جلسَ بفخرٍ متعالٍ لا يناسب إخفاقاته المتكرّرة التي كبدّته خسائر جسيمة بالتّرقيات وساعات عمل إضافية مجانية حدّ تسلّخ إبطيه ، وتعفّن أصابع قدميه في حذائه الرّسميّ العتيد ، ولكن هذه هي لحظة الانتصار المنتظرة ، رقصّ رجلاً فوق رجل ، وقال بثقـةٍ فضفاضةٍ تناسب ابتسامـة شدقيه : " هذا هـو الدّليل " رفـع المدير حاجبيه ثم قطبهما دون مبالاةٍ ، وقال : " الدليل على ماذا ؟ "
قال باعتزاز من حلّق فوق سوامق الجبال ووطئ الغيوم بقدميه : " الدليل على أنّ ابن زريق لم يمت ".
هزّ المدير رأسه ، وطوّح كتفيه كناية عن أمرٍ لم يفهمه الموظّف ، وقال : " من هو ابن زريق هذا ؟ "
-" صاحب القصيدة العينيّة الشّهيرة ".
-" أيّ عينّية ؟ ". سأل المدير بصبر فارغ وتقزّزٍ.
أجاب الموظّف بحماس طفلٍ مدرسيّ ، وانتصب على قدميه ، وضمّ فخداً إلى الآخر ، وشدّ معدته بزفير عميق ، وقال جاحظ العينين يبذل جهدًا كي لا ينسى ما حفظ :
الذي قال :
" لا تعذليه إنّ العذل يولعه
قد قلتِ حقًا و لكن ليـس يسمعه
جاوزتِ في لومه حدًّا أضرّ
به من حيث قدّرتْ أنّ اللوم ينفعه
فاستعملي الرّفق في تأنيبه بدلاً
من لومه فهو مُضنى القلب موجعه "
قال المدير باستهزاء بادٍ : " وماذا قال أيضًا ؟ "
قال :
" وإنْ تنلْ أحدًا منا منيته
فما الذي بقضاء الله نصنعه "
نقر المدير بأصابعه ذات الأصابع الشّجريّة السّمينة على زجاج مكتبه ، وقـال : " كفاك يا رجل : مَنْ هو ابن زريق هذا ؟ "
-" هو ابن زريق البغدادي ؟ "
سأل المدير وهو يراود غضبًا يكاد يسحقه. " ومن هو ابن زريق البغدادي هذا ؟ أهو عميل عندنا أم موظّف ؟ تكلّم سريعًا لا وقت عندي أبدّده عليك وعليه ".
-قهقه الموظّف قهقهة مصنوعة بدقة ، وقال : " بل هو لص كبير ، أراد أن يخدعنا ، بل ويخدع كلّ النّاس والتّاريخ والشّعر الجميل وآلاف العصافير ، وجعل من القصيدة التي أسمعتكَ مطلعها طريقه إلى ذلك ، لقد أثبتتْ تحرياتي السّريّة أنّه كان شاعرًا مغمورًا وعاشقًا لعوبًا وتاجرًا فاشلاً في بغداد ،وبعد تحريرها على أيدي أمريكا الفاتحة بعد قرون من احتلال العراقيين لها قرّر أن يركب الموجة ، ويخدع الجميع ، ويستغلنا نحن الأمريكيين الطيبين ، أمّن على حياته في فرع شركتنا في دارفور ، ثم تسلّل بشكل غير شرعي إلى إسبانيا ، وادّعى أنّها الأندلس ، وموطن الأجداد العرب ، وأعدّ العدّة ، وكتب هذه القصيدة المسروقة من متحف اللّوفر منذ وفاة صموئيل شامير الذي كتبها عن معاناة شعبه إبّان محارق النازيين له ، ومثّل دور الميت حزنًا وكمدًا وهمًا ، ودُفن في فناءٍ مجهول ، ثم جاءت زوجته اللّئيمة لتطالب بقيمة التّأمين على حياته بعد أن نشرتْ قصيدته المسروقة على الإنترنت ، فتغنّى بها العرب ، وطربتْ لها رمال الصحراء ، وسار بها الحداة وعازفو الربّابة. وللحقّ كادتْ تخدعنا ، وتحصل على التأمين لتسعد به وذلك اللئيم ، لكن ذكائي بل وخبثي وأنفي الحسّاس لكلّ خداع كشف حيلته ، وعرف أنّ موته ليس أكثر من إقامة مشروطة في القبر إلى حين انتهاء مدة عقوبة فقره ، وأنّ زوجته اللئيمة بدأت تخيط من خوص دجلة والفرات غيومًا متلبّدة ، وكدت أسمع صريخ الرّعد ، وأرى وهج البرق ، لكن في اللّحظة المناسبة اسيقظ صموئيل من قبره ، وأعلن ملكيته للعينيّة ، وفضح أكاذيب ابن زريق ذلك الأعرابي الجلف السّارق ، عندها قبضتُ بمساعدة قوات التّحرير الأمريكيّة على ابن زريق متلبسًا بالموت في قبره ، وألزمناه بالغرامات ، وحرّمنا عليه قول كلمة " علوج " ، وإلى الأبد.
