُلُما
ليتَ الفتى مطرٌ.. ليتَ الترابَ سما
*
أُصغي لصرخةِ شاعرٍ قبلي
كمن يُصغي إلى مطرٍ
وأنسجُ من تأمُّلٍ وردةٍ لغتي
ومن قُبَلي قميصكِ كيْ أدلَّ على فمي في الليلِ
أو أمشي على هديِ الكناياتِ البعيدةِ في خطاكِ..
قميصُكِ الشغفيُّ ليسَ يكادُ يُخفي ملتقى النهدينِ
ليسُ يضيءُ غيرَ يديَّ في هذا الخواءِ
كأنهُ الشمسُ التي تنحلُّ أو تجري عميقاً
في رخامِ الليلِ أو وجعِ الكلامْ
*
في الطابقِ الأرضيِّ من دهليزِ مستشفى
مريضٌ دائمُ الدورانِ حولَ البحرِ أو حيفا
يقولُ: حبيبتي ضَخُّوا دمَ الأزهارِ في يدها النحيلةِ
فاستوى جسدي لها وطنا يعانقها
وروحي أصبحتْ في جسمها منفى
*
صديقةُ ليلِ امرئ القيسِ تبحثُ عن نفسها في قصائدهِ
ها هيَ الآنَ تقبسُ جمرتهُ ثمَّ تدخلُ في ظبيةٍ تستريحُ
من الولهِ الجاهليِّ قليلاً لتكملَ دورتَها
وتعلِّقَ زينتها وهواها على مشجبِ العائلةْ
معلَّقةٌ تخلعُ الماءَ عنها وتخرجُ من ثوبِ حوريَّةٍ
كيْ تنادي على نجمةٍ آفلةْ
طريقٌ / سرابٌ إلى قيصرِ الرومِ
محفوفةٌ بغناءِ الذئابِ وتسلكها رغبةٌ ذابلةْ
*
نورسٌ خائفٌ في ضفيرةِ إحدى النساءِ
يُفتِّشُ عن أوَّلِ البحرِ أو آخرِ الاشتهاءِ
قصائدُ نثرٍ نسائيِّةٌ لاصطيادِ الرجالِ
تفتِّشُ في رغوةِ الحبرِ عن سروةٍ في الشتاءِ
كمنجةُ ليلٍ تُفتِّشُ عن أثرِ الحُبِّ فوقَ ثيابِ السماءِ
صدى شعراءٍ يتامى يُفتِّشُ عن صوتهِ
في ندا كلِّ أُمٍّ على طفلها..
طائرٌ جائعٌ في شفاهِ الوحيدِ يُفتِّشُ عن حبَّتيْ توتٍ
الصيفُ أغلقَ أبوابهُ واستراحَ
لعلَّ الجراحَ الخفيَّةَ في النايِ تغفو على حجرٍ
وتعلِّمني كيفَ أكتبُ عن زهرةِ البرتقالِ
وعن قُبلةٍ في الهواءْ
*
أُخبِّئُ قصائدَ آنا أخماتوفا
وصوتها الناريَّ المعجونَ بالنعناعِ والثلجِ
في معطفي المطريِّ
كامرأةٍ تخبِّئُ شامةً من ضوءٍ أسودَ
أو حبَّةَ هالٍ في صدرها
أُشبهُ عصفوراً مراهقاً
وقصائدُ آنا غالباً ما تقيني بردَ ديسمبرَ
أو نظراتِ النساءِ المصاباتِ بالانفلونزا
أو بالشبقِ والسُعارِ الموسميِّ
لن أمسَّ وجوههنَّ بآهةٍ
طالما في البيوتِ والمشافي البعيدةِ نسوةٌ غيرهنَّ
يتأوَّهنَ من وطأةِ عذابِ الحياةِ
*
حياتي قصيدةٌ عن امرأةٍ تهوي في ثقبٍ أسودَ
أو في هاويةِ روايةٍ منسيَّةٍ لهمنغواي
لم أُصادقْ سوى صوتها الأجشِّ كنايٍ محترقٍ
ولم أنتظرْ موتها المفاجئَ بمرضٍ غامضٍ
لأرثيها رثاءَ الشعراءِ للأُمَّهاتِ
هيَ ضيِّقةٌ كرغبتها بالتدخينِ تحتَ المطرِ
وقلبي متَّسعٌ كقبلةٍ تتمدَّدُ في نهايةِ الكونِ
*
أصطادُ موسيقى برائحةِ النصاعةِ
كيْ أشمَّ كثعلبٍ خطوَ الكمنجةِ في الرياحِ
وعندَ أطرافِ الأصابعِ
أو أقولَ لغائبٍ عني: أعدني لاحتمالاتِ الغناءِ
لأنَّ للأشجارِ ذاكرةً تحنُّ إلى تقاسيمِ الشتاءِ
*
أعودُ إلى غرفتي في الظهيرةِ
كيما أُعدِّلَ مجرى شتاءِ القصيدةِ
أو أُرهفَ السمعَ للصدَفِ المتراكمِ في صورةِ البحرِ
وهو يقولُ لإحدى العذارى: أُرقصي في المطرْ
ليبتلَّ ظهركِ بالملحِ أو بأغاني الرعاةِ القدامى..