صمتْ الموظّف ليرى أثر كلامه على وجه مديره الذي راعه مدى الشبه بين قسماته وأحافير وجه خنزيره " بولي " ثم ازدرد ريقه ، وأخذ جرعة ماء من كأسٍ أمامه.
فانتهره المدير قائلاً بتوتر : " ثم ماذا حدث ؟ بدأت أُعجبُ بكَ الموظف الذّكي ".
استأنف الموظف بكبرٍ لا يليق بصفرته الشّاحبة : " ثم استصدرتُ قرارًا قانونيًا عاجلاً نظرًا لمدى تضرّر الشّاعر الملهم صموئيل واستياء قبيلته التائهة في ضفاف بلاد البحيرات بإعدام ابن زريق بقصيدته ".
-" وهل أُعدم بحق ؟ "
-" نعم ، بالتأكيد ".
-" أحسنت وماذا بعد ؟ "
-" استرددتُ من ورثته مال التأمين ، علمًا بأنّنا لم نكن قد دفعناه لهم أصلاً ".
-" رائع. ومن دفعه ؟ "
-" دفعه كلّ عربيّ أحمق حفظ عينيته المسروقة ".
-" رائع !!! وماذا بعد ؟ "
-" وردتني آلاف التقاريـر من مصادر موثوقـة تُفيد بأنّ ابن زريق بحق هذه المـرة لم يمت !!! "
قال باعتزاز من حلّق فوق سوامق الجبال ووطئ الغيوم بقدميه : " الدليل على أنّ ابن زريق لم يمت ".
هزّ المدير رأسه ، وطوّح كتفيه كناية عن أمرٍ لم يفهمه الموظّف ، وقال : " من هو ابن زريق هذا ؟ "
-" صاحب القصيدة العينيّة الشّهيرة ".
-" أيّ عينّية ؟ ". سأل المدير بصبر فارغ وتقزّزٍ.
أجاب الموظّف بحماس طفلٍ مدرسيّ ، وانتصب على قدميه ، وضمّ فخداً إلى الآخر ، وشدّ معدته بزفير عميق ، وقال جاحظ العينين يبذل جهدًا كي لا ينسى ما حفظ :
الذي قال :
" لا تعذليه إنّ العذل يولعه
قد قلتِ حقًا و لكن ليـس يسمعه
جاوزتِ في لومه حدًّا أضرّ
به من حيث قدّرتْ أنّ اللوم ينفعه
فاستعملي الرّفق في تأنيبه بدلاً
من لومه فهو مُضنى القلب موجعه "
قال المدير باستهزاء بادٍ : " وماذا قال أيضًا ؟ "
قال :
" وإنْ تنلْ أحدًا منا منيته
فما الذي بقضاء الله نصنعه "
نقر المدير بأصابعه ذات الأصابع الشّجريّة السّمينة على زجاج مكتبه ، وقـال : " كفاك يا رجل : مَنْ هو ابن زريق هذا ؟ "
-" هو ابن زريق البغدادي ؟ "
سأل المدير وهو يراود غضبًا يكاد يسحقه. " ومن هو ابن زريق البغدادي هذا ؟ أهو عميل عندنا أم موظّف ؟ تكلّم سريعًا لا وقت عندي أبدّده عليك وعليه ".