أعودُ إلى لوحتي آخرَ الليلِ كيما أُغيِّرَ شكلَ الغيومِ
التي تمضغُ العشبَ كالماعزِ الجبليِّ
وكيما أُتمِّمَ طقسَ تيمُّمِ حوريَّةٍ بالحجَرْ
أعودُ لأكتبَ عن نسوةٍ في المدينةِ
يشربنَ قهوتهنَّ على شرفةِ الشمسِ ليلاً
وتمتدُّ أمواجهنَّ لمحوِ كلامِ النهارِ
الذي كتبتهُ رمالُ الضجَرْ
*
لستُ من الشعراءِ الطواويسِ إذ يرقصونُ لجذبِ العيونِ
ويستعرضونَ على الأُخرياتِ الحزيناتِ ريشَ المذلَّةِ
لستُ أبيعُ الأغاني على العابرينَ العجالى لتدبيرِ بعضِ شؤونِ الحياةِ
تعبتُ وجيتارتي صخرتي والأغاني القصيرةُ أجملُ ما في فمي
وحياتي لهاثٌ لأجنحةِ الطيرِ يعلو ويخفقُ فوقَ سنابلِ ليلِ المجازِ
وأشرعةٌ قدَّها السندبادُ لمجرى الرياحِ التي في دمي
*
العاطلونَ من الرجالِ عن المحبَّةِ ها هنا كثرٌ
تقولُ المرأةُ العمياءُ في المشفى:
أضأتُ لهُ الأصابعَ كالشموعِ سُدىً وأهداني الظلامَ
تقولُ أُخرى: هدَّني فكسحتُ
لا مطرٌ لأرقصَ فيهِ
أو لأُكحِّلَ الأشجارَ بالسُهدِ الشتائيِّ الطويلِ
ولا حبيبَ لكيْ أُعانقهُ فأركضَ
أو أُصدِّقهُ فتحملني من الأحلامِ ريحُ
العاطلونَ همو الإضافيُّونَ في كلِّ الفصولِ
قلوبهم حطبٌ..
ولا ضلعٌ نسائيٌّ يقوِّمهم ولا نثرٌ جريحُ
*
أُخفي عن الغرباءِ رائحةَ الدموعِ
كمن تخبِّئُ أرنبينِ بصدرها
وأقولُ: لا تأمنْ لشاعرةٍ
تُربِّي جرحَها بجمالها الفاني
وتنهرُ كلَّ يومٍ ظامئينَ مُضلَّلينَ
من السُرى عن بئرها
يهتاجُ مثلَ فراشةٍ ناريَّةٍ فمها
وتتركُ في القصائدِ والكؤوسِ
ثمالةً من شَعرها أو خمرها
*
لم تتغيَّر بعدكَ امرأةٌ
(إلى بدر شاكر السيَّاب)
عشبٌ طريٌّ على خدِّ القصيدةِ..
لا أكادُ أمسحُهُ بالضوءِ أو بندى
ذرى النخيلِ فلا تبعدْ.. بويبُ سرى في الليلِ..
والأرقُ المائيُّ مؤتلقُ
من التأمُّلِ في عينينِ.. بحرهما
كأنَّهُ من عذابِ القلبِ يحترقُ
لا شيءَ.. لم تمتِ الأُنثى بقلبكَ أو قلبي
ولم تتغيَّرْ بعدكَ امرأةٌ
أضاءها شغفُ الغاوينَ والحبقُ
حزني طويلٌ كأحلامِ الضفائرِ أو
كغابةِ الحورِ.. سهمٌ في دمائيَ من
أعلى غنائكَ يأتيني.. ومن مطرٍ
لقهقهاتِ الصبايا السُمرِ ينبثقُ
*