-قهقه الموظّف قهقهة مصنوعة بدقة ، وقال : " بل هو لص كبير ، أراد أن يخدعنا ، بل ويخدع كلّ النّاس والتّاريخ والشّعر الجميل وآلاف العصافير ، وجعل من القصيدة التي أسمعتكَ مطلعها طريقه إلى ذلك ، لقد أثبتتْ تحرياتي السّريّة أنّه كان شاعرًا مغمورًا وعاشقًا لعوبًا وتاجرًا فاشلاً في بغداد ،وبعد تحريرها على أيدي أمريكا الفاتحة بعد قرون من احتلال العراقيين لها قرّر أن يركب الموجة ، ويخدع الجميع ، ويستغلنا نحن الأمريكيين الطيبين ، أمّن على حياته في فرع شركتنا في دارفور ، ثم تسلّل بشكل غير شرعي إلى إسبانيا ، وادّعى أنّها الأندلس ، وموطن الأجداد العرب ، وأعدّ العدّة ، وكتب هذه القصيدة المسروقة من متحف اللّوفر منذ وفاة صموئيل شامير الذي كتبها عن معاناة شعبه إبّان محارق النازيين له ، ومثّل دور الميت حزنًا وكمدًا وهمًا ، ودُفن في فناءٍ مجهول ، ثم جاءت زوجته اللّئيمة لتطالب بقيمة التّأمين على حياته بعد أن نشرتْ قصيدته المسروقة على الإنترنت ، فتغنّى بها العرب ، وطربتْ لها رمال الصحراء ، وسار بها الحداة وعازفو الربّابة. وللحقّ كادتْ تخدعنا ، وتحصل على التأمين لتسعد به وذلك اللئيم ، لكن ذكائي بل وخبثي وأنفي الحسّاس لكلّ خداع كشف حيلته ، وعرف أنّ موته ليس أكثر من إقامة مشروطة في القبر إلى حين انتهاء مدة عقوبة فقره ، وأنّ زوجته اللئيمة بدأت تخيط من خوص دجلة والفرات غيومًا متلبّدة ، وكدت أسمع صريخ الرّعد ، وأرى وهج البرق ، لكن في اللّحظة المناسبة اسيقظ صموئيل من قبره ، وأعلن ملكيته للعينيّة ، وفضح أكاذيب ابن زريق ذلك الأعرابي الجلف السّارق ، عندها قبضتُ بمساعدة قوات التّحرير الأمريكيّة على ابن زريق متلبسًا بالموت في قبره ، وألزمناه بالغرامات ، وحرّمنا عليه قول كلمة " علوج " ، وإلى الأبد.
صمتْ الموظّف ليرى أثر كلامه على وجه مديره الذي راعه مدى الشبه بين قسماته وأحافير وجه خنزيره " بولي " ثم ازدرد ريقه ، وأخذ جرعة ماء من كأسٍ أمامه.
فانتهره المدير قائلاً بتوتر : " ثم ماذا حدث ؟ بدأت أُعجبُ بكَ الموظف الذّكي ".
استأنف الموظف بكبرٍ لا يليق بصفرته الشّاحبة : " ثم استصدرتُ قرارًا قانونيًا عاجلاً نظرًا لمدى تضرّر الشّاعر الملهم صموئيل واستياء قبيلته التائهة في ضفاف بلاد البحيرات بإعدام ابن زريق بقصيدته ".
-" وهل أُعدم بحق ؟ "
-" نعم ، بالتأكيد ".
-" أحسنت وماذا بعد ؟ "
-" استرددتُ من ورثته مال التأمين ، علمًا بأنّنا لم نكن قد دفعناه لهم أصلاً ".
-" رائع. ومن دفعه ؟ "
-" دفعه كلّ عربيّ أحمق حفظ عينيته المسروقة ".
-" رائع !!! وماذا بعد ؟ "
-" وردتني آلاف التقاريـر من مصادر موثوقـة تُفيد بأنّ ابن زريق بحق هذه المـرة لم يمت !!! "